سامي الطاهري: شقوق من المعارضة.. وجبهة الخلاص بالأساس.. تريد من الاتّحاد أن يقوم بدورها".
تونس – الصباح
لم تستطع الطبقة السياسية بجميع أطيافها وتوجهاتها وتياراتها، سواء منها الداعمة والمساندة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد أو المعارضة له، الخروج من نفس الدائرة الضيقة في المشهد العام، التي لا تزال تتخبط فيها منذ فجر 26 جويلية 2021 إلى غاية اليوم ليزداد وضعها ترديا بعد أن خفت صوتها تقريبا ولم يعد يُسْمَع لها تحركات أو أنشطة أو برامج وأدوار في الشأنين الخاص والعام تذكر. فلم تدرك مرحلة الفاعل بل ظلت تراوح مكانها بين المواقف الانطباعية لا غير، إما برفع الـ"لاء" أو الـ"النعم"، في تفاعلها مع المستجدات وتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تحقيق نقلة نوعية في مساراتها عبر المضي إلى المبادرات العملية أو الانتقال إلى الانخراط في الوضع العام والدفع للإصلاح وإنقاذ الأوضاع والدولة والدفع لخروجها من الأزمات.
ليتأكد للجميع ما ذهب له متابعون للشأن السياسي في بلادنا خلال عشرية ما بعد ثورة 2011 كنتيجة لقراءة وضع مكونات المشهد السياسي، وهو الضعف الكبير للطبقة السياسية وأن مرحلة ما بعد 2011 واستحقاقاتها ومطالبها ومتطلباتها تتجاوز قدرات تلك الطبقة. الأمر الذي أدى إلى فشل المرحلة وسياسة إدارة دواليب الدولة لتحيد بذلك الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة على حد السواء، عن أهداف الثورة. فكان أن وجدت هذه الطبقة السياسية ضالتها في المنظمة الشغيلة بدرجة أولى وبقية المنظمات الوطنية والقطاعية التي ساهمت في تحقيق المعادلة السياسية وإدراك التوازن المفقود بعد نجاح الرباعي الراعي للحوار الوطني في مرحلة أولى فدخول الاتحاد العام التونسي للشغل بكل ثقله في معترك اللعبة السياسية في النصف الثاني من نفس العشرية ليكون طرفا فاعلا في المرحلة بشكل مباشر وغير مباشر بعد كان "خيمة" للسياسيين بدرجة أولى، مما ساهم في منح جانب من الأريحية و"القوة" للطبقة السياسية.
لكن بعد تغير قانون وقاعد اللعبة السياسية في تونس ما بعد 25 جويلية 2021، واختيار سعيد انتهاج سياسة تهدف لوضع حد لسياسة "التداخل والتشابك" التي كانت قائمة، دخلت أغلب مكونات الطبقة السياسية في دوامة من الضياع والتيه وقارب بعضها الآخر على التلاشي والاندثار بعد أن انقطع حبل وصلها بالاتحاد العام التونسي للشغل بعد أن خيرت قيادات المنظمة الوطنية النأي بنفسها عن الدخول في معارك وأجندات سياسوية بالأساس والتخلي عن كل مبادر لإعادة إنعاش هذه الطبقة السياسية. خاصة بعد أن سقطت كل المبادرات ومحاولات الاتحاد للمشاركة في البحث عن مخارج من الأزمات والوضع المتردي وحالة الانسداد المطبقة في تونس منذ مباشرة قيس سعيد لمهامه رئيسا للجمهورية بعد فوزه في انتخابات 2019 بشكل عام وتفاقم الوضع بعد مسكه بزمام السلط منذ أكثر من سنتين. لذلك تعلقت همة شقوق المعارضة بالأساس بهمة الاتحاد ليواصل قيادتها إلى بر الأمان بما يمكنها من إعادتها إلى دائرة الضوء واكتساب القدر الممكن من هامش المساحة السياسية والبقاء في دائرة الحكم والقرار والسلطة. وهو ما لم يعد خافيا على الجميع. ورغم حالة الجفاء التي تبدو في العلن، القائمة بين هذه المنظمة الشغيلة الكبرى من ناحية والمعارضة بجميع أطيافها بالأساس من ناحية ثانية خلال الفترة الأخيرة، فإن أمل الطبقة السياسية ظل متجها نحو بوصلة خيمة الاتحاد، على اعتبار أنها الجهة والقوة الداخلية التي تحمل آمالها لتغيير أوضاعها نحو الأفضل. وذلك بعد أن فشلت مراهنة هؤلاء السياسيين وغيرهم من الرافضين لسياسة سعيد وخياراته في إدارة دواليب الدولة خلال السنتين الأخيرتين في مراهنتها على خيارات أخرى لعل من أبرزها محاولة الاستقواء بالأجنبي والمراهنة على القوى الخارجية للإطاحة بنظام الحكم الذي يقوده سعيد عبر الدفع للتضييق عليه من ناحية، أو عبر المراهنة على تحركات الشارع والدفع للاستثمار في الأزمات والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها بلادنا كسائر بلدان العالم.
يأتي ذلك بعد فشل كل محاولات المعارضة الاستقواء على السلطة بعد فقدانها لقواعدها لاسيما الأحزاب التي كانت وازنة أو في البرلمان وتحظى بقواعد شعبية كبيرة خلال العشرية الماضية على غرار حركة النهضة والتيار الديمقراطي وقلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس وغيرها، باعتبار أن بعضها شارف على الاندثار ولم يعد له وجود أو تأثير في الشارع السياسي أيضا. فارتبطت كل تحرك أو علو صوت الشقوق المعارضة بدرجة نبض "قلعة محمد علي" النضالية والمغازلات المتكررة للاتحاد أو الدعوات العلنية لقياداته لقيادة التحرك والشارع من جديد.
وقد اختزل سامي الطاهري، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، واقع هذه الطبقة السياسية في تصريحه مؤخرا لإحدى الإذاعات الخاصة بقوله: "جزء من المعارضة، وجبهة الخلاص بالأساس، يريدون الاتّحاد أن يخدم.. خدمتهم". وهي عبارة كفيلة بإدانة هذه الفئة من السياسيين وتأكيد عدم قدرة الأجسام السياسية والمدنية وغيرها من الوسائط الاجتماعية على إيجاد موقع لها في المشهد العام وعجزها عن تخطي العقبات التي تعترضها وتغيير أدواتها الفكرية والاتصالية ووضع برامج ومقاربات متجددة تراعي تطورات الوضع وانتظارات المواطنين وليس عبر اعتماد آليات وأجندات لخدمة فئة ضيقة على حساب المصلحة العامة، على غرار ما حدث خلال العشرية الماضية.
لذلك اتجهت أنظار المعارضة إلى المنظمة الشغيلة في هذه المرحلة من جديد بعد أن بدأت بوادر عودة قياداتها للتحرك والنشاط والظهور بعد شبه غياب عن دائرة الأضواء خلال الأشهر الأخيرة. لكن يبدو أن لأمين العام نورالدين الطبوبي وفريقه في الاتحاد قد اتخذوا قرارهم الحاسم بعدم تجاوز خط المنظمة الشغيلة مراعاة للوضع الدقيق الذي تمر به الدولة في عدة مستويات. وهو ما من شانه أن يصعب مهمة الطبقة السياسية خاصة وأن الجميع يراهن على العودة إلى الواجهة العامة في مرحلة سياسية بامتياز تفتح لمجال لاستعداد للسباق للاستحقاقات الرئاسية في انتخابات 2024.
نزيهة الغضباني
سامي الطاهري: شقوق من المعارضة.. وجبهة الخلاص بالأساس.. تريد من الاتّحاد أن يقوم بدورها".
تونس – الصباح
لم تستطع الطبقة السياسية بجميع أطيافها وتوجهاتها وتياراتها، سواء منها الداعمة والمساندة للمسار الذي يقوده رئيس الجمهورية قيس سعيد أو المعارضة له، الخروج من نفس الدائرة الضيقة في المشهد العام، التي لا تزال تتخبط فيها منذ فجر 26 جويلية 2021 إلى غاية اليوم ليزداد وضعها ترديا بعد أن خفت صوتها تقريبا ولم يعد يُسْمَع لها تحركات أو أنشطة أو برامج وأدوار في الشأنين الخاص والعام تذكر. فلم تدرك مرحلة الفاعل بل ظلت تراوح مكانها بين المواقف الانطباعية لا غير، إما برفع الـ"لاء" أو الـ"النعم"، في تفاعلها مع المستجدات وتطورات الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون تحقيق نقلة نوعية في مساراتها عبر المضي إلى المبادرات العملية أو الانتقال إلى الانخراط في الوضع العام والدفع للإصلاح وإنقاذ الأوضاع والدولة والدفع لخروجها من الأزمات.
ليتأكد للجميع ما ذهب له متابعون للشأن السياسي في بلادنا خلال عشرية ما بعد ثورة 2011 كنتيجة لقراءة وضع مكونات المشهد السياسي، وهو الضعف الكبير للطبقة السياسية وأن مرحلة ما بعد 2011 واستحقاقاتها ومطالبها ومتطلباتها تتجاوز قدرات تلك الطبقة. الأمر الذي أدى إلى فشل المرحلة وسياسة إدارة دواليب الدولة لتحيد بذلك الطبقة السياسية الحاكمة والمعارضة على حد السواء، عن أهداف الثورة. فكان أن وجدت هذه الطبقة السياسية ضالتها في المنظمة الشغيلة بدرجة أولى وبقية المنظمات الوطنية والقطاعية التي ساهمت في تحقيق المعادلة السياسية وإدراك التوازن المفقود بعد نجاح الرباعي الراعي للحوار الوطني في مرحلة أولى فدخول الاتحاد العام التونسي للشغل بكل ثقله في معترك اللعبة السياسية في النصف الثاني من نفس العشرية ليكون طرفا فاعلا في المرحلة بشكل مباشر وغير مباشر بعد كان "خيمة" للسياسيين بدرجة أولى، مما ساهم في منح جانب من الأريحية و"القوة" للطبقة السياسية.
لكن بعد تغير قانون وقاعد اللعبة السياسية في تونس ما بعد 25 جويلية 2021، واختيار سعيد انتهاج سياسة تهدف لوضع حد لسياسة "التداخل والتشابك" التي كانت قائمة، دخلت أغلب مكونات الطبقة السياسية في دوامة من الضياع والتيه وقارب بعضها الآخر على التلاشي والاندثار بعد أن انقطع حبل وصلها بالاتحاد العام التونسي للشغل بعد أن خيرت قيادات المنظمة الوطنية النأي بنفسها عن الدخول في معارك وأجندات سياسوية بالأساس والتخلي عن كل مبادر لإعادة إنعاش هذه الطبقة السياسية. خاصة بعد أن سقطت كل المبادرات ومحاولات الاتحاد للمشاركة في البحث عن مخارج من الأزمات والوضع المتردي وحالة الانسداد المطبقة في تونس منذ مباشرة قيس سعيد لمهامه رئيسا للجمهورية بعد فوزه في انتخابات 2019 بشكل عام وتفاقم الوضع بعد مسكه بزمام السلط منذ أكثر من سنتين. لذلك تعلقت همة شقوق المعارضة بالأساس بهمة الاتحاد ليواصل قيادتها إلى بر الأمان بما يمكنها من إعادتها إلى دائرة الضوء واكتساب القدر الممكن من هامش المساحة السياسية والبقاء في دائرة الحكم والقرار والسلطة. وهو ما لم يعد خافيا على الجميع. ورغم حالة الجفاء التي تبدو في العلن، القائمة بين هذه المنظمة الشغيلة الكبرى من ناحية والمعارضة بجميع أطيافها بالأساس من ناحية ثانية خلال الفترة الأخيرة، فإن أمل الطبقة السياسية ظل متجها نحو بوصلة خيمة الاتحاد، على اعتبار أنها الجهة والقوة الداخلية التي تحمل آمالها لتغيير أوضاعها نحو الأفضل. وذلك بعد أن فشلت مراهنة هؤلاء السياسيين وغيرهم من الرافضين لسياسة سعيد وخياراته في إدارة دواليب الدولة خلال السنتين الأخيرتين في مراهنتها على خيارات أخرى لعل من أبرزها محاولة الاستقواء بالأجنبي والمراهنة على القوى الخارجية للإطاحة بنظام الحكم الذي يقوده سعيد عبر الدفع للتضييق عليه من ناحية، أو عبر المراهنة على تحركات الشارع والدفع للاستثمار في الأزمات والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها بلادنا كسائر بلدان العالم.
يأتي ذلك بعد فشل كل محاولات المعارضة الاستقواء على السلطة بعد فقدانها لقواعدها لاسيما الأحزاب التي كانت وازنة أو في البرلمان وتحظى بقواعد شعبية كبيرة خلال العشرية الماضية على غرار حركة النهضة والتيار الديمقراطي وقلب تونس وائتلاف الكرامة وتحيا تونس وغيرها، باعتبار أن بعضها شارف على الاندثار ولم يعد له وجود أو تأثير في الشارع السياسي أيضا. فارتبطت كل تحرك أو علو صوت الشقوق المعارضة بدرجة نبض "قلعة محمد علي" النضالية والمغازلات المتكررة للاتحاد أو الدعوات العلنية لقياداته لقيادة التحرك والشارع من جديد.
وقد اختزل سامي الطاهري، الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، واقع هذه الطبقة السياسية في تصريحه مؤخرا لإحدى الإذاعات الخاصة بقوله: "جزء من المعارضة، وجبهة الخلاص بالأساس، يريدون الاتّحاد أن يخدم.. خدمتهم". وهي عبارة كفيلة بإدانة هذه الفئة من السياسيين وتأكيد عدم قدرة الأجسام السياسية والمدنية وغيرها من الوسائط الاجتماعية على إيجاد موقع لها في المشهد العام وعجزها عن تخطي العقبات التي تعترضها وتغيير أدواتها الفكرية والاتصالية ووضع برامج ومقاربات متجددة تراعي تطورات الوضع وانتظارات المواطنين وليس عبر اعتماد آليات وأجندات لخدمة فئة ضيقة على حساب المصلحة العامة، على غرار ما حدث خلال العشرية الماضية.
لذلك اتجهت أنظار المعارضة إلى المنظمة الشغيلة في هذه المرحلة من جديد بعد أن بدأت بوادر عودة قياداتها للتحرك والنشاط والظهور بعد شبه غياب عن دائرة الأضواء خلال الأشهر الأخيرة. لكن يبدو أن لأمين العام نورالدين الطبوبي وفريقه في الاتحاد قد اتخذوا قرارهم الحاسم بعدم تجاوز خط المنظمة الشغيلة مراعاة للوضع الدقيق الذي تمر به الدولة في عدة مستويات. وهو ما من شانه أن يصعب مهمة الطبقة السياسية خاصة وأن الجميع يراهن على العودة إلى الواجهة العامة في مرحلة سياسية بامتياز تفتح لمجال لاستعداد للسباق للاستحقاقات الرئاسية في انتخابات 2024.