إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مبدعون يجيبون: هل مازالت " مؤسسة" النقد الأدبي والفني محافظة على موقعها في الساحة الثقافية ؟

 

 

إلى أي مدى يواكب النقد التطور الكمي والكيفي للإنتاج الأدبي؟

هل تحرر النقاد من سطوة بعض الأسماء المنتشرة عربيا ؟

هل كل ما يمارس باسم النقد يعتبر نقدا؟

إلى أي مدى يمكن الحديث عن تطور آليات النقد وأدواته ومناهجه لينسجم النقاد مع التطور الذي يشهده العصر؟

 الموضوعية والحرية والاستقلالية.. أي موقع لها في مدونة الناقد اليوم؟

اعداد محسن بن احمد

ارتفعت الأصوات بشكل لافت منادية بضرورة إيلاء الإصدارات القصصية والروائية والشعرية والفكرية ما تستحقه من المتابعة الدقيقة تمحيصا وتحليلا ونقدا لها وفي ذلك إشارة الى ما اصبح يتهدد هذه الإصدارات من اللامبالاة وعدم الاهتمام بل تعدى الامر الى "هجر" القراءة وفقد الفرد لذة الاطلاع على الجديد الذي يصدر عن المطابع ودور النشر.

ويتفق اهل الاختصاص ان النقد ليس هو البحث عن العيوب في النص الأدبيّ مهما كان نوعه او الديوان الشعري، وإنما هو الدراسة الفاحصة بقصد تعرف مستوى الجودة، أو الضعف ، وتقدير القيمة الحقيقية للمنقود من حيث المزايا والاضافة الحاصلة

لكن ونحن في هذا الزخم على اكثر من صعيد بعد ان اصبح الكل يبحث عن الاثارة و"البوز" التي وصلت الى الكتاب وفق ما نلاحظه، اي حاجة لنا اليوم الى النقد الادبي وماهي علاقته بالثقافة ؟...سؤال طرحناه على عدد من المبدعين فكانت هذه الحصيلة

محمد بوحوش " روائي وشاعر ": النقد ضرورة ملحة لتقويم العمل الادبي ..لكن بشروط

النّقد نوعان: دراسات وبحوث أدبيّة يقوم بها جامعيّون أكاديميّون وفقا لمناهج ومفاهيم مخصوصة. ويمكن أن تكون داخل مخابر مختصّة بالسّرد أو بالشّعر أو غيرهما. ثمّ النّقد الأدبيّ الّذي ينجزه كتّاب ليسوا من فئة الأكاديميّين كأن يكون النّاقد الأدبيّ روائيّا أو شاعرا أو مسرحيّا أو مفكّرا أو غير ذلك. وهو نقد لا يستند بالضّرورة إلى مناهج ومفاهيم محدّدة. فهو أشبه بالقراءة العاشقة لعمل أدبيّ. ومع الفرق بين هذا وذاك فقد جرت العادة إلى تنسيب النّقد الأدبيّ إلى المختصّين الجامعيّين دون غيرهم. وهذا في تقديري مغاير للصّواب. أمّا عن سؤال هل نحتاج إلى النّقد الأدبيّ اليوم؟ فيبدو ذلك من تحصيل الحاصل لاسيّما إذا كان ذلك النّقد في صلب الجامعات، فهو في الواقع من مشمولاتها وأنشطتها المعهودة. لكنّنا نلاحظ تراجع النّقد الأدبيّ الّذي يقوم به المثقّفون من الكتّاب خاصّة في المجلّات المختصّة والملاحق الأدبيّة للصّحف. وهنا يقودنا السّؤال إلى علاقة النّقد بالثّقافة. ومن البديهيّ أن يكون النّاقد الأدبيّ غير الجامعيّ مثقّفا موسوعيّا وعلى دراية بفنون الأدب وتقنيّات الأجناس جميعها أكانت سرديّة أو شعريّة. والثّقافة هنا ليست أدبيّة فقط بل هي تتعلّق بحقول المعرفة كافّة. كأن يكون النّاقد الأدبيّ ملمّا ببعض العلوم الإنسانيّة أو مطّلعا على الأقلّ على تاريخ الأدب ومجرياته في السّاحة الأدبيّة. ولا ننسى أنّه من النّقد الّذي لقي رواجا وتقبّلا هو النّقد الأدبيّ الّذي يقوم به الصّحفيّ المختصّ بالأدب وينشره في الملاحق الثّقافيّة تعريفا بالإصدارات أو تقييما لها. كما هو الحال بالنّسبة إلى النّقد الأدبيّ الّذي ينجزه المبدع في حدّ ذاته كأن يكون ذاك المبدع شاعرا أو روائيّا مقيّما للأعمال الأدبيّة ومدى أهميّتها ومتانتها أو ضعفها.

ثمّ لا ننسى أيضا بأنّ الحديث يجري غالبا عن تراجع النّقد أكان دراسة أو بحثا أو قراءة. ولعلّ من الأسباب ما يعود إلى تراكم الإبداع، وصعوبة متابعة كلّ ما ينشر بمختلف الوسائل سواء كانت تقليديّة كالكتب الورقيّة أو الكتب الرقميّة. ومع أنّ النّقد يأتي لاحقا ويسبقه الإبداع إلّا أنّنا نلاحظ ندرة النّقّاد والنّقد أمام زخم الإصدارات الأدبيّة وتفشّي ظواهر غير حميدة في السّاحة الأدبيّة كالنّقد الّذي ينجز بمقابل ماديّ، أو النّقد المرتبط بالعلاقات الشّخصيّة وتسويق بعض الأعمال دون غيرها. وفي كلّ الأحوال فإنّ النّقد سيظلّ ضرورة ملحّة لتقويم العمل الأدبيّ وتفسيره والتّعريف به. كما سيظلّ في علاقة عضويّة بالثّقافة. ومتى اتّسعت دائرة الثّقافة لدى النّاقد كان النّقد أكثر إتقانا وجودة وإلماما بالعمل الإبداعيّ.

محمد عيسى المؤدب "روائي": حاجتنا كبيرة اليوم الى النقد الادبي العلمي الرصين

+ أوّلا، لابدّ من تدقيق مفهوم النّقد الأدبي، فهو تحليل وتفسير وتقييم للأعمال الأدبيّة، ومن الضّروري أن يمرّ بأربع مراحل وهي الملاحظة والتّحليل والتّفسير والتّقييم ويمتلك معايير يرجع إليها النّاقد أثناء تحليله، أذكر ذلك لأفصل بين النّقد الأدبي العلمي، والنّقد الانطباعي السّريع وكذلك المراجعات التي ظهرتْ في السّنوات الأخيرة بالعديد من المواقع الإلكترونيّة واهتمّت بفنّ الرّواية.

من هذا المُنطلق نحن في حاجة متأكّدة اليوم إلى النّقد الأدبي العلمي الرّصين، في ظلّ واقع أدبي يُعوّل على الكم لا على النّوع، لذلك غلبت الأعمال الرّديئة على الأعمال المُتميّزة، وصارتْ العمليّة أشبه بإهدار الورق العامّ في أعمال شعريّة أو سرديّة تنشرها مطابع لا دور نشر، همّها الوحيد الرّبح السّريع من الكاتب المتواطئ مع النّاشر ومن وزارة الثّقافة التي للأسف تقتني الأعمال الأدبيّة في الغالب " بالبالة" دون تقييم دقيق لمحتوياتها.

النّقد الأدبي بتونس انفتح في السّنوات الأخيرة بشكل خاصّ على السّرديّة التّونسيّة في الرّواية وهناك اشتغال على مواضيع مُتنوّعة، في الأشكال والمضامين، وهذا ما تقوم به العديد من المخابر الأدبيّة والكليّات والمعاهد العليا مثل منّوبة وسوسة وصفاقس وقفصة ونابل وغيرها.

1- في الواقع، لقيت تجربتي الإبداعيّة في القصّة القصيرة والرّواية ترحيبًا نقديًّا، هناك العشرات من الدّراسات العلميّة التي تناولت هذه التّجربة وقد ظهر بعضها في كتب مثل الكتب التّالية: قراءات في نصوص سرديّة للدّكتورة سلوى السّعداوي: دراسة عن رواية في المعتقل، صور الذّات في مرايا السّرد للنّاقدة منية قارة بيبان: دراسة عن رواية جهاد ناعم المحرزة على الكومار الذّهبي للرّواية وكتاب سحر الرّواية: علامات في الرّواية العربيّة الجديدة للدكتور علاوة كوسة من الجزائر: دراسة عن رواية جهاد ناعم، وكتاب في قراءة السّردالرّوائي من خلال نماذج من الرّواية التّونسيّة المعاصرة للدكتورة دليلة شقرون: سيميائيّة الحفر ورمزيّة التناصّ الأسطوري وازدواجيّة الرّاوي والمرويّ في رواية حمّام الذّهب وكذلك كتاب الرّواية والمعرفة للنّاقد المصري عادل ضرغام. أُنجزتْ أيضا بحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه في كليات كثيرة بتونس وخارجها، كما أنّ روايات "جهاد ناعم" و"حمام الذّهب" و"حذاء إسباني" تُدرّس في تونس والجزائر.

مزيّة النّقد الأدبي اليوم أنّه يُجوّدُ الأعمال الأدبيّة ويفصلُ فصلًا دقيقًا وحاسمًا بين الجيّد والرّديء، فلا مجال للمجاملة. ومن الرّهانات التي يشتغلُ عليها النّقد الأدبي اليوم الوصول إلى ما وصل إليه الأدب عند الغرب، فقد تخلّص من وهم الخطابة والثّرثرة والمجاز ليمرّ إلى اللّغة الدّقيقة في تعبيراتها، بلا تنويمات بلاغيّة أو لغويّة. وللأسف لا يزال أدبنا العربي غارقًا في هذا الوهم المزعج، وهم اللّامعنى واللّغة المترعة بالزّوائد. لم تعد جماليّات الكتابة الحديثة مرتبطة باللّغة المتورّمة والفهلويّة، إنّها جماليّات أخرى مُرتبطة بطرافة الهندسة ودقّة العبارة، وهي جماليّات الكتابة السّهلة والممتنعة في نفس الوقت.

لم نعد نتحدّث اليوم عن علاقة النّقد الأدبي بالثّقافة، فالنّقد الأدبي هو الثّقافة عينها، الثّقافة المُتطوّرة والمُتغيّرة، الثقافة التي تقطع مع الجمود والرّداءة وتنتج أعمالًا أدبيّة تحيا في عقل القارئ ووجدانه، لا أعمالًا تموتُ في الرّفوف والغرف المظلمة.

عباس سليمان " كاتب وقصصي وناقد ": النقد الادبي يهتم بجمالية النصوص ومكونات ادبياتها

هل يمكن الحديث عن فرق بين النّقد الأدبي والنّقد الثّقافي؟ على الرّغم من وجود نقاط التقاء بين هذين النّقديْن فإنّ الاختلاف بينهما قائم. ويرى المختصّون في هذا الشّأن أنّه فيما على النّقد الثّقافي أن يركّز على تلك الظّواهر الّتي يهملها النّقد الأدبي مثل مظاهر الثّقافة الشّعبيّة أو الجماهيريّة، فإنّ ميدان النّقد الأدبي هو النّظريّات الأدبيّة وذلك يعني أنّ النّقد الأدبي ينتسب إلى الأدب في حين أنّ النّقد الثّقافي يتعلّق بالثّقافة وأنّ النّقد الأدبي يهتمّ بجماليّة النّصوص والوقوف على مكوّنات أدبيّتها، أو كشف عوائقها بينما مجال النّقد الثّقافي الاحتفالات والمهرجانات وكلّ محطّات الحياة الثّقافيّة الشّعبيّة. وقد أثار هذا التّفريق جدلا واسعا منه مثلا أنّ النّقد الأدبي، قديماً وحديثاً، لم يتعامل إّلا مع النّصوص التي تعترف المؤسّسة الثقافيّة الرّسميّة بأدبيّاتها وجمالها واستبعد النّصوص والظّواهر الثقافيّة الأخرى التي لا تحظى باستحسان تلك المؤسّسة التي وضعت معايير صارمة لتقنين ما هو جمالي وما هو غير جمالي. وقد أدّى ذلك إلى إهمال ما هو مستحسَن جماهيريّا مثل كتاب ألف ليلة وليلة. وفي المحصّل، نحن نحتاج إلى النّقديْن الأدبي والثّقافي لأنّ لكلّ منهما مجاله واختصاصه

 المولدي فرّوج "شاعر": الموقف خالص الاجر أضر بالنصوص الأدبية

ان كنت لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لعدم الاختصاص، فإنني سأحاول ان اثير الموضوع املا في تذكير أصدقائي النّقاد بدورهم الرّيادي في ضرورة الاتيان بشيء قد يرفع نصوصهم الى كوكبة القافلة ان لم أقل ناصيتها ليتمكنوا من قيادة الحركة الأدبية أو في أضعف الأحوال أن تواكب نصوصهم النقدية النهضة التي شهدتها النصوص الإبداعية الأخرى.

ان النّاقد وهو يضع جسد النص الادبي على طاولة الفحص هو طبيب يحاول ان يستنطق الجسد المريض لتحصل عنده فكرة كلية (البنيوية = l’état général) معتمدا على علم الفيزيولوجيا (الاسلوبية = (la physiologie ومتبيّنا علامات المرض (سيميولوجيا= la sémiologie). تقول الحكمة الأساسية في فن الطب: ليس هنالك مَرضٌ بل هنالك فقط مرْضى (il n’y a pas de maladies ,il n’y a que des malades ). ما يعني أن الطبيب لا يمكنه أن يطبّق المعارف نفسها على جميع المصابين بمرض واحد. كذلك الناقد لا يمكنه أن يطبق المذاهب نفسها على كل النصوص فهي تختلف من شخص الى اخر ومن بيئة الى أخرى، وقد تختلف عند الكاتب نفسه باختلاف ظروف الكتابة. فليس هنالك مدارس نقدية أصلا ولا قوالب جاهزة يستوردها الناقد في علب لغوية. وحتى إن وجدت، فهي تولد مع كل نصّ وتتوزّع ما بين وعي ولا وعي الكاتب. فلا يحقّ للنّاقد ان يتعمّد تطويع النصّ لمذاهب نقدية غريبة عنه وعن البيئة التي خلق فيها.

أغلب النّقّاد يتعلّمون ممارسة النّقد في كليات الآداب والعلوم الإنسانية فيتخرجون منها بشهادة في احدى اللغات أو العلوم الإنسانية مثل الجغرافيا والتاريخ والحضارة. وقد ينهون دراستهم بالحصول على نصف شهادة نظرا لتفرّع الاختصاصات في زماننا فالأدب صار آدابا منها القديم ومنها الحديث. فماذا يفعل النّاقد أمام نصّ مشحون بالمعارف العلمية الحديثة (خيال علمي، علوم صحيحة، تكنولوجيا، انترنت) وهو الذي لم يتعلّم كيف يأخذ الأشياء بمنطق الأشياء؟ سيجد نفسه عاجزا عن فهم النّصّ وقد لا يتجرّا عن التعبير عن عجزه فيكتفي بقراءة سطحية بسيطة سلاحه اللغة ولا شيء غير اللغة يقيس من خلالها النّصّ وينقده فيضرّ به ويضرّ بقارئه.

أحيانا، يجد النّاقد نفسه في وضعية لا يحسد عليها خصوصا اذا كانت تربطه بصاحب النّص علاقة أو معرفة قد تفرض عليه التضحية بقسط من النزاهة وبشيء من الموضوعية. وقد يكون الناقد مجبرا لغاية أخرى على التخلّي عن رأيه تجنبا لما عسى أن يلحق به من أذى فنحن نعلم أن سوق النّقد والجوائز والقراءات صارت حامية وأنشأت لها أنصارا وسماسرة من النّقّاد أنفسهم فجعلت بعضهم يختارون المكان الأسلم، المربح والمريح، فلا يخجلون من التضحية بدرجات معارفهم إرضاء لخاطر مانح الجائزة أو للحاصل عليها. وهذا الموقف خالص الأجر أضرّ بالنّصوص الأدبية عموما وأفقد السّاحة ثقة القرّاء.

سنية عبد اللطيف" شاعرة ": النقد الادبي مطالب اليوم بالخروج من عزلته وتجاوز قوالبه المعروفة

الأدب هو أصل الثقافة وروحها منذ القدم.. وهو لغة واللغة إرث ثقافي توارثته أجيال الثقافات.. بالتالي اللغة هي رحم الثقافة.. هي حياتها... وبدون لغة لا أدب وبدون أدب لا ثقافة... بالتالي هل النقد الأدبي منفصل عن النقد الثقافي؟ هل هما مختلفان أم مكمّلان لبعضهما؟ ومن ظهر قبل الآخر؟ قبل الإجابة لابد أن نعرف من هو الناقد، ومن يجدر به أن يكون ناقدا؟ الكاتب أو الشاعر مبدع بالأساس لحظة الإلهام، فما تفجّر من قريحته دون وعي ودون تخطيط مسبق لما كتبه شعرا، قصة، رواية.. هو ما خزنته الذاكرة من قضايا وأحداث استفزته.. حركت فيه أحاسيس ظلّت حبيسة الفكره والوجدان والعقل الباطني، ولحظة تفجّرها كان النص الإبداعي.. وحال خروج النص إلى النور مع مبادرة صاحبه بمراجعته تحول الكاتب نفسه إلى متلقي والمتلقي ناقد لما يقع تحت يديه.. فأي تحوير أو تغيير أو تحسين في ذلك الإبداع التلقائي هو نقد له.. وأدوات الناقد متنوعة.. تبنى بحكم التجارب والمدارس والرؤى الممنهجة ووفق معايير نقدية تمْ ضبطها والاتفاق عليها من قبل مثقفين وباحثين ودارسين للأعمال الأدبية وأجناس الكتابة... والناقد ملم بمعارف عديدة وثقافات متنوعة واطلاعات عديدة.. بالتالي الناقد الأدبي هو بالأساس ناقد ثقافي.. والنقد الأدبي هو أساس النقد الثقافي ويشتركان في عدة نقاط.. فإذا كان النقد الأدبي يعنى بجمالية النص وبنيته وفنياته وجنسه ويوجه لنخبة معينة وهو أكاديمي، جامعي... فذلك النص يحمل في طياته ثقافة معنوية ومادية.. بالتالي الناقد الأدبي يحمل نقدا ذاتيا فهو يفكك ويشرْح ويرصد النص من منطلق ومخزون ثقافي، حضاري، فكري.. لذلك يرى بعض النقاد في النقد الأدبي الحديث أنه يجب الخروج بالنقد الأدبي من عزلته فلا يجب الاقتصار على البحث في جمالية النصوص من بلاغة وأساليب فنية ولغوية والتوجه بالخطاب إلى فئة نخبوية بل يجب التوجه إلى النقد الثقافي لأنه أشمل يهم كل المواضيع والقضايا الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ويشمل عامة الناس وهو تبصير وتنوير لأنه يبحث عن الخفي والعيوب النسقية المخبئة تحت عباءة الجمالي داخل النصوص وهو نقد ثقافي لعديد النظريات ولكل ما ينتجه الإنسان والناقد الجيد هو الذي يتذوق النص ويميز الغث من السمين والفاسد من الصحيح ويعلل تذوقه للجمال، يبرر انطباعاته فكل نص يخفي في كواليسه ثقافة.. بالتالي كان التوجه للنقد الثقافي اليوم قويا ويعتبر سطوة ثقافية شعبية مهيمنة لأن الناقد الثقافي خرج بالنقد إلى كل الفنون، سينما، رسم، مسرح، شعر، وبكل ما هو متصل بالحياة اليومية والتأثير واضح للقوى الناعمة صانعة الحدث إذ لها تأثير خفيّ على المتلقي بالسطو على فكره وهويته بالدخول الي مخزونه وإرثه الثقافي... في الختام كيف نجعل النقد الثقافي خادما للنقد الأدبي.. مكمّلا له مهتما بالاصلاح والتنوير العقلي ناهضا بالقيم والإنسانية وليس سوقا وتسويقا لتجارة فكرية ثقافية هدّامة للموروث الثقافي العربي، مناصرة مروّجة لثقافات الغرب. ذلك هو السؤال

خير الدين الشابي " شاعر ": احتكار بعض الأسماء في العملية النقدية اضر بالإبداع في تونس

منذ سنوات خلت ومنذ ان أصبحت الثقافة بحاجة إلى كوادر في الابداع باستطاعتهم تلبية حاجتنا في نقدنا كشعراء وما كتبناه وما نكتبه الى هذه اللحظة مازال ضائعا كالماء في فيافي الثقافة التونسية تحديدا ومازال متدفقا وبدون رقابة تذكر بالتمحيص والمتابعة الدقيقة واضهاره كمادًة فكرية لا بدً لها من اليات نقدية تسمو بها وتفصلها عن غيرها حتى يتسنى للتاريخ ان يضيف بعض الاسماء الى قائمة الخلود الذي فقدناه منذ عشرات السنين بسبب بعض الشخصيات النقدية التي توفيت مع تلك الاسماء اللامعة ولا غيرها باعتبار ان هؤلاء أعني النقاد الذين للأسف تحولوا الى سبحة يسبحون بها لهؤلاء السالف ذكرهم من الشعراء امثال الشابي ودرويش وقباني باستثناء اولاد احمد الذي لم ينل حظه في منظومة ومنظمة نقدنا ونقادنا في تونس والاخطر أنهم اقصد النقاد اصبحوا يشتغلون الا عن هذه الاسماء لاسباب تبدو متجلية وواضحة أمام أعيننا وهي الأهداف المادية التي يحصلون عليها هؤلاء النقاد في عديد المهرجانات وبقي الأمر على حاله والحال أن النقاد اليوم في ساحة بلادنا الادبية فيهم في الحقيقة من الاكفّاء ما في استطاعته أن يبرز بنقده بعض الاسماء حديثة العهد وأن تبدو قديمة في مسيرتها ألاّ انها تفتقد وتفتقر للاحاطة وللبروز نقدا متطورا الابعاد يسمو بها الى قمة الدعاية والرعاية حتى تظل متماشية مع روح العصر الحديث في مفهوم الابداع وتصل الى تلك الاسماء الخالدة بسبب النقد ان ثقافتنا التونسية العربية تأخرت إيما تأخير وعطّلت مجرى الاسماء التي كانت من المفروض ان تأخذ حيّزا واسعا بالتعريف بهم كاعلام ابداع تضاف الى قائمة الشابي ودرويش وووووو غيرهم من الاسماء التي لقيت حظوة واسعة فاصبحوا على لسان كل مطلع على مدونتنا الشعرية التونسية والعربية عموما نحن الآن في مفترق خطير وخطير جدا لأن ما دأبنا عليه منذ نعومة أظافرنا في الكتابة ليس بالهين وعلينا وبكل جدارة الانتباه بالنقد اللازم حتى يصل الى قائمة هؤلاء الاموات الأحياء في قائمة الخلود.

ومن الواضح من خلال كل الآراء أن العملية النقدية ضرورية وأن الابداع في حاجة إلى نقد يرافقه حتى يصل بشكل افضل إلى المتلقي وحتى يعرف بالمبدع ويساعد على تبين مواطن الابداع ومواطن الضعف في النص أو العمل الفني والثقافي. لكن بقدر ما تحتاج الساحة الادبية والثقافية إلى نقاد بقدر ما هو مطلوب من النقاد تطوير آليات عملهم وطرق تعاملهم مع المقترحات الابداعية ومراجعة نوعية تعاملهم مع الانتاج الادبي والثقافي لأن الهدف في النهاية ليس خدمة اسماء وإنما تطوير المنتوج الابداعي والارتقاء بالذائقة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 مبدعون يجيبون:  هل مازالت " مؤسسة" النقد الأدبي والفني محافظة على موقعها في الساحة الثقافية ؟

 

 

إلى أي مدى يواكب النقد التطور الكمي والكيفي للإنتاج الأدبي؟

هل تحرر النقاد من سطوة بعض الأسماء المنتشرة عربيا ؟

هل كل ما يمارس باسم النقد يعتبر نقدا؟

إلى أي مدى يمكن الحديث عن تطور آليات النقد وأدواته ومناهجه لينسجم النقاد مع التطور الذي يشهده العصر؟

 الموضوعية والحرية والاستقلالية.. أي موقع لها في مدونة الناقد اليوم؟

اعداد محسن بن احمد

ارتفعت الأصوات بشكل لافت منادية بضرورة إيلاء الإصدارات القصصية والروائية والشعرية والفكرية ما تستحقه من المتابعة الدقيقة تمحيصا وتحليلا ونقدا لها وفي ذلك إشارة الى ما اصبح يتهدد هذه الإصدارات من اللامبالاة وعدم الاهتمام بل تعدى الامر الى "هجر" القراءة وفقد الفرد لذة الاطلاع على الجديد الذي يصدر عن المطابع ودور النشر.

ويتفق اهل الاختصاص ان النقد ليس هو البحث عن العيوب في النص الأدبيّ مهما كان نوعه او الديوان الشعري، وإنما هو الدراسة الفاحصة بقصد تعرف مستوى الجودة، أو الضعف ، وتقدير القيمة الحقيقية للمنقود من حيث المزايا والاضافة الحاصلة

لكن ونحن في هذا الزخم على اكثر من صعيد بعد ان اصبح الكل يبحث عن الاثارة و"البوز" التي وصلت الى الكتاب وفق ما نلاحظه، اي حاجة لنا اليوم الى النقد الادبي وماهي علاقته بالثقافة ؟...سؤال طرحناه على عدد من المبدعين فكانت هذه الحصيلة

محمد بوحوش " روائي وشاعر ": النقد ضرورة ملحة لتقويم العمل الادبي ..لكن بشروط

النّقد نوعان: دراسات وبحوث أدبيّة يقوم بها جامعيّون أكاديميّون وفقا لمناهج ومفاهيم مخصوصة. ويمكن أن تكون داخل مخابر مختصّة بالسّرد أو بالشّعر أو غيرهما. ثمّ النّقد الأدبيّ الّذي ينجزه كتّاب ليسوا من فئة الأكاديميّين كأن يكون النّاقد الأدبيّ روائيّا أو شاعرا أو مسرحيّا أو مفكّرا أو غير ذلك. وهو نقد لا يستند بالضّرورة إلى مناهج ومفاهيم محدّدة. فهو أشبه بالقراءة العاشقة لعمل أدبيّ. ومع الفرق بين هذا وذاك فقد جرت العادة إلى تنسيب النّقد الأدبيّ إلى المختصّين الجامعيّين دون غيرهم. وهذا في تقديري مغاير للصّواب. أمّا عن سؤال هل نحتاج إلى النّقد الأدبيّ اليوم؟ فيبدو ذلك من تحصيل الحاصل لاسيّما إذا كان ذلك النّقد في صلب الجامعات، فهو في الواقع من مشمولاتها وأنشطتها المعهودة. لكنّنا نلاحظ تراجع النّقد الأدبيّ الّذي يقوم به المثقّفون من الكتّاب خاصّة في المجلّات المختصّة والملاحق الأدبيّة للصّحف. وهنا يقودنا السّؤال إلى علاقة النّقد بالثّقافة. ومن البديهيّ أن يكون النّاقد الأدبيّ غير الجامعيّ مثقّفا موسوعيّا وعلى دراية بفنون الأدب وتقنيّات الأجناس جميعها أكانت سرديّة أو شعريّة. والثّقافة هنا ليست أدبيّة فقط بل هي تتعلّق بحقول المعرفة كافّة. كأن يكون النّاقد الأدبيّ ملمّا ببعض العلوم الإنسانيّة أو مطّلعا على الأقلّ على تاريخ الأدب ومجرياته في السّاحة الأدبيّة. ولا ننسى أنّه من النّقد الّذي لقي رواجا وتقبّلا هو النّقد الأدبيّ الّذي يقوم به الصّحفيّ المختصّ بالأدب وينشره في الملاحق الثّقافيّة تعريفا بالإصدارات أو تقييما لها. كما هو الحال بالنّسبة إلى النّقد الأدبيّ الّذي ينجزه المبدع في حدّ ذاته كأن يكون ذاك المبدع شاعرا أو روائيّا مقيّما للأعمال الأدبيّة ومدى أهميّتها ومتانتها أو ضعفها.

ثمّ لا ننسى أيضا بأنّ الحديث يجري غالبا عن تراجع النّقد أكان دراسة أو بحثا أو قراءة. ولعلّ من الأسباب ما يعود إلى تراكم الإبداع، وصعوبة متابعة كلّ ما ينشر بمختلف الوسائل سواء كانت تقليديّة كالكتب الورقيّة أو الكتب الرقميّة. ومع أنّ النّقد يأتي لاحقا ويسبقه الإبداع إلّا أنّنا نلاحظ ندرة النّقّاد والنّقد أمام زخم الإصدارات الأدبيّة وتفشّي ظواهر غير حميدة في السّاحة الأدبيّة كالنّقد الّذي ينجز بمقابل ماديّ، أو النّقد المرتبط بالعلاقات الشّخصيّة وتسويق بعض الأعمال دون غيرها. وفي كلّ الأحوال فإنّ النّقد سيظلّ ضرورة ملحّة لتقويم العمل الأدبيّ وتفسيره والتّعريف به. كما سيظلّ في علاقة عضويّة بالثّقافة. ومتى اتّسعت دائرة الثّقافة لدى النّاقد كان النّقد أكثر إتقانا وجودة وإلماما بالعمل الإبداعيّ.

محمد عيسى المؤدب "روائي": حاجتنا كبيرة اليوم الى النقد الادبي العلمي الرصين

+ أوّلا، لابدّ من تدقيق مفهوم النّقد الأدبي، فهو تحليل وتفسير وتقييم للأعمال الأدبيّة، ومن الضّروري أن يمرّ بأربع مراحل وهي الملاحظة والتّحليل والتّفسير والتّقييم ويمتلك معايير يرجع إليها النّاقد أثناء تحليله، أذكر ذلك لأفصل بين النّقد الأدبي العلمي، والنّقد الانطباعي السّريع وكذلك المراجعات التي ظهرتْ في السّنوات الأخيرة بالعديد من المواقع الإلكترونيّة واهتمّت بفنّ الرّواية.

من هذا المُنطلق نحن في حاجة متأكّدة اليوم إلى النّقد الأدبي العلمي الرّصين، في ظلّ واقع أدبي يُعوّل على الكم لا على النّوع، لذلك غلبت الأعمال الرّديئة على الأعمال المُتميّزة، وصارتْ العمليّة أشبه بإهدار الورق العامّ في أعمال شعريّة أو سرديّة تنشرها مطابع لا دور نشر، همّها الوحيد الرّبح السّريع من الكاتب المتواطئ مع النّاشر ومن وزارة الثّقافة التي للأسف تقتني الأعمال الأدبيّة في الغالب " بالبالة" دون تقييم دقيق لمحتوياتها.

النّقد الأدبي بتونس انفتح في السّنوات الأخيرة بشكل خاصّ على السّرديّة التّونسيّة في الرّواية وهناك اشتغال على مواضيع مُتنوّعة، في الأشكال والمضامين، وهذا ما تقوم به العديد من المخابر الأدبيّة والكليّات والمعاهد العليا مثل منّوبة وسوسة وصفاقس وقفصة ونابل وغيرها.

1- في الواقع، لقيت تجربتي الإبداعيّة في القصّة القصيرة والرّواية ترحيبًا نقديًّا، هناك العشرات من الدّراسات العلميّة التي تناولت هذه التّجربة وقد ظهر بعضها في كتب مثل الكتب التّالية: قراءات في نصوص سرديّة للدّكتورة سلوى السّعداوي: دراسة عن رواية في المعتقل، صور الذّات في مرايا السّرد للنّاقدة منية قارة بيبان: دراسة عن رواية جهاد ناعم المحرزة على الكومار الذّهبي للرّواية وكتاب سحر الرّواية: علامات في الرّواية العربيّة الجديدة للدكتور علاوة كوسة من الجزائر: دراسة عن رواية جهاد ناعم، وكتاب في قراءة السّردالرّوائي من خلال نماذج من الرّواية التّونسيّة المعاصرة للدكتورة دليلة شقرون: سيميائيّة الحفر ورمزيّة التناصّ الأسطوري وازدواجيّة الرّاوي والمرويّ في رواية حمّام الذّهب وكذلك كتاب الرّواية والمعرفة للنّاقد المصري عادل ضرغام. أُنجزتْ أيضا بحوث ورسائل ماجستير ودكتوراه في كليات كثيرة بتونس وخارجها، كما أنّ روايات "جهاد ناعم" و"حمام الذّهب" و"حذاء إسباني" تُدرّس في تونس والجزائر.

مزيّة النّقد الأدبي اليوم أنّه يُجوّدُ الأعمال الأدبيّة ويفصلُ فصلًا دقيقًا وحاسمًا بين الجيّد والرّديء، فلا مجال للمجاملة. ومن الرّهانات التي يشتغلُ عليها النّقد الأدبي اليوم الوصول إلى ما وصل إليه الأدب عند الغرب، فقد تخلّص من وهم الخطابة والثّرثرة والمجاز ليمرّ إلى اللّغة الدّقيقة في تعبيراتها، بلا تنويمات بلاغيّة أو لغويّة. وللأسف لا يزال أدبنا العربي غارقًا في هذا الوهم المزعج، وهم اللّامعنى واللّغة المترعة بالزّوائد. لم تعد جماليّات الكتابة الحديثة مرتبطة باللّغة المتورّمة والفهلويّة، إنّها جماليّات أخرى مُرتبطة بطرافة الهندسة ودقّة العبارة، وهي جماليّات الكتابة السّهلة والممتنعة في نفس الوقت.

لم نعد نتحدّث اليوم عن علاقة النّقد الأدبي بالثّقافة، فالنّقد الأدبي هو الثّقافة عينها، الثّقافة المُتطوّرة والمُتغيّرة، الثقافة التي تقطع مع الجمود والرّداءة وتنتج أعمالًا أدبيّة تحيا في عقل القارئ ووجدانه، لا أعمالًا تموتُ في الرّفوف والغرف المظلمة.

عباس سليمان " كاتب وقصصي وناقد ": النقد الادبي يهتم بجمالية النصوص ومكونات ادبياتها

هل يمكن الحديث عن فرق بين النّقد الأدبي والنّقد الثّقافي؟ على الرّغم من وجود نقاط التقاء بين هذين النّقديْن فإنّ الاختلاف بينهما قائم. ويرى المختصّون في هذا الشّأن أنّه فيما على النّقد الثّقافي أن يركّز على تلك الظّواهر الّتي يهملها النّقد الأدبي مثل مظاهر الثّقافة الشّعبيّة أو الجماهيريّة، فإنّ ميدان النّقد الأدبي هو النّظريّات الأدبيّة وذلك يعني أنّ النّقد الأدبي ينتسب إلى الأدب في حين أنّ النّقد الثّقافي يتعلّق بالثّقافة وأنّ النّقد الأدبي يهتمّ بجماليّة النّصوص والوقوف على مكوّنات أدبيّتها، أو كشف عوائقها بينما مجال النّقد الثّقافي الاحتفالات والمهرجانات وكلّ محطّات الحياة الثّقافيّة الشّعبيّة. وقد أثار هذا التّفريق جدلا واسعا منه مثلا أنّ النّقد الأدبي، قديماً وحديثاً، لم يتعامل إّلا مع النّصوص التي تعترف المؤسّسة الثقافيّة الرّسميّة بأدبيّاتها وجمالها واستبعد النّصوص والظّواهر الثقافيّة الأخرى التي لا تحظى باستحسان تلك المؤسّسة التي وضعت معايير صارمة لتقنين ما هو جمالي وما هو غير جمالي. وقد أدّى ذلك إلى إهمال ما هو مستحسَن جماهيريّا مثل كتاب ألف ليلة وليلة. وفي المحصّل، نحن نحتاج إلى النّقديْن الأدبي والثّقافي لأنّ لكلّ منهما مجاله واختصاصه

 المولدي فرّوج "شاعر": الموقف خالص الاجر أضر بالنصوص الأدبية

ان كنت لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، لعدم الاختصاص، فإنني سأحاول ان اثير الموضوع املا في تذكير أصدقائي النّقاد بدورهم الرّيادي في ضرورة الاتيان بشيء قد يرفع نصوصهم الى كوكبة القافلة ان لم أقل ناصيتها ليتمكنوا من قيادة الحركة الأدبية أو في أضعف الأحوال أن تواكب نصوصهم النقدية النهضة التي شهدتها النصوص الإبداعية الأخرى.

ان النّاقد وهو يضع جسد النص الادبي على طاولة الفحص هو طبيب يحاول ان يستنطق الجسد المريض لتحصل عنده فكرة كلية (البنيوية = l’état général) معتمدا على علم الفيزيولوجيا (الاسلوبية = (la physiologie ومتبيّنا علامات المرض (سيميولوجيا= la sémiologie). تقول الحكمة الأساسية في فن الطب: ليس هنالك مَرضٌ بل هنالك فقط مرْضى (il n’y a pas de maladies ,il n’y a que des malades ). ما يعني أن الطبيب لا يمكنه أن يطبّق المعارف نفسها على جميع المصابين بمرض واحد. كذلك الناقد لا يمكنه أن يطبق المذاهب نفسها على كل النصوص فهي تختلف من شخص الى اخر ومن بيئة الى أخرى، وقد تختلف عند الكاتب نفسه باختلاف ظروف الكتابة. فليس هنالك مدارس نقدية أصلا ولا قوالب جاهزة يستوردها الناقد في علب لغوية. وحتى إن وجدت، فهي تولد مع كل نصّ وتتوزّع ما بين وعي ولا وعي الكاتب. فلا يحقّ للنّاقد ان يتعمّد تطويع النصّ لمذاهب نقدية غريبة عنه وعن البيئة التي خلق فيها.

أغلب النّقّاد يتعلّمون ممارسة النّقد في كليات الآداب والعلوم الإنسانية فيتخرجون منها بشهادة في احدى اللغات أو العلوم الإنسانية مثل الجغرافيا والتاريخ والحضارة. وقد ينهون دراستهم بالحصول على نصف شهادة نظرا لتفرّع الاختصاصات في زماننا فالأدب صار آدابا منها القديم ومنها الحديث. فماذا يفعل النّاقد أمام نصّ مشحون بالمعارف العلمية الحديثة (خيال علمي، علوم صحيحة، تكنولوجيا، انترنت) وهو الذي لم يتعلّم كيف يأخذ الأشياء بمنطق الأشياء؟ سيجد نفسه عاجزا عن فهم النّصّ وقد لا يتجرّا عن التعبير عن عجزه فيكتفي بقراءة سطحية بسيطة سلاحه اللغة ولا شيء غير اللغة يقيس من خلالها النّصّ وينقده فيضرّ به ويضرّ بقارئه.

أحيانا، يجد النّاقد نفسه في وضعية لا يحسد عليها خصوصا اذا كانت تربطه بصاحب النّص علاقة أو معرفة قد تفرض عليه التضحية بقسط من النزاهة وبشيء من الموضوعية. وقد يكون الناقد مجبرا لغاية أخرى على التخلّي عن رأيه تجنبا لما عسى أن يلحق به من أذى فنحن نعلم أن سوق النّقد والجوائز والقراءات صارت حامية وأنشأت لها أنصارا وسماسرة من النّقّاد أنفسهم فجعلت بعضهم يختارون المكان الأسلم، المربح والمريح، فلا يخجلون من التضحية بدرجات معارفهم إرضاء لخاطر مانح الجائزة أو للحاصل عليها. وهذا الموقف خالص الأجر أضرّ بالنّصوص الأدبية عموما وأفقد السّاحة ثقة القرّاء.

سنية عبد اللطيف" شاعرة ": النقد الادبي مطالب اليوم بالخروج من عزلته وتجاوز قوالبه المعروفة

الأدب هو أصل الثقافة وروحها منذ القدم.. وهو لغة واللغة إرث ثقافي توارثته أجيال الثقافات.. بالتالي اللغة هي رحم الثقافة.. هي حياتها... وبدون لغة لا أدب وبدون أدب لا ثقافة... بالتالي هل النقد الأدبي منفصل عن النقد الثقافي؟ هل هما مختلفان أم مكمّلان لبعضهما؟ ومن ظهر قبل الآخر؟ قبل الإجابة لابد أن نعرف من هو الناقد، ومن يجدر به أن يكون ناقدا؟ الكاتب أو الشاعر مبدع بالأساس لحظة الإلهام، فما تفجّر من قريحته دون وعي ودون تخطيط مسبق لما كتبه شعرا، قصة، رواية.. هو ما خزنته الذاكرة من قضايا وأحداث استفزته.. حركت فيه أحاسيس ظلّت حبيسة الفكره والوجدان والعقل الباطني، ولحظة تفجّرها كان النص الإبداعي.. وحال خروج النص إلى النور مع مبادرة صاحبه بمراجعته تحول الكاتب نفسه إلى متلقي والمتلقي ناقد لما يقع تحت يديه.. فأي تحوير أو تغيير أو تحسين في ذلك الإبداع التلقائي هو نقد له.. وأدوات الناقد متنوعة.. تبنى بحكم التجارب والمدارس والرؤى الممنهجة ووفق معايير نقدية تمْ ضبطها والاتفاق عليها من قبل مثقفين وباحثين ودارسين للأعمال الأدبية وأجناس الكتابة... والناقد ملم بمعارف عديدة وثقافات متنوعة واطلاعات عديدة.. بالتالي الناقد الأدبي هو بالأساس ناقد ثقافي.. والنقد الأدبي هو أساس النقد الثقافي ويشتركان في عدة نقاط.. فإذا كان النقد الأدبي يعنى بجمالية النص وبنيته وفنياته وجنسه ويوجه لنخبة معينة وهو أكاديمي، جامعي... فذلك النص يحمل في طياته ثقافة معنوية ومادية.. بالتالي الناقد الأدبي يحمل نقدا ذاتيا فهو يفكك ويشرْح ويرصد النص من منطلق ومخزون ثقافي، حضاري، فكري.. لذلك يرى بعض النقاد في النقد الأدبي الحديث أنه يجب الخروج بالنقد الأدبي من عزلته فلا يجب الاقتصار على البحث في جمالية النصوص من بلاغة وأساليب فنية ولغوية والتوجه بالخطاب إلى فئة نخبوية بل يجب التوجه إلى النقد الثقافي لأنه أشمل يهم كل المواضيع والقضايا الحضارية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية ويشمل عامة الناس وهو تبصير وتنوير لأنه يبحث عن الخفي والعيوب النسقية المخبئة تحت عباءة الجمالي داخل النصوص وهو نقد ثقافي لعديد النظريات ولكل ما ينتجه الإنسان والناقد الجيد هو الذي يتذوق النص ويميز الغث من السمين والفاسد من الصحيح ويعلل تذوقه للجمال، يبرر انطباعاته فكل نص يخفي في كواليسه ثقافة.. بالتالي كان التوجه للنقد الثقافي اليوم قويا ويعتبر سطوة ثقافية شعبية مهيمنة لأن الناقد الثقافي خرج بالنقد إلى كل الفنون، سينما، رسم، مسرح، شعر، وبكل ما هو متصل بالحياة اليومية والتأثير واضح للقوى الناعمة صانعة الحدث إذ لها تأثير خفيّ على المتلقي بالسطو على فكره وهويته بالدخول الي مخزونه وإرثه الثقافي... في الختام كيف نجعل النقد الثقافي خادما للنقد الأدبي.. مكمّلا له مهتما بالاصلاح والتنوير العقلي ناهضا بالقيم والإنسانية وليس سوقا وتسويقا لتجارة فكرية ثقافية هدّامة للموروث الثقافي العربي، مناصرة مروّجة لثقافات الغرب. ذلك هو السؤال

خير الدين الشابي " شاعر ": احتكار بعض الأسماء في العملية النقدية اضر بالإبداع في تونس

منذ سنوات خلت ومنذ ان أصبحت الثقافة بحاجة إلى كوادر في الابداع باستطاعتهم تلبية حاجتنا في نقدنا كشعراء وما كتبناه وما نكتبه الى هذه اللحظة مازال ضائعا كالماء في فيافي الثقافة التونسية تحديدا ومازال متدفقا وبدون رقابة تذكر بالتمحيص والمتابعة الدقيقة واضهاره كمادًة فكرية لا بدً لها من اليات نقدية تسمو بها وتفصلها عن غيرها حتى يتسنى للتاريخ ان يضيف بعض الاسماء الى قائمة الخلود الذي فقدناه منذ عشرات السنين بسبب بعض الشخصيات النقدية التي توفيت مع تلك الاسماء اللامعة ولا غيرها باعتبار ان هؤلاء أعني النقاد الذين للأسف تحولوا الى سبحة يسبحون بها لهؤلاء السالف ذكرهم من الشعراء امثال الشابي ودرويش وقباني باستثناء اولاد احمد الذي لم ينل حظه في منظومة ومنظمة نقدنا ونقادنا في تونس والاخطر أنهم اقصد النقاد اصبحوا يشتغلون الا عن هذه الاسماء لاسباب تبدو متجلية وواضحة أمام أعيننا وهي الأهداف المادية التي يحصلون عليها هؤلاء النقاد في عديد المهرجانات وبقي الأمر على حاله والحال أن النقاد اليوم في ساحة بلادنا الادبية فيهم في الحقيقة من الاكفّاء ما في استطاعته أن يبرز بنقده بعض الاسماء حديثة العهد وأن تبدو قديمة في مسيرتها ألاّ انها تفتقد وتفتقر للاحاطة وللبروز نقدا متطورا الابعاد يسمو بها الى قمة الدعاية والرعاية حتى تظل متماشية مع روح العصر الحديث في مفهوم الابداع وتصل الى تلك الاسماء الخالدة بسبب النقد ان ثقافتنا التونسية العربية تأخرت إيما تأخير وعطّلت مجرى الاسماء التي كانت من المفروض ان تأخذ حيّزا واسعا بالتعريف بهم كاعلام ابداع تضاف الى قائمة الشابي ودرويش وووووو غيرهم من الاسماء التي لقيت حظوة واسعة فاصبحوا على لسان كل مطلع على مدونتنا الشعرية التونسية والعربية عموما نحن الآن في مفترق خطير وخطير جدا لأن ما دأبنا عليه منذ نعومة أظافرنا في الكتابة ليس بالهين وعلينا وبكل جدارة الانتباه بالنقد اللازم حتى يصل الى قائمة هؤلاء الاموات الأحياء في قائمة الخلود.

ومن الواضح من خلال كل الآراء أن العملية النقدية ضرورية وأن الابداع في حاجة إلى نقد يرافقه حتى يصل بشكل افضل إلى المتلقي وحتى يعرف بالمبدع ويساعد على تبين مواطن الابداع ومواطن الضعف في النص أو العمل الفني والثقافي. لكن بقدر ما تحتاج الساحة الادبية والثقافية إلى نقاد بقدر ما هو مطلوب من النقاد تطوير آليات عملهم وطرق تعاملهم مع المقترحات الابداعية ومراجعة نوعية تعاملهم مع الانتاج الادبي والثقافي لأن الهدف في النهاية ليس خدمة اسماء وإنما تطوير المنتوج الابداعي والارتقاء بالذائقة.