الأموال المنهوبة بالخارج، أكبر وأخطر الملفات التي طُرحت بعد الثورة وكانت الهاجس والتحدّي الأكبر لكل الأحزاب والحكومات بأساليب وطرق ونتائج مختلفة.. ذلك الملف الذي ظل على الدوام أملا يدغدغ مشاعر التونسيين باستعادة الثروات والمال العام الذي نُهب على مدار سنوات وعقود ولكنه أمل سرعان ما يتحوّل الى وهم ولا نمسك منه إلا خيط دخان وتتبّدد كل مرة الآمال في استعادة تلك الأموال رغم تجريب أكثر من وصفة منها التوجّه الى القضاء الدولي ومسار العدالة الانتقالية وإحداث لجنة لاسترجاع الأموال المنهوبة بالخارج في أكتوبر 2020 صلب مؤسسة رئاسة الجمهورية وصولا الى مرسوم الصلح الجزائي واللجنة التي تم تعيينه لتنفيذ هذا المرسوم والتي لم تحقق الى اليوم نتائج تذكر ..
منذ أيام، أشرف وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج على الاجتماع الوزاري للجنة الخاصة برئاسة الجمهورية لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج وذلك بحضور أعضاء هذه اللجنة، وهم المستشار الأول لدى رئيس الجمهورية ووزيرتا العدل والمالية ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية ومحافظ البنك المركزي والمكلف العام بنزاعات الدولة ووفق بلاغ وزارة الخارجية، فقد مثّل هذا الاجتماع فرصة لدفع مسار استرجاع الأموال المنهوبة في مختلف مراحله لاسيما فيما يتعلق بعمليات التقصي والبت في القضايا الجارية وتقويم الإجراءات والتشريعات ذات الصلة وإحكام التنسيق بين مختلف المتدخلين علاوة على المساعي المبذولة في إطار المساندة الدبلوماسية وتحسيس الأطراف الأجنبية بأهمية ملف استرجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج لفائدة الشعب التونسي في أقرب الآجال. كما خصّص هذا الاجتماع للمصادقة على النظام الداخلي للّجنة الخاصة المذكورة آنفا وطريقة عملها طبقا للفصل 4 من الأمر الرئاسي المذكور.
ورغم أنه لا يمكن اعتماد أرقام نهائية في تقدير حجم هذه الثروات والأموال المنهوبة إلا أن الأرقام ضخمة حيث أفاد وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي، أنّ قيمة هذه الأموال حوالي 60 مليار دولار وقع نهبهم منذ سنة 1960 من بينهم 20 ألف مليار منذ عهد بن علي إلى حدود سنة 2019، وذلك وفق تقرير صدر عن منظّمة النزاهة المالية الدولية سنة 2019 «فان البعض يرى أن هذه الأرقام مضخّمة ولا تعكس الحقيقة.. واليوم وأمام الوضع الاقتصادي المنهار وتعطّل تونس الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، يراهن الرئيس قيس سعيّد على هذه الأموال التي يمكنها ان تمكّن الميزانية من اعتمادات ضخمة، حيث قال رئيس الجمهورية في وقت سابق "إنه لو استرجع الشعب التونسي هذه الأموال وهي من حقه وتعد بآلاف المليارات من حسابات بنكية وعقارات ومنقولات لما عاش في هذه الأزمة المالية، فأموال الشعب عندهم وهم يريدون إقراض التونسيين بشروطهم. «ولكن رغم هذا الحرص الرسمي ومن أعلى هرم السلطة إلا أن النتائج في الواقع تبدو مخيبة للآمال ..
فشل وإقالة
في مارس الماضي أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس لجنة الصلح الجزائي مكرم بنمنا، بعد أيام من زيارة أداها سعيد لمقر اللجنة انتقد خلالها طول إجراءات النظر في ملفات الصلح مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد، حيث وجّه في تلك الزيارة انتقادات كبيرة لأعضاء اللجنة واتهمهم بـ"بتراخي لجنة الصلح الجزائي مع الفاسدين" قائلاً إنّ "الأموال التي اعتُرِف بنهبها من الفاسدين بلغت 13.5 مليار دينار، ويجب استرجاعها" وهو نفس الرقم الذي أوردته لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد برئاسة عبد الفتاح عمر في 2011 والتي أحصت كذلك نحو 460 ملفا لأشخاص حققوا منافع غير قانونية بسبب قربهم من نظام بن علي. وفي مارس 2022 أعلن سعيّد طرح مرسوم يتعلق بالصلح الجزائي مع رجال الأعمال "حتى يسترد الشعب أمواله المنهوبة" ويشمل هذا المرسوم كل شخص مادي ومعنوي لم تستكمل في شأنه إجراءات مصادرة أمواله واسترجاعها من الخارج طبق ما اقتضته أحكام مرسوم المصادرة الذي اعتُمِد في مارس 2011 عقب الثورة، وشمل الرئيس الراحل بن علي وعائلته وعددا من الوزراء والشخصيات المتنفذة قبل الثورة. ولكن رغم صدور المرسوم والحرص السياسي على تنفيذه إلا أن الأمر ما زال شائكا ومعقّدا .
بين الوهم والحقيقة
إصرار الرئيس قيس سعيد من خلال لجنة الصلح الجزائي على استرجاع 13.5 مليار دينار أثار ردود أفعال مختلفة حيث هناك من اعتبر أن هذه اللجنة إنجاز وأنها قادرة على استعادة تلك الأموال المنهوبة ولكن هناك أيضا من اعتبر أن استرجاع تلك الأموال من الخارج هو مجرد وهم يتم تسويقه الى التونسيين وان إجراءات الاسترجاع معقدة وان اغلب البلدان التي حاولت استرجاع أموالها المنهوبة في الخارج فشلت في ذلك أو اكتفت بالحصول على فتات من تلك الثروات .
وفي الجانب الاقتصادي فان بعض المختصين ابدوا استغرابهم من تكرر خطابات الرئيس قيس سعيد عن استرداد الأموال المنهوبة، لكن دون إدراج أي موارد قد تتأتي من الصلح الجزائي في موازنة الدولة لسنة 2023، معتبرين أن غياب المصداقية يخلق اهتزاز الثقة بين الدولة والمؤسسات العالمية. ومن بين هؤلاء الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي الذي قال في تصريحات صحفية سابقة الحكومة تتكتم على المعطيات المتعلقة بالصلح الجزائي، مما يصعب على المحللين الاقتصاديين تقييم مدى واقعية تلك المبالغ المصرح بها على أرض الواقع.
مواقف متباينة من مسارات مختلفة لاستعادة تلك الأموال المنهوبة ولكن النتائج تبدو متشابهة، حيث بقي استعادة تلك الأموال حلما سياسيا لا يتحقق !
منية العرفاوي
تونس – الصباح
الأموال المنهوبة بالخارج، أكبر وأخطر الملفات التي طُرحت بعد الثورة وكانت الهاجس والتحدّي الأكبر لكل الأحزاب والحكومات بأساليب وطرق ونتائج مختلفة.. ذلك الملف الذي ظل على الدوام أملا يدغدغ مشاعر التونسيين باستعادة الثروات والمال العام الذي نُهب على مدار سنوات وعقود ولكنه أمل سرعان ما يتحوّل الى وهم ولا نمسك منه إلا خيط دخان وتتبّدد كل مرة الآمال في استعادة تلك الأموال رغم تجريب أكثر من وصفة منها التوجّه الى القضاء الدولي ومسار العدالة الانتقالية وإحداث لجنة لاسترجاع الأموال المنهوبة بالخارج في أكتوبر 2020 صلب مؤسسة رئاسة الجمهورية وصولا الى مرسوم الصلح الجزائي واللجنة التي تم تعيينه لتنفيذ هذا المرسوم والتي لم تحقق الى اليوم نتائج تذكر ..
منذ أيام، أشرف وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج على الاجتماع الوزاري للجنة الخاصة برئاسة الجمهورية لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج وذلك بحضور أعضاء هذه اللجنة، وهم المستشار الأول لدى رئيس الجمهورية ووزيرتا العدل والمالية ووزير أملاك الدولة والشؤون العقارية ومحافظ البنك المركزي والمكلف العام بنزاعات الدولة ووفق بلاغ وزارة الخارجية، فقد مثّل هذا الاجتماع فرصة لدفع مسار استرجاع الأموال المنهوبة في مختلف مراحله لاسيما فيما يتعلق بعمليات التقصي والبت في القضايا الجارية وتقويم الإجراءات والتشريعات ذات الصلة وإحكام التنسيق بين مختلف المتدخلين علاوة على المساعي المبذولة في إطار المساندة الدبلوماسية وتحسيس الأطراف الأجنبية بأهمية ملف استرجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج لفائدة الشعب التونسي في أقرب الآجال. كما خصّص هذا الاجتماع للمصادقة على النظام الداخلي للّجنة الخاصة المذكورة آنفا وطريقة عملها طبقا للفصل 4 من الأمر الرئاسي المذكور.
ورغم أنه لا يمكن اعتماد أرقام نهائية في تقدير حجم هذه الثروات والأموال المنهوبة إلا أن الأرقام ضخمة حيث أفاد وزير أملاك الدولة السابق حاتم العشي، أنّ قيمة هذه الأموال حوالي 60 مليار دولار وقع نهبهم منذ سنة 1960 من بينهم 20 ألف مليار منذ عهد بن علي إلى حدود سنة 2019، وذلك وفق تقرير صدر عن منظّمة النزاهة المالية الدولية سنة 2019 «فان البعض يرى أن هذه الأرقام مضخّمة ولا تعكس الحقيقة.. واليوم وأمام الوضع الاقتصادي المنهار وتعطّل تونس الحصول على قرض صندوق النقد الدولي، يراهن الرئيس قيس سعيّد على هذه الأموال التي يمكنها ان تمكّن الميزانية من اعتمادات ضخمة، حيث قال رئيس الجمهورية في وقت سابق "إنه لو استرجع الشعب التونسي هذه الأموال وهي من حقه وتعد بآلاف المليارات من حسابات بنكية وعقارات ومنقولات لما عاش في هذه الأزمة المالية، فأموال الشعب عندهم وهم يريدون إقراض التونسيين بشروطهم. «ولكن رغم هذا الحرص الرسمي ومن أعلى هرم السلطة إلا أن النتائج في الواقع تبدو مخيبة للآمال ..
فشل وإقالة
في مارس الماضي أقال الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس لجنة الصلح الجزائي مكرم بنمنا، بعد أيام من زيارة أداها سعيد لمقر اللجنة انتقد خلالها طول إجراءات النظر في ملفات الصلح مع رجال الأعمال المتهمين بالفساد، حيث وجّه في تلك الزيارة انتقادات كبيرة لأعضاء اللجنة واتهمهم بـ"بتراخي لجنة الصلح الجزائي مع الفاسدين" قائلاً إنّ "الأموال التي اعتُرِف بنهبها من الفاسدين بلغت 13.5 مليار دينار، ويجب استرجاعها" وهو نفس الرقم الذي أوردته لجنة تقصي الحقائق حول الرشوة والفساد برئاسة عبد الفتاح عمر في 2011 والتي أحصت كذلك نحو 460 ملفا لأشخاص حققوا منافع غير قانونية بسبب قربهم من نظام بن علي. وفي مارس 2022 أعلن سعيّد طرح مرسوم يتعلق بالصلح الجزائي مع رجال الأعمال "حتى يسترد الشعب أمواله المنهوبة" ويشمل هذا المرسوم كل شخص مادي ومعنوي لم تستكمل في شأنه إجراءات مصادرة أمواله واسترجاعها من الخارج طبق ما اقتضته أحكام مرسوم المصادرة الذي اعتُمِد في مارس 2011 عقب الثورة، وشمل الرئيس الراحل بن علي وعائلته وعددا من الوزراء والشخصيات المتنفذة قبل الثورة. ولكن رغم صدور المرسوم والحرص السياسي على تنفيذه إلا أن الأمر ما زال شائكا ومعقّدا .
بين الوهم والحقيقة
إصرار الرئيس قيس سعيد من خلال لجنة الصلح الجزائي على استرجاع 13.5 مليار دينار أثار ردود أفعال مختلفة حيث هناك من اعتبر أن هذه اللجنة إنجاز وأنها قادرة على استعادة تلك الأموال المنهوبة ولكن هناك أيضا من اعتبر أن استرجاع تلك الأموال من الخارج هو مجرد وهم يتم تسويقه الى التونسيين وان إجراءات الاسترجاع معقدة وان اغلب البلدان التي حاولت استرجاع أموالها المنهوبة في الخارج فشلت في ذلك أو اكتفت بالحصول على فتات من تلك الثروات .
وفي الجانب الاقتصادي فان بعض المختصين ابدوا استغرابهم من تكرر خطابات الرئيس قيس سعيد عن استرداد الأموال المنهوبة، لكن دون إدراج أي موارد قد تتأتي من الصلح الجزائي في موازنة الدولة لسنة 2023، معتبرين أن غياب المصداقية يخلق اهتزاز الثقة بين الدولة والمؤسسات العالمية. ومن بين هؤلاء الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي الذي قال في تصريحات صحفية سابقة الحكومة تتكتم على المعطيات المتعلقة بالصلح الجزائي، مما يصعب على المحللين الاقتصاديين تقييم مدى واقعية تلك المبالغ المصرح بها على أرض الواقع.
مواقف متباينة من مسارات مختلفة لاستعادة تلك الأموال المنهوبة ولكن النتائج تبدو متشابهة، حيث بقي استعادة تلك الأموال حلما سياسيا لا يتحقق !