إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في تسعينية الحركة الكشفية بتونس: جامعيون يتحدثون عن مساهمة الكشافة التونسية في الحركة الوطنية وبناء دولة الاستقلال

 

أهم إسهامات الكشافة كانت من خلال تبوء الكشفيين مراتب عليا في الدولة محليا وجهويا ووطنيا

تونس: الصباح

احتفالا بتسعينية الحركة الكشفية بتونس نظمت الكشافة التونسية أمس ندوة علمية بالعاصمة بحضور عدد من قادتها وتحدث المشاركون فيها عن تاريخ هذه الحركة وأشادوا بمساهمتها في الحركة الوطنية وفي بناء دولة الاستقلال، ودعوا جميع من مروا على الكشافة إلى تسليم الوثائق التي في حوزتهم لمؤسسة الأرشيف الوطني لإثراء الرصيد الوثائقي للمنظمة.

الدكتور محمد ضيف الله أستاذ التاريخ في معهد تاريخ تونس المعاصر قدم بسطة عن منهجية كتابة تاريخ الحركة الكشفية، والمصادر والمراجع التي يمكن اعتمادها لهذا الغرض وقال إنه درس الحركة الكشفية طيلة الفترة الاستعمارية، وأول المصادر التي اعتمدها هي الأرشيفات وأهمها الأرشيف الوطني وكذلك الأرشيفات الموجودة في البلدان العربية والملفات الأرشيفية الفرنسية التي تم نسخها والمتوفرة في معهد تاريخ تونس المعاصر وهي تكتسي صبغة أمنية بالنظر إلى صلة الحركة الكشفية بحركة التحرر الوطني والمظاهرات التي تم تنظيمها في الفترة الاستعمارية كما توجد وثائق أخرى تهم التعليم لأن الكشافة كانت تركز في أنشطتها على المدارس.

وأضاف المؤرخ أن أرشيفات النشاط الكشفي التونسي في فترة الاستقلال يمكن العثور عليها في أرشيفات المنظمات الكشفية الفرنسية والمنظمة الكشفية العالمية وفي الأرشيف الوطني لأن الكشافة رحلت رصيدها الوثائقي إلى مؤسسة الأرشيف وهو يغطي جميع أنشطتها ويبلغ طول هذا الأرشيف حوالي 13 مترا لكن عند البحث فيه يتضح أن آخر حد زمني هو 2012 أما الوثائق الأقدم فتغطي فترة الثمانيات والتسعينات والعشرية الأولى من القرن الحالي ولا توجد وثائق كثيرة حول فترات الخمسينات والستينات والسبعينات. وقال إنه إضافة إلي أهمية المصادر يجب على القادة الكشفيين تسجيل شهاداتهم الشفوية وكتابة مذكراتهم.

ويتمثل المصدر الآخر الهام المتعلق بأرشيفات الكشافة حسب المؤرخ ضيف الله في النشريات الكشفية التي تهم أقسام التدريب والجوالة وغيرها وهو رصيد موجود في الأرشيف الوطني كما توجد نشريات أخرى ترد على الكشافة من حركات كشفية عربية وأوروبية ومن المنظمة الكشفية العالمية.

وأضاف أنه قام بإحصائيات تبين من خلالها انه في الثمانيات توجد أربعة عناوين فقط يتصدرها كتاب رشيد رحومة حول الحركة الكشفية في تونس وصدر هذا الكتاب سنة 1984 وهناك كتاب الحبيب بلعيد الأستاذ المتميز في الجامعة التونسية وصدر سنة 1985 وهو حول الحركة الكشفية في بداية الثلاثينات ومنها جمعية الكشاف المسلم أما في التسعينات فصدرت ستة عناوين منها شهادة الدراسات المعمقة لمصطفى بوحجلة والتي قدمها عام 1995 ـ 1996 وهناك مقالات منشورة تتعلق مواضيعها بالحركة الكشفية وفي العشرية الأخيرة صدر كتاب للقائد محمد الدريدي حول الحركة الكشفية قرن في كتابة الأجيال وهناك كتاب آخر تناول بالدرس الحركة الكشفية في قليبية. كما توجد نشريات أصدرتها جمعية الكشاف الاسلامية التونسية ووثائق تعود للاتحاد الكشافي الإسلامي.

وأضاف الجامعي أن ظهور للحركة الكشفية في تونس يعود إلى سنة 1933 وكانت هناك تعددية كما كان لأنشطتها بعد وطني وهي النجم الكشفي والهلال الكشفي وكشافة الخضراء والكشاف الملي. وبين أنه بعد أحداث 9 أفريل 1938 هناك جمعيات وقع حلها وأخرى انضوت تحت جمعية الكشافة الفرنسية ومنها الكشاف المسلم أما كشافة الخضراء فقد كانت تنشط تحت رعاية الباي واستمر نشاطها مع المنصف باي وحظيت بعناية القصر الملكي ثم تم حلها سنة 1943.

وأشار الدكتور محمد ضيف الله إلى أنه في فترة الأربعينيات كانت هناك جمعية الكشاف المسلم التونسي ومن أبرز قياداتها عز الدين عزوز والمنجي بالي والتي كانت تنشط ضمن الكشافة الفرنسية وقد اتحدت مع الكشاف التونسي المسلم ثم اتحدت مع جمعية أخرى وهي جمعية كشاف تونس، وفي سنة 1947 أصبحت تسمى الكشافة الإسلامية التونسية. وبين المؤرخ أن هناك مجموعة من كشاف تونس كانت تنشط في التعليم ومنها انبثقت جمعية المصائف ومن قادتها نجد مصطفى النابلي والحبيب صفر وهما من رجال التعليم وغير مسيسين.

وبين أنه توجد جمعية أخرى وهي اتحاد الكشاف الإسلامي وقبل الحرب كان يقودها الدكتور أحمد بن ميلاد وبعد الحرب كان من قادتها محمد بن عبد القادر ومحمود غديرة وكانت هذه الجمعية قريبة من اللجنة التنفيذية للحزب الدستوري. أما الجمعية الرابعة فهي كشافة الرجاء وقد ظهرت سنة 1948.

وأشار إلى أنه في فترة الخمسينات ومن الناحية العددية كانت الكشافة الإسلامية تتصدر الحركة الكشفية ويبلغ عدد أعضائها 2000، ثم نجد كشاف تونس التي كانت في المرتبة الثانية وأصبحت في المرتبة الثالثة بعدد من الأعضاء في حدود 200 ثم كشافة الرجاء ويبلغ عدد أعضائها 300 ونجد في المرتبة الرابعة اتحاد الكشاف الإسلامي. وبين أنه في سنة 1938 هناك جمعيات تم حلها وأخرى انضوت تحت جمعية الكشافة الفرنسية وفي سنة 1943ـ 1944 عادت من جديد. ثم تم حلها سنة 1952 لمساهمتها في مقاومة الاستعمار لتعود من جديد للنشاط سنة 1954 وفي سنة 1956 تم توحيد جميع الجمعيات وقد سبق في الأربعينات أن حصلت محاولات لتوحيد جميع الجمعيات الكشفية. وأشار الجامعي إلى أنه في سنة 1964 تم حل الكشافة وانضوت تحت لواء اتحاد منظمات الشباب والذي جمع كل المنظمات الشبابية لأن مؤتمر الحزب الدستوري أراد ذلك، وفي سنة 1971 عادت الكشافة لأن الحزب أذن بعودة النشاط الكشفي وتم تنظيم مؤتمر الكشافة في جانفي 1972 وهو المؤتمر الثامن.

ولاحظ أن الجمعيات كانت متنوعة سياسيا فهناك منها من كانت قريبة من الحزب الدستوري الجديد وهناك من كانت قريبة من الحزب الدستوري القديم وهناك من كانت قريبة من المدرسة الزيتونية في حين هناك من كانت محايدة أما في الجهات فقد ظهرت جمعية هامة في المهدية أسسها القائد المعلم بشير عطية وكانت لها فروع في سوسة والعاصمة والقصرين.

وقال ضيف الله أن أول قائد عام للكشافة هو عبد الله الزواغي وذلك في فترة 1956ـ 1960، ثم زكرياء بن مصطفى في فترة 1962ـ 1964 وبعد عودة الكشافة عاد عبد الله الزواعي وذكر أنه من بين القيادات البارزة للكشافة التونسية نجد محمد رشاد الباجي بين الستينات والثمانينات وفي فترة التسعينات هناك محمد التريكي كما نجد القائد علي فتح الله والقائد وحيد العبيدي.

أما الدكتور يحي الغول أستاذ التاريخ المعاصر فتطرق إلى مساهمة الحركة الكشفية في نابل في حركة التحرير الوطني وفي الرقي الاجتماعي وركز في مداخلته التي جاءت تحت عنوان الحركة الكشفية والحركتين الإصلاحية والنقابية على أربعة عناصر وهي مرحلة التأسيس والعلاقة بين الحركة الكشفية والحركة النقابية، والحركة الكشفية وأحداث 1952 والحركة الكشفية وبناء الدولة التونسية، وذكر أن تأسيس الحركة الكشفية في تونس يعود إلى سنة 1933 وقد مثلت تلك الحقبة منعرجا في تاريخ تونس حيث وقع تأسيس الحزب الدستوري الجديد وظهر مفهوم الوطن. ولاحظ أن الحركة الكشفية ستتجسد فعليا سنة 1944 بالتزامن مع انطلاق الحزب الدستوري الجديد في النشاط والتعامل مع المنظمات الوطنية. وأضاف أنه في شهادة لمحمد الصفاقسي قال الصفاقسي انه عمل على تأطير فئة شعبية تنشط في الأسواق الحرفية وحقق نجاحا في هذا المضمار. وبخصوص العلاقة مع الحركة النقابية بين ان محمد الغول هو من أسس للحركة النقابية في نابل والاتحاد الجهوي للشغل بنابل وفي غرة ماي كان الاتحاد يستعد لتنظم مسيرة في المدينة وعمل على الاستعانة بفرقة الكشافة لحماية النظام ومنذ سنة 1948 أصبحت الكشافة تقوم بحفظ نظام التظاهرات في نابل. وبخصوص مساهمة الحركة الكشفية في أحداث جانفي 1954 قال انه تم تكوين فرقة الفتيات وتم تأطير القائدة آسيا الغلاب التي كانت تدرس في مدرسة البنت المسلمة وتحصلت على تكوين في الخياطة والتطريز وكانت على استعداد للتحرك ضد الاستعمار كردة فعل على اضطهاد العمال ، وتولت فرقة الفتيات تكوين فرقة الغزلان وفرقة الخطاف تحت إشراف آسيا الغلاب. وبين انه في مؤتمر 18 جانفي تم الإعلان عن الثورة على الاستعمار وتم الاتفاق في نابل على تنظيم مظاهرة تكون في طليعتها نسوة وتم تكليف آسيا الغلاب بذلك وكان الانطلاق من الجامع الكبير وألقت آسيا الغلاب كلمة حماسية بمعية فتيات أخريات وسقط في تلك المظاهرة خمسة شهداء من قبل قوات الاستعمار وتبعتها عدة اعتقالات وكانت آسيا غلاب ومحمد الصفاقسي من بين المعتقلين الذين تم الزج بهم في المحتشدات ومنها محتشد الجنوب، وأضاف الجامعي أن آسيا وقتها كانت قد أنجبت طفلها الأول حديثا ولكن تم اعتقالها في نفس المحتشد الذي يوجد فيه بورقيبة وهو ما فاجأه لذلك سألها بورقيبة ما هو السبب الذي جعلك تأتين إلى هذا المحتشد فأجابته إن ما جاء بك إلى هنا جاء بي وهي مقولة تحمل رمزية كبيرة في الحركة الكشفية.

ولدى حديثه عن مساهمة الكشافة في بناء الحركة الوطنية قال إن القائد محمد الصفاقسي قال لزكريا بن مصطفى ان الكشافة لها دور في النهوض بالمجتمع، وفي هذا الإطار تم تأمين دروس لرفع الأمية من قبل الكشافة، وبعد التكوين الرامي لرفع الأمية انطلقت دولة الاستقلال إعداد إطارات لكي يتولوا المسؤولية واستعانت في ذلك بالكشافة. وقد الجامعي أمثلة عن ذلك وأهمها تعيين محمد الصفاقسي مكونا في الحرس الوطني وعضوا في لجنة انتداب الحرس وهو بذلك استوعب نسبة كبيرة من أبناء الكشافة في هذا السلك وقد لعبوا دورا كبيرا في دعم استقلال تونس وفي معركة الجلاء ثم في بداية الستينات أصبح القائد الصفاقسي آمرا للحرس الوطني.

فترة اتحاد الشباب

الدكتور عيسى البكوش تطرق في مداخلته إلى فترة اتحاد الشباب 1965ـ 1971 وبين أن الحركة الكشفية مرت بمد وجزر ولكن في الحقبة المذكور ذوبت هويتها لانصهارها في اتحاد الشباب التونسي. وذكر أن الراحل البشير بن سلامة قال في كتابه إن هذا الاتحاد جمع شتات المنظمات الشبابية وأن بورقيبة استقبل أعضاء الهيئة المشرفة عليه وكان معجبا بهذا الانجاز رغم معارضة جرائد يسارية .. وأضاف البكوش أن هناك قادة لم يعبروا عن تحمسهم لهذا الاندماج وذكر انه اثر محاولة قلب النظام سنة 1962 شعر النظام بالخطر وعمل على تجميع كل المنظمات داخل هذا الهيكل وتم تنظيم ندوة وطنية وكان هناك تيار رفض انضمام اتحاد الطلبة في اتحاد شباب تونس وتواصلت عملية الدمج إلى سنة 1972 حيث استرجعت المنظمة بعد المؤتمر عافيتها. وذكر أن أهم إسهامات الكشافة كانت من خلال تبوء الكشفيين مراتب عليا في الدولة محليا وجهويا ووطنيا ومن بينهم رشيد صفر والهادي البكوش وزكريا بن مصطفى هذا القائد العالم على حد وصفه لأنه درس أجيالا في كلية العلوم وأدار مدة عقد كامل معهد صلامبو واضطلع بمناصب وال ووزير وشيخ مدينة تونس و شارك في قمة الأرض وهو من أحدث حديقة الحيوانات وكان نبراسا لكل الكشافين الذين يحق لهم الاعتداد بمنظمتهم الولادة. وبين أنه لا يمكن أن ننسى محمد رشاد الباجي القائد الذي ساهم في إحداث المركز الثقافي والرياضي بالمنزه، وخلص إلى أن الحركة الكشفية باقية وستتواصل المسيرة الكشفية لكن ما سيتغير هو الأسلوب لأنه بفضل الثورة الاتصالية سيتسع مدى الحركة الكشفية أكثر لأن التطلع الى اكتشاف الآخر والمساهمة في حماية البيئة سيدفع الشباب الكون إلى خوض مغامرة جديدة وهي مغامرة الوجود.

إشعاع عالمي

وقدم القائد وحيد العبيدي مداخلة حول المؤتمر الكشفي العالمي 2005 وبين أن كل الكشفيين يعتزون بتاريخ الحركة الكشفية وبما قام المؤسسون والقيادات سواء في فترة ما قبل الاستقلال أو في فترة بناء الدولة الحديثة أو بعد التسعينات وبعد الثورة. وذكر أن هناك الكثير ممن يتحسرون على ماضي الكشافة التونسية وهو إجحاف في حقها لأن الحركة الكشفية على مر تاريخها وجدت لتلبية حاجيات الفتية والمجتمع، وهي اليوم بكل المعايير حاضرها أفضل من ماضيها. وبين أنه ليس مؤرخا بل هو شاهد على نشاط الكشافة التونسية، وذكر أنه منذ أن عمل القائد أحمد الشطي على استضافة المؤتمر الكشفي العالمي فتح باب العالمية أمام الكشافة التونسية، وبين انه كانت هناك منافسة تونس ومصر في استضافة المؤتمر وكانت الكشافة التونسية تتمتع بصورة متميزة على المستوى العربي كما لعبت السلطة السياسية دورا كبيرا لدعم حظوظ تونس في احتضان المؤتمر إذ قام الرئيس بن علي بإرسال مطلب إلى جينيف وهكذا تم قبول مطلب الكشافة التونسية وبين أن من لعب دورا لإقناع المنظمة العالمية هو المرحوم فوزي الفرغلي وفضلا عن السلطة السياسة التي لعبت دورا كبيرا لاستضافة المؤتمر. وساهم نجاح ذلك المؤتمر في تموقع الكشافة التونسية وفي إشعاعها عالميا..

وأشار القائد العام للكشافة التونسية محمد علي الخياري إلى أن الاحتفال بالتسعينية جاء بفضل تمرير شعلة من قادة كبار وأسماء لامعة مثل زكرياء بن مصطفى ورشيد صفر وحامد القروي وعبر عن أمله في أن تكون وضعية الجمعية مستقبلا أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

في تسعينية الحركة الكشفية بتونس:  جامعيون يتحدثون عن مساهمة الكشافة التونسية في الحركة الوطنية وبناء دولة الاستقلال

 

أهم إسهامات الكشافة كانت من خلال تبوء الكشفيين مراتب عليا في الدولة محليا وجهويا ووطنيا

تونس: الصباح

احتفالا بتسعينية الحركة الكشفية بتونس نظمت الكشافة التونسية أمس ندوة علمية بالعاصمة بحضور عدد من قادتها وتحدث المشاركون فيها عن تاريخ هذه الحركة وأشادوا بمساهمتها في الحركة الوطنية وفي بناء دولة الاستقلال، ودعوا جميع من مروا على الكشافة إلى تسليم الوثائق التي في حوزتهم لمؤسسة الأرشيف الوطني لإثراء الرصيد الوثائقي للمنظمة.

الدكتور محمد ضيف الله أستاذ التاريخ في معهد تاريخ تونس المعاصر قدم بسطة عن منهجية كتابة تاريخ الحركة الكشفية، والمصادر والمراجع التي يمكن اعتمادها لهذا الغرض وقال إنه درس الحركة الكشفية طيلة الفترة الاستعمارية، وأول المصادر التي اعتمدها هي الأرشيفات وأهمها الأرشيف الوطني وكذلك الأرشيفات الموجودة في البلدان العربية والملفات الأرشيفية الفرنسية التي تم نسخها والمتوفرة في معهد تاريخ تونس المعاصر وهي تكتسي صبغة أمنية بالنظر إلى صلة الحركة الكشفية بحركة التحرر الوطني والمظاهرات التي تم تنظيمها في الفترة الاستعمارية كما توجد وثائق أخرى تهم التعليم لأن الكشافة كانت تركز في أنشطتها على المدارس.

وأضاف المؤرخ أن أرشيفات النشاط الكشفي التونسي في فترة الاستقلال يمكن العثور عليها في أرشيفات المنظمات الكشفية الفرنسية والمنظمة الكشفية العالمية وفي الأرشيف الوطني لأن الكشافة رحلت رصيدها الوثائقي إلى مؤسسة الأرشيف وهو يغطي جميع أنشطتها ويبلغ طول هذا الأرشيف حوالي 13 مترا لكن عند البحث فيه يتضح أن آخر حد زمني هو 2012 أما الوثائق الأقدم فتغطي فترة الثمانيات والتسعينات والعشرية الأولى من القرن الحالي ولا توجد وثائق كثيرة حول فترات الخمسينات والستينات والسبعينات. وقال إنه إضافة إلي أهمية المصادر يجب على القادة الكشفيين تسجيل شهاداتهم الشفوية وكتابة مذكراتهم.

ويتمثل المصدر الآخر الهام المتعلق بأرشيفات الكشافة حسب المؤرخ ضيف الله في النشريات الكشفية التي تهم أقسام التدريب والجوالة وغيرها وهو رصيد موجود في الأرشيف الوطني كما توجد نشريات أخرى ترد على الكشافة من حركات كشفية عربية وأوروبية ومن المنظمة الكشفية العالمية.

وأضاف أنه قام بإحصائيات تبين من خلالها انه في الثمانيات توجد أربعة عناوين فقط يتصدرها كتاب رشيد رحومة حول الحركة الكشفية في تونس وصدر هذا الكتاب سنة 1984 وهناك كتاب الحبيب بلعيد الأستاذ المتميز في الجامعة التونسية وصدر سنة 1985 وهو حول الحركة الكشفية في بداية الثلاثينات ومنها جمعية الكشاف المسلم أما في التسعينات فصدرت ستة عناوين منها شهادة الدراسات المعمقة لمصطفى بوحجلة والتي قدمها عام 1995 ـ 1996 وهناك مقالات منشورة تتعلق مواضيعها بالحركة الكشفية وفي العشرية الأخيرة صدر كتاب للقائد محمد الدريدي حول الحركة الكشفية قرن في كتابة الأجيال وهناك كتاب آخر تناول بالدرس الحركة الكشفية في قليبية. كما توجد نشريات أصدرتها جمعية الكشاف الاسلامية التونسية ووثائق تعود للاتحاد الكشافي الإسلامي.

وأضاف الجامعي أن ظهور للحركة الكشفية في تونس يعود إلى سنة 1933 وكانت هناك تعددية كما كان لأنشطتها بعد وطني وهي النجم الكشفي والهلال الكشفي وكشافة الخضراء والكشاف الملي. وبين أنه بعد أحداث 9 أفريل 1938 هناك جمعيات وقع حلها وأخرى انضوت تحت جمعية الكشافة الفرنسية ومنها الكشاف المسلم أما كشافة الخضراء فقد كانت تنشط تحت رعاية الباي واستمر نشاطها مع المنصف باي وحظيت بعناية القصر الملكي ثم تم حلها سنة 1943.

وأشار الدكتور محمد ضيف الله إلى أنه في فترة الأربعينيات كانت هناك جمعية الكشاف المسلم التونسي ومن أبرز قياداتها عز الدين عزوز والمنجي بالي والتي كانت تنشط ضمن الكشافة الفرنسية وقد اتحدت مع الكشاف التونسي المسلم ثم اتحدت مع جمعية أخرى وهي جمعية كشاف تونس، وفي سنة 1947 أصبحت تسمى الكشافة الإسلامية التونسية. وبين المؤرخ أن هناك مجموعة من كشاف تونس كانت تنشط في التعليم ومنها انبثقت جمعية المصائف ومن قادتها نجد مصطفى النابلي والحبيب صفر وهما من رجال التعليم وغير مسيسين.

وبين أنه توجد جمعية أخرى وهي اتحاد الكشاف الإسلامي وقبل الحرب كان يقودها الدكتور أحمد بن ميلاد وبعد الحرب كان من قادتها محمد بن عبد القادر ومحمود غديرة وكانت هذه الجمعية قريبة من اللجنة التنفيذية للحزب الدستوري. أما الجمعية الرابعة فهي كشافة الرجاء وقد ظهرت سنة 1948.

وأشار إلى أنه في فترة الخمسينات ومن الناحية العددية كانت الكشافة الإسلامية تتصدر الحركة الكشفية ويبلغ عدد أعضائها 2000، ثم نجد كشاف تونس التي كانت في المرتبة الثانية وأصبحت في المرتبة الثالثة بعدد من الأعضاء في حدود 200 ثم كشافة الرجاء ويبلغ عدد أعضائها 300 ونجد في المرتبة الرابعة اتحاد الكشاف الإسلامي. وبين أنه في سنة 1938 هناك جمعيات تم حلها وأخرى انضوت تحت جمعية الكشافة الفرنسية وفي سنة 1943ـ 1944 عادت من جديد. ثم تم حلها سنة 1952 لمساهمتها في مقاومة الاستعمار لتعود من جديد للنشاط سنة 1954 وفي سنة 1956 تم توحيد جميع الجمعيات وقد سبق في الأربعينات أن حصلت محاولات لتوحيد جميع الجمعيات الكشفية. وأشار الجامعي إلى أنه في سنة 1964 تم حل الكشافة وانضوت تحت لواء اتحاد منظمات الشباب والذي جمع كل المنظمات الشبابية لأن مؤتمر الحزب الدستوري أراد ذلك، وفي سنة 1971 عادت الكشافة لأن الحزب أذن بعودة النشاط الكشفي وتم تنظيم مؤتمر الكشافة في جانفي 1972 وهو المؤتمر الثامن.

ولاحظ أن الجمعيات كانت متنوعة سياسيا فهناك منها من كانت قريبة من الحزب الدستوري الجديد وهناك من كانت قريبة من الحزب الدستوري القديم وهناك من كانت قريبة من المدرسة الزيتونية في حين هناك من كانت محايدة أما في الجهات فقد ظهرت جمعية هامة في المهدية أسسها القائد المعلم بشير عطية وكانت لها فروع في سوسة والعاصمة والقصرين.

وقال ضيف الله أن أول قائد عام للكشافة هو عبد الله الزواغي وذلك في فترة 1956ـ 1960، ثم زكرياء بن مصطفى في فترة 1962ـ 1964 وبعد عودة الكشافة عاد عبد الله الزواعي وذكر أنه من بين القيادات البارزة للكشافة التونسية نجد محمد رشاد الباجي بين الستينات والثمانينات وفي فترة التسعينات هناك محمد التريكي كما نجد القائد علي فتح الله والقائد وحيد العبيدي.

أما الدكتور يحي الغول أستاذ التاريخ المعاصر فتطرق إلى مساهمة الحركة الكشفية في نابل في حركة التحرير الوطني وفي الرقي الاجتماعي وركز في مداخلته التي جاءت تحت عنوان الحركة الكشفية والحركتين الإصلاحية والنقابية على أربعة عناصر وهي مرحلة التأسيس والعلاقة بين الحركة الكشفية والحركة النقابية، والحركة الكشفية وأحداث 1952 والحركة الكشفية وبناء الدولة التونسية، وذكر أن تأسيس الحركة الكشفية في تونس يعود إلى سنة 1933 وقد مثلت تلك الحقبة منعرجا في تاريخ تونس حيث وقع تأسيس الحزب الدستوري الجديد وظهر مفهوم الوطن. ولاحظ أن الحركة الكشفية ستتجسد فعليا سنة 1944 بالتزامن مع انطلاق الحزب الدستوري الجديد في النشاط والتعامل مع المنظمات الوطنية. وأضاف أنه في شهادة لمحمد الصفاقسي قال الصفاقسي انه عمل على تأطير فئة شعبية تنشط في الأسواق الحرفية وحقق نجاحا في هذا المضمار. وبخصوص العلاقة مع الحركة النقابية بين ان محمد الغول هو من أسس للحركة النقابية في نابل والاتحاد الجهوي للشغل بنابل وفي غرة ماي كان الاتحاد يستعد لتنظم مسيرة في المدينة وعمل على الاستعانة بفرقة الكشافة لحماية النظام ومنذ سنة 1948 أصبحت الكشافة تقوم بحفظ نظام التظاهرات في نابل. وبخصوص مساهمة الحركة الكشفية في أحداث جانفي 1954 قال انه تم تكوين فرقة الفتيات وتم تأطير القائدة آسيا الغلاب التي كانت تدرس في مدرسة البنت المسلمة وتحصلت على تكوين في الخياطة والتطريز وكانت على استعداد للتحرك ضد الاستعمار كردة فعل على اضطهاد العمال ، وتولت فرقة الفتيات تكوين فرقة الغزلان وفرقة الخطاف تحت إشراف آسيا الغلاب. وبين انه في مؤتمر 18 جانفي تم الإعلان عن الثورة على الاستعمار وتم الاتفاق في نابل على تنظيم مظاهرة تكون في طليعتها نسوة وتم تكليف آسيا الغلاب بذلك وكان الانطلاق من الجامع الكبير وألقت آسيا الغلاب كلمة حماسية بمعية فتيات أخريات وسقط في تلك المظاهرة خمسة شهداء من قبل قوات الاستعمار وتبعتها عدة اعتقالات وكانت آسيا غلاب ومحمد الصفاقسي من بين المعتقلين الذين تم الزج بهم في المحتشدات ومنها محتشد الجنوب، وأضاف الجامعي أن آسيا وقتها كانت قد أنجبت طفلها الأول حديثا ولكن تم اعتقالها في نفس المحتشد الذي يوجد فيه بورقيبة وهو ما فاجأه لذلك سألها بورقيبة ما هو السبب الذي جعلك تأتين إلى هذا المحتشد فأجابته إن ما جاء بك إلى هنا جاء بي وهي مقولة تحمل رمزية كبيرة في الحركة الكشفية.

ولدى حديثه عن مساهمة الكشافة في بناء الحركة الوطنية قال إن القائد محمد الصفاقسي قال لزكريا بن مصطفى ان الكشافة لها دور في النهوض بالمجتمع، وفي هذا الإطار تم تأمين دروس لرفع الأمية من قبل الكشافة، وبعد التكوين الرامي لرفع الأمية انطلقت دولة الاستقلال إعداد إطارات لكي يتولوا المسؤولية واستعانت في ذلك بالكشافة. وقد الجامعي أمثلة عن ذلك وأهمها تعيين محمد الصفاقسي مكونا في الحرس الوطني وعضوا في لجنة انتداب الحرس وهو بذلك استوعب نسبة كبيرة من أبناء الكشافة في هذا السلك وقد لعبوا دورا كبيرا في دعم استقلال تونس وفي معركة الجلاء ثم في بداية الستينات أصبح القائد الصفاقسي آمرا للحرس الوطني.

فترة اتحاد الشباب

الدكتور عيسى البكوش تطرق في مداخلته إلى فترة اتحاد الشباب 1965ـ 1971 وبين أن الحركة الكشفية مرت بمد وجزر ولكن في الحقبة المذكور ذوبت هويتها لانصهارها في اتحاد الشباب التونسي. وذكر أن الراحل البشير بن سلامة قال في كتابه إن هذا الاتحاد جمع شتات المنظمات الشبابية وأن بورقيبة استقبل أعضاء الهيئة المشرفة عليه وكان معجبا بهذا الانجاز رغم معارضة جرائد يسارية .. وأضاف البكوش أن هناك قادة لم يعبروا عن تحمسهم لهذا الاندماج وذكر انه اثر محاولة قلب النظام سنة 1962 شعر النظام بالخطر وعمل على تجميع كل المنظمات داخل هذا الهيكل وتم تنظيم ندوة وطنية وكان هناك تيار رفض انضمام اتحاد الطلبة في اتحاد شباب تونس وتواصلت عملية الدمج إلى سنة 1972 حيث استرجعت المنظمة بعد المؤتمر عافيتها. وذكر أن أهم إسهامات الكشافة كانت من خلال تبوء الكشفيين مراتب عليا في الدولة محليا وجهويا ووطنيا ومن بينهم رشيد صفر والهادي البكوش وزكريا بن مصطفى هذا القائد العالم على حد وصفه لأنه درس أجيالا في كلية العلوم وأدار مدة عقد كامل معهد صلامبو واضطلع بمناصب وال ووزير وشيخ مدينة تونس و شارك في قمة الأرض وهو من أحدث حديقة الحيوانات وكان نبراسا لكل الكشافين الذين يحق لهم الاعتداد بمنظمتهم الولادة. وبين أنه لا يمكن أن ننسى محمد رشاد الباجي القائد الذي ساهم في إحداث المركز الثقافي والرياضي بالمنزه، وخلص إلى أن الحركة الكشفية باقية وستتواصل المسيرة الكشفية لكن ما سيتغير هو الأسلوب لأنه بفضل الثورة الاتصالية سيتسع مدى الحركة الكشفية أكثر لأن التطلع الى اكتشاف الآخر والمساهمة في حماية البيئة سيدفع الشباب الكون إلى خوض مغامرة جديدة وهي مغامرة الوجود.

إشعاع عالمي

وقدم القائد وحيد العبيدي مداخلة حول المؤتمر الكشفي العالمي 2005 وبين أن كل الكشفيين يعتزون بتاريخ الحركة الكشفية وبما قام المؤسسون والقيادات سواء في فترة ما قبل الاستقلال أو في فترة بناء الدولة الحديثة أو بعد التسعينات وبعد الثورة. وذكر أن هناك الكثير ممن يتحسرون على ماضي الكشافة التونسية وهو إجحاف في حقها لأن الحركة الكشفية على مر تاريخها وجدت لتلبية حاجيات الفتية والمجتمع، وهي اليوم بكل المعايير حاضرها أفضل من ماضيها. وبين أنه ليس مؤرخا بل هو شاهد على نشاط الكشافة التونسية، وذكر أنه منذ أن عمل القائد أحمد الشطي على استضافة المؤتمر الكشفي العالمي فتح باب العالمية أمام الكشافة التونسية، وبين انه كانت هناك منافسة تونس ومصر في استضافة المؤتمر وكانت الكشافة التونسية تتمتع بصورة متميزة على المستوى العربي كما لعبت السلطة السياسية دورا كبيرا لدعم حظوظ تونس في احتضان المؤتمر إذ قام الرئيس بن علي بإرسال مطلب إلى جينيف وهكذا تم قبول مطلب الكشافة التونسية وبين أن من لعب دورا لإقناع المنظمة العالمية هو المرحوم فوزي الفرغلي وفضلا عن السلطة السياسة التي لعبت دورا كبيرا لاستضافة المؤتمر. وساهم نجاح ذلك المؤتمر في تموقع الكشافة التونسية وفي إشعاعها عالميا..

وأشار القائد العام للكشافة التونسية محمد علي الخياري إلى أن الاحتفال بالتسعينية جاء بفضل تمرير شعلة من قادة كبار وأسماء لامعة مثل زكرياء بن مصطفى ورشيد صفر وحامد القروي وعبر عن أمله في أن تكون وضعية الجمعية مستقبلا أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

سعيدة بوهلال