إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ستحدد طبيعة المجلس الأعلى للتربية.. انطلاق الاستشارة الوطنية حول التعليم بداية من اليوم

 

الاستشارة يشارك فيها كل المتدخلين في البرامج والزمن المدرسي والأنشطة الثقافية والرياضية والتقييم والبنية التحتية والنقل المدرسي والإعاشة وكل ما يهم المدرسة

----------------    

تونس: الصباح

بالتزامن مع العودة المدرسية تنطلق اليوم 15 سبتمبر 2023 الاستشارة الوطنية للتربية والتعليم، وبناء على مخرجات هذه الاستشارة سيتم سن القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية الذي نص عليه دستور 2022.

إذ أشار محمد علي البوغديري وزير التربية يوم الاثنين الماضي خلال الندوة الصحفية التي تحدث فيها عن الاستعدادات للاستقبال السنة الدراسية 2023/2024 إلى أنه بعد أن تمت دسترة المجلس الأعلى للتربية، سيقع تشريك جميع التونسيين في استشارة وطنية واسعة حول التعليم، استشارة يشارك فيها كل المتدخلين في البرامج والزمن المدرسي والأنشطة الثقافية والرياضية والتقييم والبنية التحتية والنقل المدرسي والإعاشة وكل ما يهم المدرسة، وبين أن هذه الاستشارة التي ستنطلق بداية من 15 سبتمبر على الموقع الالكتروني ستكون مفتوحة لأبناء الشعب التونسي للإدلاء بدلوهم وإبداء آرائهم في كافة المحاور وسيتم الاعتماد على توجهات ورؤى جميع المتدخلين حول التعليم التقني والتكنولوجي والتوجيه والتقييم والتقويم.. وبين الوزير أنه مباشرة بعد الاستشارة سينطلق المجلس الأعلى للتربية وذكر أنه سيتم تشريك المتقاعدين وسيقع الاعتماد على نتائج الاستشارة.

 وفي نفس السياق  قال رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال اللقاء الذي جمعه مؤخرا بمحمد علي البوغديري، وزير التربية، والمنصف بوكثير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ونزار بن ناجي، وزير تكنولوجيات الاتصال، وإبراهيم الشائبي، وزير الشؤون الدينية، وأمال بلحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، إنه سيتم تنظيم الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم، وسيتم استخلاص النتائج لوضع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتعليم ليقع بعد ذلك الانطلاق في الإصلاح، وهو ما يعني ضمنيا أن نتائج الاستشارة هي التي ستحدد طبيعة المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وعلى أساس مخرجات الاستشارة ستتبلور ملامح هذا المجلس الذي طالما طالبت نقابات التعليم الأساسي والثانوي والعالي بتركيزه، لكن هذه النقابات تريده مجلسا مستقلا عن السلطة التنفيذية وغير خاضع لأهواء السياسيين، وتريده مجلسا لا يتأثر بالتجاذبات الحزبية أو الصراعات الإيديولوجية.

ودعت نقابات التعليم منذ أن انطلقت الحكومة سنة 2022 في إعداد مشروع نص قانوني ينظم المجلس الأعلى للتربية إلى تشريكها في صياغته، مثلما تم تشريكها في إعداد الإطار المرجعي العام للتعلمات الذي صدر في سبتمبر 2022 والذي حدد أسس: ملامح المتخرج، والتوجهات البيداغوجية والتعليمية، وأسس بناء البرامج المدرسية وتأليف الكتب المدرسية والوثائق البيداغوجية والتعلمية وأسس التكوين ومبادئه والتعليم وأهدافه كما يحدد أسس حياة مدرسية متطورة وثيقة الصلة بالتعلمات، ولكن حكومة نجلاء بودن لم تشرك الطرف النقابي في صياغة المشروع، وبعد التحوير الوزاري أكد وزير التربية الحالي محمد علي البوغديري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء مارس الماضي أن مشروع إحداث المجلس الأعلى للتربية تقريبا جاهز بكل نصوصه وتركيبته وأنه سيقع عرضه عما قريب على مجلس الوزراء، وقال في حوار أجرته معه جريدة الصباح منتصف شهر ماي الماضي إنه تم عرض مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتعليم على مجلس الوزراء ومن المنتظر أن تقع إحالته على مجلس نواب الشعب، وبين أن هذا المجلس سيترأسه رئيس الجمهورية بنفسه ويوجد فيه جانب تنفيذي وجانب بيداغوجي وتربوي وقال الوزير إنه ليس هناك معنى لمجلس مستقل وإن رئيس الجمهورية هو الذي سيترأسه من أجل ضمان نجاعته، وذكر أن هذا المشروع سيكرس تصور الشعب التونسي لذلك تمت الدعوة إلى تنظيم استشارة وطنية حول التربية والتعليم.

تغييب النقابات

وبهذه الكيفية تم القفز على مطلب نقابات التعليم بتشريكها في صياغة مقترح القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية رغبة منها في ضمان استقلالية المجلس وديمومة نشاطه ودورية اجتماعاته،  وللتذكير فقد تم الانطلاق في إعداد المشروع المتعلق بالمجلس الأعلى منذ سنة 2022 إذ قال الوزير السابق للتربية فتحي السلاوتي في تصريح صحفي لقناة التاسعة بتاريخ 31 أكتوبر 2022 إن مشروع المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية جاهز وسيقع إصداره قريبا، وإن هذا المجلس سيساهم في وضع الاستراتيجيات الكبرى على مستوى التربية والتعليم في كل المستويات وسيقيم المنظومات التعليمية، وإن الوزارة شرعت في إعداد المشروع انطلاقا من مبادرة قدمها رئيس الجمهورية وقامت بتشريك كل الوزارات المعنية كما ناقشت المقترحات المتعلقة بأهداف المجلس ومهامه وتركيبته مع رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.

وفي السادس عشر من شهر ديسمبر 2022 عقدت رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن بقصر الحكومة بالقصبة، مجلسا وزاريا مضيّقا بحضور فتحي السّلاوتي وزير التّربية ومنصف بوكثير وزير التّعليم العالي والبحث العلمي وسمير سعيّد وزير الاقتصاد والتّخطيط ونصر الدين النّصيبي وزير التّشغيل والتّكوين المهني وإبراهيم الشائبي وزير الشّؤون الدّينيّة وسامية الشّرفي قدور المستشارة لدى رئيسة الحكومة وعمار الملوّح مستشار القانون والتشريع، وحسب بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة آن ذاك خصص اجتماع المجلس الوزاري لتدارس مقترحات مختلف الوزارات حول إحداث المجلس الأعلى للتّربية والأخذ بها لإعداد مشروع المرسوم المنظّم لهذا المجلس.

وأثار ذلك البلاغ غضب الهياكل النقابية نظرا لأن الحكومة السابقة تقدمت شوطا كبيرا في إعداد نص تشريعي ينظم المجلس الأعلى للتربية والتعليم دون أن تستشير المجتمع المدني ودون أن تستمع إلى رأي الجامعات العامة للتعليم الأساسي والتعليم الثانوي والتعليم العالي  في تركيبة المجلس الأعلى وصلاحياته وأهمية تمتيعه بالشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية رغم أن الهياكل النقابية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل كان لها السبق في اقتراح فكرة بعث المجلس الأعلى للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني والتشغيل منذ 15 أكتوبر 2011 وبسبب إصرارها تم إقرار هذا المجلس في إطار وثيقة المخطط الاستراتيجي للإصلاح لفترة 2015ـ 2025 التي تم التوقيع عليها يوم 19 جانفي 2015.

دسترة المجلس الأعلى

وكانت نقابات التعليم بعد الثورة طالبت المجلس الوطني التأسيسي بدسرة المجلس الأعلى للتربية والتعليم وبالعودة إلى مداولات المجلس وخاصة تقرير لجنة الهيئات الدستورية حول مشروع الدستور بتاريخ 26 سبتمبر 2012  نقرأ ما يلي:"دافع عديد النواب على دستورة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مستشهدين بما دار من نقاش صلب الهياكل المهنية للقطاع والتي أسفرت عن رفع توصيات للمجلس الوطني التأسيسي بدسترة هذه الهيئة واعتبروا وجودها من شأنه أن يضمن عدم المساس بالتوجهات التربوية الكبرى التي ستحددها هذه الهيئة مؤكدين على أهمية التربية في حياة المجتمعات وعلى دور هذه الهيئة في مراقبة عمل الحكومة كما تمت الإشارة إلى الوضع السيئ الذي يشكو منه قطاع البحث العلمي والذي يستوجب التدخل السريع أمام تراجع الجامعة التونسية ومؤشرات تطور البحث العلمي، وقدم احد النواب مقترحا خاصا بدسترة هذه الهيئة وتقريرا موجزا عن تصوره للمهام التي ستوكل لها مقدما مجموعة من المؤشرات التي تؤكد تراجع مستوى التعليم في تونس مقارنة بالدول الأخرى ومن هنا كانت الحاجة لإنشاء هيئة دستورية ذات صبغة استشارية لإبداء الرأي في الخيارات والسياسات الخاصة بمجال التربية والتكوين والبحث العلمي حتى تعود لهذه القطاعات أهميتها ولا تكون خاضعة لأهواء السلطة السياسية. واعتبر عدد من أعضاء اللجنة أن القطاع التربوي وقطاع البحث العلمي يشكوان من عدة هنات ونقائص لا بد من تلافيها ونتائج السياسات التربوية الخاطئة نلاحظها في الأجيال الحالية من خلال تدهور المستوى وضعف القدرة التشغيلية كما أن قطاع البحث العلمي دون مردودية وبراءات الاختراع السنوية التي تنتجها تونس عددها محدود مقارنة بدول أخرى ومن الضروري إخراج التربية من يد السلطة التنفيذية حتى لا تستعملها لتمرير أفكارها وسياساتها، وإثر ذلك تقرر اللجوء إلى التصويت على مبدأ دسترة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي فكانت نتيجته كما يلي: 7 أعضاء مع الدسترة و3 أعضاء ضد الدسترة و5 أعضاء احتفاظ وبمقتضى النظام الداخلي فان المقترح لا يمر إلا بأغلبية الحاضرين وتبلغ هذه الأغلبية 8 وبالتالي قررت اللجنة عدم دسترة المجلس الأعلى للتربية والتكوين المهني والبحث العلمي".  ويحمل تقرير اللجنة التأسيسية للهيئات الدستورية توقيع رئيس اللجنة آن ذاك جمال الطوير ومقرر اللجنة ربيع العابدي.

مقترح قانون جاهز

وليست نقابات التعليم فقط من دعت إلى إرساء مجلس أعلى للتربية والتعليم إذ بادر الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية بإعداد مقترح  في الغرض، كما تولى الخبير الدولي في تقييم النظم التربوية وإصلاحها الراحل محمد بن فاطمة سنة 2016 صياغة مقترح قانون كامل يتعلق بالمجلس الأعلى للتربية  وقام بعرضه على مجلس نواب الشعب وأرسله إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لكن مشروعه لم ير النور، ونص المشروع المذكور على أن رئيس الحكومة هو الذي يترأس المجلس الأعلى للتربية، وعلى أن المجلس يتولى إبداء الرّأي وتقديم توصيات حول السّياسة الوطنيّة للتّربية والخطط التّنفيذيّة وبرامج ومنظومات التّكوين الأساسي والمستمرّ ومنظومات الجودة والرّقابة والتّقييم والمتابعة والاعتماد اللاّزمة لتنفيذ السّياسة الوطنيّة للتّربية والتّعليم وأسس ومقومات التنسيق بين الخطط الوطنيّة المتّصلة بتكوين مختلف أصناف الإطارات ذات العلاقة بالشّأن التّربوي، بما في ذلك الإصلاحات التّربويّة الكبرى والأنظمة الأساسية الأساسيّة، وكذلك الإصلاحات والتّجديدات المزمع اعتمادها في جميع المستويات، والإجراءات المرافقة لإنجازها وبرامج إحداث المؤسّسات التّربويّة والعرائض والآراء والمقترحات المتّصلة بالشّأن التّربوي والواردة من الوزارات والمنظّمات والجمعيّات والأحزاب.

كما يبدي المجلس الأعلى رأيه في سبل تحقيق التّرابط والتّكامل بين منظومات التربية والتّكوين المهني والتّعليم العالي والبحث العلمي بهدف دعم الكفاءات والخبرات العلميّة الوطنيّة والتّشجيع على التّعلّم مدى الحياة والنّهوض به، وفي الدّراسات والبرامج المتعلّقة بتعزيز مكانة المؤسّسة التّربويّة وفي المعارف والكفايات التي يتعيّن أن يتملّكها التلاميذ في نهاية التعليم الأساسي وكذلك في الخطط الوطنيّة لرصد ذوي الاحتياجات الخصوصيّة وذوي اضطرابات التّعلّم وصعوباته في مختلف مجالات التّربية والتّعليم والمساهمة في الإحاطة بهم، ويبدي رأيه في داء المنظومة التّربويّة ونواتج التّعلم كمًّا ونوعًا اعتمادًا على الدّراسات والبحوث الّتي تنجزها لجانه أو مراكز ومعاهد التّقييمات الوطنيّة أو الدّوليّة ذات العلاقة.

كما قامت شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2019 بإعداد كتيب تضمن مقترحاتها لإصلاح منظومتي التربية والتعليم في تونس ومن جملة هذه المقترحات ما تعلق بمراجعة تركيبة المجلس الأعلى للتربية وسبل تفعيل  الأمر الصادر بتاريخ 21 ديسمبر 1962 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية القومية والممضى من قبل كاتب الدولة للتربية القومية محمود المسعدي وهو مجلس أعيد ضبط مشمولاته وتركيبته بمقتضى الأمر عدد 2260 المؤرخ في 10 أكتوبر 2000 وأصبح يسمى بالمجلس الأعلى للتربية.

سعيدة بوهلال

ستحدد طبيعة المجلس الأعلى للتربية..   انطلاق الاستشارة الوطنية حول التعليم بداية من اليوم

 

الاستشارة يشارك فيها كل المتدخلين في البرامج والزمن المدرسي والأنشطة الثقافية والرياضية والتقييم والبنية التحتية والنقل المدرسي والإعاشة وكل ما يهم المدرسة

----------------    

تونس: الصباح

بالتزامن مع العودة المدرسية تنطلق اليوم 15 سبتمبر 2023 الاستشارة الوطنية للتربية والتعليم، وبناء على مخرجات هذه الاستشارة سيتم سن القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية الذي نص عليه دستور 2022.

إذ أشار محمد علي البوغديري وزير التربية يوم الاثنين الماضي خلال الندوة الصحفية التي تحدث فيها عن الاستعدادات للاستقبال السنة الدراسية 2023/2024 إلى أنه بعد أن تمت دسترة المجلس الأعلى للتربية، سيقع تشريك جميع التونسيين في استشارة وطنية واسعة حول التعليم، استشارة يشارك فيها كل المتدخلين في البرامج والزمن المدرسي والأنشطة الثقافية والرياضية والتقييم والبنية التحتية والنقل المدرسي والإعاشة وكل ما يهم المدرسة، وبين أن هذه الاستشارة التي ستنطلق بداية من 15 سبتمبر على الموقع الالكتروني ستكون مفتوحة لأبناء الشعب التونسي للإدلاء بدلوهم وإبداء آرائهم في كافة المحاور وسيتم الاعتماد على توجهات ورؤى جميع المتدخلين حول التعليم التقني والتكنولوجي والتوجيه والتقييم والتقويم.. وبين الوزير أنه مباشرة بعد الاستشارة سينطلق المجلس الأعلى للتربية وذكر أنه سيتم تشريك المتقاعدين وسيقع الاعتماد على نتائج الاستشارة.

 وفي نفس السياق  قال رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال اللقاء الذي جمعه مؤخرا بمحمد علي البوغديري، وزير التربية، والمنصف بوكثير، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، ونزار بن ناجي، وزير تكنولوجيات الاتصال، وإبراهيم الشائبي، وزير الشؤون الدينية، وأمال بلحاج موسى، وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، إنه سيتم تنظيم الاستشارة الوطنية لإصلاح نظام التربية والتعليم، وسيتم استخلاص النتائج لوضع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتعليم ليقع بعد ذلك الانطلاق في الإصلاح، وهو ما يعني ضمنيا أن نتائج الاستشارة هي التي ستحدد طبيعة المجلس الأعلى للتربية والتعليم، وعلى أساس مخرجات الاستشارة ستتبلور ملامح هذا المجلس الذي طالما طالبت نقابات التعليم الأساسي والثانوي والعالي بتركيزه، لكن هذه النقابات تريده مجلسا مستقلا عن السلطة التنفيذية وغير خاضع لأهواء السياسيين، وتريده مجلسا لا يتأثر بالتجاذبات الحزبية أو الصراعات الإيديولوجية.

ودعت نقابات التعليم منذ أن انطلقت الحكومة سنة 2022 في إعداد مشروع نص قانوني ينظم المجلس الأعلى للتربية إلى تشريكها في صياغته، مثلما تم تشريكها في إعداد الإطار المرجعي العام للتعلمات الذي صدر في سبتمبر 2022 والذي حدد أسس: ملامح المتخرج، والتوجهات البيداغوجية والتعليمية، وأسس بناء البرامج المدرسية وتأليف الكتب المدرسية والوثائق البيداغوجية والتعلمية وأسس التكوين ومبادئه والتعليم وأهدافه كما يحدد أسس حياة مدرسية متطورة وثيقة الصلة بالتعلمات، ولكن حكومة نجلاء بودن لم تشرك الطرف النقابي في صياغة المشروع، وبعد التحوير الوزاري أكد وزير التربية الحالي محمد علي البوغديري في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء مارس الماضي أن مشروع إحداث المجلس الأعلى للتربية تقريبا جاهز بكل نصوصه وتركيبته وأنه سيقع عرضه عما قريب على مجلس الوزراء، وقال في حوار أجرته معه جريدة الصباح منتصف شهر ماي الماضي إنه تم عرض مشروع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتعليم على مجلس الوزراء ومن المنتظر أن تقع إحالته على مجلس نواب الشعب، وبين أن هذا المجلس سيترأسه رئيس الجمهورية بنفسه ويوجد فيه جانب تنفيذي وجانب بيداغوجي وتربوي وقال الوزير إنه ليس هناك معنى لمجلس مستقل وإن رئيس الجمهورية هو الذي سيترأسه من أجل ضمان نجاعته، وذكر أن هذا المشروع سيكرس تصور الشعب التونسي لذلك تمت الدعوة إلى تنظيم استشارة وطنية حول التربية والتعليم.

تغييب النقابات

وبهذه الكيفية تم القفز على مطلب نقابات التعليم بتشريكها في صياغة مقترح القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية رغبة منها في ضمان استقلالية المجلس وديمومة نشاطه ودورية اجتماعاته،  وللتذكير فقد تم الانطلاق في إعداد المشروع المتعلق بالمجلس الأعلى منذ سنة 2022 إذ قال الوزير السابق للتربية فتحي السلاوتي في تصريح صحفي لقناة التاسعة بتاريخ 31 أكتوبر 2022 إن مشروع المرسوم المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية جاهز وسيقع إصداره قريبا، وإن هذا المجلس سيساهم في وضع الاستراتيجيات الكبرى على مستوى التربية والتعليم في كل المستويات وسيقيم المنظومات التعليمية، وإن الوزارة شرعت في إعداد المشروع انطلاقا من مبادرة قدمها رئيس الجمهورية وقامت بتشريك كل الوزارات المعنية كما ناقشت المقترحات المتعلقة بأهداف المجلس ومهامه وتركيبته مع رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية.

وفي السادس عشر من شهر ديسمبر 2022 عقدت رئيسة الحكومة السابقة نجلاء بودن بقصر الحكومة بالقصبة، مجلسا وزاريا مضيّقا بحضور فتحي السّلاوتي وزير التّربية ومنصف بوكثير وزير التّعليم العالي والبحث العلمي وسمير سعيّد وزير الاقتصاد والتّخطيط ونصر الدين النّصيبي وزير التّشغيل والتّكوين المهني وإبراهيم الشائبي وزير الشّؤون الدّينيّة وسامية الشّرفي قدور المستشارة لدى رئيسة الحكومة وعمار الملوّح مستشار القانون والتشريع، وحسب بلاغ صادر عن رئاسة الحكومة آن ذاك خصص اجتماع المجلس الوزاري لتدارس مقترحات مختلف الوزارات حول إحداث المجلس الأعلى للتّربية والأخذ بها لإعداد مشروع المرسوم المنظّم لهذا المجلس.

وأثار ذلك البلاغ غضب الهياكل النقابية نظرا لأن الحكومة السابقة تقدمت شوطا كبيرا في إعداد نص تشريعي ينظم المجلس الأعلى للتربية والتعليم دون أن تستشير المجتمع المدني ودون أن تستمع إلى رأي الجامعات العامة للتعليم الأساسي والتعليم الثانوي والتعليم العالي  في تركيبة المجلس الأعلى وصلاحياته وأهمية تمتيعه بالشخصية المعنوية والاستقلالية الإدارية والمالية رغم أن الهياكل النقابية التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل كان لها السبق في اقتراح فكرة بعث المجلس الأعلى للتربية والتعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني والتشغيل منذ 15 أكتوبر 2011 وبسبب إصرارها تم إقرار هذا المجلس في إطار وثيقة المخطط الاستراتيجي للإصلاح لفترة 2015ـ 2025 التي تم التوقيع عليها يوم 19 جانفي 2015.

دسترة المجلس الأعلى

وكانت نقابات التعليم بعد الثورة طالبت المجلس الوطني التأسيسي بدسرة المجلس الأعلى للتربية والتعليم وبالعودة إلى مداولات المجلس وخاصة تقرير لجنة الهيئات الدستورية حول مشروع الدستور بتاريخ 26 سبتمبر 2012  نقرأ ما يلي:"دافع عديد النواب على دستورة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي مستشهدين بما دار من نقاش صلب الهياكل المهنية للقطاع والتي أسفرت عن رفع توصيات للمجلس الوطني التأسيسي بدسترة هذه الهيئة واعتبروا وجودها من شأنه أن يضمن عدم المساس بالتوجهات التربوية الكبرى التي ستحددها هذه الهيئة مؤكدين على أهمية التربية في حياة المجتمعات وعلى دور هذه الهيئة في مراقبة عمل الحكومة كما تمت الإشارة إلى الوضع السيئ الذي يشكو منه قطاع البحث العلمي والذي يستوجب التدخل السريع أمام تراجع الجامعة التونسية ومؤشرات تطور البحث العلمي، وقدم احد النواب مقترحا خاصا بدسترة هذه الهيئة وتقريرا موجزا عن تصوره للمهام التي ستوكل لها مقدما مجموعة من المؤشرات التي تؤكد تراجع مستوى التعليم في تونس مقارنة بالدول الأخرى ومن هنا كانت الحاجة لإنشاء هيئة دستورية ذات صبغة استشارية لإبداء الرأي في الخيارات والسياسات الخاصة بمجال التربية والتكوين والبحث العلمي حتى تعود لهذه القطاعات أهميتها ولا تكون خاضعة لأهواء السلطة السياسية. واعتبر عدد من أعضاء اللجنة أن القطاع التربوي وقطاع البحث العلمي يشكوان من عدة هنات ونقائص لا بد من تلافيها ونتائج السياسات التربوية الخاطئة نلاحظها في الأجيال الحالية من خلال تدهور المستوى وضعف القدرة التشغيلية كما أن قطاع البحث العلمي دون مردودية وبراءات الاختراع السنوية التي تنتجها تونس عددها محدود مقارنة بدول أخرى ومن الضروري إخراج التربية من يد السلطة التنفيذية حتى لا تستعملها لتمرير أفكارها وسياساتها، وإثر ذلك تقرر اللجوء إلى التصويت على مبدأ دسترة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي فكانت نتيجته كما يلي: 7 أعضاء مع الدسترة و3 أعضاء ضد الدسترة و5 أعضاء احتفاظ وبمقتضى النظام الداخلي فان المقترح لا يمر إلا بأغلبية الحاضرين وتبلغ هذه الأغلبية 8 وبالتالي قررت اللجنة عدم دسترة المجلس الأعلى للتربية والتكوين المهني والبحث العلمي".  ويحمل تقرير اللجنة التأسيسية للهيئات الدستورية توقيع رئيس اللجنة آن ذاك جمال الطوير ومقرر اللجنة ربيع العابدي.

مقترح قانون جاهز

وليست نقابات التعليم فقط من دعت إلى إرساء مجلس أعلى للتربية والتعليم إذ بادر الائتلاف المدني لإصلاح المنظومة التربوية بإعداد مقترح  في الغرض، كما تولى الخبير الدولي في تقييم النظم التربوية وإصلاحها الراحل محمد بن فاطمة سنة 2016 صياغة مقترح قانون كامل يتعلق بالمجلس الأعلى للتربية  وقام بعرضه على مجلس نواب الشعب وأرسله إلى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة لكن مشروعه لم ير النور، ونص المشروع المذكور على أن رئيس الحكومة هو الذي يترأس المجلس الأعلى للتربية، وعلى أن المجلس يتولى إبداء الرّأي وتقديم توصيات حول السّياسة الوطنيّة للتّربية والخطط التّنفيذيّة وبرامج ومنظومات التّكوين الأساسي والمستمرّ ومنظومات الجودة والرّقابة والتّقييم والمتابعة والاعتماد اللاّزمة لتنفيذ السّياسة الوطنيّة للتّربية والتّعليم وأسس ومقومات التنسيق بين الخطط الوطنيّة المتّصلة بتكوين مختلف أصناف الإطارات ذات العلاقة بالشّأن التّربوي، بما في ذلك الإصلاحات التّربويّة الكبرى والأنظمة الأساسية الأساسيّة، وكذلك الإصلاحات والتّجديدات المزمع اعتمادها في جميع المستويات، والإجراءات المرافقة لإنجازها وبرامج إحداث المؤسّسات التّربويّة والعرائض والآراء والمقترحات المتّصلة بالشّأن التّربوي والواردة من الوزارات والمنظّمات والجمعيّات والأحزاب.

كما يبدي المجلس الأعلى رأيه في سبل تحقيق التّرابط والتّكامل بين منظومات التربية والتّكوين المهني والتّعليم العالي والبحث العلمي بهدف دعم الكفاءات والخبرات العلميّة الوطنيّة والتّشجيع على التّعلّم مدى الحياة والنّهوض به، وفي الدّراسات والبرامج المتعلّقة بتعزيز مكانة المؤسّسة التّربويّة وفي المعارف والكفايات التي يتعيّن أن يتملّكها التلاميذ في نهاية التعليم الأساسي وكذلك في الخطط الوطنيّة لرصد ذوي الاحتياجات الخصوصيّة وذوي اضطرابات التّعلّم وصعوباته في مختلف مجالات التّربية والتّعليم والمساهمة في الإحاطة بهم، ويبدي رأيه في داء المنظومة التّربويّة ونواتج التّعلم كمًّا ونوعًا اعتمادًا على الدّراسات والبحوث الّتي تنجزها لجانه أو مراكز ومعاهد التّقييمات الوطنيّة أو الدّوليّة ذات العلاقة.

كما قامت شبكة التربية والتكوين والبحث العلمي سنة 2019 بإعداد كتيب تضمن مقترحاتها لإصلاح منظومتي التربية والتعليم في تونس ومن جملة هذه المقترحات ما تعلق بمراجعة تركيبة المجلس الأعلى للتربية وسبل تفعيل  الأمر الصادر بتاريخ 21 ديسمبر 1962 المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية القومية والممضى من قبل كاتب الدولة للتربية القومية محمود المسعدي وهو مجلس أعيد ضبط مشمولاته وتركيبته بمقتضى الأمر عدد 2260 المؤرخ في 10 أكتوبر 2000 وأصبح يسمى بالمجلس الأعلى للتربية.

سعيدة بوهلال