إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

انخرطت فيها شبكات دولية.. تهريب الذهب.."تجارة محرمة" تخفي خلفها غسيل الأموال... تمويل الإرهاب.. ودعم الجريمة المنظمة

 

 

*تونس في ذيل ترتيب الدول العربية باحتياطات الذهب

*أكثر من 19 طنا من الذهب تم تهريبها من تركيا إلى تونس سنتيْ 2012 و 2014

*تهريب السلع والخامات والمعادن مصدراً لتمويل الإرهاب العابر للحدود

تونس-الصباح

تهريب الذهب ممارسة قديمة ولكنها أصبحت أكثر انتشارا وباتت تقبل عليها الشبكات المحلية والدولية وفتحت بابا لجرائم أخرى حيث لم يعد معلوما الطريق الذي ستسلكه الأموال المتأتية من تهريب المعدن الأصفر وحتى الأبيض والألماس خاصة مع وجود احتمالات كبيرة في أن شبكات تهريب المصوغ مورطة في تمويل الشبكات الارهابية كما أن تهريب الذهب تختبئ خلفه جريمة غسيل الأموال.

مفيدة القيزاني

حجز ما قيمته حوالي مليار من الذهب المهرب..

سددت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني بالصمار التابعة لفصيل تطاوين فجر الخميس28 سبتمبر 2023 ضربة موجعة لمروجي الذهب حيث نجحت في ضبط سيارة تحمل ترقيما أجنبيا محملة بكمية هامة من المصوغ المهرب من معدن الذهب مخفية بإحكام داخل مخبأ مهيأ تحت المقاعد الأمامية للسيارة قدرت بـ 9084 غراما وإثر القيام بعملية تعييرها ووزنها من قبل السيد أمين الصاغة بتطاوين بلغت قيمتها 1.68مليون دينار .

 في ما حددت قيمة السيارة المحجوزة بـ50 ألف دينار.

وفي ذات السياق وفي وقت سابق وفي إطار مكافحة التهريب على كامل التراب الوطني، تمكنت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني بالصخيرة من إحباط محاولة تهريب 24300 غرام من الفضة في شكل سبائك ومصوغ تم ضبطها مخفية داخل سيارة خفيفة على مستوى الطريق الوطنية رقم 1 وقد كان على متنها مواطنين تونسيي الجنسية لم يستظهرا بما يثبت شرعية مسك هذه الكمية من المعدن الثمين ومصدرها والتي ناهزت قيمتها 70 ألف دينار

كما تمكنت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني بمدنين من ضبط كمية هامة من المصوغ المزيف مخفية بإحكام على متن شاحنة ثقيلة وذلك إثر إخضاعها إلى التفتيش الدقيق حيث تم العثور على مخبأ مهيأ داخل خزان الوقود يحتوي على أكياس بداخلها كمية المصوغ المزيف والتي تزن إجمالا 140 كلغ إضافة إلى كمية من المعسل تزن 79 كلغ.

وتمكنت فرقة الحرس الديواني التونسي من حجز 135 كلغ من المصوغ المزيف المهرب.

وتمت العملية إثر رصد سيارة قادمة من تطاوين في اتجاه مدينة بن قردان حيث أمكن حجز كمية هامة من المصوغ المزيف المهرب قدرت بـ135 كلغ مخفية داخل الصندوق الخلفي للسيارة.

ونجحت دورية مشتركة بين فرقة الإجرام للحرس ببن عروس والمصلحة الأولى بالطريق السيارة (أ 1) في تفكيك شبكة مختصة في تهريب المجوهرات تنشط بين الجزائر وتونس.

وقد ألقت الوحدات القبض على 4 عناصر من هذه الشبكة وحجزت مبلغا ماليا من العملة الجزائرية وسيارتين.

وتمكنت الفرقة الثانية لمكافحة الإجرام بالحرس الوطني وبعد توفر معلومات من تفكيك شبكة تتكون من 4 أشخاص من بينهم جزائري تنشط في مجال تهريب المجوهرات النفيسة، كانت تعتزم التفريط فيها بالبيع بإحدى ولايات تونس الكبرى بعد أن تم تهريبها من الجزائر وتتمثل هذه المجوهرات في ذهب أبيض وألماس مرصع بالأحجار الثمينة.

وتفكيك هذه الشبكة تم بعد نصب كمين محكم على مستوى محطة الاستخلاص بمرناق وذلك بالتعاون مع الوحدة المتعهدة بالبحث والمصلحة الأولى للطريق السيارة.

لجنة التحاليل المالية..

كشفت لجنة التحاليل المالية أن أكثر من 19 طنا من الذهب تم تهريبها من تركيا إلى تونس سنتيْ 2012 و2014 ، وأكثر من 29 مليارا من المليمات قيمةُ الذهب الذي حجزته الديوانة التونسية سنتي 2016 و2017.

وقدّرت "اللجنة التونسية للتحاليل المالية" التّابعة للبنك المركزي التونسي، في تقرير بعنوان “التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب” كمّية الذهب التي تمّ تهريبها من تركيا باتجاه تونس بين 2012 و2014 بأكثر من 19 طنا.

مسالك تهريب الذهب..

وفي هذا التقرير، أوردت اللجنة أنّ "مسالك تهريب الذهب بين تركيا وتونس نشيطة جدا وأن الأرقام تفيد بأنه بين سنتي 2012 و2014 ، تُقدَّرُ قيمة الذهب الذي تمّ توريده خلسة إلى تونس بـ19 طنا و400 كلغ” أي ما يعادل، تقريبا ثلاثة أضعاف احتياطي تونس الحالي من هذا المعدن النفيس.

وقالت إن “كميات هامة من الذهب متأتّية من دول الجوار وأنه يتمّ ترويجها بتونس” مشيرة إلى “استغلال تونس كبلد عبور لكميات هامة من معدن الذهب في اتجاه تركيا ودول آسيوية بغرض تصنيعها هناك وإعادتها عبر تونس إلى دول الجوار” في إشارة إلى ليبيا والجزائر.

كميات بالمليارات..

خلال سنة 2016 فاقت القيمة المالية لكميات الذهب التي حجزتها مصالح الديوانية 13 مليارا و873 ألف دينار من المليمات، مقابل أكثر من 15 مليارا و387 ألف دينار من المليمات سنة 2015 ، وفق إحصائيات الديوانة التونسية.

لفتت اللجنة الى خطورة ظاهرة خلط الذهب بالنحاس والمعادن الاخرى لصنع مصوغ يعرض على انه ذهب خالص وتواتر تدليس الطابع الرسمي للذهب التونسي وعدم احترام اجراءات بيع هذا المعدن للمستهلكين (الوزن والعيار ومصدر السلع..).

وأقرت اللجنة بان قطاع الذهب في تونس معرض لـ"تهديدات مرتفعة" على علاقة بسوء تنظيم القطاع والوضع الجغراسياسي لمنطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط وتفشى التهريب مقارنة بمستوى احياطي الدولة من الذهب علما ان كميات هامة من الذهب المهرب تتأتى من دول الجوار.

وتعتبر الجزائر “سوقا زاخرة بالنسبة لتركيا وايطاليا، فالجزائريون يشترون المصوغ من هذين البلدين، ويكون دخول البضاعة من ليبيا مرورا بتونس بطرق غير مشروعة” حسب “المجمع المهني للمصوغ” التابع لـ » كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (CONECT ».

وتوصلت اللجنة الى أن قطاع الذهب الذي يشغّل ما يزيد عن 6000 حرفي يتسلمون الذهب الخام من البنك المركزي التونسي لتصنيعه يشكو من انعدام اجراءات متابعة وترصد العمليات المشبوهة ومن تدابير التحقق من هوية المستفيد فضلا عن انعدام التصاريح والقيام بعمليات تجارية نقدا مما يعيق تتبع مصادر الاموال.

استغلال قطاع الذهب..

وفي تقريرها نبّهت اللّجنة إلى المستوى “المرتفع” لمخاطر وتهديدات “استغلال قطاع الذهب في غسل الأموال” بتونس خصوصا في ظل "الوضع الجغراسياسي الذي تمر به منطقة شمال إفريقيا والشرق الوسط، وتفشّي التهريب وعبور كميات هائلة من الذهب مقارنة بمستوى احتياطي الدولة (التونسية) من الذهب".

وفسّرت ارتفاع مستوى المخاطر والتهديدات المذكورة بـ”عدم الإلمام في صفوف المهنيين التونسيين بالواجبات المحمولة على تجّار المصوغ والمعادن النفيسة من حيث وضع برامج وتدابير تطبيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، و”انعدام إجراءات متابعة وترصّد العمليات المشبوهة والتصريح بها” و”انعدام مستوى التدابير التي من شأنها التحقّق من هوية المستفيد الفعلي” من عمليات بيع وشراء الذهب.

كما فسّرته بـ”أهمية العمليات التجارية (بيع وشراء الذهب) المنجزة ‘نقدا’ (cash) مما يعيق محاولة تتبع مصدر الأموال”، و”انعدام التصاريح من قبل تجار المصوغ”، و”صعوبة الرجوع إلى أرشيف العمليات المنجزة”، كل ذلك في ظل "سوء تنظيم المهنة وعدم نجاعة آليات الرقابة على قطاع الذهب".

وقالت إنه على الرغم من أن القانون عدد 15 لسنة 2005 المنظم لهذه المهنة يلزم “التاجر أو الحرفي” بأن “يوفّر للحريف فاتورة مفصّلة تتضمن خصائص قطعة المصوغ (الوزن والعيار…) ومصدر السِّلع” وأن “يُسجّل (الفاتورة) بدفتر محاسبي للمواد يتم تذييله من طرف مصالح وزارة المالية”، "فإنّه وحسب مخرجات التحريات العدلية لجهات إنفاذ القانون لا يتم احترام هذه الإجراءات".

 صلاحية البنك المركزي..

من الناحية القانونية يُعتبر البنك المركزي الجهة الوحيدة على المستوى الوطني المخول لها توريد الذهب المعدّ للصناعيين وتوزيعه على “التعاضديات” المهنيّة.

 وتنحصر مهام البنك المركزي في شراء الذهب الخالص، سواء باستيراده أو اقتنائه من وزارة المالية، وتوزيعه شهريا على “التعاضديات” في آجال مضبوطة وعلى أساس مستندات رسمية مختومة.

ويحدّد البنك المركزي سعر بيع الذهب إلى التعاضديّات على أساس سعر الذهب النافذ في السوق العالمية وسعر صرف الدولار مقابل الدينار.

غش..

وصفت لجنة التحاليل المالية قطاع الذهب والمصوغ بأنّه “من بين القطاعات الأكثر تعقيدا في تونس نظرا لكثرة المتداخلين فيه بين حرفيين ووسطاء من أصحاب رؤوس الأموال وصناعيين وتجار”.. وتقول اللجنة: "يشكو هذا القطاع من العديد من المشاكل المرتبطة بتفشي الغش من ذلك تفشي ظاهرة خلط الذهب بالنحاس والحديد وبمعادن أخرى على غرار السليكون لصنع مصوغ يُعرَض للبيْع على أنّه من الذهب الخالص، بالإضافة إلى تواتر تدليس وافتعال القضايا المتعلقة بالطابع الرسمي التونسي للذهب".

ولاحظت أن قطاع الذهب في تونس شهد في السنوات الأخيرة “أزمات متتالية”، أرجعتها بالخصوص إلى التهريب والتجارة الموازية وتقلبات سعر الذهب وإجراءات التزود بالذهب وتمويل نشاط أصحاب المهنة.

تقرير مجلس الذهب العالمي..

نشرالسنة الماضية مجلس الذهب العالمي تقريره لاحتياطيات البنوك المركزية في العالم من الذهب، وقد أظهرت البيانات أن الاحتياطيات بلغت 35571.3 طن من المعدن.

ووفقا للبيانات فقد زاد إجمالي الاحتياطيات بنحو 11 طنا في تقرير شهر جانفي 2022 مقارنة بشهر ديسمبر 2021.

 وتأتي تونس في ذيل ترتيب الدول العربية باحتياطات الذهب، حيث حلت في المرتبة الـ13 عربيا و81 عالميا باحتياطي يقدر بـ6.8 طن (الترتيب كاملا في الجدول المصاحب).

وتتصدر السعودية الدول العربية باحتياطيات الذهب، حيث تمتلك المملكة 323.1 طن من المعدن النفيس، وذلك وفقا لأول تقرير لمجلس الذهب العالمي هذا العام.

عالميّا تتصدر الولايات المتحدة دول العالم باحتياطيات المعدن النفيس، حيث تمتلك 8133.5 طن، تليها في المرتبة الثانية ألمانيا (3359.1 طن)، ومن ثم إيطاليا (2451.8 طن)، وبعدها تأتي فرنسا (2436.4 طن)، ومن ثم روسيا (2298.5 طن).

ملاذ آمن..

 ويعد الذهب ملاذا آمنا، وخاصة في أوقات الأزمات، حيث يتجه الكثيرون نحو شرائه للتحوط من مخاطر التضخم، وفي الأعوام الماضية شهدت أسعار المعدن النفيس ارتفاعا في ظل أزمة فيروس كورونا وتبعاتها

تهريب الخامات والسلع عبر الحدود..

يرى الدكتور في القانون جابر غنيمي أنه تنتشر في مناطق الصراعات في منطقة الساحل الافريقي التعدين غير النظامي على يد قطاعات واسعة من الأطراف المحلية التي تستغل غياب الدولة عن العديد من المناطق التي تتمتع بثروات معدنية کبيرة. وينتشر نشاط التنقيب غير النظامي عن الذهب بصورة خاصة والذي يشکل مورد رزق لملايين الأفارقة. وفي ظل الاحتياج الدائم لبيع الذهب والمعادن المستخرجة، تنشط شبکات التهريب عبر الحدود الأمر الذي يربطها بشبکات التهريب والجريمة المنظمة. هذه الکميات الکبيرة من المعادن لم تکن ليتم تهريبها من دون استغلال شبکات التهريب للضعف الشديد للحدود لدول منطقة الساحل.

ويعد تهريب السلع والخامات والمعادن مصدراً لتمويل الإرهاب العابر للحدود، حيث تشير التقديرات إلى أن التعدين غير النظامي يشکل مصدراً لما تبلغ قيمته 17% من تمويل الجماعات المسلحة حول العالم، وهي النسبة التي ترتفع في السياق الأفريقي، خاصة مع تواتر الشواهد على نشاط التنظيمات الإرهابية في هذا المجال بصورة کبيرة، حيث يعد التنقيب عن الذهب مصدراً رئيسياً لتمويل نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي.

5- اتساع نشاط شبکات الجريمة المنظمة العابر للحدود:

تحولت العديد من دول منطقة الساحل الافريقي إلى ساحة لعب مفتوحة للعديد من التنظيمات الإجرامية التي حققت استفادة مزدوجة من تردي الأوضاع الأمنية والسياسية من ناحية، ومن التطور التقني الهائل من ناحية أخرى.

وبرز الساحل الأفريقي کمرکز لانتشار شبکات الجريمة المنظمة والتي تعددت مظاهر نشاطها لتشمل غسيل الأموال، وتهريب البشر، والتجارة بالأعضاء البشرية، وتهريب السلع المختلفة المشروع منها وغير المشروع. وتلعب الجماعات الرعوية دوراً أساسياً في تهريب البضائع بين بلدان الساحل الأفريقي نظراً لحرکتها الطبيعية العابرة للحدود، وعادةً ما يتم مقايضة هذه السلع بالإبل أو الماشية. وتشمل قائمة السلع المهربة المواد الغذائية والحاصلات الزراعية والسجائر.

کما تحول إقليم الساحل الأفريقي إلى حلقة وصل أساسية في أحد أهم طرق تهريب المخدرات حول العالم حيث يعد نقطة تجميع للمخدرات من دول أمريکا اللاتينية قبل أن يعاد تصديرها للسوق الرئيسية في أوروبا. إذ تصل المخدرات من أمريکا اللاتينية إلى دول خليج غينيا المطلة على الأطلنطي وخصوصاً عدد من الدول الصغيرة کغينيا بيساو وسيراليون وغانا، قبل أن تنقل إلى المطارات الداخلية لدول الساحل الأفريقي ومنها إلى أوروبا.

ومن بين المشکلات الرئيسية التي نجمت عن اتساع نشاط شبکات الجريمة المنظمة في دول منطقة الساحل الافريقي تحولها التدريجي إلى شريک رئيسي للتنظيمات الإرهابية، حيث تميز العديد من التحليلات بين جيلين من منظمات الجريمة، أولهما أقدم کان ينأى بنفسه عن أي شکل من أشکال التورط في علاقات بالتنظيمات الإرهابية، ويسعى لضمان استدامة نشاطه عبر الزمن من خلال بناء علاقات مصلحية قوية بالمجتمع المحيط تمنحه جذوراً قوية. وبين جيل ثان أحدث أقل التزاماً ببناء علاقات إيجابية بمجتمعه، ويسعى لتعظيم أرباحه الآنية بأي وسيلة، الأمر الذي يجعل من التنظيمات الإرهابية حليفاً مفضلاً بالنسبة له.

الخلاصة والنتائج:

من خلال استعراض التهديدات الامنية المتعددة في دول منطقة الساحل الافريقي، والبحث في مسببات ظهورها، ورصد سياسات الاستجابة على المستويات المختلفة، يمکن الخروج بعدد من الخلاصات الرئيسية تتمثل في:

1. تنتمي النسبة الغالبة من التهديدات الامنية في دول منطقة الساحل الافريقي إلى تهديدات الأمن غير التقليدية، وذلک بعد التراجع الحاد في الصراعات الدولية على الحدود والتي باتت محصورة في عدد محدود من النزاعات والتي عادة ما لا يتم اللجوء للمواجهات المباشرة بين الجيوش الوطنية لتسويتها في ظل تعدد البدائل السياسية والقانونية المتاحة بما في ذلک التعاون المشترک. ويأتي هذا الوضع المستجد بعد أن شهدت القارة الأفريقية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين العديد من الصراعات الحدودية کالصراع بين الصومال وإثيوبيا، وبين ليبيا وتشاد، وبين السنغال وموريتانيا. لکن هذا التحول لا يعکس أي تراجع في حدة مهددات أمن الحدود بعدما أثبتته المهددات غير التقليدية من قدرة على تکبيد الدول الأفريقية خسائر کبرى.

2. يعکس واقع التهديدات الامنية في دول منطقة الساحل الافريقي اتساقاً واضحاً مع مقولات المدرسة البنائية في هذا المجال. حيث ترتبط المهددات القائمة ارتباطاً وثيقا بمسببات يغلب عليها الطابع الاجتماعي، فضلاً عن تفاقم حدتها بمنطق التراکم عبر عملية تاريخية ممتدة يمکن رصد أصولها المبکرة خلال الحقبة الاستعمارية قبل أن تتسبب سياسات الحکومات المتعاقبة على الدول الأفريقية في إکسابها المزيد من العمق والتجذر.

 وعلى جانب آخر، تعتمد سياسات الاستجابة الأفريقية لمهددات أمن الحدود على ترتيبات الأمن الجماعي خاصة في المستويين الإقليمي والقاري.

وعلى الرغم من الاعتماد الأفريقي المتزايد على ترتيبات الأمن الجماعي في مواجهة تهديدات أمن الحدود، لا يزال هناک حضور بارز للمقاربات التقليدية القائمة على السياسات الحمائية الانکفائية خاصة لدى بعض الدول الأفريقية الواقعة في أقاليم مضطربة أو التي تشهد علاقات متوترة بدول جوارها. حيث لا تزال ممارسات من قبيل غلق الحدود ومنع مرور الأفراد والبضائع قائمة في حالات أفريقية متعددة.

المطلوب مزيد من الجهد..

 لا يزال هناک المزيد من الجهد المطلوب بذله من جانب الأطراف المختلفة المعنية بأمن الحدود في أفريقيا، على أن يتم توجيهه في مسارات ثلاثة، أولها تحقيق قدر أعلى من التنسيق بين سياسات تأمين الحدود سواء بين المستويات المختلفة (الوطني والإقليمي والقاري) أو بين الفاعلين في کل مستوى. ويتمثل المسار الثاني في توسيع نطاق سياسات مواجهة مهددات أمن الحدود بحيث تصبح أکثر قدرة على معالجة المسببات الجذرية لهذه المهددات بتعزيز الاشتباک مع العوامل ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أما المسار الأخير فيتصل بالارتقاء بمرونة سياسات تأمين الحدود في أفريقيا والذي يسمح لها بأن تکون أکثر سرعة في الاستجابة للتطورات المتلاحقة في مهددات أمن الحدود.

 

 

 انخرطت فيها شبكات دولية..   تهريب الذهب.."تجارة محرمة" تخفي خلفها غسيل الأموال... تمويل الإرهاب.. ودعم الجريمة المنظمة

 

 

*تونس في ذيل ترتيب الدول العربية باحتياطات الذهب

*أكثر من 19 طنا من الذهب تم تهريبها من تركيا إلى تونس سنتيْ 2012 و 2014

*تهريب السلع والخامات والمعادن مصدراً لتمويل الإرهاب العابر للحدود

تونس-الصباح

تهريب الذهب ممارسة قديمة ولكنها أصبحت أكثر انتشارا وباتت تقبل عليها الشبكات المحلية والدولية وفتحت بابا لجرائم أخرى حيث لم يعد معلوما الطريق الذي ستسلكه الأموال المتأتية من تهريب المعدن الأصفر وحتى الأبيض والألماس خاصة مع وجود احتمالات كبيرة في أن شبكات تهريب المصوغ مورطة في تمويل الشبكات الارهابية كما أن تهريب الذهب تختبئ خلفه جريمة غسيل الأموال.

مفيدة القيزاني

حجز ما قيمته حوالي مليار من الذهب المهرب..

سددت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني بالصمار التابعة لفصيل تطاوين فجر الخميس28 سبتمبر 2023 ضربة موجعة لمروجي الذهب حيث نجحت في ضبط سيارة تحمل ترقيما أجنبيا محملة بكمية هامة من المصوغ المهرب من معدن الذهب مخفية بإحكام داخل مخبأ مهيأ تحت المقاعد الأمامية للسيارة قدرت بـ 9084 غراما وإثر القيام بعملية تعييرها ووزنها من قبل السيد أمين الصاغة بتطاوين بلغت قيمتها 1.68مليون دينار .

 في ما حددت قيمة السيارة المحجوزة بـ50 ألف دينار.

وفي ذات السياق وفي وقت سابق وفي إطار مكافحة التهريب على كامل التراب الوطني، تمكنت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني بالصخيرة من إحباط محاولة تهريب 24300 غرام من الفضة في شكل سبائك ومصوغ تم ضبطها مخفية داخل سيارة خفيفة على مستوى الطريق الوطنية رقم 1 وقد كان على متنها مواطنين تونسيي الجنسية لم يستظهرا بما يثبت شرعية مسك هذه الكمية من المعدن الثمين ومصدرها والتي ناهزت قيمتها 70 ألف دينار

كما تمكنت دورية تابعة لفرقة الحرس الديواني بمدنين من ضبط كمية هامة من المصوغ المزيف مخفية بإحكام على متن شاحنة ثقيلة وذلك إثر إخضاعها إلى التفتيش الدقيق حيث تم العثور على مخبأ مهيأ داخل خزان الوقود يحتوي على أكياس بداخلها كمية المصوغ المزيف والتي تزن إجمالا 140 كلغ إضافة إلى كمية من المعسل تزن 79 كلغ.

وتمكنت فرقة الحرس الديواني التونسي من حجز 135 كلغ من المصوغ المزيف المهرب.

وتمت العملية إثر رصد سيارة قادمة من تطاوين في اتجاه مدينة بن قردان حيث أمكن حجز كمية هامة من المصوغ المزيف المهرب قدرت بـ135 كلغ مخفية داخل الصندوق الخلفي للسيارة.

ونجحت دورية مشتركة بين فرقة الإجرام للحرس ببن عروس والمصلحة الأولى بالطريق السيارة (أ 1) في تفكيك شبكة مختصة في تهريب المجوهرات تنشط بين الجزائر وتونس.

وقد ألقت الوحدات القبض على 4 عناصر من هذه الشبكة وحجزت مبلغا ماليا من العملة الجزائرية وسيارتين.

وتمكنت الفرقة الثانية لمكافحة الإجرام بالحرس الوطني وبعد توفر معلومات من تفكيك شبكة تتكون من 4 أشخاص من بينهم جزائري تنشط في مجال تهريب المجوهرات النفيسة، كانت تعتزم التفريط فيها بالبيع بإحدى ولايات تونس الكبرى بعد أن تم تهريبها من الجزائر وتتمثل هذه المجوهرات في ذهب أبيض وألماس مرصع بالأحجار الثمينة.

وتفكيك هذه الشبكة تم بعد نصب كمين محكم على مستوى محطة الاستخلاص بمرناق وذلك بالتعاون مع الوحدة المتعهدة بالبحث والمصلحة الأولى للطريق السيارة.

لجنة التحاليل المالية..

كشفت لجنة التحاليل المالية أن أكثر من 19 طنا من الذهب تم تهريبها من تركيا إلى تونس سنتيْ 2012 و2014 ، وأكثر من 29 مليارا من المليمات قيمةُ الذهب الذي حجزته الديوانة التونسية سنتي 2016 و2017.

وقدّرت "اللجنة التونسية للتحاليل المالية" التّابعة للبنك المركزي التونسي، في تقرير بعنوان “التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب” كمّية الذهب التي تمّ تهريبها من تركيا باتجاه تونس بين 2012 و2014 بأكثر من 19 طنا.

مسالك تهريب الذهب..

وفي هذا التقرير، أوردت اللجنة أنّ "مسالك تهريب الذهب بين تركيا وتونس نشيطة جدا وأن الأرقام تفيد بأنه بين سنتي 2012 و2014 ، تُقدَّرُ قيمة الذهب الذي تمّ توريده خلسة إلى تونس بـ19 طنا و400 كلغ” أي ما يعادل، تقريبا ثلاثة أضعاف احتياطي تونس الحالي من هذا المعدن النفيس.

وقالت إن “كميات هامة من الذهب متأتّية من دول الجوار وأنه يتمّ ترويجها بتونس” مشيرة إلى “استغلال تونس كبلد عبور لكميات هامة من معدن الذهب في اتجاه تركيا ودول آسيوية بغرض تصنيعها هناك وإعادتها عبر تونس إلى دول الجوار” في إشارة إلى ليبيا والجزائر.

كميات بالمليارات..

خلال سنة 2016 فاقت القيمة المالية لكميات الذهب التي حجزتها مصالح الديوانية 13 مليارا و873 ألف دينار من المليمات، مقابل أكثر من 15 مليارا و387 ألف دينار من المليمات سنة 2015 ، وفق إحصائيات الديوانة التونسية.

لفتت اللجنة الى خطورة ظاهرة خلط الذهب بالنحاس والمعادن الاخرى لصنع مصوغ يعرض على انه ذهب خالص وتواتر تدليس الطابع الرسمي للذهب التونسي وعدم احترام اجراءات بيع هذا المعدن للمستهلكين (الوزن والعيار ومصدر السلع..).

وأقرت اللجنة بان قطاع الذهب في تونس معرض لـ"تهديدات مرتفعة" على علاقة بسوء تنظيم القطاع والوضع الجغراسياسي لمنطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط وتفشى التهريب مقارنة بمستوى احياطي الدولة من الذهب علما ان كميات هامة من الذهب المهرب تتأتى من دول الجوار.

وتعتبر الجزائر “سوقا زاخرة بالنسبة لتركيا وايطاليا، فالجزائريون يشترون المصوغ من هذين البلدين، ويكون دخول البضاعة من ليبيا مرورا بتونس بطرق غير مشروعة” حسب “المجمع المهني للمصوغ” التابع لـ » كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (CONECT ».

وتوصلت اللجنة الى أن قطاع الذهب الذي يشغّل ما يزيد عن 6000 حرفي يتسلمون الذهب الخام من البنك المركزي التونسي لتصنيعه يشكو من انعدام اجراءات متابعة وترصد العمليات المشبوهة ومن تدابير التحقق من هوية المستفيد فضلا عن انعدام التصاريح والقيام بعمليات تجارية نقدا مما يعيق تتبع مصادر الاموال.

استغلال قطاع الذهب..

وفي تقريرها نبّهت اللّجنة إلى المستوى “المرتفع” لمخاطر وتهديدات “استغلال قطاع الذهب في غسل الأموال” بتونس خصوصا في ظل "الوضع الجغراسياسي الذي تمر به منطقة شمال إفريقيا والشرق الوسط، وتفشّي التهريب وعبور كميات هائلة من الذهب مقارنة بمستوى احتياطي الدولة (التونسية) من الذهب".

وفسّرت ارتفاع مستوى المخاطر والتهديدات المذكورة بـ”عدم الإلمام في صفوف المهنيين التونسيين بالواجبات المحمولة على تجّار المصوغ والمعادن النفيسة من حيث وضع برامج وتدابير تطبيقية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”، و”انعدام إجراءات متابعة وترصّد العمليات المشبوهة والتصريح بها” و”انعدام مستوى التدابير التي من شأنها التحقّق من هوية المستفيد الفعلي” من عمليات بيع وشراء الذهب.

كما فسّرته بـ”أهمية العمليات التجارية (بيع وشراء الذهب) المنجزة ‘نقدا’ (cash) مما يعيق محاولة تتبع مصدر الأموال”، و”انعدام التصاريح من قبل تجار المصوغ”، و”صعوبة الرجوع إلى أرشيف العمليات المنجزة”، كل ذلك في ظل "سوء تنظيم المهنة وعدم نجاعة آليات الرقابة على قطاع الذهب".

وقالت إنه على الرغم من أن القانون عدد 15 لسنة 2005 المنظم لهذه المهنة يلزم “التاجر أو الحرفي” بأن “يوفّر للحريف فاتورة مفصّلة تتضمن خصائص قطعة المصوغ (الوزن والعيار…) ومصدر السِّلع” وأن “يُسجّل (الفاتورة) بدفتر محاسبي للمواد يتم تذييله من طرف مصالح وزارة المالية”، "فإنّه وحسب مخرجات التحريات العدلية لجهات إنفاذ القانون لا يتم احترام هذه الإجراءات".

 صلاحية البنك المركزي..

من الناحية القانونية يُعتبر البنك المركزي الجهة الوحيدة على المستوى الوطني المخول لها توريد الذهب المعدّ للصناعيين وتوزيعه على “التعاضديات” المهنيّة.

 وتنحصر مهام البنك المركزي في شراء الذهب الخالص، سواء باستيراده أو اقتنائه من وزارة المالية، وتوزيعه شهريا على “التعاضديات” في آجال مضبوطة وعلى أساس مستندات رسمية مختومة.

ويحدّد البنك المركزي سعر بيع الذهب إلى التعاضديّات على أساس سعر الذهب النافذ في السوق العالمية وسعر صرف الدولار مقابل الدينار.

غش..

وصفت لجنة التحاليل المالية قطاع الذهب والمصوغ بأنّه “من بين القطاعات الأكثر تعقيدا في تونس نظرا لكثرة المتداخلين فيه بين حرفيين ووسطاء من أصحاب رؤوس الأموال وصناعيين وتجار”.. وتقول اللجنة: "يشكو هذا القطاع من العديد من المشاكل المرتبطة بتفشي الغش من ذلك تفشي ظاهرة خلط الذهب بالنحاس والحديد وبمعادن أخرى على غرار السليكون لصنع مصوغ يُعرَض للبيْع على أنّه من الذهب الخالص، بالإضافة إلى تواتر تدليس وافتعال القضايا المتعلقة بالطابع الرسمي التونسي للذهب".

ولاحظت أن قطاع الذهب في تونس شهد في السنوات الأخيرة “أزمات متتالية”، أرجعتها بالخصوص إلى التهريب والتجارة الموازية وتقلبات سعر الذهب وإجراءات التزود بالذهب وتمويل نشاط أصحاب المهنة.

تقرير مجلس الذهب العالمي..

نشرالسنة الماضية مجلس الذهب العالمي تقريره لاحتياطيات البنوك المركزية في العالم من الذهب، وقد أظهرت البيانات أن الاحتياطيات بلغت 35571.3 طن من المعدن.

ووفقا للبيانات فقد زاد إجمالي الاحتياطيات بنحو 11 طنا في تقرير شهر جانفي 2022 مقارنة بشهر ديسمبر 2021.

 وتأتي تونس في ذيل ترتيب الدول العربية باحتياطات الذهب، حيث حلت في المرتبة الـ13 عربيا و81 عالميا باحتياطي يقدر بـ6.8 طن (الترتيب كاملا في الجدول المصاحب).

وتتصدر السعودية الدول العربية باحتياطيات الذهب، حيث تمتلك المملكة 323.1 طن من المعدن النفيس، وذلك وفقا لأول تقرير لمجلس الذهب العالمي هذا العام.

عالميّا تتصدر الولايات المتحدة دول العالم باحتياطيات المعدن النفيس، حيث تمتلك 8133.5 طن، تليها في المرتبة الثانية ألمانيا (3359.1 طن)، ومن ثم إيطاليا (2451.8 طن)، وبعدها تأتي فرنسا (2436.4 طن)، ومن ثم روسيا (2298.5 طن).

ملاذ آمن..

 ويعد الذهب ملاذا آمنا، وخاصة في أوقات الأزمات، حيث يتجه الكثيرون نحو شرائه للتحوط من مخاطر التضخم، وفي الأعوام الماضية شهدت أسعار المعدن النفيس ارتفاعا في ظل أزمة فيروس كورونا وتبعاتها

تهريب الخامات والسلع عبر الحدود..

يرى الدكتور في القانون جابر غنيمي أنه تنتشر في مناطق الصراعات في منطقة الساحل الافريقي التعدين غير النظامي على يد قطاعات واسعة من الأطراف المحلية التي تستغل غياب الدولة عن العديد من المناطق التي تتمتع بثروات معدنية کبيرة. وينتشر نشاط التنقيب غير النظامي عن الذهب بصورة خاصة والذي يشکل مورد رزق لملايين الأفارقة. وفي ظل الاحتياج الدائم لبيع الذهب والمعادن المستخرجة، تنشط شبکات التهريب عبر الحدود الأمر الذي يربطها بشبکات التهريب والجريمة المنظمة. هذه الکميات الکبيرة من المعادن لم تکن ليتم تهريبها من دون استغلال شبکات التهريب للضعف الشديد للحدود لدول منطقة الساحل.

ويعد تهريب السلع والخامات والمعادن مصدراً لتمويل الإرهاب العابر للحدود، حيث تشير التقديرات إلى أن التعدين غير النظامي يشکل مصدراً لما تبلغ قيمته 17% من تمويل الجماعات المسلحة حول العالم، وهي النسبة التي ترتفع في السياق الأفريقي، خاصة مع تواتر الشواهد على نشاط التنظيمات الإرهابية في هذا المجال بصورة کبيرة، حيث يعد التنقيب عن الذهب مصدراً رئيسياً لتمويل نشاط التنظيمات الإرهابية في الساحل الأفريقي.

5- اتساع نشاط شبکات الجريمة المنظمة العابر للحدود:

تحولت العديد من دول منطقة الساحل الافريقي إلى ساحة لعب مفتوحة للعديد من التنظيمات الإجرامية التي حققت استفادة مزدوجة من تردي الأوضاع الأمنية والسياسية من ناحية، ومن التطور التقني الهائل من ناحية أخرى.

وبرز الساحل الأفريقي کمرکز لانتشار شبکات الجريمة المنظمة والتي تعددت مظاهر نشاطها لتشمل غسيل الأموال، وتهريب البشر، والتجارة بالأعضاء البشرية، وتهريب السلع المختلفة المشروع منها وغير المشروع. وتلعب الجماعات الرعوية دوراً أساسياً في تهريب البضائع بين بلدان الساحل الأفريقي نظراً لحرکتها الطبيعية العابرة للحدود، وعادةً ما يتم مقايضة هذه السلع بالإبل أو الماشية. وتشمل قائمة السلع المهربة المواد الغذائية والحاصلات الزراعية والسجائر.

کما تحول إقليم الساحل الأفريقي إلى حلقة وصل أساسية في أحد أهم طرق تهريب المخدرات حول العالم حيث يعد نقطة تجميع للمخدرات من دول أمريکا اللاتينية قبل أن يعاد تصديرها للسوق الرئيسية في أوروبا. إذ تصل المخدرات من أمريکا اللاتينية إلى دول خليج غينيا المطلة على الأطلنطي وخصوصاً عدد من الدول الصغيرة کغينيا بيساو وسيراليون وغانا، قبل أن تنقل إلى المطارات الداخلية لدول الساحل الأفريقي ومنها إلى أوروبا.

ومن بين المشکلات الرئيسية التي نجمت عن اتساع نشاط شبکات الجريمة المنظمة في دول منطقة الساحل الافريقي تحولها التدريجي إلى شريک رئيسي للتنظيمات الإرهابية، حيث تميز العديد من التحليلات بين جيلين من منظمات الجريمة، أولهما أقدم کان ينأى بنفسه عن أي شکل من أشکال التورط في علاقات بالتنظيمات الإرهابية، ويسعى لضمان استدامة نشاطه عبر الزمن من خلال بناء علاقات مصلحية قوية بالمجتمع المحيط تمنحه جذوراً قوية. وبين جيل ثان أحدث أقل التزاماً ببناء علاقات إيجابية بمجتمعه، ويسعى لتعظيم أرباحه الآنية بأي وسيلة، الأمر الذي يجعل من التنظيمات الإرهابية حليفاً مفضلاً بالنسبة له.

الخلاصة والنتائج:

من خلال استعراض التهديدات الامنية المتعددة في دول منطقة الساحل الافريقي، والبحث في مسببات ظهورها، ورصد سياسات الاستجابة على المستويات المختلفة، يمکن الخروج بعدد من الخلاصات الرئيسية تتمثل في:

1. تنتمي النسبة الغالبة من التهديدات الامنية في دول منطقة الساحل الافريقي إلى تهديدات الأمن غير التقليدية، وذلک بعد التراجع الحاد في الصراعات الدولية على الحدود والتي باتت محصورة في عدد محدود من النزاعات والتي عادة ما لا يتم اللجوء للمواجهات المباشرة بين الجيوش الوطنية لتسويتها في ظل تعدد البدائل السياسية والقانونية المتاحة بما في ذلک التعاون المشترک. ويأتي هذا الوضع المستجد بعد أن شهدت القارة الأفريقية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين العديد من الصراعات الحدودية کالصراع بين الصومال وإثيوبيا، وبين ليبيا وتشاد، وبين السنغال وموريتانيا. لکن هذا التحول لا يعکس أي تراجع في حدة مهددات أمن الحدود بعدما أثبتته المهددات غير التقليدية من قدرة على تکبيد الدول الأفريقية خسائر کبرى.

2. يعکس واقع التهديدات الامنية في دول منطقة الساحل الافريقي اتساقاً واضحاً مع مقولات المدرسة البنائية في هذا المجال. حيث ترتبط المهددات القائمة ارتباطاً وثيقا بمسببات يغلب عليها الطابع الاجتماعي، فضلاً عن تفاقم حدتها بمنطق التراکم عبر عملية تاريخية ممتدة يمکن رصد أصولها المبکرة خلال الحقبة الاستعمارية قبل أن تتسبب سياسات الحکومات المتعاقبة على الدول الأفريقية في إکسابها المزيد من العمق والتجذر.

 وعلى جانب آخر، تعتمد سياسات الاستجابة الأفريقية لمهددات أمن الحدود على ترتيبات الأمن الجماعي خاصة في المستويين الإقليمي والقاري.

وعلى الرغم من الاعتماد الأفريقي المتزايد على ترتيبات الأمن الجماعي في مواجهة تهديدات أمن الحدود، لا يزال هناک حضور بارز للمقاربات التقليدية القائمة على السياسات الحمائية الانکفائية خاصة لدى بعض الدول الأفريقية الواقعة في أقاليم مضطربة أو التي تشهد علاقات متوترة بدول جوارها. حيث لا تزال ممارسات من قبيل غلق الحدود ومنع مرور الأفراد والبضائع قائمة في حالات أفريقية متعددة.

المطلوب مزيد من الجهد..

 لا يزال هناک المزيد من الجهد المطلوب بذله من جانب الأطراف المختلفة المعنية بأمن الحدود في أفريقيا، على أن يتم توجيهه في مسارات ثلاثة، أولها تحقيق قدر أعلى من التنسيق بين سياسات تأمين الحدود سواء بين المستويات المختلفة (الوطني والإقليمي والقاري) أو بين الفاعلين في کل مستوى. ويتمثل المسار الثاني في توسيع نطاق سياسات مواجهة مهددات أمن الحدود بحيث تصبح أکثر قدرة على معالجة المسببات الجذرية لهذه المهددات بتعزيز الاشتباک مع العوامل ذات الطبيعة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. أما المسار الأخير فيتصل بالارتقاء بمرونة سياسات تأمين الحدود في أفريقيا والذي يسمح لها بأن تکون أکثر سرعة في الاستجابة للتطورات المتلاحقة في مهددات أمن الحدود.