إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في الذكرى الستون لجلاء آخر جندي فرنسي من تونس .. حين أصّر التونسيون على خوض المعركة وانتزاع الاستقلال التام

معركة بنزرت وما سبقها من أحداث متسلسلة مرتبطة مهدت لاندلاع المعركة الفاصلة

تونس- الصباح

يحيي التونسيون اليوم بنخوة واعتزاز وشرف، الذكرى الستون لطرد آخر جندي من المستعمر الفرنسي من مدينة بنزرت في 15 أكتوبر 1963، وهو الذي حاول مواصلة احتلال جزء منها وخاصة منطقة الميناء الجوي والميناء البحري ورفض تسليمها للدولة التونسية.

ويعتبر عيد الجلاء الوطني لا فقط مناسبة لاستحضار شهداء معركة بنزرت الذين فدوا الوطن بأرواحهم الزكية وهبّوا للتطوع دفاعا عن المدينة والمساهمة في دحر المستعمر من آخر ثكنة عسكرية ظل يحتفظ بها حتى بعد الاستقلال في 20 مارس 1956، وبالتالي تحقيق الاستقلال الوطني التام، بل أيضا تذكير الأجيال الناشئة بما قام به آباؤنا من نضال وتفان من أجل صون كرامة الوطن وعزته، والتأكيد على أن الشعب التونسي لم يكن ليرضى بأقل من استقلال شامل وتام واستعداده للموت دفاع عن كل شبر من أرض تونس.

كانت معركة بنزرت وما سبقها من أحداث متسلسلة مرتبطة مهدت لاندلاع المعركة الفاصلة، درسا في النضالية وقوة الإرادة، خاصة بعد مماطلة فرنسا بالخروج من القاعدة العسكرية ببنزرت وتأكد نواياها المبيتة في البقاء فيها.

بالعودة إلى أهم مراحل التاريخية لمعركة الجلاء التام، والتي مهدت لمعركة بنزرت الفاصلة، يتفق جل المؤرخين التونسيين على أن معركة الجلاء انطلقت فعليا يوم 8 فيفري 1958 بعد العدوان الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف قرب الحدود الجزائرية وأسفرت عن سقوط عدد من الشهداء التونسيين والجزائريين تلتها مظاهرات حاشدة في كل من صفاقس ورمادة وقفصة وغيرها من المدن التونسية تنديدا بجرائم المستعمر الفرنسي.

وبعد العدوان على ساقية سيدي يوسف بأشهر، طلبت الحكومة التونسية من فرنسا إجلاء قواتها بطريقة دبلوماسية، خاصة بعد أن أدانت الأمم المتحدة الاعتداء الفرنسي، وفي يوم 29 مارس 1960، أعلنت فرنسا نيتها الجلاء عن الثكنات في مدينة بنزرت قبل 31 أكتوبر من نفس السنة.

وبتاريخ 27 فيفري 1961 عقدت قمة "رامبويي" بين الرئيس الحبيب بورقيبة ونظيره الفرنسي شارل ديغول، لكنها انتهت بتغير الموقف الفرنسي ورفضه الانسحاب من القاعدة العسكرية ببنزرت، وأدركت الحكومة التونسية أن المساعي السياسية والدبلوماسية لم تعد كافية لإقناع فرنسا بالانسحاب الكلّي، خاصة أنه جابهها بالتجاهل وإطلاق أشغال توسعة حدود ومهبط الطائرات في مطار القاعدة الجوية بسيدي أحمد يوم 30 جوان 1961، ما دفع الحزب الدستوري التونسي الذي اجتمع ديوانه السياسي بتاريخ 4 جويلية 1961 برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة، وقرّر المقاومة والتصدي للمستعمر لاستعادة بنزرت وتحريرها كليا، رغم أن موازين القوى في ذلك الوقت لم تكن لصالح تونس وكان الجيش الوطني في طور التأسيس وفي حاجة إلى مزيد من المتطوعين والعتاد والسلاح.

في 14 جويلية 1961 قال بورقيبة في خطاب ألقاه أمام 100 ألف تونسي "يجب أن يعلم الجميع في تونس، وفي فرنسا وفي أي مكان آخر، أن هذه المعركة جدية".

وفي 19 جويلية 1961 اندلعت المواجهات بين المستعمر الفرنسي والجيش التونسي مدعوما بعدد من المتطوعين قرب مدينة بنزرت، مما أسفر عن سقوط مئات الشهداء. وتواصلت المعركة لمدة أربعة أيام إلى يوم 22 من نفس الشهر، تاريخ إصدار مجلس الأمن الدولي القرار 164 القاضي بوقف إطلاق النار.

يوم 22 جويلية 1961، أصدر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قرارا يقضي بوقف إطلاق النار في مدينة بنزرت.

وفي 23 جويلية 1961 تم الإعلان عن وقف إطلاق النار لترك الفرصة أمام المفاوضات التي انتهت بإعلان فرنسا إجلاء قواتها من مدينة بنزرت وإخلاء القاعدة البحرية فيها.

وبتاريخ 25 جويلية 1961، وصل إلى بنزرت الأمين العام للأمم المتحدة، داغ هامرشولد، بناء على دعوة عاجلة من الحبيب بورقيبة للاطلاع على الوضع الذي آلت إليه المدينة.

21 أوت 1961، عقد اجتماع بالأمم المتحدة للنظر في قضية بنزرت، انتهى بقرارات لفائدة تونس.

يوم 27 أوت 1961، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية المطلقة على ضرورة فتح التفاوض بين تونس وفرنسا من أجل تحقيق الجلاء عن بنزرت.

يوم 18 سبتمبر 1961، توصّل تونس وفرنسا إلى اتفاق ينصّ على سحب القوات الفرنسية من بنزرت.

غادر الأدميرال الفرنسي فيفياي ميناد المدينة يوم 15 أكتوبر 1963 وتم بذلك إعلان نهاية مرحلة الاستعمار الفرنسي لتونس، التي كانت أولى احتفالاتها الرسمية بعيد الجلاء يوم 15 أكتوبر 1964.

اختلف المؤرخون في تقدير عدد ضحايا معركة بنزرت، فمنهم من قدرها بحوالي ألف شهيد، ومن هم من قدرها بأكثر من ألفين.

لكن وزارة الدفاع الوطني تذكر في موقعها الخاص بالتراث والتاريخ العسكري التونسي أن عدد شهداء بنزرت يقدر بـ639 من بينهم 364 من الجيش، و45 من الحرس الوطني، و230 مدنيا، وبلغ عدد الجرحى حوالي ألف، في حين قتل من الجانب الفرنسي 27 عسكريا.

رفيق بن عبد الله

 

 

في الذكرى الستون لجلاء آخر جندي فرنسي من تونس  ..  حين أصّر التونسيون على خوض المعركة وانتزاع الاستقلال التام

معركة بنزرت وما سبقها من أحداث متسلسلة مرتبطة مهدت لاندلاع المعركة الفاصلة

تونس- الصباح

يحيي التونسيون اليوم بنخوة واعتزاز وشرف، الذكرى الستون لطرد آخر جندي من المستعمر الفرنسي من مدينة بنزرت في 15 أكتوبر 1963، وهو الذي حاول مواصلة احتلال جزء منها وخاصة منطقة الميناء الجوي والميناء البحري ورفض تسليمها للدولة التونسية.

ويعتبر عيد الجلاء الوطني لا فقط مناسبة لاستحضار شهداء معركة بنزرت الذين فدوا الوطن بأرواحهم الزكية وهبّوا للتطوع دفاعا عن المدينة والمساهمة في دحر المستعمر من آخر ثكنة عسكرية ظل يحتفظ بها حتى بعد الاستقلال في 20 مارس 1956، وبالتالي تحقيق الاستقلال الوطني التام، بل أيضا تذكير الأجيال الناشئة بما قام به آباؤنا من نضال وتفان من أجل صون كرامة الوطن وعزته، والتأكيد على أن الشعب التونسي لم يكن ليرضى بأقل من استقلال شامل وتام واستعداده للموت دفاع عن كل شبر من أرض تونس.

كانت معركة بنزرت وما سبقها من أحداث متسلسلة مرتبطة مهدت لاندلاع المعركة الفاصلة، درسا في النضالية وقوة الإرادة، خاصة بعد مماطلة فرنسا بالخروج من القاعدة العسكرية ببنزرت وتأكد نواياها المبيتة في البقاء فيها.

بالعودة إلى أهم مراحل التاريخية لمعركة الجلاء التام، والتي مهدت لمعركة بنزرت الفاصلة، يتفق جل المؤرخين التونسيين على أن معركة الجلاء انطلقت فعليا يوم 8 فيفري 1958 بعد العدوان الفرنسي على قرية ساقية سيدي يوسف قرب الحدود الجزائرية وأسفرت عن سقوط عدد من الشهداء التونسيين والجزائريين تلتها مظاهرات حاشدة في كل من صفاقس ورمادة وقفصة وغيرها من المدن التونسية تنديدا بجرائم المستعمر الفرنسي.

وبعد العدوان على ساقية سيدي يوسف بأشهر، طلبت الحكومة التونسية من فرنسا إجلاء قواتها بطريقة دبلوماسية، خاصة بعد أن أدانت الأمم المتحدة الاعتداء الفرنسي، وفي يوم 29 مارس 1960، أعلنت فرنسا نيتها الجلاء عن الثكنات في مدينة بنزرت قبل 31 أكتوبر من نفس السنة.

وبتاريخ 27 فيفري 1961 عقدت قمة "رامبويي" بين الرئيس الحبيب بورقيبة ونظيره الفرنسي شارل ديغول، لكنها انتهت بتغير الموقف الفرنسي ورفضه الانسحاب من القاعدة العسكرية ببنزرت، وأدركت الحكومة التونسية أن المساعي السياسية والدبلوماسية لم تعد كافية لإقناع فرنسا بالانسحاب الكلّي، خاصة أنه جابهها بالتجاهل وإطلاق أشغال توسعة حدود ومهبط الطائرات في مطار القاعدة الجوية بسيدي أحمد يوم 30 جوان 1961، ما دفع الحزب الدستوري التونسي الذي اجتمع ديوانه السياسي بتاريخ 4 جويلية 1961 برئاسة الزعيم الحبيب بورقيبة، وقرّر المقاومة والتصدي للمستعمر لاستعادة بنزرت وتحريرها كليا، رغم أن موازين القوى في ذلك الوقت لم تكن لصالح تونس وكان الجيش الوطني في طور التأسيس وفي حاجة إلى مزيد من المتطوعين والعتاد والسلاح.

في 14 جويلية 1961 قال بورقيبة في خطاب ألقاه أمام 100 ألف تونسي "يجب أن يعلم الجميع في تونس، وفي فرنسا وفي أي مكان آخر، أن هذه المعركة جدية".

وفي 19 جويلية 1961 اندلعت المواجهات بين المستعمر الفرنسي والجيش التونسي مدعوما بعدد من المتطوعين قرب مدينة بنزرت، مما أسفر عن سقوط مئات الشهداء. وتواصلت المعركة لمدة أربعة أيام إلى يوم 22 من نفس الشهر، تاريخ إصدار مجلس الأمن الدولي القرار 164 القاضي بوقف إطلاق النار.

يوم 22 جويلية 1961، أصدر مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة قرارا يقضي بوقف إطلاق النار في مدينة بنزرت.

وفي 23 جويلية 1961 تم الإعلان عن وقف إطلاق النار لترك الفرصة أمام المفاوضات التي انتهت بإعلان فرنسا إجلاء قواتها من مدينة بنزرت وإخلاء القاعدة البحرية فيها.

وبتاريخ 25 جويلية 1961، وصل إلى بنزرت الأمين العام للأمم المتحدة، داغ هامرشولد، بناء على دعوة عاجلة من الحبيب بورقيبة للاطلاع على الوضع الذي آلت إليه المدينة.

21 أوت 1961، عقد اجتماع بالأمم المتحدة للنظر في قضية بنزرت، انتهى بقرارات لفائدة تونس.

يوم 27 أوت 1961، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالأغلبية المطلقة على ضرورة فتح التفاوض بين تونس وفرنسا من أجل تحقيق الجلاء عن بنزرت.

يوم 18 سبتمبر 1961، توصّل تونس وفرنسا إلى اتفاق ينصّ على سحب القوات الفرنسية من بنزرت.

غادر الأدميرال الفرنسي فيفياي ميناد المدينة يوم 15 أكتوبر 1963 وتم بذلك إعلان نهاية مرحلة الاستعمار الفرنسي لتونس، التي كانت أولى احتفالاتها الرسمية بعيد الجلاء يوم 15 أكتوبر 1964.

اختلف المؤرخون في تقدير عدد ضحايا معركة بنزرت، فمنهم من قدرها بحوالي ألف شهيد، ومن هم من قدرها بأكثر من ألفين.

لكن وزارة الدفاع الوطني تذكر في موقعها الخاص بالتراث والتاريخ العسكري التونسي أن عدد شهداء بنزرت يقدر بـ639 من بينهم 364 من الجيش، و45 من الحرس الوطني، و230 مدنيا، وبلغ عدد الجرحى حوالي ألف، في حين قتل من الجانب الفرنسي 27 عسكريا.

رفيق بن عبد الله