إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ورد في برنامج أحد أحزاب الحكم بعد الثورة.. ودستور 2014.. ومجلة الجماعات المحلية: تقسيم البلاد إلى أقاليم.. قرار لم تتجرأ الحكومات السابقة على اتخاذه

 

تمت دسترة الأقاليم من قبل المجلس الوطني التأسيسي وتحديدا في الباب السابع من دستور 2014

تونس-الصباح

ردود فعل كبيرة أثارها الأمر عدد 589 لسنة 2023 المؤرّخ في 21 سبتمبر 2023 المتعلق بتحديد تراب أقاليم الجمهورية التونسيّة والولايات الرّاجعة بالنّظر لكل إقليم منذ نشره في الرائد الرسمي أول أمس، رغم أن فكرة تقسيم البلاد إلى أقاليم ليست جديدة بل تم طرحها قبل سنة 2011 ثم طفت على السطح من جديد بعد الثورة في الأوساط السياسية والحقوقية وذلك في إطار البحث عن أرضية تساعد على تحقيق العدالة بين ما أصطلح على تسميته لدى الطبقة السياسية بالولايات المحظوظة والولايات المحرومة بما يمكن من سد الفجوة الكبيرة الموجودة بين الولايات الساحلية والولايات الداخلية وهي فجوة تتجلى من خلال مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية.

فقبل انتخابات 2011 تم التداول طويلا حول مسألة التقسيم الترابي للأقاليم حتى أن هناك حزبا أدرجها في بيانه الانتخابي بمناسبة ترشحه لانتخابات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وهو حزب التكتل الذي فاز في تلك الانتخابات ووصل إلى سدة الحكم بمعية حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.. ونقرأ في البيان الانتخابي لحزب التكتل النقطة التالية: "تقليص التّفاوت بين الجهات وتعزيز تطوّر اقتصادي متوازن، وذلك خاصّة بفكّ عزلة المناطق الدّاخليّة من خلال تقسيم أفقي للتّراب التّونسي إلى 5 أقاليم كبرى أكثر توازنا وتتكامل فيها مختلف القطاعات"..

المولدي الرياحي الناشط السياسي وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن كتلة التكتل قال إنه استقال من التكتل منذ سنة 2017 رغم أنه من مؤسسي الحزب منذ سنة 1994 إلى جانب الدكتور مصطفى بن جعفر، وبين في تصريح لـ"الصباح" أن التكتل عندما اقترح في بيانه الانتخابي لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي فكرة تقسيم التراب التونسي أفقيا إلى خمسة أقاليم فكان ذلك بهدف جعل كل إقليم يربط شرق البلاد بغربها، ويربط الإقليم الولايات التي كانت محظوظة في فترة حكم بورقيبة ثم فترة حكم بن علي والتي هي بالخصوص الولايات الساحلية بولايات الوسط والجهات الغربية التي كانت مهمشة ومهملة.

وفسر الرياحي أن فكرة التكتل آنذاك كانت تقوم على أن يفتح كل إقليم من الأقاليم الخمسة بالبلاد التونسية على البحر وأن يكون لديه ميناء وأن يكون فيه ربط بين الأنشطة الصناعية المتوفرة في ولاياته والأنشطة الصناعية التي يتم التفكير في تطويرها وربط بين الأنشطة الفلاحية والموارد الطبيعية من أجل تحقيق التكامل في كل إقليم بين الصناعة والفلاحة والصناعات التقليدية والسياحة وهو ما يفترض وجود شبكة من الطرقات والسكك الحديدية الجديدة للربط بين ولايات الإقليم. وأضاف أن الأمر يفترض أيضا وجود توازن بشري بكيفية لا يكون فيها عدد سكان إقليم أكبر بكثير مما هو عليه الحال في إقليم آخر.

وأشار الرياحي إلى أنه بعد نقاش طويل وعند بلوغ مرحلة رسم الولايات التي سيتكون منها كل إقليم كانت هناك عديد الأطروحات ولكن في النهاية لم يقع البت في كيفية التقسيم رغم الاتفاق على أن التقسيم يجب أن يكون أفقيا وفي كل إقليم يتم ربط شرق البلاد بغربها.

وأضاف الرياحي أن هناك بعض الدراسات التي تم القيام بها في علاقة بتقسيم تراب الجمهورية إلى أقاليم، ثم طرحت المسألة عند نقاش الدستور وتم إدراج الأقاليم في باب السلطة المحلية بدستور 2014، وبعدها تم التداول في الموضوع بمناسبة نقاش مجلة الجماعات المحلية وحتى معهد الدراسات الاستراتيجية فإنه تدارس المسألة وقدم طرحا مختلفا عن فكرة التكتل وهي تقوم على تقسيم يمكن من خلق قطاعات قوية إما فلاحية أو صناعية أو سياحية.

وبين الرياحي أن فكرة الأقاليم مرتبطة جوهريا بمسألة التمييز الايجابي الذي تم التنصيص عليه في دستور 2014 لكن من آلت إليهم السلطة بعد 2014 لم يتخذوا إجراءات من شأنها تجسيم هذا المبدأ على ارض الواقع. وتعقيبا عن سؤال حول رأيه في التحديد الترابي للأقاليم الوارد في الأمر الرئاسي الصادر أول أمس أجاب أنه يعتقد أنه تم القيام بالتقسيم بشكل متسرع ودون تشريك أحد وهو ما جعل الأمر حال صدوره يتسبب في حيرة الكثير من التونسيين وفي مقدمتهم أبناء ولاية سليانة وذكر أنه بعد أن وضع سليانة في الإقليم الثالث إلى جانب ولايات سوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية خيار غير موفق وسينجم عنه إشكال على مستوى ربط ولايات الإقليم بالطرقات، ونفس الشيء فإن الإقليم الخامس امتد تقريبا على ثلث مساحة البلاد في حين أن الكثافة السكانية لولاياته مجتمعه أقل مما هي عليه في بقية الأقاليم، وفي المقابل يرى الرياحي أن ربط قفصة بصفاقس في نفس الإقليم قرار في محلة لأن إنتاج الفسفاط في قفصة يحتاج إلى ميناء الصخيرة لتصديره وذلك في انتظار حلحلة مشكل نقله عبر السكك الحديدية بصفة نهائية.

وخلص الرياحي إلى أن فكرة تقسيم البلاد إلى أقاليم طرحت في عدة مناسبات قبل صدور أمر التقسيم الأخير والذي بمقتضاه تم تقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم، وتحدث في هذا السياق عن المداولات التي تمت في المجلس الوطني التأسيسي حول باب السلطة المحلية ثم النقاشات في مجلس نواب الشعب حول مجلة الجماعات المحلية.

دسترة الأقاليم

هكذا إذن لم يتوقف الأمر عند إدراج فكرة تقسيم البلاد إلى أقاليم عند بيان انتخابي لحزب من أحزاب الترويكا الحاكمة بعد الثورة وإنما تمت دسترة الأقاليم من قبل المجلس الوطني التأسيسي وتحديدا في الباب السابع من دستور 2014 حيث نص الفصل 131 منه على أن السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية. وتتجسد اللامركزية في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون ويمكن أن تحدث بقانون أصناف خصوصية من الجماعات المحلية. وهو ما يعني أنه كان من المفروض القيام بالتقسيم منذ سنة 2015 لكن هذا لم يحدث لأن مجلس نواب الشعب لم يصادق على مجلة الجماعات المحلية إلا سنة 2018.

وحتى بعد صدور القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018 والمتعلق بمجلة الجماعات المحلية، وبعد تنظيم الانتخابات البلدية تجنبت الحكومات تفعيل أحكام الدستور ومجلة الجماعات المحلية المتعلقة بتقسيم البلاد إلى أقاليم بتعلة أنه ليس من الأولويات، والأهم من ذلك أنها كانت تخشى من أن التقسيم سيتسبب في إحداث بلبلة وربما في إذكاء النعرات الجهوية والعروشية من جديد، لذلك لم تقدم أي حكومة على تقسيم الأقاليم لأنها تدرك جيدا أن هذه المسألة خلافية بامتياز حتى بين الأحزاب التي كانت تتقاسم الحكم إذ لم تكن لديها نفس الرؤية فهناك أحزاب تريد تقسيم البلاد بالطول في حين هناك من كانت تريد تقسيمها أفقيا وهناك من كانت يرفض فكرة التقسيم في حد ذاتها ويعتبرها مدخلا لضرب وحدة الدولة .

ونصت مجلة الجماعات المحلية في فصلها الثاني على أن الجماعات المحلية ذوات عمومية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية، ونص الفصل الثالث على أن تحدث الجماعات المحلية وتضبط حدودها بالقانون.

ويذكر أن هذه المجلة كانت محل استشارة وطنية قبل عرضها على أنظار مجلس نواب الشعب وقد شارك في تلك الاستشارة عدد كبير من الجمعيات والمنظمات، أما بعد الانتخابات البلدية لسنة 2018 فتم التداول من جديد في موضوع التقسيم الترابي للأقاليم وذلك بمناسبة الاستشارة الوطنية حول مسار اللامركزية التي أطلقتها هيئة الاستشراف ومرافقة مسار اللامركزية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة والتي تناولت بالخصوص العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية، ودور الرقابة في تعزيز الحوكمة المحلية وترشيد التصرف في الشأن العام، والنظام المالي والجبائي والموارد البشرية كدعم لتنمية الجماعات المحلية، وأخيرا استكمال وتطوير الجانب المؤسساتي والقانوني للنظام اللامركزي وشارك فيها أعضاء المجالس البلدية وأعضاء مجلس نواب الشعب وممثلين عن الإدارة المركزية إلى جانب منظمات المجتمع المدني والهياكل الوطنية والهيئات المتخصصة والجامعيين والشركاء التقنيين الماليين، وكان من المقرر أن ينبثق عن الاستشارة مشروع قانون توجيهي يعرض على مجلس نواب الشعب في خريف سنة 2020 لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ الذي أشرف عليها وأوكل للدكتور مصطفى بن جعفر رئاسة الهيئة التنظيمية لهذه الاستشارة.

وإثر حل البرلمان من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 جويلية 2021، طالب أنصار الرئيس بتقسيم ترابي يضمن العدالة بين الجهات ويحقق مبدأ التمييز الإيجابي الذي بقي حبرا على ورق، كما تم التداول حول مسألة التقسيم في إطار الهيئة الاستشارية التي كلفها رئيس الجمهورية بإعداد الدستور والتي ترأسها العميد الصادق بالعيد وبالعودة إلى المشروع الذي قدمه العميد لرئيس الجمهورية والذي كان لجريدة "الصباح" السبق في نشره نجده خاليا من الأقاليم.

مشروع لجنة بلعيد

ونص مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الصادق بلعيد بتاريخ 20 جوان 2022 في الباب الثامن الوارد تحت عنوان التنظيم الترابي وتحديدا الفصل 129 على أن تجسّد الجماعات العمومية الترابية مبدأ اللاّمركزية الترابية. وتتكون من بلديات وجهات يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية طبقا لتقسيم ترابي يضبطه القانون. ويمكن أن تحدث بقانون أصناف أخرى من الجماعات العمومية الترابية. تمثل كل جهة وحدة ترابية متجانسة ومتكاملة تضم أكثر من ولاية واحدة. وتعتبر كل جهة قطبا تنمويًّا يهدف إلى تحقيق العدالة الترابية والتنموية بين الجهات.أما الفصل 130 فنص على أن تتمتع الجماعات العمومية الترابية بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية، وتعمل وفقا لمبدأ التدبير الحرّ في إطار وحدة الدولة، ولها حرية التصرّف في مواردها طبقا لقواعد التصرف الرشيد. وتمارس سلطة ترتيبية في مجال اختصاصها وتنشر قراراتها الترتيبية في جريدة رسمية للجماعات العمومية الترابية. في حين نص الفصل 131 من مشروع لجنة العميد الصادق بلعيد على أن تدير الجماعات العمومية المحلية مجالس منتخبة انتخابا عاما، مباشرًا ونزيهًا. ويضمن القانون الانتخابي تمثيلية المرأة والشباب في المجالس المحلية المنتخبة وجاء في الفصل الذي يليه أن تتمتع الجماعات العمومية الترابية بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية. ويمكن أن تتمتع بصلاحيات منقولة إليها من السلطة المركزية. ولها أن تشجع مساهمة المواطنين في إعداد برامج التنمية المحلية والجهوية. ونص الفصل 133 على أنه للجماعات العمومية الترابية موارد ذاتية. وللسلطة المركزية رصد موارد إضافية لفائدتها تكون متلائمة مع صلاحياتها. ويضبط القانون النظام المالي للجماعات العمومية الترابية وآليات الرقابة المالية على أعمالها، وجاء في الفصل 134 ما يلي :"تسعى الدولة إلى تحقيق التكافؤ بين موارد الجماعات العمومية الترابية وتكاليف المهام المسندة إليها". ونص الفصل 135 على أن تخضع الجماعات العمومية الترابية إلى رقابة الدولة طبقا لشروط وإجراءات يضبطها القانون، وحسب الفصل 136 فللجماعات العمومية الترابية أن تتعاون وأن تنشئ شراكات فيما بينها لتنفيذ برامج ذات مصلحة مشتركة. كما يمكنها إبرام اتفاقيات شراكة خارجية في إطار التعاون اللامركزي، طبقا لشروط يضبطها القانون.

وهو ما يعني أن الهيئة الوطنية الاستشارية التي ترأسها العميد الصادق بلعيد جاءت بطرح جديد والأهم من ذلك أنها لم تنصص في مشروعها على عبارة أقاليم لكن الرئيس أعاد الأقاليم في المشروع الذي عرضه على الاستفتاء وفي نهاية الأمر فإن دستور 2022 تحدث في الفصل المائة والثالث والثلاثون على الأقاليم ونص على أن تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون. وهو الفصل الذي على أساسه تم إصدار الأمر عدد 589 لسنة 2023 المؤرّخ في 21 سبتمبر 2023 المتعلق بتحديد تراب أقاليم الجمهورية التونسيّة والولايات الرّاجعة بالنّظر لكل إقليم والذي بموجبه يتكوّن تراب الجمهورية التونسية من خمسة أقاليم وتُضبط حدودها على النحو التالي:

ـ الإقليم الأول ويضمّ ولايات بنزرت وباجة وجندوبة والكاف.

ـ الإقليم الثاني ويضمّ ولايات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنّوبة ونابل.

ـ الإقليم الثالث ويضم ولايات سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية.

ـ الإقليم الرابع ويضمّ ولايات توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة.

ـ الإقليم الخامس ويضمّ ولايات تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

ورد في برنامج أحد أحزاب الحكم بعد الثورة.. ودستور 2014.. ومجلة الجماعات المحلية:  تقسيم البلاد إلى أقاليم.. قرار لم تتجرأ الحكومات السابقة على اتخاذه

 

تمت دسترة الأقاليم من قبل المجلس الوطني التأسيسي وتحديدا في الباب السابع من دستور 2014

تونس-الصباح

ردود فعل كبيرة أثارها الأمر عدد 589 لسنة 2023 المؤرّخ في 21 سبتمبر 2023 المتعلق بتحديد تراب أقاليم الجمهورية التونسيّة والولايات الرّاجعة بالنّظر لكل إقليم منذ نشره في الرائد الرسمي أول أمس، رغم أن فكرة تقسيم البلاد إلى أقاليم ليست جديدة بل تم طرحها قبل سنة 2011 ثم طفت على السطح من جديد بعد الثورة في الأوساط السياسية والحقوقية وذلك في إطار البحث عن أرضية تساعد على تحقيق العدالة بين ما أصطلح على تسميته لدى الطبقة السياسية بالولايات المحظوظة والولايات المحرومة بما يمكن من سد الفجوة الكبيرة الموجودة بين الولايات الساحلية والولايات الداخلية وهي فجوة تتجلى من خلال مؤشرات التنمية الاقتصادية والبشرية.

فقبل انتخابات 2011 تم التداول طويلا حول مسألة التقسيم الترابي للأقاليم حتى أن هناك حزبا أدرجها في بيانه الانتخابي بمناسبة ترشحه لانتخابات أعضاء المجلس الوطني التأسيسي وهو حزب التكتل الذي فاز في تلك الانتخابات ووصل إلى سدة الحكم بمعية حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية.. ونقرأ في البيان الانتخابي لحزب التكتل النقطة التالية: "تقليص التّفاوت بين الجهات وتعزيز تطوّر اقتصادي متوازن، وذلك خاصّة بفكّ عزلة المناطق الدّاخليّة من خلال تقسيم أفقي للتّراب التّونسي إلى 5 أقاليم كبرى أكثر توازنا وتتكامل فيها مختلف القطاعات"..

المولدي الرياحي الناشط السياسي وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن كتلة التكتل قال إنه استقال من التكتل منذ سنة 2017 رغم أنه من مؤسسي الحزب منذ سنة 1994 إلى جانب الدكتور مصطفى بن جعفر، وبين في تصريح لـ"الصباح" أن التكتل عندما اقترح في بيانه الانتخابي لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي فكرة تقسيم التراب التونسي أفقيا إلى خمسة أقاليم فكان ذلك بهدف جعل كل إقليم يربط شرق البلاد بغربها، ويربط الإقليم الولايات التي كانت محظوظة في فترة حكم بورقيبة ثم فترة حكم بن علي والتي هي بالخصوص الولايات الساحلية بولايات الوسط والجهات الغربية التي كانت مهمشة ومهملة.

وفسر الرياحي أن فكرة التكتل آنذاك كانت تقوم على أن يفتح كل إقليم من الأقاليم الخمسة بالبلاد التونسية على البحر وأن يكون لديه ميناء وأن يكون فيه ربط بين الأنشطة الصناعية المتوفرة في ولاياته والأنشطة الصناعية التي يتم التفكير في تطويرها وربط بين الأنشطة الفلاحية والموارد الطبيعية من أجل تحقيق التكامل في كل إقليم بين الصناعة والفلاحة والصناعات التقليدية والسياحة وهو ما يفترض وجود شبكة من الطرقات والسكك الحديدية الجديدة للربط بين ولايات الإقليم. وأضاف أن الأمر يفترض أيضا وجود توازن بشري بكيفية لا يكون فيها عدد سكان إقليم أكبر بكثير مما هو عليه الحال في إقليم آخر.

وأشار الرياحي إلى أنه بعد نقاش طويل وعند بلوغ مرحلة رسم الولايات التي سيتكون منها كل إقليم كانت هناك عديد الأطروحات ولكن في النهاية لم يقع البت في كيفية التقسيم رغم الاتفاق على أن التقسيم يجب أن يكون أفقيا وفي كل إقليم يتم ربط شرق البلاد بغربها.

وأضاف الرياحي أن هناك بعض الدراسات التي تم القيام بها في علاقة بتقسيم تراب الجمهورية إلى أقاليم، ثم طرحت المسألة عند نقاش الدستور وتم إدراج الأقاليم في باب السلطة المحلية بدستور 2014، وبعدها تم التداول في الموضوع بمناسبة نقاش مجلة الجماعات المحلية وحتى معهد الدراسات الاستراتيجية فإنه تدارس المسألة وقدم طرحا مختلفا عن فكرة التكتل وهي تقوم على تقسيم يمكن من خلق قطاعات قوية إما فلاحية أو صناعية أو سياحية.

وبين الرياحي أن فكرة الأقاليم مرتبطة جوهريا بمسألة التمييز الايجابي الذي تم التنصيص عليه في دستور 2014 لكن من آلت إليهم السلطة بعد 2014 لم يتخذوا إجراءات من شأنها تجسيم هذا المبدأ على ارض الواقع. وتعقيبا عن سؤال حول رأيه في التحديد الترابي للأقاليم الوارد في الأمر الرئاسي الصادر أول أمس أجاب أنه يعتقد أنه تم القيام بالتقسيم بشكل متسرع ودون تشريك أحد وهو ما جعل الأمر حال صدوره يتسبب في حيرة الكثير من التونسيين وفي مقدمتهم أبناء ولاية سليانة وذكر أنه بعد أن وضع سليانة في الإقليم الثالث إلى جانب ولايات سوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية خيار غير موفق وسينجم عنه إشكال على مستوى ربط ولايات الإقليم بالطرقات، ونفس الشيء فإن الإقليم الخامس امتد تقريبا على ثلث مساحة البلاد في حين أن الكثافة السكانية لولاياته مجتمعه أقل مما هي عليه في بقية الأقاليم، وفي المقابل يرى الرياحي أن ربط قفصة بصفاقس في نفس الإقليم قرار في محلة لأن إنتاج الفسفاط في قفصة يحتاج إلى ميناء الصخيرة لتصديره وذلك في انتظار حلحلة مشكل نقله عبر السكك الحديدية بصفة نهائية.

وخلص الرياحي إلى أن فكرة تقسيم البلاد إلى أقاليم طرحت في عدة مناسبات قبل صدور أمر التقسيم الأخير والذي بمقتضاه تم تقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم، وتحدث في هذا السياق عن المداولات التي تمت في المجلس الوطني التأسيسي حول باب السلطة المحلية ثم النقاشات في مجلس نواب الشعب حول مجلة الجماعات المحلية.

دسترة الأقاليم

هكذا إذن لم يتوقف الأمر عند إدراج فكرة تقسيم البلاد إلى أقاليم عند بيان انتخابي لحزب من أحزاب الترويكا الحاكمة بعد الثورة وإنما تمت دسترة الأقاليم من قبل المجلس الوطني التأسيسي وتحديدا في الباب السابع من دستور 2014 حيث نص الفصل 131 منه على أن السلطة المحلية تقوم على أساس اللامركزية. وتتجسد اللامركزية في جماعات محلية، تتكون من بلديات وجهات وأقاليم، يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية وفق تقسيم يضبطه القانون ويمكن أن تحدث بقانون أصناف خصوصية من الجماعات المحلية. وهو ما يعني أنه كان من المفروض القيام بالتقسيم منذ سنة 2015 لكن هذا لم يحدث لأن مجلس نواب الشعب لم يصادق على مجلة الجماعات المحلية إلا سنة 2018.

وحتى بعد صدور القانون الأساسي عدد 29 لسنة 2018 المؤرخ في 9 ماي 2018 والمتعلق بمجلة الجماعات المحلية، وبعد تنظيم الانتخابات البلدية تجنبت الحكومات تفعيل أحكام الدستور ومجلة الجماعات المحلية المتعلقة بتقسيم البلاد إلى أقاليم بتعلة أنه ليس من الأولويات، والأهم من ذلك أنها كانت تخشى من أن التقسيم سيتسبب في إحداث بلبلة وربما في إذكاء النعرات الجهوية والعروشية من جديد، لذلك لم تقدم أي حكومة على تقسيم الأقاليم لأنها تدرك جيدا أن هذه المسألة خلافية بامتياز حتى بين الأحزاب التي كانت تتقاسم الحكم إذ لم تكن لديها نفس الرؤية فهناك أحزاب تريد تقسيم البلاد بالطول في حين هناك من كانت تريد تقسيمها أفقيا وهناك من كانت يرفض فكرة التقسيم في حد ذاتها ويعتبرها مدخلا لضرب وحدة الدولة .

ونصت مجلة الجماعات المحلية في فصلها الثاني على أن الجماعات المحلية ذوات عمومية تتمتع بالشخصية القانونية والاستقلالية الإدارية والمالية وتتكون من بلديات وجهات وأقاليم يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية، ونص الفصل الثالث على أن تحدث الجماعات المحلية وتضبط حدودها بالقانون.

ويذكر أن هذه المجلة كانت محل استشارة وطنية قبل عرضها على أنظار مجلس نواب الشعب وقد شارك في تلك الاستشارة عدد كبير من الجمعيات والمنظمات، أما بعد الانتخابات البلدية لسنة 2018 فتم التداول من جديد في موضوع التقسيم الترابي للأقاليم وذلك بمناسبة الاستشارة الوطنية حول مسار اللامركزية التي أطلقتها هيئة الاستشراف ومرافقة مسار اللامركزية بوزارة الشؤون المحلية والبيئة والتي تناولت بالخصوص العلاقة بين الدولة والجماعات المحلية، ودور الرقابة في تعزيز الحوكمة المحلية وترشيد التصرف في الشأن العام، والنظام المالي والجبائي والموارد البشرية كدعم لتنمية الجماعات المحلية، وأخيرا استكمال وتطوير الجانب المؤسساتي والقانوني للنظام اللامركزي وشارك فيها أعضاء المجالس البلدية وأعضاء مجلس نواب الشعب وممثلين عن الإدارة المركزية إلى جانب منظمات المجتمع المدني والهياكل الوطنية والهيئات المتخصصة والجامعيين والشركاء التقنيين الماليين، وكان من المقرر أن ينبثق عن الاستشارة مشروع قانون توجيهي يعرض على مجلس نواب الشعب في خريف سنة 2020 لكن جرت الرياح بما لا تشتهيه سفن رئيس الحكومة السابق الياس الفخفاخ الذي أشرف عليها وأوكل للدكتور مصطفى بن جعفر رئاسة الهيئة التنظيمية لهذه الاستشارة.

وإثر حل البرلمان من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 جويلية 2021، طالب أنصار الرئيس بتقسيم ترابي يضمن العدالة بين الجهات ويحقق مبدأ التمييز الإيجابي الذي بقي حبرا على ورق، كما تم التداول حول مسألة التقسيم في إطار الهيئة الاستشارية التي كلفها رئيس الجمهورية بإعداد الدستور والتي ترأسها العميد الصادق بالعيد وبالعودة إلى المشروع الذي قدمه العميد لرئيس الجمهورية والذي كان لجريدة "الصباح" السبق في نشره نجده خاليا من الأقاليم.

مشروع لجنة بلعيد

ونص مشروع الدستور الذي أعدته لجنة الصادق بلعيد بتاريخ 20 جوان 2022 في الباب الثامن الوارد تحت عنوان التنظيم الترابي وتحديدا الفصل 129 على أن تجسّد الجماعات العمومية الترابية مبدأ اللاّمركزية الترابية. وتتكون من بلديات وجهات يغطي كل صنف منها كامل تراب الجمهورية طبقا لتقسيم ترابي يضبطه القانون. ويمكن أن تحدث بقانون أصناف أخرى من الجماعات العمومية الترابية. تمثل كل جهة وحدة ترابية متجانسة ومتكاملة تضم أكثر من ولاية واحدة. وتعتبر كل جهة قطبا تنمويًّا يهدف إلى تحقيق العدالة الترابية والتنموية بين الجهات.أما الفصل 130 فنص على أن تتمتع الجماعات العمومية الترابية بالشخصية القانونية وبالاستقلالية الإدارية والمالية، وتعمل وفقا لمبدأ التدبير الحرّ في إطار وحدة الدولة، ولها حرية التصرّف في مواردها طبقا لقواعد التصرف الرشيد. وتمارس سلطة ترتيبية في مجال اختصاصها وتنشر قراراتها الترتيبية في جريدة رسمية للجماعات العمومية الترابية. في حين نص الفصل 131 من مشروع لجنة العميد الصادق بلعيد على أن تدير الجماعات العمومية المحلية مجالس منتخبة انتخابا عاما، مباشرًا ونزيهًا. ويضمن القانون الانتخابي تمثيلية المرأة والشباب في المجالس المحلية المنتخبة وجاء في الفصل الذي يليه أن تتمتع الجماعات العمومية الترابية بصلاحيات ذاتية وصلاحيات مشتركة مع السلطة المركزية. ويمكن أن تتمتع بصلاحيات منقولة إليها من السلطة المركزية. ولها أن تشجع مساهمة المواطنين في إعداد برامج التنمية المحلية والجهوية. ونص الفصل 133 على أنه للجماعات العمومية الترابية موارد ذاتية. وللسلطة المركزية رصد موارد إضافية لفائدتها تكون متلائمة مع صلاحياتها. ويضبط القانون النظام المالي للجماعات العمومية الترابية وآليات الرقابة المالية على أعمالها، وجاء في الفصل 134 ما يلي :"تسعى الدولة إلى تحقيق التكافؤ بين موارد الجماعات العمومية الترابية وتكاليف المهام المسندة إليها". ونص الفصل 135 على أن تخضع الجماعات العمومية الترابية إلى رقابة الدولة طبقا لشروط وإجراءات يضبطها القانون، وحسب الفصل 136 فللجماعات العمومية الترابية أن تتعاون وأن تنشئ شراكات فيما بينها لتنفيذ برامج ذات مصلحة مشتركة. كما يمكنها إبرام اتفاقيات شراكة خارجية في إطار التعاون اللامركزي، طبقا لشروط يضبطها القانون.

وهو ما يعني أن الهيئة الوطنية الاستشارية التي ترأسها العميد الصادق بلعيد جاءت بطرح جديد والأهم من ذلك أنها لم تنصص في مشروعها على عبارة أقاليم لكن الرئيس أعاد الأقاليم في المشروع الذي عرضه على الاستفتاء وفي نهاية الأمر فإن دستور 2022 تحدث في الفصل المائة والثالث والثلاثون على الأقاليم ونص على أن تمــارس المجالس البلدية والمجالس الجهوية ومجالس الأقاليم والهياكل التي يمنحها القانون صفة الجماعة المحليّة المصالح المحليـــّة والجهويّة حسب ما يضبطه القانون. وهو الفصل الذي على أساسه تم إصدار الأمر عدد 589 لسنة 2023 المؤرّخ في 21 سبتمبر 2023 المتعلق بتحديد تراب أقاليم الجمهورية التونسيّة والولايات الرّاجعة بالنّظر لكل إقليم والذي بموجبه يتكوّن تراب الجمهورية التونسية من خمسة أقاليم وتُضبط حدودها على النحو التالي:

ـ الإقليم الأول ويضمّ ولايات بنزرت وباجة وجندوبة والكاف.

ـ الإقليم الثاني ويضمّ ولايات تونس وأريانة وبن عروس وزغوان ومنّوبة ونابل.

ـ الإقليم الثالث ويضم ولايات سليانة وسوسة والقصرين والقيروان والمنستير والمهدية.

ـ الإقليم الرابع ويضمّ ولايات توزر وسيدي بوزيد وصفاقس وقفصة.

ـ الإقليم الخامس ويضمّ ولايات تطاوين وقابس وقبلي ومدنين.

سعيدة بوهلال