إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من أجل مؤتمر دولي لإعادة بناء العاصمة الثقافية درنة

رُب ضارة نافعة، فعاصفة "دانيال" بدأت تُعيد المياه إلى مجراها الطبيعي بين سلطات الشرق وسلطات الغرب في ليبيا، لمواجهة آثار الكارثة معا والحد من الخسائر

بقلم:رشيد خشانة

فاجأت الليبيين ليلة الأحد/الاثنين الماضيين عاصفةٌ غير مسبوقة، وهم منهكون جراء أكثر من عشر سنوات من الحروب الداخلية. ولما كانت قوة الطبيعة اكبر من قدرة الإنسان على المقاومة، فإن الخسائر البشرية والمادية تكون أكبر وأكثر إيذاء للنسيج المجتمعي. وفي درنة طمرت العاصفة قرى بأكملها ومدارس ومساجد ومستشفيات وحتى عمارات، وفجرت سُدين ففاضت مياههما على المدينة. والظاهر أن السلطات في المنطقة الشرقية اتخذت تدابير احتياطية، لكنها لم تكن كافية، بعد تأكيد المراصد الجوية أن عاصفة "دانيال" تتجه بقوة نحو سواحل ليبيا. وتمثلت التقلبات الجوية في هبوب رياح عاتية وخلايا رعدية وانهمار المطر على مدى أكثر من عشر ساعات بلا توقف، فأغرقت الأحياء السكنية وأقفلت الطرقات الحيوية وطمرت السيارات.

بنية تحتية غير ملائمة

وفي سياق الاستعدادات للعاصفة، أصدر أسامة حماد، رئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب، والتي تسيطر على المنطقة الشرقية، قرارا بجعل يومي الأحد والاثنين الماضيين عطلة رسمية في كافة المناطق، في المؤسسات العامة والخاصة، عدا المؤسسات الصحية والأمنية. وبادر مجلس محلي في درنة بإخلاء أحياء وسط المدينة المطلة على البحر، وفرض حظر تجوال بدءا من العاشرة ليلا. كما طالب رئيس حكومة البرلمان رؤساء البلديات بإخلاء السكان من المناطق التي يتوقع سيلان أوديتها وتهديدها الأهالي. إلا أن كل ذلك لم يُجد نفعا عندما حلت العاصفة في السواحل الشرقية، إذ أن البنية التحتية ليست مُلائمة منذ فترة بعيدة، ولم يتم إصلاحها بسبب انشغال الحكومات المتوالية في الشرق كما في الغرب، بصراعاتها السياسية على حساب التنمية وتعهُد البنية التحتية بالترميم والاصلاح الدوريين. من هنا أتى ارتفاع عدد القتلى تحت الركام إلى أكثر من عشرين ألف قتيل، بحسب تقديرات أولية. ويقول جغرافيون إن مدينة درنة بُنيت أصلا على ضفتي واد، هو "وادي درنة"، ما يسر على المياه، المتدفقة بكميات هائلة، أن تجرف في طريقها البشر والحجر من الضفتين. وأدى سيلان الوادي إلى انشطار المدينة إلى نصفين منفصلين، بعد انهيار الجسور التي كانت تربط شرقها بغربها. ومن بين المعالم المدمرة جامع الصحابة ومقبرة الصحابة وسط المدينة، اللذين يُعتبران من أهم معالمها التاريخية.

انفجار سدين

إلا أن الضربة الكبرى أتت من انفجار سدين في محيط درنة، فتدفقت مياههما على المناطق والأحياء الآهلة بالسكان، وسببت كارثة إنسانية وبيئية واجتماعية كبرى. وعزا مسؤول في جهاز الإسعاف الليبي انهيار السدين إلى عدم صيانتهما طيلة السنوات الأخيرة، ما كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات. ولم تتسن معرفة عدد القتلى والمصابين جراء العاصفة، طالما أن هناك أعمالا جارية لرفع الركام والكشف عن المزيد من الجثث، وإخراجها من تحت الأنقاض. وتجاوزت الجثث التي تم انتشالها ألفي جثة (الرقم مرشح للارتفاع)، معظمها لليبيين ومصريين وفلسطينيين وسودانيين. وقالت المنظمة الدولية للهجرة من جهتها، إن ما لا يقلُ عن ثلاثين ألف شخص صاروا بلا مأوى في مدينة درنة، جراء الفيضانات المدمرة. واضطر الكثير من الأسر إلى المبيت في الشوارع، بسبب تهدم بيوتهم.

ربع المدينة اختفى

وأكد وزير الطيران الليبي أن ربع درنة اختفى في البحر. أما وزارة الصحة الليبية فأكدت أن ثلث مدينة درنة جرفته المياه العاتية نحو البحر، بأحيائه السكنية. واستمر وصول قوافل الإغاثة، التي تبرع بها وسيرها الليبيون من مناطق غرب وجنوب البلاد، إلى شرق ليبيا لتقديم الدعم الطبي والمساندة إلى أهالي درنة والمناطق المنكوبة الأخرى. ودرنة هي ثاني أكبر مدن الجبل الأخضر بعد البيضاء، وكانت الأخيرة مصيفا لملك ليبيا الراحل ادريس السنوسي. وقالت المنظمة الدولية للهجرة، إن ما لا يقلُ عن ثلاثين ألف شخص صاروا بلا مأوى في المدينة، جراء الفياضات المدمرة. واضطر الكثير من الأسر إلى المبيت في الشوارع، بسبب تهدم بيوتهم. وبعد انهار خمسة جسور، لم يبق سوى جسر واحد يربط بين طرفي المدينة، هذا بالاضافة لقطع التيار الكهربائي والانترنت عنها وعن مدن أخرى مجاورة، طيلة الأيام الماضية، ما جعل عمليات الانقاذ صعبة ومعقدة.

 وقدر وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عصام أبوزريبة، الحصيلة الأولية للوفيات بنحو عشرين ألف وفاة، معظمها داخل مديرية درنة. وبسبب كثرة الجثث لم تعد الثلاجات كافية لاستيعابها، ما حمل رئيس الحكومة المعترف بها دوليا عبد الحميد الدبيبة على إصدار تعليمات بتأمين 10 حافظات جثث و10 ثلاجات مجمدة لمدينة درنة والمناطق المجاورة لها، ومنها مدن بنغازي وسوسة والمرج وشحات والبيضاء.

وزيادة على الأطقم الطبية وفرق المسعفين، التي حلت بدرنة من بلدان عربية وإسلامية وغربية، استمر وصول قوافل الإغاثة المقدمة من الليبيين في مناطق الغرب والجنوب، التي لم تصلها العاصفة، لتقديم الدعم الطبي والمساندة إلى سكان درنة والمناطق المنكوبة. وبحسب اللجنة الفنية لحصر الأضرار، المتفرعة من مصلحة الطرق والجسور، فإن المساحة التقديرية المتضررة في محيط وادي درنة تقدر بـ90 هكتارا، فيما قدرت الطول الاجمالي لشبكة الطرقات المنهارة في المدينة المنكوبة، بـ30 كيلومترا.

الوحدة في مجابهة الخسائر

رُب ضارة نافعة، فعاصفة "دانيال" بدأت تُعيد المياه إلى مجراها الطبيعي بين سلطات الشرق وسلطات الغرب في ليبيا، لمواجهة آثار الكارثة معا والحد من الخسائر. وأعلن في هذا الإطار عضو مجلس النواب عيسى العريبي، أن لقاء قريبا سيجمع بين رئيسي المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ومجلس النواب عقيلة صالح، ولم يكشف العريبي عن مضمون اللقاء، لكن من الواضح أنه سيتركز على توحيد الجهود لمجابهة الأوضاع المأسوية، التي خلفتها العاصفة وإدارة المساعدات التي تستمر في الوصول إلى ليبيا من بلدان عدة. واستطرادا، أوضح العريبي في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار"، أن الملاحظات المُحالة من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، تمت إحالتها على لجنة 6+6 ومن المنتظر إحالتها من هذه اللجنة إلى مجلس النواب للمصادقة عليها، حسبما قال العريبي. والأرجح أن الأمور تتجه إلى اختيار سلطة تنفيذية موحدة، للإشراف على العملية الانتخابية في جميع مراحلها، بعد ورود الملاحظات والمصادقة عليها. وأوضح العريبي أن إجراءات اختيار سلطة تنفيذية موحدة من أجل الإشراف على الانتخابات ستبدأ عقب ورود الملاحظات والمصادقة عليها، في ظل استمرار التواصل بين مجلسي النواب والأعلى للدولة.

وأفيد أن مكالمة هاتفية أجريت بين رئيس المجلس الأعلى للدولة تكالة، وعقيلة صالح، أكدا فيها استعدادهما للتواصل والتفاهم من اجل الخروج من المأزق الراهن. وبناء على ذلك سينظر المجلس الأعلى للدولة في الملاحظات الواردة من مجلس النواب حول القوانين الانتخابية، وبدا صالح متفائلا بقبول "الأعلى للدولة" بتلك الملاحظات. مع هذا التقدم في تسوية الأزمة السياسية، يُطرح ملف إعادة إعمار درنة على الحكومتين في الشرق والغرب، بوصفها العاصمة الثقافية لليبيا، المشهورة بنواديها الأدبية ومناشطها الثقافية وعدد المبدعين الذين قدمتهم لليبيا، بالاضافة لمعالمها التاريخية، التي كانت قبل العاصفة الأخيرة، أحد معاقل الحضارة المتوسطية. وترك الأندلسيون الذين بنوا المدينة في عام 1661، بصمتهم الحضارية في ثقافة درنة وعادات أهلها ومعمارهم المُميز وعشقهم للثقافة والآداب، بالرغم من أنها سقطت في يوم من الأيام بين أيدي تنظيم "القاعدة". من هنا يتحتم على السلطات الليبية إطلاق دعوة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار المدينة، بمشاركة المؤسسات الدولية المعنية بالمحافظة على التراث الثقافي العالمي، وحكومات "البلدان الصديقة". وستكون التعبئة لهذا المؤتمر الدولي مناسبة لتلاحم الجهود بين الحكومة المنبثقة من البرلمان والحكومة المعترف بها دوليا، كي ينجح المؤتمر في تحقيق الأهداف المنتظرة منه. غير أن العواصم الأوروبية المُتابعة للوضع الليبي تُشكك بجدية التقارب بين الفريقين الليبيين، وتعتبر أن لخطوط الصدع الداخلي، عواقب في المستوى الدولي، مع وجود حكومتين متنافستين، "ما يشكّل صعوبة كبيرة في مستوى العلاقات الدبلوماسية، لأن عديد البلدان تجد صعوبة في التحدث مع إحداهما من دون التحدث إلى الأخرى"، وفقا لما ورد في تقرير جديد بثته هيئة الإذاعة والتليفزيون البلجيكي الحكومية، وذكره الباحث قادر عبد الرحيم. واعتبر عبد الرحيم الأستاذ بكلية العلوم السياسية بباريس، أن الانقسام السياسي "يُهدد بزيادة تعقيد الوضع على الأرض، حيث يخاطر الليبيون بدفع الثمن". واللافت في مأساة درنة أن "بيت درنة الثقافي" دعا قبل كارثة "دانيال" بأربعة أيام، إلى جلسة حوارية بعنوان "وادي درنة: تبعات الإهمال ومخاطر الانهيارات"، وكأن الداعين للجلسة كانوا يشعرون باقتراب العاصفة، ويُحذرون من الاهمال واللامبالاة. ومن الأمور المحزنة أن الشاعر مصطفى الطرابلسي، ابن درنة الذي حضر الجلسة الحوارية، ونبه خلالها إلى المخاطر المُحدقة بأبناء المدينة، كان هو نفسه أحد الذين قتلتهم العاصفة، فهلا استوعب القادة السياسيون الدرس؟

 

 

 

 

 

من أجل مؤتمر دولي لإعادة بناء العاصمة الثقافية درنة

رُب ضارة نافعة، فعاصفة "دانيال" بدأت تُعيد المياه إلى مجراها الطبيعي بين سلطات الشرق وسلطات الغرب في ليبيا، لمواجهة آثار الكارثة معا والحد من الخسائر

بقلم:رشيد خشانة

فاجأت الليبيين ليلة الأحد/الاثنين الماضيين عاصفةٌ غير مسبوقة، وهم منهكون جراء أكثر من عشر سنوات من الحروب الداخلية. ولما كانت قوة الطبيعة اكبر من قدرة الإنسان على المقاومة، فإن الخسائر البشرية والمادية تكون أكبر وأكثر إيذاء للنسيج المجتمعي. وفي درنة طمرت العاصفة قرى بأكملها ومدارس ومساجد ومستشفيات وحتى عمارات، وفجرت سُدين ففاضت مياههما على المدينة. والظاهر أن السلطات في المنطقة الشرقية اتخذت تدابير احتياطية، لكنها لم تكن كافية، بعد تأكيد المراصد الجوية أن عاصفة "دانيال" تتجه بقوة نحو سواحل ليبيا. وتمثلت التقلبات الجوية في هبوب رياح عاتية وخلايا رعدية وانهمار المطر على مدى أكثر من عشر ساعات بلا توقف، فأغرقت الأحياء السكنية وأقفلت الطرقات الحيوية وطمرت السيارات.

بنية تحتية غير ملائمة

وفي سياق الاستعدادات للعاصفة، أصدر أسامة حماد، رئيس الحكومة المُعينة من مجلس النواب، والتي تسيطر على المنطقة الشرقية، قرارا بجعل يومي الأحد والاثنين الماضيين عطلة رسمية في كافة المناطق، في المؤسسات العامة والخاصة، عدا المؤسسات الصحية والأمنية. وبادر مجلس محلي في درنة بإخلاء أحياء وسط المدينة المطلة على البحر، وفرض حظر تجوال بدءا من العاشرة ليلا. كما طالب رئيس حكومة البرلمان رؤساء البلديات بإخلاء السكان من المناطق التي يتوقع سيلان أوديتها وتهديدها الأهالي. إلا أن كل ذلك لم يُجد نفعا عندما حلت العاصفة في السواحل الشرقية، إذ أن البنية التحتية ليست مُلائمة منذ فترة بعيدة، ولم يتم إصلاحها بسبب انشغال الحكومات المتوالية في الشرق كما في الغرب، بصراعاتها السياسية على حساب التنمية وتعهُد البنية التحتية بالترميم والاصلاح الدوريين. من هنا أتى ارتفاع عدد القتلى تحت الركام إلى أكثر من عشرين ألف قتيل، بحسب تقديرات أولية. ويقول جغرافيون إن مدينة درنة بُنيت أصلا على ضفتي واد، هو "وادي درنة"، ما يسر على المياه، المتدفقة بكميات هائلة، أن تجرف في طريقها البشر والحجر من الضفتين. وأدى سيلان الوادي إلى انشطار المدينة إلى نصفين منفصلين، بعد انهيار الجسور التي كانت تربط شرقها بغربها. ومن بين المعالم المدمرة جامع الصحابة ومقبرة الصحابة وسط المدينة، اللذين يُعتبران من أهم معالمها التاريخية.

انفجار سدين

إلا أن الضربة الكبرى أتت من انفجار سدين في محيط درنة، فتدفقت مياههما على المناطق والأحياء الآهلة بالسكان، وسببت كارثة إنسانية وبيئية واجتماعية كبرى. وعزا مسؤول في جهاز الإسعاف الليبي انهيار السدين إلى عدم صيانتهما طيلة السنوات الأخيرة، ما كان له تأثير واضح في حدوث الفيضانات. ولم تتسن معرفة عدد القتلى والمصابين جراء العاصفة، طالما أن هناك أعمالا جارية لرفع الركام والكشف عن المزيد من الجثث، وإخراجها من تحت الأنقاض. وتجاوزت الجثث التي تم انتشالها ألفي جثة (الرقم مرشح للارتفاع)، معظمها لليبيين ومصريين وفلسطينيين وسودانيين. وقالت المنظمة الدولية للهجرة من جهتها، إن ما لا يقلُ عن ثلاثين ألف شخص صاروا بلا مأوى في مدينة درنة، جراء الفيضانات المدمرة. واضطر الكثير من الأسر إلى المبيت في الشوارع، بسبب تهدم بيوتهم.

ربع المدينة اختفى

وأكد وزير الطيران الليبي أن ربع درنة اختفى في البحر. أما وزارة الصحة الليبية فأكدت أن ثلث مدينة درنة جرفته المياه العاتية نحو البحر، بأحيائه السكنية. واستمر وصول قوافل الإغاثة، التي تبرع بها وسيرها الليبيون من مناطق غرب وجنوب البلاد، إلى شرق ليبيا لتقديم الدعم الطبي والمساندة إلى أهالي درنة والمناطق المنكوبة الأخرى. ودرنة هي ثاني أكبر مدن الجبل الأخضر بعد البيضاء، وكانت الأخيرة مصيفا لملك ليبيا الراحل ادريس السنوسي. وقالت المنظمة الدولية للهجرة، إن ما لا يقلُ عن ثلاثين ألف شخص صاروا بلا مأوى في المدينة، جراء الفياضات المدمرة. واضطر الكثير من الأسر إلى المبيت في الشوارع، بسبب تهدم بيوتهم. وبعد انهار خمسة جسور، لم يبق سوى جسر واحد يربط بين طرفي المدينة، هذا بالاضافة لقطع التيار الكهربائي والانترنت عنها وعن مدن أخرى مجاورة، طيلة الأيام الماضية، ما جعل عمليات الانقاذ صعبة ومعقدة.

 وقدر وزير الداخلية بالحكومة المكلفة من مجلس النواب عصام أبوزريبة، الحصيلة الأولية للوفيات بنحو عشرين ألف وفاة، معظمها داخل مديرية درنة. وبسبب كثرة الجثث لم تعد الثلاجات كافية لاستيعابها، ما حمل رئيس الحكومة المعترف بها دوليا عبد الحميد الدبيبة على إصدار تعليمات بتأمين 10 حافظات جثث و10 ثلاجات مجمدة لمدينة درنة والمناطق المجاورة لها، ومنها مدن بنغازي وسوسة والمرج وشحات والبيضاء.

وزيادة على الأطقم الطبية وفرق المسعفين، التي حلت بدرنة من بلدان عربية وإسلامية وغربية، استمر وصول قوافل الإغاثة المقدمة من الليبيين في مناطق الغرب والجنوب، التي لم تصلها العاصفة، لتقديم الدعم الطبي والمساندة إلى سكان درنة والمناطق المنكوبة. وبحسب اللجنة الفنية لحصر الأضرار، المتفرعة من مصلحة الطرق والجسور، فإن المساحة التقديرية المتضررة في محيط وادي درنة تقدر بـ90 هكتارا، فيما قدرت الطول الاجمالي لشبكة الطرقات المنهارة في المدينة المنكوبة، بـ30 كيلومترا.

الوحدة في مجابهة الخسائر

رُب ضارة نافعة، فعاصفة "دانيال" بدأت تُعيد المياه إلى مجراها الطبيعي بين سلطات الشرق وسلطات الغرب في ليبيا، لمواجهة آثار الكارثة معا والحد من الخسائر. وأعلن في هذا الإطار عضو مجلس النواب عيسى العريبي، أن لقاء قريبا سيجمع بين رئيسي المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة ومجلس النواب عقيلة صالح، ولم يكشف العريبي عن مضمون اللقاء، لكن من الواضح أنه سيتركز على توحيد الجهود لمجابهة الأوضاع المأسوية، التي خلفتها العاصفة وإدارة المساعدات التي تستمر في الوصول إلى ليبيا من بلدان عدة. واستطرادا، أوضح العريبي في تصريح لقناة "ليبيا الأحرار"، أن الملاحظات المُحالة من المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، تمت إحالتها على لجنة 6+6 ومن المنتظر إحالتها من هذه اللجنة إلى مجلس النواب للمصادقة عليها، حسبما قال العريبي. والأرجح أن الأمور تتجه إلى اختيار سلطة تنفيذية موحدة، للإشراف على العملية الانتخابية في جميع مراحلها، بعد ورود الملاحظات والمصادقة عليها. وأوضح العريبي أن إجراءات اختيار سلطة تنفيذية موحدة من أجل الإشراف على الانتخابات ستبدأ عقب ورود الملاحظات والمصادقة عليها، في ظل استمرار التواصل بين مجلسي النواب والأعلى للدولة.

وأفيد أن مكالمة هاتفية أجريت بين رئيس المجلس الأعلى للدولة تكالة، وعقيلة صالح، أكدا فيها استعدادهما للتواصل والتفاهم من اجل الخروج من المأزق الراهن. وبناء على ذلك سينظر المجلس الأعلى للدولة في الملاحظات الواردة من مجلس النواب حول القوانين الانتخابية، وبدا صالح متفائلا بقبول "الأعلى للدولة" بتلك الملاحظات. مع هذا التقدم في تسوية الأزمة السياسية، يُطرح ملف إعادة إعمار درنة على الحكومتين في الشرق والغرب، بوصفها العاصمة الثقافية لليبيا، المشهورة بنواديها الأدبية ومناشطها الثقافية وعدد المبدعين الذين قدمتهم لليبيا، بالاضافة لمعالمها التاريخية، التي كانت قبل العاصفة الأخيرة، أحد معاقل الحضارة المتوسطية. وترك الأندلسيون الذين بنوا المدينة في عام 1661، بصمتهم الحضارية في ثقافة درنة وعادات أهلها ومعمارهم المُميز وعشقهم للثقافة والآداب، بالرغم من أنها سقطت في يوم من الأيام بين أيدي تنظيم "القاعدة". من هنا يتحتم على السلطات الليبية إطلاق دعوة لعقد مؤتمر دولي لإعادة إعمار المدينة، بمشاركة المؤسسات الدولية المعنية بالمحافظة على التراث الثقافي العالمي، وحكومات "البلدان الصديقة". وستكون التعبئة لهذا المؤتمر الدولي مناسبة لتلاحم الجهود بين الحكومة المنبثقة من البرلمان والحكومة المعترف بها دوليا، كي ينجح المؤتمر في تحقيق الأهداف المنتظرة منه. غير أن العواصم الأوروبية المُتابعة للوضع الليبي تُشكك بجدية التقارب بين الفريقين الليبيين، وتعتبر أن لخطوط الصدع الداخلي، عواقب في المستوى الدولي، مع وجود حكومتين متنافستين، "ما يشكّل صعوبة كبيرة في مستوى العلاقات الدبلوماسية، لأن عديد البلدان تجد صعوبة في التحدث مع إحداهما من دون التحدث إلى الأخرى"، وفقا لما ورد في تقرير جديد بثته هيئة الإذاعة والتليفزيون البلجيكي الحكومية، وذكره الباحث قادر عبد الرحيم. واعتبر عبد الرحيم الأستاذ بكلية العلوم السياسية بباريس، أن الانقسام السياسي "يُهدد بزيادة تعقيد الوضع على الأرض، حيث يخاطر الليبيون بدفع الثمن". واللافت في مأساة درنة أن "بيت درنة الثقافي" دعا قبل كارثة "دانيال" بأربعة أيام، إلى جلسة حوارية بعنوان "وادي درنة: تبعات الإهمال ومخاطر الانهيارات"، وكأن الداعين للجلسة كانوا يشعرون باقتراب العاصفة، ويُحذرون من الاهمال واللامبالاة. ومن الأمور المحزنة أن الشاعر مصطفى الطرابلسي، ابن درنة الذي حضر الجلسة الحوارية، ونبه خلالها إلى المخاطر المُحدقة بأبناء المدينة، كان هو نفسه أحد الذين قتلتهم العاصفة، فهلا استوعب القادة السياسيون الدرس؟