كان عنصر المفاجأة أساسيا في تحقيق النصر مع الجيشين المصري والسوري، كما كان عنصرا حاسما في المواجهات الخاسرة لإسرائيل مع ميليشيات حزب الله ثم مع ميليشيات حماس مؤخرا
بقلم: د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
جاء الاكتساح المفاجئ الأخير للمقاومة الفلسطينية للمستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة ليكبد إسرائيل خسائر فادحة وغير مسبوقة في الأرواح والمعدات، وليمثل حلقة جديدة من هزائم إسرائيل المتكررة خلال العقود الأخيرة بعد أن ظلت تردد منذ حرب جوان 1967 الخاطفة أن لها جيشا لا يقهر.
وقد تم التخطيط بحنكة وتؤدة لتلك العملية النوعية المباغتة التي قادتها حركة حماس صباح يوم 7 اكتوبر 2023 لتصادف ذكرى الهجوم المباغت في 6 أكتوبر 1973 للجيشين المصري والسوري اللذين كادا يدخلان تل أبيب، لولا تدخل الولايات المتحدة بجسر جوي للأسلحة، " لمنع وقوع نصر عربي حاسم على إسرائيل"، كما صرح بذلك لأول مرة بعد نصف قرن، وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في حديث لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية نشرته يوم 22 سبتمبر 2023 .
لقد كان عنصر المفاجأة والمباغتة أساسيا في تحقيق النصر مع الجيشين النظاميين المصري والسوري لحرب أكتوبر 1973، كما كان عنصرا حاسما في المواجهات الخاسرة لإسرائيل مع ميليشيات تنظيم حزب الله خلال العقد الأخير ثم مع ميليشيات حركة حماس مؤخرا.
كما كانت تكتيكات حرب العصابات والمقاومة المسلحة للأفراد والجماعات، هي نفسها التي سجلت انتصارات حاسمة ومدوية وتاريخية في الكثير من النزاعات والحروب عبر العالم في العصر الحديث، مثل معركة "ديان بيان فو" في الهند الصينية عام 1954 التي عمد فيها الجنرال الفيتنامي جياب، إلى استعمال تكتيكات الحرب العالمية الأولى القائمة على حفر الخنادق والمشاة والأسلحة الخفيفة ومباغتة العدو ، في معركة تجري بعد الحرب العالمية الثانية القائمة على الدبابات والطيران والمدفعية ومختلف الأسلحة الثقيلة. وكانت تلك المعركة مقبرة الاستعمار ألحقت بفرنسا هزيمة مدوية فتحت الباب أمام تحرر الكثير من شعوب المعمورة الواقعة تحت نير الاستعمار الفرنسي والبريطاني . ودقت بعدها الثورة الجزائرية المسلحة المسمار الأخير في نعش الاستعمار باستعمال نفس التكتيكات الحاسمة.
هزيمة إسرائيل وانسحابها من جنوب لبنان عام 2000
لقد انضافت الحرب الفلسطينية الخاطفة الأخيرة إلى سجل الحروب التي ألحقت بإسرائيل هزائم متتالية ، كانت إحداها الحرب الثانية اللبنانية الإسرائيلية في صيف عام 2000 وقادها حزب الله اللبناني ولقن فيها درسا استراتيجيا وعسكريا للجيش الإسرائيلي المغرور. وكانت تلك المواجهة هزيمة منكرة لجنود ذلك الجيش عكس الحرب الأولى التي خرجت منها إسرائيل منتصرة ومكنت عملاءها المحليين من الكتائب أن يرتكبوا المجازر ضد المدنيين الفلسطينيين. وكانت مجزرة صبرا وشاتيلا أبرز المذابح .
ومما يجدر التذكير به أن إسرائيل كانت انسحبت من بيروت بعد حرب عام 1982 وتراجعت إلى جنوب لبنان حيث لقيت مقاومة وحرب استنزاف من المقاومة اللبنانية اضطرت بعدها عام 2000 إلى الإنسحاب من جانب واحد، بعد تكبدها خسائر فادحة هي وعملاءها في جنوب لبنان. واعتبر ذلك الانسحاب بمثابة الهزيمة لاسرائيل ونصرا كبيرا للمقاومة ورد اعتبار لها في الوقت الذي فشلت فيه مساعي التسوية السياسية التي جرت بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية دولية، وكانت عبارة عن سراب خلب.
وكان للمقاومة الوطنية والإسلامية بقيادة حزب الله دور بارز وأساسي في شن حرب استنزاف على اسرائيل في جنوب لبنان جعل تكلفة بقاءها هناك مرهقا ماليا وعسكريا اضطرها إلي الانسحاب الذي كان على عجل ويشبه الهروب من مواجهة المقاومة، كما وقع للأمريكيين في العراق وفي أفغانستان .
وستتكرر هذه الهزيمة الاسرائيلية بعد ست سنوات في حرب تموز 2006 مع نفس حزب الله ، الذي سينتصر بعد عدة أيام من المواجهات حسب التكتيكات الجديدة التي عمد إليها وفاجأ بها القيادة العسكرية الإسرائيلية المغرورة التي كانت تردد بأن جيشها لايقهر. ولكن هيهات.
وفي صيف 2006 بدأت إسرائيل التخطيط لمنازلة مع حزب الله فقامت بشن عدوان مستغلة حادثة عملية أسر جنديين اسرائيليين. وجاء هذا العدوان في نظر الكثير من المحللين العسكريين والسياسيين ثأرا لهزيمتها منذ العام 2000 وإعادة اعتبار لجيشها الذي هزم في تلك السنة أمام حزب الله الذي واصل بناء قدرة عسكرية ضاربة من نوعها تجمع بين القوة التقليدية النظامية (جيش) وغير النظامية، وتوصل في غضون ذلك إلى وضع بنية تحتية عسكرية ذات قدرات عالية في نظر الخبراء.
وكانت الأهداف المبرمجة لهذا الاعتداء الإسرائيلي تدمير بنية حزب الله ونزع سلاحه، بما يسهل إخضاع لبنان بصفة كلية إلى النفوذ الأمريكي المهيمن في المنطقة وتحرير إسرائيل من كابوس الصواريخ التي يرجم بها حزب الله مدن وقرى شمال اسرائيل .
وقد تبين أن المقاومة اللبنانية لحزب الله كانت متهيّئة بما فيه الكفاية لهذا العدوان الإسرائيلي. وقد اتخذت سلسلة من التدابير جنبت بفضلها بنيتها وأسلحتها وقيادتها أي ضرر يذكر من العمليات التدميرية الإسرائيلية عبر القصف الجوي. وقد أحدث سير المعارك صدمة لدى إسرائيل إذ تبين لقيادتها أن عمليات القصف فشلت في تحقيق شئ جوهريً من أهداف الخطة. وتجلى ذلك حين استعادت المقاومة المبادرة في اليوم التالي، وبدأت في تطبيق سياسة ما أسمته "الردع الدفاعي" باستهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ. وقد مكنها ذلك من أن تلحق بإسرائيل خسائر مادية وبشرية لم تعرفها منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، خاصة بعد أن وصل القصف إلى أهداف في مدينة حيفا.
وقد تبين أمام تتالي الهزائم الميدانية لإسرائيل أمام عدو لا تشتبك به مباشرة، أن حزب الله كان مستعدا للمبارزة. ولذلك قامت إسرائيل بالانتقال إلى العملية البرية بحثا عن الاشتباك المباشر مع عدوها. واختارت في هذا الصدد شن العملية البرية في القطاع الأوسط من الجبهة لأنه المحور الأفضل لها عسكرياً وسياسيا، حسب تحاليل أخصائي الأعمال والخطط العسكرية وذلك اعتبارا إلى أن القطاع الشرقي متصل بجنود سوريا، التي لا تريد اسرائيل الاشتباك معها في تلك المرحلة من الحرب، في حين أن القطاع الغربي يعطي أفضلية ميدانية لتحركات المقاومة، كما بينت ذلك أيضا التقارير العسكرية والصحفية . لذلك كان اختيار مكان الاجتياح البري هو القطاع الأوسط. وقد دفعت اسرائيل هناك بقوة مدرعة بحجم كتيبة لإجراء عملية الاستطلاع والتوغل . ولكن تلك القوة اصطدمت بمواجهة عكسية ضارية أبداها رجال المقاومة أوقعت خسائر جسيمة في الصفوف الإسرائيلية إلى درجة أنها "لم تستطع التقدم خلال أربعة أيام من القتال أكثر من 1300متر داخل الأرض اللبنانية وبجبهة كيلومتر واحد، وتكبدت 7 قتلى و20 جريحا ودمر لها 5 دبابات ميركافا، مقابل 3 شهداء للمقاومة" كما بينت هذه التقارير. وكانت تلك صفعة بالغة الخطورة وجّهت لإسرائيل ما جعلها في "حال الصدمة"، كما بينت التقارير التي نشرتها الصحافة اللبنانية وقناة المنار التابعة لحزب الله .وحاولت الصحافة الاسرائيلية والغربية التعتيم على هذه الانجازات للمقاومة اللبنانية لقوات حزب الله. وقامت عدة دول أوروبية تتشدق بحرية الإعلام والتعبير بغلق مقرات تلفزيون المنار التابع لحزب الله ومنع بثه في أوروبا على الساتلات كاشفة عن حقيقة الكيل بمكيالين في مجال حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الانسان.
وبينت المتابعة الميدانية للخطط العسكرية أن الهجوم البري الإسرائيلي انطلق من غير حساب للخسائر، وكانت النتيجة موجعة لإسرائيل: خسائر في يومين تعادل خسائر الحرب كلها، حيث اعترفت بـ50 قتيلا و140 جريحا وتدمير 40 دبابة ميركافا بالإضافة إلى خسائر أخرى. وخلال الحرب كانت قد اعترفت بـ47 قتيلا و180 جريحا و30 دبابة.. إنها لكارثة على الجيش الإسرائيلي. كارثة دفعت أحد المعلقين العسكريين للقول إنه الجيش الاسرائيلي انضم إلى قافلة الجيوش العربية في المنطقة يهزم في الميدان بسرعة، ولم يعد الجيش "الذي لا يقهر" كما كانت تردد الدعاية العسكرية الصهيونية.
وتبين أن هذه التكتيكات التي عمد إليها حزب الله أعطت المثال لاحقا لحركة حماس في إعداد وشن هجمومها الأخير الصاعق على المستوطنات الإسرائيلية في حرب أكتوبر 2 ، فاتحة الباب أمام هزيمة اسرائيل التامة وكسر عنجهيتها وأسطورتها الكاذبة، حتى قبولها بالشرعية الدولية لحل قضية فلسطين بشكل عادل ودائم.
لقد تحولت هزائم إسرئيل خلال العقود الأخيرة إلى "نكبة" أو "نكسة" بطابع إسرائيلي كل عقد من الزمن .
وقد أن الأوان للعرب اليوم أن يتخلصوا من عقدة جلد الذات ومركب الشعور بالنقص وترديد كلمات النحس من نوع "نكبة 1948" و"نكسة حزيران 1967" . وهي كلمات هي الأن في أحضان إسرائيل المكلومة ، مؤذنة بخراب المشروع الصهيوني وزواله في المدى المنظور، وصولا إلى تسوية عادلة للصراع الأزلي في المنطقة.
كان عنصر المفاجأة أساسيا في تحقيق النصر مع الجيشين المصري والسوري، كما كان عنصرا حاسما في المواجهات الخاسرة لإسرائيل مع ميليشيات حزب الله ثم مع ميليشيات حماس مؤخرا
بقلم: د. الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الإعلام والصحافة
جاء الاكتساح المفاجئ الأخير للمقاومة الفلسطينية للمستوطنات الإسرائيلية المحيطة بغزة ليكبد إسرائيل خسائر فادحة وغير مسبوقة في الأرواح والمعدات، وليمثل حلقة جديدة من هزائم إسرائيل المتكررة خلال العقود الأخيرة بعد أن ظلت تردد منذ حرب جوان 1967 الخاطفة أن لها جيشا لا يقهر.
وقد تم التخطيط بحنكة وتؤدة لتلك العملية النوعية المباغتة التي قادتها حركة حماس صباح يوم 7 اكتوبر 2023 لتصادف ذكرى الهجوم المباغت في 6 أكتوبر 1973 للجيشين المصري والسوري اللذين كادا يدخلان تل أبيب، لولا تدخل الولايات المتحدة بجسر جوي للأسلحة، " لمنع وقوع نصر عربي حاسم على إسرائيل"، كما صرح بذلك لأول مرة بعد نصف قرن، وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في حديث لصحيفة "معاريف" الاسرائيلية نشرته يوم 22 سبتمبر 2023 .
لقد كان عنصر المفاجأة والمباغتة أساسيا في تحقيق النصر مع الجيشين النظاميين المصري والسوري لحرب أكتوبر 1973، كما كان عنصرا حاسما في المواجهات الخاسرة لإسرائيل مع ميليشيات تنظيم حزب الله خلال العقد الأخير ثم مع ميليشيات حركة حماس مؤخرا.
كما كانت تكتيكات حرب العصابات والمقاومة المسلحة للأفراد والجماعات، هي نفسها التي سجلت انتصارات حاسمة ومدوية وتاريخية في الكثير من النزاعات والحروب عبر العالم في العصر الحديث، مثل معركة "ديان بيان فو" في الهند الصينية عام 1954 التي عمد فيها الجنرال الفيتنامي جياب، إلى استعمال تكتيكات الحرب العالمية الأولى القائمة على حفر الخنادق والمشاة والأسلحة الخفيفة ومباغتة العدو ، في معركة تجري بعد الحرب العالمية الثانية القائمة على الدبابات والطيران والمدفعية ومختلف الأسلحة الثقيلة. وكانت تلك المعركة مقبرة الاستعمار ألحقت بفرنسا هزيمة مدوية فتحت الباب أمام تحرر الكثير من شعوب المعمورة الواقعة تحت نير الاستعمار الفرنسي والبريطاني . ودقت بعدها الثورة الجزائرية المسلحة المسمار الأخير في نعش الاستعمار باستعمال نفس التكتيكات الحاسمة.
هزيمة إسرائيل وانسحابها من جنوب لبنان عام 2000
لقد انضافت الحرب الفلسطينية الخاطفة الأخيرة إلى سجل الحروب التي ألحقت بإسرائيل هزائم متتالية ، كانت إحداها الحرب الثانية اللبنانية الإسرائيلية في صيف عام 2000 وقادها حزب الله اللبناني ولقن فيها درسا استراتيجيا وعسكريا للجيش الإسرائيلي المغرور. وكانت تلك المواجهة هزيمة منكرة لجنود ذلك الجيش عكس الحرب الأولى التي خرجت منها إسرائيل منتصرة ومكنت عملاءها المحليين من الكتائب أن يرتكبوا المجازر ضد المدنيين الفلسطينيين. وكانت مجزرة صبرا وشاتيلا أبرز المذابح .
ومما يجدر التذكير به أن إسرائيل كانت انسحبت من بيروت بعد حرب عام 1982 وتراجعت إلى جنوب لبنان حيث لقيت مقاومة وحرب استنزاف من المقاومة اللبنانية اضطرت بعدها عام 2000 إلى الإنسحاب من جانب واحد، بعد تكبدها خسائر فادحة هي وعملاءها في جنوب لبنان. واعتبر ذلك الانسحاب بمثابة الهزيمة لاسرائيل ونصرا كبيرا للمقاومة ورد اعتبار لها في الوقت الذي فشلت فيه مساعي التسوية السياسية التي جرت بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية دولية، وكانت عبارة عن سراب خلب.
وكان للمقاومة الوطنية والإسلامية بقيادة حزب الله دور بارز وأساسي في شن حرب استنزاف على اسرائيل في جنوب لبنان جعل تكلفة بقاءها هناك مرهقا ماليا وعسكريا اضطرها إلي الانسحاب الذي كان على عجل ويشبه الهروب من مواجهة المقاومة، كما وقع للأمريكيين في العراق وفي أفغانستان .
وستتكرر هذه الهزيمة الاسرائيلية بعد ست سنوات في حرب تموز 2006 مع نفس حزب الله ، الذي سينتصر بعد عدة أيام من المواجهات حسب التكتيكات الجديدة التي عمد إليها وفاجأ بها القيادة العسكرية الإسرائيلية المغرورة التي كانت تردد بأن جيشها لايقهر. ولكن هيهات.
وفي صيف 2006 بدأت إسرائيل التخطيط لمنازلة مع حزب الله فقامت بشن عدوان مستغلة حادثة عملية أسر جنديين اسرائيليين. وجاء هذا العدوان في نظر الكثير من المحللين العسكريين والسياسيين ثأرا لهزيمتها منذ العام 2000 وإعادة اعتبار لجيشها الذي هزم في تلك السنة أمام حزب الله الذي واصل بناء قدرة عسكرية ضاربة من نوعها تجمع بين القوة التقليدية النظامية (جيش) وغير النظامية، وتوصل في غضون ذلك إلى وضع بنية تحتية عسكرية ذات قدرات عالية في نظر الخبراء.
وكانت الأهداف المبرمجة لهذا الاعتداء الإسرائيلي تدمير بنية حزب الله ونزع سلاحه، بما يسهل إخضاع لبنان بصفة كلية إلى النفوذ الأمريكي المهيمن في المنطقة وتحرير إسرائيل من كابوس الصواريخ التي يرجم بها حزب الله مدن وقرى شمال اسرائيل .
وقد تبين أن المقاومة اللبنانية لحزب الله كانت متهيّئة بما فيه الكفاية لهذا العدوان الإسرائيلي. وقد اتخذت سلسلة من التدابير جنبت بفضلها بنيتها وأسلحتها وقيادتها أي ضرر يذكر من العمليات التدميرية الإسرائيلية عبر القصف الجوي. وقد أحدث سير المعارك صدمة لدى إسرائيل إذ تبين لقيادتها أن عمليات القصف فشلت في تحقيق شئ جوهريً من أهداف الخطة. وتجلى ذلك حين استعادت المقاومة المبادرة في اليوم التالي، وبدأت في تطبيق سياسة ما أسمته "الردع الدفاعي" باستهداف العمق الإسرائيلي بالصواريخ. وقد مكنها ذلك من أن تلحق بإسرائيل خسائر مادية وبشرية لم تعرفها منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، خاصة بعد أن وصل القصف إلى أهداف في مدينة حيفا.
وقد تبين أمام تتالي الهزائم الميدانية لإسرائيل أمام عدو لا تشتبك به مباشرة، أن حزب الله كان مستعدا للمبارزة. ولذلك قامت إسرائيل بالانتقال إلى العملية البرية بحثا عن الاشتباك المباشر مع عدوها. واختارت في هذا الصدد شن العملية البرية في القطاع الأوسط من الجبهة لأنه المحور الأفضل لها عسكرياً وسياسيا، حسب تحاليل أخصائي الأعمال والخطط العسكرية وذلك اعتبارا إلى أن القطاع الشرقي متصل بجنود سوريا، التي لا تريد اسرائيل الاشتباك معها في تلك المرحلة من الحرب، في حين أن القطاع الغربي يعطي أفضلية ميدانية لتحركات المقاومة، كما بينت ذلك أيضا التقارير العسكرية والصحفية . لذلك كان اختيار مكان الاجتياح البري هو القطاع الأوسط. وقد دفعت اسرائيل هناك بقوة مدرعة بحجم كتيبة لإجراء عملية الاستطلاع والتوغل . ولكن تلك القوة اصطدمت بمواجهة عكسية ضارية أبداها رجال المقاومة أوقعت خسائر جسيمة في الصفوف الإسرائيلية إلى درجة أنها "لم تستطع التقدم خلال أربعة أيام من القتال أكثر من 1300متر داخل الأرض اللبنانية وبجبهة كيلومتر واحد، وتكبدت 7 قتلى و20 جريحا ودمر لها 5 دبابات ميركافا، مقابل 3 شهداء للمقاومة" كما بينت هذه التقارير. وكانت تلك صفعة بالغة الخطورة وجّهت لإسرائيل ما جعلها في "حال الصدمة"، كما بينت التقارير التي نشرتها الصحافة اللبنانية وقناة المنار التابعة لحزب الله .وحاولت الصحافة الاسرائيلية والغربية التعتيم على هذه الانجازات للمقاومة اللبنانية لقوات حزب الله. وقامت عدة دول أوروبية تتشدق بحرية الإعلام والتعبير بغلق مقرات تلفزيون المنار التابع لحزب الله ومنع بثه في أوروبا على الساتلات كاشفة عن حقيقة الكيل بمكيالين في مجال حرية التعبير والديمقراطية وحقوق الانسان.
وبينت المتابعة الميدانية للخطط العسكرية أن الهجوم البري الإسرائيلي انطلق من غير حساب للخسائر، وكانت النتيجة موجعة لإسرائيل: خسائر في يومين تعادل خسائر الحرب كلها، حيث اعترفت بـ50 قتيلا و140 جريحا وتدمير 40 دبابة ميركافا بالإضافة إلى خسائر أخرى. وخلال الحرب كانت قد اعترفت بـ47 قتيلا و180 جريحا و30 دبابة.. إنها لكارثة على الجيش الإسرائيلي. كارثة دفعت أحد المعلقين العسكريين للقول إنه الجيش الاسرائيلي انضم إلى قافلة الجيوش العربية في المنطقة يهزم في الميدان بسرعة، ولم يعد الجيش "الذي لا يقهر" كما كانت تردد الدعاية العسكرية الصهيونية.
وتبين أن هذه التكتيكات التي عمد إليها حزب الله أعطت المثال لاحقا لحركة حماس في إعداد وشن هجمومها الأخير الصاعق على المستوطنات الإسرائيلية في حرب أكتوبر 2 ، فاتحة الباب أمام هزيمة اسرائيل التامة وكسر عنجهيتها وأسطورتها الكاذبة، حتى قبولها بالشرعية الدولية لحل قضية فلسطين بشكل عادل ودائم.
لقد تحولت هزائم إسرئيل خلال العقود الأخيرة إلى "نكبة" أو "نكسة" بطابع إسرائيلي كل عقد من الزمن .
وقد أن الأوان للعرب اليوم أن يتخلصوا من عقدة جلد الذات ومركب الشعور بالنقص وترديد كلمات النحس من نوع "نكبة 1948" و"نكسة حزيران 1967" . وهي كلمات هي الأن في أحضان إسرائيل المكلومة ، مؤذنة بخراب المشروع الصهيوني وزواله في المدى المنظور، وصولا إلى تسوية عادلة للصراع الأزلي في المنطقة.