الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023
بقلم:إسكندر السلامي(*)
*مستشار جبائي وناشط بالمجتمع المدني مختص في المجال الضريبي والانظمة الضريبية
يبدو أن الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023 الذي أقر صنفا جديدا من الضرائب يتمثل في الضريبة على الثروة العقارية. وحددت نسبة الضريبة على الثروة العقارية بـ0,5% توظف على ممتلكات الأشخاص الطبيعيين وأملاك أبنائهم القصر الذين هم في كفالتهم والتي تبلغ قيمتها 3مليون دينار. وقد أثارت الضريبة على الثروة العقارية عدة تساؤلات وردود فعل حول مدى استجابتها لمفهوم العدالة الضريبية. ومن بين المواقف المعترضة على الضريبة على الثروة العقارية ما يستند إلى مصادر تمويل العقارات المعنية والمتكونة من مداخيل سبق وأن خضعت للضريبة. بالإضافة لخضوع العقارات لدفع المعاليم البلدية وهي أداءات بلدية تحتسب بالاعتماد على القيمة التجارية للعقار بالاستناد إلى ثمن مرجعي للمتر المربع تحدده البلدية ضمن قرار تصدره وتنشره.
ومن بين الاشكاليات التي تطرحها ضريبة الثروة العقارية غياب مرجع معلوم لتحديد قيمة العقارات المطلوب التصريح بها. ذلك أن وزارة المالية لم تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير الوسائل والمراجع التي تمكن المطالب بدفعها من احتساب قيمة ممتلكاته والقيام بواجبه بطريقة امنة وتمكينه من معرفة ما إذا كان معنيا بواجب التصريح بهذه الضريبة ودفعها أم لا. ذلك أنه كان بإمكان وزارة المالية أن توفر مراجع لتحديد القيمة التجارية للعقارات على غرار ما توفره البلديات لاحتساب المعاليم البلدية الموظفة على العقارات وحتى يتسنى للمعنيين بهذه الضريبة الجديدة تقدير قيمة عقاراتهم والقيام بتصاريحهم. وهو ما يطرح مرة أخرى مسألة التطبيق العادل لهذه الضريبة من حيث مدى توفر الوسائل اللازمة لاحتسابها وأدائها وضمان قدرتهم على ذلك.
وتعرف المنظومة الضريبية التونسية عددا هائلا من النزاعات الضريبية المبنية على مراجعة قيمة العقارات التي يصرح بها المتعاقدون حيث تتم مطالبتهم بدفع مبالغ تكميلية بعنوان معاليم التسجيل والأداء على القيمة الزائدة العقارية. وتتم المراجعة بالاعتماد على مقارنة قيمة العقارات المصرح بها مع قيمة عقارات أخرى مشابهة. وهي طريقة غير علمية وغير واضحة حتى نسلم بصحة نتائجها بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التقاضي التي يتكبدها المطالب بالضريبة في هذا النزاع. إذ يفرض فيه القانون اللجوء بصفة الية إلى الاختبارات العدلية لتقدير قيمة العقارات موضوع المراجعة وغالبا ما تتمسك إدارة الضرائب بضرورة تعيين ثلاثة خبراء يدفع اجرتهم المطالب بالضريبة.
يعتبر أمين بوزيان بوصفه خبيرا تونسيا في السياسات الضريبية بمركز علي بن غذاهم للعدالة الضريبية وأحد المشاركين في أنشطة المجتمع المدني المنتظمة بمناسبة الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمراكش أن إقرار الضريبة على الثروة العقارية خطوة في الاتجاه الصحيح وأن الضريبة على الثروة العقارية هي أحد أنواع الضرائب الكبرى وأنها أحد اليات إعادة توزيع الثروة. وأفاد أن الضرائب على العقارات بوصفها إحدى أهم الضرائب على الثروة تعاني من الإهمال والتهميش في تونس. وهو ما يبينه تدني مردود المعلوم على العقارات المبنية والمعلوم على العقارات غير المبنية الذي لم يتجاوز 2% من ميزانية الدولة لسنة 2020 في حين تبلغ مداخيل الضريبة على الثروة العقارية بفرنسا 15% من الموارد الضريبية. كما بين أمين بوزيان أن المعلوم على التركات هو معلوم نسبي ولا يتغير إلا بتغير درجة القرابة، في حين أنه معلوم تصاعدي في عديد الدول على غرار اليابان وأن النسبة تبلغ 55% في عدة دول. كما أفاد أن الضريبة على الثروة الكبرى هي إجراء إضافي يتمثل في مساهمة إضافية من الأغنياء الذين راكموا ثروات كبرى. وبالإضافة إلى انتشار هذه الضريبة في عديد الدول فإن صندوق النقد الدولي في حد ذاته أصبح يؤيد فرض هذه الضريبة بعد جائحة كوفيد 19حتى تتمكن الدول من تعزيز مواردها الذاتية ومجابهة الانعكاسات المالية للجائحة.
العدالة الضريبية لا تقتصر على الضرائب المباشرة
أفاد الأستاذ أحمد عوض مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية بالأردن أن مسألة العدالة الضريبية هي المدخل الأساسي لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الفئات الشعبية. وهو ما " نسميه كمدافعين عن حقوق الانسان باقتصاد الناس". ذلك أن البعض يتعامل مع الاقتصاد على أنه اقتصاد الشركات أو على أنه اقتصاد الحكومة والمالية العمومية من إيرادات ونفقات. ورأى الأستاذ عوض أنه يفترض أن تتسم السياسات المالية بالعدالة لكي تقلل من التفاوت الاجتماعي وتحقق المساواة الاقتصادية. وأضاف أن أحد أهم ملامح النظام الضريبي العادل هو أن يكون لنا هيكل ضريبي عادل. بمعنى ان الضرائب غير المباشرة يجب أن تكون أقل من الضرائب المباشرة وكلا النوعين يجب أن يتسم بالتصاعدية. ويعني ذلك حسب الأستاذ عوض أن الضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل بالنسبة للأشخاص الطبيعيين يجب أن تتسم بالتصاعدية بمعنى أن أصحاب المداخيل المنخفضة يجب أن يدفعوا ضرائب منخفضة وأصحاب المداخيل المرتفعة يجب أن يدفعوا ضرائب مرتفعة. وأكد أيضا ضرورة أن تكون الضرائب غير المباشرة- والمعروفة بمنطقتنا بضرائب القيمة المضافة أو الضرائب العامة على المبيعات أو الضرائب الموظفة على بعض السلع مثل المشتقات النفطية والمجوهرات والتبغ.. -ذات طابع تصاعدي. بمعنى أن السلع التي تحتاجها الفئات الواسعة من المواطنين يجب أن تكون أقرب إلى الصفر في حين أن السلع التي لا يحتاجها المجتمع بشكل كبير توظف عليها ضرائب غير مباشرة مرتفعة.
أما فيما يتعلق بالضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل فإن جزءا من هذه الضرائب يفترض أن يبنى على الثروة لأن الثروة هي المفتاح الذي يتم من خلاله تعميق التفاوت الاجتماعي. ولأنه إذا لم يتم توظيف ضريبة على الثروة فإن التفاوت الاجتماعي سيتفاقم. ويرجع أحمد عوض ذلك إلى أن أصحاب المداخيل المرتفعة وخاصة أصحاب الشركات في القطاع الخاص لن يقوموا بتوزيع الأرباح وسيقومون بإعادة استثمار مداخيلهم وتوسيع ثرواتهم. وبالتالي فإنه على أصحاب الثروات أن يدفعوا الضرائب وهذا مفيد في اتجاهين. فهو من جهة أولى يفيد في التقليل من التفاوت واللامساواة الاقتصادية حيث سيدفعهم ذلك إلى استثمار هذه الأموال في المشاريع والذي سيدفع بدوره الاقتصادات الوطنية إلى الأمام ويحفز النمو الاقتصادي وبالتالي سيؤدي إلى التقليل من مستويات الفقر ومستويات البطالة المرتفعة في بلداننا. ويعتبر أحمد عوض أنه دون هذا التوجه ستبقى المشكلات الاقتصادية كما هي وسيبقى مفهوم العدالة الضريبية مشوها وبالتالي فإن الضريبة على الثروة هي مفتاح أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعاتنا.
الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023
بقلم:إسكندر السلامي(*)
*مستشار جبائي وناشط بالمجتمع المدني مختص في المجال الضريبي والانظمة الضريبية
يبدو أن الحكومة التونسية قد استجابت إلى فكرة استحداث ضرائب على الثروة من خلال مرسوم قانون المالية لسنة 2023 الذي أقر صنفا جديدا من الضرائب يتمثل في الضريبة على الثروة العقارية. وحددت نسبة الضريبة على الثروة العقارية بـ0,5% توظف على ممتلكات الأشخاص الطبيعيين وأملاك أبنائهم القصر الذين هم في كفالتهم والتي تبلغ قيمتها 3مليون دينار. وقد أثارت الضريبة على الثروة العقارية عدة تساؤلات وردود فعل حول مدى استجابتها لمفهوم العدالة الضريبية. ومن بين المواقف المعترضة على الضريبة على الثروة العقارية ما يستند إلى مصادر تمويل العقارات المعنية والمتكونة من مداخيل سبق وأن خضعت للضريبة. بالإضافة لخضوع العقارات لدفع المعاليم البلدية وهي أداءات بلدية تحتسب بالاعتماد على القيمة التجارية للعقار بالاستناد إلى ثمن مرجعي للمتر المربع تحدده البلدية ضمن قرار تصدره وتنشره.
ومن بين الاشكاليات التي تطرحها ضريبة الثروة العقارية غياب مرجع معلوم لتحديد قيمة العقارات المطلوب التصريح بها. ذلك أن وزارة المالية لم تأخذ بعين الاعتبار ضرورة توفير الوسائل والمراجع التي تمكن المطالب بدفعها من احتساب قيمة ممتلكاته والقيام بواجبه بطريقة امنة وتمكينه من معرفة ما إذا كان معنيا بواجب التصريح بهذه الضريبة ودفعها أم لا. ذلك أنه كان بإمكان وزارة المالية أن توفر مراجع لتحديد القيمة التجارية للعقارات على غرار ما توفره البلديات لاحتساب المعاليم البلدية الموظفة على العقارات وحتى يتسنى للمعنيين بهذه الضريبة الجديدة تقدير قيمة عقاراتهم والقيام بتصاريحهم. وهو ما يطرح مرة أخرى مسألة التطبيق العادل لهذه الضريبة من حيث مدى توفر الوسائل اللازمة لاحتسابها وأدائها وضمان قدرتهم على ذلك.
وتعرف المنظومة الضريبية التونسية عددا هائلا من النزاعات الضريبية المبنية على مراجعة قيمة العقارات التي يصرح بها المتعاقدون حيث تتم مطالبتهم بدفع مبالغ تكميلية بعنوان معاليم التسجيل والأداء على القيمة الزائدة العقارية. وتتم المراجعة بالاعتماد على مقارنة قيمة العقارات المصرح بها مع قيمة عقارات أخرى مشابهة. وهي طريقة غير علمية وغير واضحة حتى نسلم بصحة نتائجها بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف التقاضي التي يتكبدها المطالب بالضريبة في هذا النزاع. إذ يفرض فيه القانون اللجوء بصفة الية إلى الاختبارات العدلية لتقدير قيمة العقارات موضوع المراجعة وغالبا ما تتمسك إدارة الضرائب بضرورة تعيين ثلاثة خبراء يدفع اجرتهم المطالب بالضريبة.
يعتبر أمين بوزيان بوصفه خبيرا تونسيا في السياسات الضريبية بمركز علي بن غذاهم للعدالة الضريبية وأحد المشاركين في أنشطة المجتمع المدني المنتظمة بمناسبة الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي بمراكش أن إقرار الضريبة على الثروة العقارية خطوة في الاتجاه الصحيح وأن الضريبة على الثروة العقارية هي أحد أنواع الضرائب الكبرى وأنها أحد اليات إعادة توزيع الثروة. وأفاد أن الضرائب على العقارات بوصفها إحدى أهم الضرائب على الثروة تعاني من الإهمال والتهميش في تونس. وهو ما يبينه تدني مردود المعلوم على العقارات المبنية والمعلوم على العقارات غير المبنية الذي لم يتجاوز 2% من ميزانية الدولة لسنة 2020 في حين تبلغ مداخيل الضريبة على الثروة العقارية بفرنسا 15% من الموارد الضريبية. كما بين أمين بوزيان أن المعلوم على التركات هو معلوم نسبي ولا يتغير إلا بتغير درجة القرابة، في حين أنه معلوم تصاعدي في عديد الدول على غرار اليابان وأن النسبة تبلغ 55% في عدة دول. كما أفاد أن الضريبة على الثروة الكبرى هي إجراء إضافي يتمثل في مساهمة إضافية من الأغنياء الذين راكموا ثروات كبرى. وبالإضافة إلى انتشار هذه الضريبة في عديد الدول فإن صندوق النقد الدولي في حد ذاته أصبح يؤيد فرض هذه الضريبة بعد جائحة كوفيد 19حتى تتمكن الدول من تعزيز مواردها الذاتية ومجابهة الانعكاسات المالية للجائحة.
العدالة الضريبية لا تقتصر على الضرائب المباشرة
أفاد الأستاذ أحمد عوض مدير مركز الفنيق للدراسات الاقتصادية بالأردن أن مسألة العدالة الضريبية هي المدخل الأساسي لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها الفئات الشعبية. وهو ما " نسميه كمدافعين عن حقوق الانسان باقتصاد الناس". ذلك أن البعض يتعامل مع الاقتصاد على أنه اقتصاد الشركات أو على أنه اقتصاد الحكومة والمالية العمومية من إيرادات ونفقات. ورأى الأستاذ عوض أنه يفترض أن تتسم السياسات المالية بالعدالة لكي تقلل من التفاوت الاجتماعي وتحقق المساواة الاقتصادية. وأضاف أن أحد أهم ملامح النظام الضريبي العادل هو أن يكون لنا هيكل ضريبي عادل. بمعنى ان الضرائب غير المباشرة يجب أن تكون أقل من الضرائب المباشرة وكلا النوعين يجب أن يتسم بالتصاعدية. ويعني ذلك حسب الأستاذ عوض أن الضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل بالنسبة للأشخاص الطبيعيين يجب أن تتسم بالتصاعدية بمعنى أن أصحاب المداخيل المنخفضة يجب أن يدفعوا ضرائب منخفضة وأصحاب المداخيل المرتفعة يجب أن يدفعوا ضرائب مرتفعة. وأكد أيضا ضرورة أن تكون الضرائب غير المباشرة- والمعروفة بمنطقتنا بضرائب القيمة المضافة أو الضرائب العامة على المبيعات أو الضرائب الموظفة على بعض السلع مثل المشتقات النفطية والمجوهرات والتبغ.. -ذات طابع تصاعدي. بمعنى أن السلع التي تحتاجها الفئات الواسعة من المواطنين يجب أن تكون أقرب إلى الصفر في حين أن السلع التي لا يحتاجها المجتمع بشكل كبير توظف عليها ضرائب غير مباشرة مرتفعة.
أما فيما يتعلق بالضرائب المباشرة على غرار الضريبة على الدخل فإن جزءا من هذه الضرائب يفترض أن يبنى على الثروة لأن الثروة هي المفتاح الذي يتم من خلاله تعميق التفاوت الاجتماعي. ولأنه إذا لم يتم توظيف ضريبة على الثروة فإن التفاوت الاجتماعي سيتفاقم. ويرجع أحمد عوض ذلك إلى أن أصحاب المداخيل المرتفعة وخاصة أصحاب الشركات في القطاع الخاص لن يقوموا بتوزيع الأرباح وسيقومون بإعادة استثمار مداخيلهم وتوسيع ثرواتهم. وبالتالي فإنه على أصحاب الثروات أن يدفعوا الضرائب وهذا مفيد في اتجاهين. فهو من جهة أولى يفيد في التقليل من التفاوت واللامساواة الاقتصادية حيث سيدفعهم ذلك إلى استثمار هذه الأموال في المشاريع والذي سيدفع بدوره الاقتصادات الوطنية إلى الأمام ويحفز النمو الاقتصادي وبالتالي سيؤدي إلى التقليل من مستويات الفقر ومستويات البطالة المرتفعة في بلداننا. ويعتبر أحمد عوض أنه دون هذا التوجه ستبقى المشكلات الاقتصادية كما هي وسيبقى مفهوم العدالة الضريبية مشوها وبالتالي فإن الضريبة على الثروة هي مفتاح أساسي لتحقيق العدالة الاجتماعية في مجتمعاتنا.