إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سد النهضة وحرب المياه بين أثيوبيا ومصر والسودان.. الصراع وتغيير في التوازنات الجيو- استراتيجية

 

 

ازمة سد النهضة تقتضي تحسين علاقات مصر واثيوبيا والسودان فيما بينها بما يتجاوز علاقتها بنهر النيل، خاصة في المجالات ذات المنفعة المتبادلة

بقلم :الدكتور منذر عافي

عاد التوتر ليخيم من جديد على العلاقات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل،خاصة بعد أن أعلنت إثيوبيا انطلاقها في ملء خزان سد النهضة الإثيوبي، وهي خطوة تتعارض تماما وتعهدات اثيوبية سابقة بعدم انشاء السد واستخدامه لان في تعبئة سد النهضة وملئه بالمياه من جانب واحد ضرب لحق الدولتين "مصر والسودان" في الاستخدام العادل لمياه النيل. أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، انتهاء ملء سد النهضة الكبير على نهر النيل، والذي يُقدم على أنه الأكبر في أفريقيا، مما يهدد بأزمة إقليمية مع مصر والسودان الواقعتين على مجرى النهر، ويأتي الإعلان في ظل مفاوضات بين الدول الثلاث توقفت منذ أفريل 2021، واستؤنفت في 27 أوت 2023.

وقال آبي أحمد في رسالة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي "إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أعلن أن التعبئة الرابعة والأخيرة (للمياه) لسد النهضة قد اكتملت بنجاح". وأضاف: "كان هناك الكثير من التحديات، وكثيراً ما تم صدنا. كان لدينا تحدٍّ داخلي وضغوط خارجية. لقد وصلنا (إلى هذه المرحلة) ". وأضاف: "أعتقد أننا سنكمل ما خططنا له. سبق لمصر ان كثفت من تحركاتها الديبلوماسية وجددت دعوتها للمجتمع الدولي قصد وضع حد لمثل هذه الانتهاكات الاثيوبية. وفي هذا السياق تدخلت الولايات المتحدة فعليا وهددت بوقف كل مساعدات التنمية التي توجهها لإثيوبيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لخلاف حول سد النهضة هو جزء من نزاع طويل الأمد بين مصر والسودان – من ناحية، وإثيوبيا وعدد من دول النهر من ناحية أخرى حول الوصول إلى مياه النيل، والتي تعتبر شريان الحياة للملايين من الناس الذين يعيشون في مصر والسودان على الرغم من الخلافات الشديدة، تواصل إثيوبيا المضي قدمًا في ضخ المياه في السد بحجةأن مشروع الطاقة الكهرومائية سيحسن بشكل كبير سبل العيش في المنطقةعلى نطاق أوسع.

تشغيل السد فيه تهديد لأمن مصر المائي

يشكل تشغيل السد تهديدا جديا لمصر التي تُعاني من شُحّ كبير في مياه الشرب والري، وهي تعتمد بشكل أساسي على مياه نهر النيل في تلبية احتياجاتها من المياه، وهي تخشى من أن عملية ملء السد قد تؤثر على حصتها من المياه، ففي السنوات التي يكون فيها معدل الأمطار عاديا أو فوق المتوسط لا يُتوقع أن تحدث مشكلة، ولكن القلق بشأن ما قد يحدث خلال فترات الجفاف التي قد تستمر لسنوات.

تقول أثيوبيا من ناحية أخرى إن السد، ضرورة حيوية لأمنها المائي وامنها الغذائي، فإذا جرى تشغيله بكامل طاقته، سيكون المحطة الأكبر أفريقيا لتوليد الكهرباء.. وبالتالي فهو ضروري لنمو البلاد اقتصاديا ولتوفير الطاقة.

على الرغم من أن الصراع على استغلال مياه نهر النيل يعود لعقود طويلة مضت،فإن الخلاف، بين مصر وإثيوبيا،تصاعد بشكل كبير عندما شرعت هذه الأخيرة في بناء السد على النيل. وقد تمسكت أثيوبيا،منذ زمن طويل بحقها في استخدام مواردها الطبيعية لمعالجة الفقر على نطاق واسع وتحسين مستوى معيشة سكانها. ولئن أكدت إثيوبيا بأن استخدام سد النهضة لن يؤثر بشكل كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل، لكن مصر،تعارض بشدة إقامة السد وتشغيله خوفها على أمنها المائي.

 وفي الطرف المقابل استخدمت مصر منذ عقود من الزمن علاقاتها الدبلوماسية الواسعة واتفاقيات الحقبة الاستعمارية لمنع إقامة مشاريع بنية تحتية كبرى على روافد النيل وقد نجحت في ذلك، لم تتمكن إثيوبيا من الاستفادة بشكل كبير من مياه النهر. ولكن مجريات الاحداث تغيرت في المرحلة الراهنة، فنتيجة لقدرة ورغبة الأثيوبيين في الداخل والخارج للاستثمار في مشروع السد، تمكنت الحكومة من جمع جزءكبير من الأموال اللازمة لبدء بناء سدالنهضة. وفي هذا السياق تدخلت الصين لمساعدة اثيوبيا ماليا قصد تمويل شراء المعدات اللازمة لمحطات ضخ المياه.

غياب المرجعية القانونية الدولية للتعامل مع ملف المياه

على الرغم من أن مصر اعتبرت أن اتفاقية 1959 مع السودان هي الإطار القانوني لتخصيص مياه النيل، هذه الاتفاقية التي خصصت جميع مياه نهر النيل لمصر والسودان ،تاركة قرابة عشرة مليارات متر مكعب للتسرب والتبخر، لكنها لم تمنح المياه لإثيوبيا أو الدول الأخرى الواقعة على المنبع – وهي مصادر معظم المياه التي تتدفق إلى نهر النيل. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو حقيقة أن هذا الاتفاق منح مصر حق النقض على مشروعات نهر النيل المستقبلية.

عملت مصر في البداية على منع بدء بناء سد النهضة خوفًا من حدوث اضطرابات كبيرة في وصولها إلى مياه النيل. وبالفعل، وصفت مصر ملء السد بأنه تهديد وجودي، حيث تخشى أن يؤثر السد سلبًا على إمدادات المياه في البلاد. ومع ذلك،في هذه المرحلة المتقدمة وبعد إصرار اثيوبيا على تشغيل السد، تغيرت اهتمامات مصر وأصبح شغلها الشاغل العمل على تأمين اتفاق سياسي حول الجدول الزمني لملء خزان سد النهضة وكيفية إدارة سد النهضة،خاصة أثناء فترات الجفاف.

يؤكد المسؤولون في أديس أبابا بأن سد النهضة لن يكون له تأثير كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل، وأكثر من ذلك يدافعون على فكرة أساسية مفادها أن هذا السد– عن طريق توليد – الطاقة الكهرومائية سيوفر عائدات مالية ضخمة يمكن ان تستفيد منها كل دول المنطقة، بما في ذلك مصدر والسودان.

على الرغم من أن الخرطوم عارضت في البداية بناء سدالنهضة، فقد استعدت له منذ ذلك الحين، مشيرة إلى قدرته على تحسين آفاق التنمية المحلية. ومع ذلك، لاتزال الخرطوم تخشى من أن تشغيل سد النهضة قد يهدد سلامة السدود في السودان ويجعل من الصعب على الحكومة إدارة مشاريعها التنموية.

وقد ساهمت المحادثات التي ترأستها جنوب إفريقيا نيابة عن الاتحاد الأفريقي في تسوية العديد من القضايا المرتبطة بملء خزان سد النهضة، ومع ذلك لا يوجد حتى الآن اتفاق على الدور الذي سيلعبه السد في التخفيف من الجفاف. اتفقت الدول الثلاث على أنه "عندما ينخفض تدفق مياه النيل إلى السد سيشكل ذلك تهديدا بندرة المياه ووفقًا لمصر والسودان، سيتعين على إثيوبيا إطلاق بعض المياه في خزان السد للتعامل مع الجفاف. وفي سياق هذه التجاذبات تشترط أثيوبيا أن يتم تمتيعها بالمرونة لاتخاذ قرارات بشأن كيفيةالتعامل مع حالات الجفاف..

ان ازمة سد النهضة تقتضي السعي إلى تحسين علاقات مصر واثيوبيا والسودان فيما بينها بما يتجاوز علاقتها بنهر النيل، خاصة في المجالات ذات المنفعة المتبادلة مثل التجارة؛ التبادل التعليمي والثقافي؛ إدارة الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه؛ ووضع خطة واضحة للتعامل مع التهديدات للسلام والأمن، بما في ذلك التصدي للإرهاب والتطرف؛ ومواجهة التحديات الكبرى للنمو الاقتصادي والتخفيف من حدة الفقر مثل تغير المناخ وانتشار الأمية وضعف البنيةالتحتية.

 فهل يمكن ان تتخلى هذه الدول عن سياساتها الانانية في التعامل مع موضوع الامن المائي بما يخدم مصالح جميع دول المنطقة؟

 

 

 سد النهضة وحرب المياه بين أثيوبيا ومصر والسودان..   الصراع وتغيير في التوازنات الجيو- استراتيجية

 

 

ازمة سد النهضة تقتضي تحسين علاقات مصر واثيوبيا والسودان فيما بينها بما يتجاوز علاقتها بنهر النيل، خاصة في المجالات ذات المنفعة المتبادلة

بقلم :الدكتور منذر عافي

عاد التوتر ليخيم من جديد على العلاقات بين مصر والسودان وإثيوبيا بشأن سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل،خاصة بعد أن أعلنت إثيوبيا انطلاقها في ملء خزان سد النهضة الإثيوبي، وهي خطوة تتعارض تماما وتعهدات اثيوبية سابقة بعدم انشاء السد واستخدامه لان في تعبئة سد النهضة وملئه بالمياه من جانب واحد ضرب لحق الدولتين "مصر والسودان" في الاستخدام العادل لمياه النيل. أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، انتهاء ملء سد النهضة الكبير على نهر النيل، والذي يُقدم على أنه الأكبر في أفريقيا، مما يهدد بأزمة إقليمية مع مصر والسودان الواقعتين على مجرى النهر، ويأتي الإعلان في ظل مفاوضات بين الدول الثلاث توقفت منذ أفريل 2021، واستؤنفت في 27 أوت 2023.

وقال آبي أحمد في رسالة نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي "إنه لمن دواعي سروري البالغ أن أعلن أن التعبئة الرابعة والأخيرة (للمياه) لسد النهضة قد اكتملت بنجاح". وأضاف: "كان هناك الكثير من التحديات، وكثيراً ما تم صدنا. كان لدينا تحدٍّ داخلي وضغوط خارجية. لقد وصلنا (إلى هذه المرحلة) ". وأضاف: "أعتقد أننا سنكمل ما خططنا له. سبق لمصر ان كثفت من تحركاتها الديبلوماسية وجددت دعوتها للمجتمع الدولي قصد وضع حد لمثل هذه الانتهاكات الاثيوبية. وفي هذا السياق تدخلت الولايات المتحدة فعليا وهددت بوقف كل مساعدات التنمية التي توجهها لإثيوبيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق لخلاف حول سد النهضة هو جزء من نزاع طويل الأمد بين مصر والسودان – من ناحية، وإثيوبيا وعدد من دول النهر من ناحية أخرى حول الوصول إلى مياه النيل، والتي تعتبر شريان الحياة للملايين من الناس الذين يعيشون في مصر والسودان على الرغم من الخلافات الشديدة، تواصل إثيوبيا المضي قدمًا في ضخ المياه في السد بحجةأن مشروع الطاقة الكهرومائية سيحسن بشكل كبير سبل العيش في المنطقةعلى نطاق أوسع.

تشغيل السد فيه تهديد لأمن مصر المائي

يشكل تشغيل السد تهديدا جديا لمصر التي تُعاني من شُحّ كبير في مياه الشرب والري، وهي تعتمد بشكل أساسي على مياه نهر النيل في تلبية احتياجاتها من المياه، وهي تخشى من أن عملية ملء السد قد تؤثر على حصتها من المياه، ففي السنوات التي يكون فيها معدل الأمطار عاديا أو فوق المتوسط لا يُتوقع أن تحدث مشكلة، ولكن القلق بشأن ما قد يحدث خلال فترات الجفاف التي قد تستمر لسنوات.

تقول أثيوبيا من ناحية أخرى إن السد، ضرورة حيوية لأمنها المائي وامنها الغذائي، فإذا جرى تشغيله بكامل طاقته، سيكون المحطة الأكبر أفريقيا لتوليد الكهرباء.. وبالتالي فهو ضروري لنمو البلاد اقتصاديا ولتوفير الطاقة.

على الرغم من أن الصراع على استغلال مياه نهر النيل يعود لعقود طويلة مضت،فإن الخلاف، بين مصر وإثيوبيا،تصاعد بشكل كبير عندما شرعت هذه الأخيرة في بناء السد على النيل. وقد تمسكت أثيوبيا،منذ زمن طويل بحقها في استخدام مواردها الطبيعية لمعالجة الفقر على نطاق واسع وتحسين مستوى معيشة سكانها. ولئن أكدت إثيوبيا بأن استخدام سد النهضة لن يؤثر بشكل كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل، لكن مصر،تعارض بشدة إقامة السد وتشغيله خوفها على أمنها المائي.

 وفي الطرف المقابل استخدمت مصر منذ عقود من الزمن علاقاتها الدبلوماسية الواسعة واتفاقيات الحقبة الاستعمارية لمنع إقامة مشاريع بنية تحتية كبرى على روافد النيل وقد نجحت في ذلك، لم تتمكن إثيوبيا من الاستفادة بشكل كبير من مياه النهر. ولكن مجريات الاحداث تغيرت في المرحلة الراهنة، فنتيجة لقدرة ورغبة الأثيوبيين في الداخل والخارج للاستثمار في مشروع السد، تمكنت الحكومة من جمع جزءكبير من الأموال اللازمة لبدء بناء سدالنهضة. وفي هذا السياق تدخلت الصين لمساعدة اثيوبيا ماليا قصد تمويل شراء المعدات اللازمة لمحطات ضخ المياه.

غياب المرجعية القانونية الدولية للتعامل مع ملف المياه

على الرغم من أن مصر اعتبرت أن اتفاقية 1959 مع السودان هي الإطار القانوني لتخصيص مياه النيل، هذه الاتفاقية التي خصصت جميع مياه نهر النيل لمصر والسودان ،تاركة قرابة عشرة مليارات متر مكعب للتسرب والتبخر، لكنها لم تمنح المياه لإثيوبيا أو الدول الأخرى الواقعة على المنبع – وهي مصادر معظم المياه التي تتدفق إلى نهر النيل. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو حقيقة أن هذا الاتفاق منح مصر حق النقض على مشروعات نهر النيل المستقبلية.

عملت مصر في البداية على منع بدء بناء سد النهضة خوفًا من حدوث اضطرابات كبيرة في وصولها إلى مياه النيل. وبالفعل، وصفت مصر ملء السد بأنه تهديد وجودي، حيث تخشى أن يؤثر السد سلبًا على إمدادات المياه في البلاد. ومع ذلك،في هذه المرحلة المتقدمة وبعد إصرار اثيوبيا على تشغيل السد، تغيرت اهتمامات مصر وأصبح شغلها الشاغل العمل على تأمين اتفاق سياسي حول الجدول الزمني لملء خزان سد النهضة وكيفية إدارة سد النهضة،خاصة أثناء فترات الجفاف.

يؤكد المسؤولون في أديس أبابا بأن سد النهضة لن يكون له تأثير كبير على تدفق المياه إلى نهر النيل، وأكثر من ذلك يدافعون على فكرة أساسية مفادها أن هذا السد– عن طريق توليد – الطاقة الكهرومائية سيوفر عائدات مالية ضخمة يمكن ان تستفيد منها كل دول المنطقة، بما في ذلك مصدر والسودان.

على الرغم من أن الخرطوم عارضت في البداية بناء سدالنهضة، فقد استعدت له منذ ذلك الحين، مشيرة إلى قدرته على تحسين آفاق التنمية المحلية. ومع ذلك، لاتزال الخرطوم تخشى من أن تشغيل سد النهضة قد يهدد سلامة السدود في السودان ويجعل من الصعب على الحكومة إدارة مشاريعها التنموية.

وقد ساهمت المحادثات التي ترأستها جنوب إفريقيا نيابة عن الاتحاد الأفريقي في تسوية العديد من القضايا المرتبطة بملء خزان سد النهضة، ومع ذلك لا يوجد حتى الآن اتفاق على الدور الذي سيلعبه السد في التخفيف من الجفاف. اتفقت الدول الثلاث على أنه "عندما ينخفض تدفق مياه النيل إلى السد سيشكل ذلك تهديدا بندرة المياه ووفقًا لمصر والسودان، سيتعين على إثيوبيا إطلاق بعض المياه في خزان السد للتعامل مع الجفاف. وفي سياق هذه التجاذبات تشترط أثيوبيا أن يتم تمتيعها بالمرونة لاتخاذ قرارات بشأن كيفيةالتعامل مع حالات الجفاف..

ان ازمة سد النهضة تقتضي السعي إلى تحسين علاقات مصر واثيوبيا والسودان فيما بينها بما يتجاوز علاقتها بنهر النيل، خاصة في المجالات ذات المنفعة المتبادلة مثل التجارة؛ التبادل التعليمي والثقافي؛ إدارة الموارد الطبيعية، بما في ذلك المياه؛ ووضع خطة واضحة للتعامل مع التهديدات للسلام والأمن، بما في ذلك التصدي للإرهاب والتطرف؛ ومواجهة التحديات الكبرى للنمو الاقتصادي والتخفيف من حدة الفقر مثل تغير المناخ وانتشار الأمية وضعف البنيةالتحتية.

 فهل يمكن ان تتخلى هذه الدول عن سياساتها الانانية في التعامل مع موضوع الامن المائي بما يخدم مصالح جميع دول المنطقة؟