إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

32 سنة مرت على وفاتهم.. المطماطي..الشماخي..وبركات : ضحايا انتهاكات الماضي بين مسار متعطل..وحقيقة على قائمة الانتظار منذ 5 سنوات

 

تونس-الصباح

32 سنة مرت على وفاة كمال المطماطي (7 اكتوبر 1991) وفيصل بركات (8 اكتوبر 1991) ورشيد الشماخي الذي ستمر 32 سنة قريبا على وفاته (27 اكتوبر 1991)..ملفات وفاة ثلاثتهم منشورة امام الدوائر المختصة للعدالة الانتقالية منذ 2018 ولكنها تراوح مكانها ولم تكشف الحقيقة ولم يحاسب المنسوب اليهم الانتهاك وماراطون الجلسات مازال متواصلا لاسيما بعد تغيير تركيبة عدد من دوائر العدالة الانتقالية في عدة محاكم.

مفيدة القيزاني

رشيد الشماخي..فيصل بركات..كمال المطماطي ملفاتهم عالقة امام دوائر العدالة الانتقالية على غرار حوالي 200 ملف آخر..ملفات تنتظر الحقيقة والاعتذار من الدولة ومن المنسوب لهم الانتهاك.

ملف الشماخي..

كان رشيد الشماخي ألقي عليه القبض واقتيد إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش بمنطقة الحرس الوطني بنابل صباح يوم24 أكتوبر1991 حيث بدأت عملية تعذيبه منذ وصوله إلى المقر الأمني ودون توجيه أية أسئلة له، إذ كانت النية منصبّة على الانتقام والقتل وجعله عبرة للآخرين بتعذيبه بشكل وحشي أمام بقية الموقوفين ولم يكن للاستجواب وهو ما تؤكده شهادة الموقوف حينها كمال الحميدي التي ذكر فيها أنه سمع رئيس الفرقة يقول للأعوان منذ أن جلب رشيد "أقتلوه"، وهو ما حصل فعلا إذ جرد رشيد من جميع ملابسه وعلّق عاريا على طريقة "الروتي" وبدأ أحدهم بضربه بكل عنف على مؤخرته بواسطة عصا غليظة (دبوس) وكان عون ثان يضربه في نفس الوقت على رأسه قبل أن يتناوب على ضربه وتعذيبه عديد الأعوان، حتى انسلخ جلده ولم يعد يحتمل حتى الوقوف على رجليه ثم اقتيد في مساء نفس اليوم إلى روضة البلدية الكائنة بحي غرة جوان بسليمان للبحث عن أسلحة مزعومة، ولم يقع العثور على أي سلاح ونقلوه إلى مركز لتربية النحل على ملك العائلة بمنطقة الشريفات أيضا لم يعثروا على أسلحة أثبتت كل التحريات المختلفة فيما بعد أنه لا وجود لها أصلا بعد ذلك أعادوه إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل أين مارسوا عليه أساليب تعذيب وحشية وكان الشماخي ينادي بما تبقّى له من قوة وصوت خافت "ارحموني.. ارحموني" الى أن فارق الحياة في الليلة الفاصلة بين يومي26 و27 أكتوبر1991 حين حاول الذهاب إلى دورة المياه وهو مقيدا بالأغلال.

جلسات المحاكمة..

انطلقت أولى الجلسات في قضية رشيد الشماخي بتاريخ 29 جوان 2018 امام أنظار الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بنابل بعد أن احالتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة ويتضمن الملف انتهاكات القتل العمد والتعذيب المؤدي للموت وتضم لائحة الاتهام 33 متهمّا من بينهم وزراء سابقين ومن بين المتهمين عبد الله القلال والصادق شعبان وعزّ الدين جنيّح ومحمّد علي القنزوعي وغيرهم وقد وجهت اليهم تهم قتل نفس بشرية عمدًا المسبوق والمَتْبوع بجريمة والتعذيب الناجِم عنه موت والاختفاء القسري والإيقاف التعسّفي وإلقاء القبض على شخص واحتجازه دون إذن قانوني صاحَبَهُ العنف والتهديد وتبِعَهُ الموت والتدليس ومسك واستعمال مُدَلَّس والمشاركة في ذلك .

المسار القضائي..

اثر اندلاع الثورة تقدمت عائلة رشيد الشماخي بشكاية لكشف المورطين في عملية قتله وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية بفتح بحث تعهد به أحد قضاة التحقيق بابتدائية قرمبالية وبلغ عدد الذين تم استنطاقهم في القضية 13 متهما من أجل تهمة التعذيب الصادر من موظف عمومي الناتج عنه الموت والمشاركة في ذلك من بينهم أربعة وزراء في النظام السابق وهم الصادق شعبان الذي كان يشغل زمن الحادثة مستشارا لدى رئيس الجمهورية وعبد االله القلال وزير داخلية في تلك الفترة وعبد الرحيم الزواري وزير العدل في تلك الفترة والبشير التكاري وزير عدل سابق الذي تم سماعه فيما بعد كشاهد ومحمد علي القنزوعي مدير عام المصالح المختصة بوزارة الداخلية في تلك الفترة كما استنطق قاضي التحقيق في ذات السياق ثلاثة أطباء ورئيس الفرقة المركزية الأولى للأبحاث والتفتيش بالعوينة سنة 1991 وآمر الحرس الوطني حينها ومدير ادارة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بالعوينة سنة 1991 ومرشد بفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس زمن الحادثة وكلّهم محالون بحالة سراح كما استنطق رئيس فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل سنة 1991 ثم أصدر في شأنه بطاقة جلب بعد فراره من مكتب التحقيق كما أصدر بطاقتي جلب في شأن الرئيس المخلوع ومدير المستشفى الجهوي محمد الطاهر المعموري بنابل خلال شهر أكتوبر 1991 قبل ان تتم احالة الملف على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل التي وجهت الاتهام الى21 متهما بينهم وزراء سابقون واطارات أمنية قاموا بتعقيب قرار الدائرة قبل ان تعود القضية من التعقيب لتنظر فيها دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل بهيئة مغايرة.

شهادات ..

قاضي التحقيق المتعهد بالتحقيق في قضية رشيد الشماخي استمع أيضا إلى عديد الشهادات منها شهادة مستشار أول لدى رئيس الجمهورية وشهادة وكيل جمهورية وحاكم تحقيق سابقين وأمنيين وطبيب إضافة إلى سماع شهادة عائلة الشهيد وأقاربه وموقوفين كانوا شاهدوا حادثة وفاته سنة1991 بمركز ايقافه.

كما تم في نفس الاطار استخراج جثة رشيد الشماخي لإعادة فحصها من جديد وقد ورد في التقرير الطبي الصادر عن لجنة طبية متكونة من ثلاثة أطباء عيّنتهم المحكمة أن أسباب الوفاة ناتجة عن قصور كلوي مع حبس تبول مع قصور كبدي ناتج عن افراز العضلات لمادة عضوية سامة نتيجة اعتداء مما يؤكد فرضية التعذيب.

فيصل بركات..

توفي فيصل بركات سنة 1991 تحت التعذيب بمركز الأبحاث والتفتيش بنابل-وتتزامن هذه الجلسة مع الذكرى الواحدة والثلاثين لوفاته وقد شملت الأبحاث في قضية الشهيد فيصل بركات الرئيس الراحل بن علي وعبد الله القلال والصادق شعبان والبشير التكاري وكمال مرجان ورفيق الحاج قاسم ومستشارين سابقين وكوادر أمنية.

وقد تم ايقاف فيصل بركات يوم 8 أكتوبر1991 بمدينة نابل واقتياده إلى مركز الحرس الوطني بنابل وتحديدا إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش أين تم تعذيبه أشد انواع التعذيب إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة تحت أنظار أكثر من 60 موقوفا من بينهم شقيقه جمال بركات خلال شهر أكتوبر1991 وقد تم الإعلام عن حادث مرور ووفاة لمترجل مجهول الهوية بتاريخ11 أكتوبر1991 بطريق"الغرابي" الرابطة بين منزل بوزلفة وشاطئ "سيدي الرايس" والايهام بأن الشهيد توفي اثر حادث مرور سجل ضد مجهول وتم حفظ القضية بتاريخ 30 مارس1992 لعدم التوصل للجاني.

قبل ان يتم سنة 2009 وبأمر من وزير العدل إلى الوكيل العام بنابل فتح تحقيق للمرة الرابعة في القضية بمحكمة قرمبالية كلف به قاضي التحقيق الأول الذي استقر رأيه على رفض إخراج الجثة متعللا بتحللها لمرور الزمن ولكن بعد الثورة قررت دائرة الاتهام إرجاع الملف إلى مكتب التحقيق المذكور الذي استدعى ستة شهود أكدوا أن فيصل بركات تعرض للتعذيب الوحشي طيلة ست ساعات تقريبا بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل مما تسبب في وفاته على عين المكان وتم فتح الملف الذي أحيل على العدالة الانتقالية ولم يتم البت فيه الى اليوم.

كمال المطماطي..

ولد كمال المطماطي بمطماطة من ولاية قابس يوم 3 مارس 1956 و درس علوم ورياضيات وعمل مساعد مهندس بفرع شركة الكهرباء والغاز بقابس، نشط في العمل النقابي في تلك الشركة ونشط أيضا في العمل السياسي ضمن حركة الاتجاه الإسلامي بمسقط رأسه بمطماطة وبمدينة قابس.

 بتاريخ 7 أكتوبر 1991 قدم أعوان الامن الى مكتب مدير فرع شركة الكهرباء والغاز بقابس وقبضوا على كمال الذي كان خارجا من بيت الوضوء قرب مكتب المدير واقتادوه بالقوة الى الطريق العام واركبوه سيارة وتحولوا به مباشرة الى مكاتب المصلحة المختصة داخل مقر منطقة الشرطة بقابس.

بمجرد وصوله تداول أعوان الأمن بالمصلحة المختصة على ضرب كمال بقوة وعنف على مختلف أنحاء الجسم فأغمي عليه نتيجة كسور لحقته بيديه.

وقد عاين أحد الموقوفين وكان طبيبا تلك الكسور لما طلب منه فحصه في المرة الأولى وأعلمهم بها لكن أصر الاعوان على مواصلة التنكيل به وواصلو ضربه بعصا بقوة ووحشية فسقط مغشيا عليه وفارق الحياة نتيجة ذلك.

توفي المطماطي تحت التعذيب يوم 7 أكتوبر 1991 بمقر منطقة الأمن بقابس وكانت قضيته أول قضية افتتحت بها الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية عملها حيث انطلقت الدائرة المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بقابس في النظر في القضية بتاريخ 29 ماي 2018 ورغم مرور خمس سنوات منذ انطلاق النظر في القضية الا ان البحث عن الحقيقة مازال متواصلا ومازال المطلب الأول لعائلة المطماطي هو معرفة مكان الجثة والذي مازال مجهولا إلى اليوم رغم مرور 32 سنة على وفاته.

وكانت هيئة الدفاع عن المطماطي تقدمت بجملة من الطلبات التحضيرية تتمثل في إشهار واقعة اختفائه وطلب أي معلومة عنه بجريدتين تونسيتين ونشر اعلانات بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة بالإضافة إلى تعهيد فرقة خاصة لاحضار المنسوب إليهم الإنتهاك ومراسلة مصالح وزارة الداخلية المشرفة على المقابر والأموات لتحديد إن كان لهم علم بذلك و قائمة في الجثث التي وقع دفنها بتاريخ متزامن مع تاريخ الوفاة.

وقد شملت الأبحاث في القضية الرئيس الراحل بن علي وعبد الله القلال بصفته وزيرًا للداخلية إبان الواقعة وعز الدين جنيح بصفته مديرًا لأمن الدولة حينها ومحمد علي القنزوعي بصفته مديرًا عامًا للمصالح المختصة زمن الحادثة وحسن عبيد بصفته مديرًا عامًا للاستعلامات حينها و رئيس مصلحة الفرقة المختصة بقابس زمن الحادثة

و رئيس فرقة الأبحاث الخاصة بقابس حينها وخمسة أعوان أمن من فرقة الأبحاث الخاصة بقابس زمن الحادثة وطبيبا.

وقد وجهت للمنسوب إليهم الإنتهاك تهم القتل العمد المسبوق بجريمة التعذيب والمتبوع بجريمتي إخفاء ما تثبت به الجريمة وجثة المجني عليه وفق الفصل 204 من المجلة الجزائية والتعذيب الناجم عنه الموت على معنى الفصلين 101 مكرر و101 ثانيا من المجلة الجزائية و الاختفاء القسري وفق أحكام المواد 1 و3 و6 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري و الإيقاف التعسفي والاحتجاز الذي تبعه موت و إخفاء ما تبثت به الجريمة واخفاء جثة والمشاركة في ذلك.

شهادة عبد الفتاح مورو..

ومن بين اهم المنعرجات التي عرفتها قضية المطماطي شهادة هامة أدلى بها الأستاذ عبد الفتاح مورو خلال حضوره أمام الدائرة المتخصصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقابس حيث ذكر بأنه يعرف تاجرا منذ أكثر من 30 سنة ويميل هذا الاخير إلى الاتجاه الإسلامي وهو أيضا احد المقربين من القيادات الأمنية التي نفّذت العملية وقد أوقف التاجر المذكور في وقت من الأوقات وأصبح الامنيون يتصلون به وخاصة المدعو محمد الناصر وهو باحث في إدارة امن الدولة.

وقال مورو "هذا الأخير اعلم التاجر الذي نقل لي المعطيات التي لا اعلم مدى صحّتها وأشعرني بان كمال المطماطي قتل تحت التعذيب في قابس ثم نقلت الجثة إلى تونس وأريد قبوله في إدارة أمن الدولة ولكن المسؤولين هناك رفضوا ذلك فحصل ارتباك في تلك الفترة وبتعليمات من رئيس منطقة الأمن بقابس نبيل عبيد زمن الواقعة تم دفن جثة المطماطي في خرسانة في قنطرة شارع الجمهورية وتحديدا القسط الأول منها المؤدي إلى مقرين وفق ما رواه لي التاجر الذي أطلعني فيما بعد على تلك القنطرة دون أن يحدّد لي مكان وجود الجثة لأنه لا يعلم بدوره".

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

32 سنة مرت على وفاتهم..   المطماطي..الشماخي..وبركات : ضحايا انتهاكات الماضي بين مسار متعطل..وحقيقة على قائمة الانتظار منذ 5 سنوات

 

تونس-الصباح

32 سنة مرت على وفاة كمال المطماطي (7 اكتوبر 1991) وفيصل بركات (8 اكتوبر 1991) ورشيد الشماخي الذي ستمر 32 سنة قريبا على وفاته (27 اكتوبر 1991)..ملفات وفاة ثلاثتهم منشورة امام الدوائر المختصة للعدالة الانتقالية منذ 2018 ولكنها تراوح مكانها ولم تكشف الحقيقة ولم يحاسب المنسوب اليهم الانتهاك وماراطون الجلسات مازال متواصلا لاسيما بعد تغيير تركيبة عدد من دوائر العدالة الانتقالية في عدة محاكم.

مفيدة القيزاني

رشيد الشماخي..فيصل بركات..كمال المطماطي ملفاتهم عالقة امام دوائر العدالة الانتقالية على غرار حوالي 200 ملف آخر..ملفات تنتظر الحقيقة والاعتذار من الدولة ومن المنسوب لهم الانتهاك.

ملف الشماخي..

كان رشيد الشماخي ألقي عليه القبض واقتيد إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش بمنطقة الحرس الوطني بنابل صباح يوم24 أكتوبر1991 حيث بدأت عملية تعذيبه منذ وصوله إلى المقر الأمني ودون توجيه أية أسئلة له، إذ كانت النية منصبّة على الانتقام والقتل وجعله عبرة للآخرين بتعذيبه بشكل وحشي أمام بقية الموقوفين ولم يكن للاستجواب وهو ما تؤكده شهادة الموقوف حينها كمال الحميدي التي ذكر فيها أنه سمع رئيس الفرقة يقول للأعوان منذ أن جلب رشيد "أقتلوه"، وهو ما حصل فعلا إذ جرد رشيد من جميع ملابسه وعلّق عاريا على طريقة "الروتي" وبدأ أحدهم بضربه بكل عنف على مؤخرته بواسطة عصا غليظة (دبوس) وكان عون ثان يضربه في نفس الوقت على رأسه قبل أن يتناوب على ضربه وتعذيبه عديد الأعوان، حتى انسلخ جلده ولم يعد يحتمل حتى الوقوف على رجليه ثم اقتيد في مساء نفس اليوم إلى روضة البلدية الكائنة بحي غرة جوان بسليمان للبحث عن أسلحة مزعومة، ولم يقع العثور على أي سلاح ونقلوه إلى مركز لتربية النحل على ملك العائلة بمنطقة الشريفات أيضا لم يعثروا على أسلحة أثبتت كل التحريات المختلفة فيما بعد أنه لا وجود لها أصلا بعد ذلك أعادوه إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل أين مارسوا عليه أساليب تعذيب وحشية وكان الشماخي ينادي بما تبقّى له من قوة وصوت خافت "ارحموني.. ارحموني" الى أن فارق الحياة في الليلة الفاصلة بين يومي26 و27 أكتوبر1991 حين حاول الذهاب إلى دورة المياه وهو مقيدا بالأغلال.

جلسات المحاكمة..

انطلقت أولى الجلسات في قضية رشيد الشماخي بتاريخ 29 جوان 2018 امام أنظار الدائرة الجنائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بنابل بعد أن احالتها عليها هيئة الحقيقة والكرامة ويتضمن الملف انتهاكات القتل العمد والتعذيب المؤدي للموت وتضم لائحة الاتهام 33 متهمّا من بينهم وزراء سابقين ومن بين المتهمين عبد الله القلال والصادق شعبان وعزّ الدين جنيّح ومحمّد علي القنزوعي وغيرهم وقد وجهت اليهم تهم قتل نفس بشرية عمدًا المسبوق والمَتْبوع بجريمة والتعذيب الناجِم عنه موت والاختفاء القسري والإيقاف التعسّفي وإلقاء القبض على شخص واحتجازه دون إذن قانوني صاحَبَهُ العنف والتهديد وتبِعَهُ الموت والتدليس ومسك واستعمال مُدَلَّس والمشاركة في ذلك .

المسار القضائي..

اثر اندلاع الثورة تقدمت عائلة رشيد الشماخي بشكاية لكشف المورطين في عملية قتله وقد أذنت النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بقرمبالية بفتح بحث تعهد به أحد قضاة التحقيق بابتدائية قرمبالية وبلغ عدد الذين تم استنطاقهم في القضية 13 متهما من أجل تهمة التعذيب الصادر من موظف عمومي الناتج عنه الموت والمشاركة في ذلك من بينهم أربعة وزراء في النظام السابق وهم الصادق شعبان الذي كان يشغل زمن الحادثة مستشارا لدى رئيس الجمهورية وعبد االله القلال وزير داخلية في تلك الفترة وعبد الرحيم الزواري وزير العدل في تلك الفترة والبشير التكاري وزير عدل سابق الذي تم سماعه فيما بعد كشاهد ومحمد علي القنزوعي مدير عام المصالح المختصة بوزارة الداخلية في تلك الفترة كما استنطق قاضي التحقيق في ذات السياق ثلاثة أطباء ورئيس الفرقة المركزية الأولى للأبحاث والتفتيش بالعوينة سنة 1991 وآمر الحرس الوطني حينها ومدير ادارة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بالعوينة سنة 1991 ومرشد بفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس زمن الحادثة وكلّهم محالون بحالة سراح كما استنطق رئيس فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل سنة 1991 ثم أصدر في شأنه بطاقة جلب بعد فراره من مكتب التحقيق كما أصدر بطاقتي جلب في شأن الرئيس المخلوع ومدير المستشفى الجهوي محمد الطاهر المعموري بنابل خلال شهر أكتوبر 1991 قبل ان تتم احالة الملف على دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل التي وجهت الاتهام الى21 متهما بينهم وزراء سابقون واطارات أمنية قاموا بتعقيب قرار الدائرة قبل ان تعود القضية من التعقيب لتنظر فيها دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بنابل بهيئة مغايرة.

شهادات ..

قاضي التحقيق المتعهد بالتحقيق في قضية رشيد الشماخي استمع أيضا إلى عديد الشهادات منها شهادة مستشار أول لدى رئيس الجمهورية وشهادة وكيل جمهورية وحاكم تحقيق سابقين وأمنيين وطبيب إضافة إلى سماع شهادة عائلة الشهيد وأقاربه وموقوفين كانوا شاهدوا حادثة وفاته سنة1991 بمركز ايقافه.

كما تم في نفس الاطار استخراج جثة رشيد الشماخي لإعادة فحصها من جديد وقد ورد في التقرير الطبي الصادر عن لجنة طبية متكونة من ثلاثة أطباء عيّنتهم المحكمة أن أسباب الوفاة ناتجة عن قصور كلوي مع حبس تبول مع قصور كبدي ناتج عن افراز العضلات لمادة عضوية سامة نتيجة اعتداء مما يؤكد فرضية التعذيب.

فيصل بركات..

توفي فيصل بركات سنة 1991 تحت التعذيب بمركز الأبحاث والتفتيش بنابل-وتتزامن هذه الجلسة مع الذكرى الواحدة والثلاثين لوفاته وقد شملت الأبحاث في قضية الشهيد فيصل بركات الرئيس الراحل بن علي وعبد الله القلال والصادق شعبان والبشير التكاري وكمال مرجان ورفيق الحاج قاسم ومستشارين سابقين وكوادر أمنية.

وقد تم ايقاف فيصل بركات يوم 8 أكتوبر1991 بمدينة نابل واقتياده إلى مركز الحرس الوطني بنابل وتحديدا إلى مقر فرقة الأبحاث والتفتيش أين تم تعذيبه أشد انواع التعذيب إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة تحت أنظار أكثر من 60 موقوفا من بينهم شقيقه جمال بركات خلال شهر أكتوبر1991 وقد تم الإعلام عن حادث مرور ووفاة لمترجل مجهول الهوية بتاريخ11 أكتوبر1991 بطريق"الغرابي" الرابطة بين منزل بوزلفة وشاطئ "سيدي الرايس" والايهام بأن الشهيد توفي اثر حادث مرور سجل ضد مجهول وتم حفظ القضية بتاريخ 30 مارس1992 لعدم التوصل للجاني.

قبل ان يتم سنة 2009 وبأمر من وزير العدل إلى الوكيل العام بنابل فتح تحقيق للمرة الرابعة في القضية بمحكمة قرمبالية كلف به قاضي التحقيق الأول الذي استقر رأيه على رفض إخراج الجثة متعللا بتحللها لمرور الزمن ولكن بعد الثورة قررت دائرة الاتهام إرجاع الملف إلى مكتب التحقيق المذكور الذي استدعى ستة شهود أكدوا أن فيصل بركات تعرض للتعذيب الوحشي طيلة ست ساعات تقريبا بمقر فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بنابل مما تسبب في وفاته على عين المكان وتم فتح الملف الذي أحيل على العدالة الانتقالية ولم يتم البت فيه الى اليوم.

كمال المطماطي..

ولد كمال المطماطي بمطماطة من ولاية قابس يوم 3 مارس 1956 و درس علوم ورياضيات وعمل مساعد مهندس بفرع شركة الكهرباء والغاز بقابس، نشط في العمل النقابي في تلك الشركة ونشط أيضا في العمل السياسي ضمن حركة الاتجاه الإسلامي بمسقط رأسه بمطماطة وبمدينة قابس.

 بتاريخ 7 أكتوبر 1991 قدم أعوان الامن الى مكتب مدير فرع شركة الكهرباء والغاز بقابس وقبضوا على كمال الذي كان خارجا من بيت الوضوء قرب مكتب المدير واقتادوه بالقوة الى الطريق العام واركبوه سيارة وتحولوا به مباشرة الى مكاتب المصلحة المختصة داخل مقر منطقة الشرطة بقابس.

بمجرد وصوله تداول أعوان الأمن بالمصلحة المختصة على ضرب كمال بقوة وعنف على مختلف أنحاء الجسم فأغمي عليه نتيجة كسور لحقته بيديه.

وقد عاين أحد الموقوفين وكان طبيبا تلك الكسور لما طلب منه فحصه في المرة الأولى وأعلمهم بها لكن أصر الاعوان على مواصلة التنكيل به وواصلو ضربه بعصا بقوة ووحشية فسقط مغشيا عليه وفارق الحياة نتيجة ذلك.

توفي المطماطي تحت التعذيب يوم 7 أكتوبر 1991 بمقر منطقة الأمن بقابس وكانت قضيته أول قضية افتتحت بها الدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية عملها حيث انطلقت الدائرة المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بقابس في النظر في القضية بتاريخ 29 ماي 2018 ورغم مرور خمس سنوات منذ انطلاق النظر في القضية الا ان البحث عن الحقيقة مازال متواصلا ومازال المطلب الأول لعائلة المطماطي هو معرفة مكان الجثة والذي مازال مجهولا إلى اليوم رغم مرور 32 سنة على وفاته.

وكانت هيئة الدفاع عن المطماطي تقدمت بجملة من الطلبات التحضيرية تتمثل في إشهار واقعة اختفائه وطلب أي معلومة عنه بجريدتين تونسيتين ونشر اعلانات بوسائل الإعلام المرئية والمسموعة بالإضافة إلى تعهيد فرقة خاصة لاحضار المنسوب إليهم الإنتهاك ومراسلة مصالح وزارة الداخلية المشرفة على المقابر والأموات لتحديد إن كان لهم علم بذلك و قائمة في الجثث التي وقع دفنها بتاريخ متزامن مع تاريخ الوفاة.

وقد شملت الأبحاث في القضية الرئيس الراحل بن علي وعبد الله القلال بصفته وزيرًا للداخلية إبان الواقعة وعز الدين جنيح بصفته مديرًا لأمن الدولة حينها ومحمد علي القنزوعي بصفته مديرًا عامًا للمصالح المختصة زمن الحادثة وحسن عبيد بصفته مديرًا عامًا للاستعلامات حينها و رئيس مصلحة الفرقة المختصة بقابس زمن الحادثة

و رئيس فرقة الأبحاث الخاصة بقابس حينها وخمسة أعوان أمن من فرقة الأبحاث الخاصة بقابس زمن الحادثة وطبيبا.

وقد وجهت للمنسوب إليهم الإنتهاك تهم القتل العمد المسبوق بجريمة التعذيب والمتبوع بجريمتي إخفاء ما تثبت به الجريمة وجثة المجني عليه وفق الفصل 204 من المجلة الجزائية والتعذيب الناجم عنه الموت على معنى الفصلين 101 مكرر و101 ثانيا من المجلة الجزائية و الاختفاء القسري وفق أحكام المواد 1 و3 و6 من الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري و الإيقاف التعسفي والاحتجاز الذي تبعه موت و إخفاء ما تبثت به الجريمة واخفاء جثة والمشاركة في ذلك.

شهادة عبد الفتاح مورو..

ومن بين اهم المنعرجات التي عرفتها قضية المطماطي شهادة هامة أدلى بها الأستاذ عبد الفتاح مورو خلال حضوره أمام الدائرة المتخصصة بالنظر في قضايا العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بقابس حيث ذكر بأنه يعرف تاجرا منذ أكثر من 30 سنة ويميل هذا الاخير إلى الاتجاه الإسلامي وهو أيضا احد المقربين من القيادات الأمنية التي نفّذت العملية وقد أوقف التاجر المذكور في وقت من الأوقات وأصبح الامنيون يتصلون به وخاصة المدعو محمد الناصر وهو باحث في إدارة امن الدولة.

وقال مورو "هذا الأخير اعلم التاجر الذي نقل لي المعطيات التي لا اعلم مدى صحّتها وأشعرني بان كمال المطماطي قتل تحت التعذيب في قابس ثم نقلت الجثة إلى تونس وأريد قبوله في إدارة أمن الدولة ولكن المسؤولين هناك رفضوا ذلك فحصل ارتباك في تلك الفترة وبتعليمات من رئيس منطقة الأمن بقابس نبيل عبيد زمن الواقعة تم دفن جثة المطماطي في خرسانة في قنطرة شارع الجمهورية وتحديدا القسط الأول منها المؤدي إلى مقرين وفق ما رواه لي التاجر الذي أطلعني فيما بعد على تلك القنطرة دون أن يحدّد لي مكان وجود الجثة لأنه لا يعلم بدوره".