إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

غزة 2008.. غزة 2023 : كيف تغيرت المقاومة؟

 

في الحرب غير المتماثلة توجد عناصر واضحة للصراع، أبرزها أنها تدور بين طرفين غير متماثلين في ميزان القوة النارية، وقوة اللوجستيك، وكذلك كثافة الدعم البشري، وهذا حال الصراع والحرب بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، ولكن بمراحل متفاوتة ما بين عدوان سنة 2008 على قطاع غزة، وبين حرب "طوفان الأقصى"، التي تدور الآن رحاها في ميادين مختلفة بين تلك التي شهدتها سنة 2008 وسنة 2023.

فما بين التاريخين يوجد تفاوت كبير في إدارة الحرب من قبل حركة حماس، التي كانت إستراتيجيتها دفاعية بحتة في سنة 2008، والإستراتيجية الهجومية التي اتبعتها في سنة 2023.

ففي سنة 2008 كان إستراتيجية المقاومة استدراج القوى المعادية إلى حرب عصابات داخل القطاع، وضرب القرى القريبة من القطاع بقذائف هاون، وقذائف صاروخية أخرى لا يتجاوز مداها 20 كلم، تستهدف الكيبوتزات القريبة من القطاع.

في السنوات التالية أصبحت لهذه المقاومة بنية تحتية بنتها تحت الأرض، وأخذت في إعادة هيكلة كتائبها وفق أنواع الأسلحة، أو وفق وظائفها الأمنية والعسكرية، تلك الهيكلة التي كلفتها عديد الشخصيات التي تم تصفيتها اما من خلال عمليات المخابرات الداخلية الصهيونية "الشاباك" كاغتيال عبد العزيز الرنتيسي أو أحمد ياسين، أو من خلال عمليات جهاز الموساد مثل استهداف محمود المبحوح في دبي، وكذلك المهندس محمد الزواري في تونس.

لقد أضحت المقاومة أقوى استخباريا، وأضحت تركز على الاستطلاع في ارض العدو الصهيوني، وهذا ما مكنها من نقطة هامة ضمن مخطط الخرب غير النظامية وهو معرفة أرض العدو، لتوجيه ضربات موجهة بدقة لهذه الأهداف، وذلك بغاية وهدف أساسي وهو إحداث زخم إعلامي كبير حول المستوى التنظيمي العسكري الذي وصلت إليه، وأنه باتت لها الإمكانية لإدارة عمليات هجومية خاصة، وهذا هو العنصر الثاني من عناصر الحرب غير المتماثلة، عنصر المفاجأة، ذلك العنصر الذي يجر وراءه عنصر آخر وهو عنصر الحرب النفسية، وهو العنصر الأساسي لهذه الحرب، حيث أن كل العمل من طرف المقاومة مسخر لذلك، يستهدف إثارة الرعب لدى الطرف الآخر، الذي لا يعلم كيفية رد الفعل، اذ أنه أمام فصيل مقاوم يستعمل حرب الكر والفر، شبح له عدة خيارات للعمل الحربي مثل اطلاق الصواريخ التي أضحى مداها يغطي كل أراضي فلسطين المحتلة، أو من خلال عملية كوموندوس هجومية تستهدف مراكز المراقبة والقواعد العسكرية أو "الكيبوتزات" القريبة من القطاع، أو بإنزال جوي شراعي يضرب بعرض الحائط بأسطورة القبة الحديدية، ومقلاع داوود.

بين سنة 2008 وسنة 2023، تغيرت المقاومة الفلسطينية في غزة، وأخذت مدى كبيرا، أخذ يؤثر على ساحة الأحداث الدولية، فعملية الكوموندوس الهجومية في "طوفان الأقصى"، أتت في زمن سياسي دولي تميز بذهاب أنظمة عربية نحو التطبيع، وباتت فيه السلطة الفلسطينية ضعيفة، بسبب الانقسام السياسي بين الفصائل الفلسطينية، وهو ما لم يمكن المفاوض الفلسطيني من فرض وجهة نظره في حلول التسوية النهائية، بالرغم من سقوط مسار أوسلو مع استمرار الاستيطان في الضفة الغربية، والحصار على قطاع غزة.

وهنا يكمن العنصر الرابع في إستراتيجية الحرب غير المتماثلة، المكسب السياسي، أو كيف تكون موجودا على طاولة المفاوضات إن وجدت برصيد ميداني عسكري هام جدا، تسبب في أضرار كبيرة للعدو الصهيوني وتسبب في حالة هلع للمجتمع الإسرائيلي، وإحداث زعزعة جديدة في مشهده السياسي العام بين اليسار واليمين، أو حتى في الأحزاب السياسية اليمنية المتطرفة، التي أضحت تزايد على بعضها بعض في كيفية الرد على عملية " طوفان الأقصى"، وهو ما يسبب حالة من الارتباك على المستويين الأمني والعسكري في إسرائيل، محوره سؤال محير: هل نجتاح قطاع غزة بريا أو لا؟ والإجابة على هذا السؤال تكمن في معرفة المعلومات الكاملة داخل غزة، وهو على ما يبدو أنها معلومات غير متوافرة لدى أجهزة الاستخبارات الصهيونية بكل لفيفها.

في عدوان سنة 2021، هدد جيش الاحتلال باجتياح غزة، ولكن الجانب السياسي الصهيوني رفض ذلك، لأنها عدت مغامرة غير محسوبة العواقب بالنسبة إليهم وقد تكلفهم سياسيا.

نزار مقني

غزة 2008.. غزة 2023 :   كيف تغيرت المقاومة؟

 

في الحرب غير المتماثلة توجد عناصر واضحة للصراع، أبرزها أنها تدور بين طرفين غير متماثلين في ميزان القوة النارية، وقوة اللوجستيك، وكذلك كثافة الدعم البشري، وهذا حال الصراع والحرب بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية، ولكن بمراحل متفاوتة ما بين عدوان سنة 2008 على قطاع غزة، وبين حرب "طوفان الأقصى"، التي تدور الآن رحاها في ميادين مختلفة بين تلك التي شهدتها سنة 2008 وسنة 2023.

فما بين التاريخين يوجد تفاوت كبير في إدارة الحرب من قبل حركة حماس، التي كانت إستراتيجيتها دفاعية بحتة في سنة 2008، والإستراتيجية الهجومية التي اتبعتها في سنة 2023.

ففي سنة 2008 كان إستراتيجية المقاومة استدراج القوى المعادية إلى حرب عصابات داخل القطاع، وضرب القرى القريبة من القطاع بقذائف هاون، وقذائف صاروخية أخرى لا يتجاوز مداها 20 كلم، تستهدف الكيبوتزات القريبة من القطاع.

في السنوات التالية أصبحت لهذه المقاومة بنية تحتية بنتها تحت الأرض، وأخذت في إعادة هيكلة كتائبها وفق أنواع الأسلحة، أو وفق وظائفها الأمنية والعسكرية، تلك الهيكلة التي كلفتها عديد الشخصيات التي تم تصفيتها اما من خلال عمليات المخابرات الداخلية الصهيونية "الشاباك" كاغتيال عبد العزيز الرنتيسي أو أحمد ياسين، أو من خلال عمليات جهاز الموساد مثل استهداف محمود المبحوح في دبي، وكذلك المهندس محمد الزواري في تونس.

لقد أضحت المقاومة أقوى استخباريا، وأضحت تركز على الاستطلاع في ارض العدو الصهيوني، وهذا ما مكنها من نقطة هامة ضمن مخطط الخرب غير النظامية وهو معرفة أرض العدو، لتوجيه ضربات موجهة بدقة لهذه الأهداف، وذلك بغاية وهدف أساسي وهو إحداث زخم إعلامي كبير حول المستوى التنظيمي العسكري الذي وصلت إليه، وأنه باتت لها الإمكانية لإدارة عمليات هجومية خاصة، وهذا هو العنصر الثاني من عناصر الحرب غير المتماثلة، عنصر المفاجأة، ذلك العنصر الذي يجر وراءه عنصر آخر وهو عنصر الحرب النفسية، وهو العنصر الأساسي لهذه الحرب، حيث أن كل العمل من طرف المقاومة مسخر لذلك، يستهدف إثارة الرعب لدى الطرف الآخر، الذي لا يعلم كيفية رد الفعل، اذ أنه أمام فصيل مقاوم يستعمل حرب الكر والفر، شبح له عدة خيارات للعمل الحربي مثل اطلاق الصواريخ التي أضحى مداها يغطي كل أراضي فلسطين المحتلة، أو من خلال عملية كوموندوس هجومية تستهدف مراكز المراقبة والقواعد العسكرية أو "الكيبوتزات" القريبة من القطاع، أو بإنزال جوي شراعي يضرب بعرض الحائط بأسطورة القبة الحديدية، ومقلاع داوود.

بين سنة 2008 وسنة 2023، تغيرت المقاومة الفلسطينية في غزة، وأخذت مدى كبيرا، أخذ يؤثر على ساحة الأحداث الدولية، فعملية الكوموندوس الهجومية في "طوفان الأقصى"، أتت في زمن سياسي دولي تميز بذهاب أنظمة عربية نحو التطبيع، وباتت فيه السلطة الفلسطينية ضعيفة، بسبب الانقسام السياسي بين الفصائل الفلسطينية، وهو ما لم يمكن المفاوض الفلسطيني من فرض وجهة نظره في حلول التسوية النهائية، بالرغم من سقوط مسار أوسلو مع استمرار الاستيطان في الضفة الغربية، والحصار على قطاع غزة.

وهنا يكمن العنصر الرابع في إستراتيجية الحرب غير المتماثلة، المكسب السياسي، أو كيف تكون موجودا على طاولة المفاوضات إن وجدت برصيد ميداني عسكري هام جدا، تسبب في أضرار كبيرة للعدو الصهيوني وتسبب في حالة هلع للمجتمع الإسرائيلي، وإحداث زعزعة جديدة في مشهده السياسي العام بين اليسار واليمين، أو حتى في الأحزاب السياسية اليمنية المتطرفة، التي أضحت تزايد على بعضها بعض في كيفية الرد على عملية " طوفان الأقصى"، وهو ما يسبب حالة من الارتباك على المستويين الأمني والعسكري في إسرائيل، محوره سؤال محير: هل نجتاح قطاع غزة بريا أو لا؟ والإجابة على هذا السؤال تكمن في معرفة المعلومات الكاملة داخل غزة، وهو على ما يبدو أنها معلومات غير متوافرة لدى أجهزة الاستخبارات الصهيونية بكل لفيفها.

في عدوان سنة 2021، هدد جيش الاحتلال باجتياح غزة، ولكن الجانب السياسي الصهيوني رفض ذلك، لأنها عدت مغامرة غير محسوبة العواقب بالنسبة إليهم وقد تكلفهم سياسيا.

نزار مقني