التمويل الصغير وجهة الفئات الضعيفة.. أي دور للدولة بعد أن حاد عن مساره؟
شركات التمويل تمنح قروضا استهلاكية بما قيمته ما بين 15 و20 بالمائة من مجموع القروض التي تسندها
القروض الصغرى تزيد من تعميق أزمة الفئات المهمشة.. نسب فائدة مُشطة.. دون تأمين.. وتعسف في الاستخلاص؟
تونس-الصباح
تعتبر مؤسسات التمويل الصغير في تونس، والتي تضم 200 جمعية ناشطة من مجموع 280 بالإضافة إلى 7 شركات، وجهة التونسيين المقصيين من مسالك التمويل التقليدية، إذ يصفها البعض بـ"بنوك الفقراء".
ويتخذ نشاط مؤسسات التمويل الصغير بعدا اجتماعيا إذ انه من المفترض أن تمنح قروضا لتمويل المشاريع الصغيرة للحد من الفقر ولخلق مواطن شغل... غير أن هذا القطاع أصبح اليوم، ووفق ما يؤكده عدد من المواطنين الذي لجأوا إليه، يسلط عليهم نسب فائدة "مُشطة ومُجحفة وهم الذين يشكون الهشاشة والخصاصة ما يزيد في تفاقم مديونيتهم، غير أن لا خيار لديهم سوى مؤسسات التمويل الصغير مع تحويل صبغة القرض إلى استهلاكي بعد الحصول عليه في معظم الأحيان...".
وقال عبد المجيد العياري رئيس الجمعية المهنية التونسية لمؤسسات التمويل الصغير في حديث مع "الصباح" أن برنامج تحسين ظروف العيش يندرج في نطاق القروض الموجهة للاستهلاك وبه عدة توجهات كتحسين مسكن أو دفع تكاليف تعليم الأطفال أو ظرف طارئ ويهمّ المواطنين ذوي الدخل المحدود.
كما أفاد أنّ مجموع قروض تحسين ظروف العيش المُسندة منذ إحداث هذا القطاع سنة 1999، تُقدّر بـ99 مليارا و628 ألف دينار لفائدة 148.832 ألف منتفع، أيّ ما يعادل 7.5 بالمائة من إجمالي القروض المسندة من قبل الجمعيات المعنية بالتمويل الصغير والتي يتمّ تمويلها من قبل البنك التونسي للتضامن ضمن آليات تمويل تضعها الدولة التونسية على ذمتها في حدود 100 مليار سنويا. وأضاف أنّ قروض تحسين ظروف العيش تمنح من قبل الجمعيات وتهم الأشخاص الذين دخلهم لا يتجاوز الألف دينار بنسبة فائدة تقدر بـ5 بالمائة مع 2.5 بالمائة دراسة ملف وهي أقل نسبة موجودة على مستوى إسناد القروض وطنيا وحتى على مستوى دولي وبسقف أقصى ألف دينار.
وبخصوص شركات التمويل، قال إنها تمنح قروضا استهلاكية بما قيمته ما بين 15 و20 بالمائة من مجموع القروض التي تسندها، مُشيرا إلى أنّ هذه القروض تتحصل عليها الشركات من البنوك بنسبة فائض مرتفعة لتُوظّف بذلك نسبة فائدة مرتفعة على القروض الممنوحة لتصل أو تتجاوز الـ30 بالمائة أحيانا.. وهنا ذكّر بدعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد للحدّ من ارتفاع نسب الفائض البنكي لتكون في مستويات مقبولة وبوجود هيئات رقابة مطالبة بمتابعة الموضوع، غير أنّ العيادي استدرك بالقول أنه للأسف العائلات التي تتوجه لمؤسسات التمويل الصغير تتحصل على قروض بنسب فائدة مُرتفعة، مُقرّا: "نعلم جيّدا أنّ من يتوجّه لهذه المؤسسات هو في عجز وبالتالي لا يجب أن نُكبّله بهذه الفوائض المُرتفعة".
"بنوك الفقراء"
وحول اعتبار هذه المؤسسات "بنوك الفقراء"، أكّد أن هذا المصطلح يستقيم بنسبة 100 بالمائة على الجمعيات التي تمنح قروضا بين 500 دينار و5 آلاف دينار وتصل أحياناً إلى 10 آلاف دينار لبعث وتوسعة مشاريع كما تحل مشاكل عدد من المواطنين الذين ليس بإمكانهم الولوج للقطاع البنكي التقليدي بنسب فائدة معقولة جدّا والأقل في البلاد، وقدّم عبد المجيد العياري لمحة حول القروض الممنوحة من قبل هذه الجمعيات والتي تتوزع على النحو التالي: قروض تحسين ظروف العيش، خدمات، صناعات تقليدية، فلاحة، مهن صغرى، وبمجموع وصل إلى حوالي 1323209 ألف دينار على امتداد 24 سنة (منذ سنة 1999).
ويكشف الجدول المصاحب للمقال عدد القروض الممنوحة وقيمتها على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة ومجموعها الجملي منذ إحداث هذا القطاع..
وعن شركات التمويل الصغير الـ7، اكتفى عبد المجيد العياري بالإشارة إلى أنها تمنح قروضا تفوق قيمتها الـ10 آلاف دينار ولا تتجاوز 40 ألف دينار، غير أنّه تمّ خلال مجلس وزاري التأم في شهر جويلية الماضي إقرار الترفيع في سقف هذه القروض لتصل إلى 50 ألف دينار دون تحديد سقف نسب الفائدة.
غياب التأمين
وبما أنّ القروض المسندة من قبل مؤسسات التمويل الصغير لا تخضع حاليا إلى عمليات التامين، أكّد العياري أنّ قطاع التأمين "رافض" سواء بالنسبة للجمعيات أو شركات التمويل الصغير، مُشدّدا على ضرورة إدراج التأمين ضمن منظومة الإقراض الصغير بصفة فعلية والعمل على تامين كافة القروض.
ورغم أن التشاريع تفرض على الجمعيات النفاذ إلى الصندوق الوطني للضمان منذ سنة 1999، اعتبر أنّه وإن كانت القروض مُؤمنة من قبل الصندوق إلا أنه يشترط عجز المنتفع وانتهاء كل الإجراءات القانونية إلى حين إثبات العجز النهائي.
استخلاص القروض
وفيما يتعلق باستخلاص القروض، قال عبد المجيد العياري، إنه لا يجب أن تقل عن 80 بالمائة بالنسبة للجمعيات حتى لا يتم إيقاف تمويلها وهو ما يجعلها، وفق تعبيره، "تقوم بالتتبعات ضدّ المُتلددين عن السداد"، غير أن نسبة الاستخلاص، وصفها عبد المجيد العياري، بـ"القوية" لدى الشركات باعتبار حصولها على ضمانات كبرى. وهنا استدرك مُحدّثنا بالقول: "نعرف إليّ غير ممكن أن ننجح 100 بالمائة.. وإذا موّلنا مواطنا ولا نعذره في عجزه خاصة عندما تكون هنالك أسباب واضحة ومعقولة وبالأساس بالنسبة لتمويل مشاريع فلاحية باعتبار ما يمكن أن تعترضها من جوائح طبيعية.. وبالتالي لا يجب أن يكون لدينا السيف القاطع تخلّصني أو نمشي لإجراءات أخرى المواطن في غنى عنها ولا أحبّذها.. ولذلك أقول أنه يجب على المنتفع في صورة عدم تمكنه من خلاص قسط أن يتوجه للطرف المانح أو يردّ على المكالمات أو استفسارات المانح حتى لا يُعرّض نفسه لأيّ تتبع قانوني تمّ تضمينه في عقد القرض".
كما ذكّر العياري بأنه "يتم توظيف فوائض تأخير عن كلّ يوم ما بعد التاريخ المُحدد للخلاص والمُضمّن في عقد القرض"، وفق تأكيده.
وفي سياق متصل، قال العياري إنّ 45 بالمائة من المنتفعين بالقروض نساء، وهذه الفئة "مُخلصة" أكثر من الرجال وفق ما تؤكده الإحصائيات.
ودعا العياري، المانحين من جمعيات وشركات إلى حسن دراسة الملفات قبل منح القروض والنظر في مدى قابلية المواطن لخلاص القرض لتجنّب "التعسّف" الذي يُسلّط على المقترض في العادة عند عدم قدرته على الخلاص، مُضيفا أنّ منح قروض بصفة "اعتباطية" والعلم مُسبقا بوجود إمكانية لعدم القدرة على الخلاص يُساهم في مزيد "إغراق" المقترض.
"مناورة تسويقية"
وردّا على ما يراه البعض بخصوص اعتبار التمويل الصغير يُكافح الفقر ويساهم في الإدماج المالي للعائلات الأكثر ضعفا والمُهمشة، مُجرّد "مناورة تسويقية"، رفض رئيس الجمعية المهنية لمؤسسات التمويل الصغير هذا المصطلح، قائلا: "صحيح أنّ هنالك تجاوزات أحيانا.. لكن القرض الصغير هذا جُعل للتونسيين غير القادرين على الولوج لمؤسسات التمويل التقليدي كما أنه ساهم في خلق مواطن شغل ومشاريع استثمارية وحدّ من تلاشي مشاريع صغرى في ظروف اقتصادية صعبة مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة...
رسالة للبنوك
وفي سياق آخر، وبالنسبة لدخول البنوك التقليدية لعالم مؤسسات التمويل الصغير، وجّه العياري رسالة للبنوك للعب دورها في الأزمة الاقتصادية ولتقف إلى جانب الشركات "المُتعثّرة" وتقوم بتسهيل بعث المشاريع وتمويلها بهدف خلق مواطن شغل، قائلا: "هنالك دور وطني للبنوك ويجب أن تلعبه.. والتاريخ سيسجل ذلك.. وتحية للبنك التونسي للتضامن الذي أفرد قطاع الفلاحة بإجراءات ثورية منها عدم اشتراط الضامن والملكية وتمويل جميع المشاريع المصادق عليها من قبل مندوبيات الفلاحة، رغم أنّ هذا القطاع يتمّ تمويله من قبل البنك الوطني الفلاحي الذي يعتبر دوره كبيرا في البلاد وهو قيدوم البنوك ولهذا يجب أن يلعب دوره الفعلي في القطاع الفلاحي".
نائب رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك لـ"الصباح": مؤسسات التمويل الصغير توظف نسب فائدة "عالية جدا" تفوق الـ25 بالمائة
تحدّث نائب رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك محمد زروق لـ"الصباح" حول القروض الممنوحة من قبل مؤسسات التمويل الصغير.
وقال زروق إنّ هذا المنتوج كان مُوجها عندما أحدث للطبقات الفقيرة والمُهمشة والتي لا يمكنها الولوج للقطاع البنكي التقليدي الذي يُقصيها، مُشيرا إلى أنّ نسبة الانخراط في المنظومة البنكية في تونس هي من أدنى النسب في إفريقيا رغم العدد الهام للبنوك في البلاد.
وأضاف مُحدّثنا أنّ ما حدث في تونس هو تطور قطاع مؤسسات التمويل الصغير وتوظيفه لنسب فائدة "عالية جدا"، حسب تعبيره، رغم أنّ هذا المنتوج يجب أن يلعب دوره في خلق فرص شغل وبعث مشاريع صغيرة.
وواصل بالقول:"ما يُؤلم فعلا أنّ قطاع مؤسسات التمويل الصغير تطوّر غير أنّ المُشرع خلق قانونا لهذه الصيرفة".
وأوضح أنّ "المواطن عندما يتم إقصاؤه من القطاع البنكي الكلاسيكي يتّجه لهؤلاء فيُقرضونه "قروضا استهلاكية" تفوق نسب الفائدة فيها الـ25 بالمائة".
ولم يُخف زروق دخول مجامع كبرى ورجال أعمال معروفين لقطاع التمويل الصغير باعتباره قطاعا مُربحا، لكن آثاره سلبية بما أنه لم يلعب دوره الحقيقي في خلق مواطن شغل والتحكم في الأسعار ما زاد الطين بلة من حيث مزيد تفقير الطبقة الفقيرة والهشة، حسب قوله.
نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، شدّد على ضرورة "أن يلعب هذا القطاع دوره الاقتصادي والاجتماعي مع عقلنة نسب الفائدة العالية للقروض والتي يندى لها الجبين"، وفق قوله، مع طرح الموضوع على كل من مجلس المنافسة والبنك المركزي التونسي، مُعتبرا أن قطاع التمويل الصغير جعل حياة من يتوجهون إليه من فئات هشة "صعبة" وقد زاد في تفقيرهم، حسب تعبيره.
وفي ختام حديثه، أفاد أنّه لا يجب أن يشعر كل من يتوجه لقطاع التمويل الصغير بالضيم لما يُوظّف من نسب فائدة مُرتفعة، مُعبّرا عن رغبته في أن يتجمع المتحصلون على قروض صغيرة في هيكل مُوحّد لإيصال أصواتهم.
عبير الطرابلسي
بعد أن أصبح يستقطب رجال أعمال ومجامع وبنوك..
التمويل الصغير وجهة الفئات الضعيفة.. أي دور للدولة بعد أن حاد عن مساره؟
شركات التمويل تمنح قروضا استهلاكية بما قيمته ما بين 15 و20 بالمائة من مجموع القروض التي تسندها
القروض الصغرى تزيد من تعميق أزمة الفئات المهمشة.. نسب فائدة مُشطة.. دون تأمين.. وتعسف في الاستخلاص؟
تونس-الصباح
تعتبر مؤسسات التمويل الصغير في تونس، والتي تضم 200 جمعية ناشطة من مجموع 280 بالإضافة إلى 7 شركات، وجهة التونسيين المقصيين من مسالك التمويل التقليدية، إذ يصفها البعض بـ"بنوك الفقراء".
ويتخذ نشاط مؤسسات التمويل الصغير بعدا اجتماعيا إذ انه من المفترض أن تمنح قروضا لتمويل المشاريع الصغيرة للحد من الفقر ولخلق مواطن شغل... غير أن هذا القطاع أصبح اليوم، ووفق ما يؤكده عدد من المواطنين الذي لجأوا إليه، يسلط عليهم نسب فائدة "مُشطة ومُجحفة وهم الذين يشكون الهشاشة والخصاصة ما يزيد في تفاقم مديونيتهم، غير أن لا خيار لديهم سوى مؤسسات التمويل الصغير مع تحويل صبغة القرض إلى استهلاكي بعد الحصول عليه في معظم الأحيان...".
وقال عبد المجيد العياري رئيس الجمعية المهنية التونسية لمؤسسات التمويل الصغير في حديث مع "الصباح" أن برنامج تحسين ظروف العيش يندرج في نطاق القروض الموجهة للاستهلاك وبه عدة توجهات كتحسين مسكن أو دفع تكاليف تعليم الأطفال أو ظرف طارئ ويهمّ المواطنين ذوي الدخل المحدود.
كما أفاد أنّ مجموع قروض تحسين ظروف العيش المُسندة منذ إحداث هذا القطاع سنة 1999، تُقدّر بـ99 مليارا و628 ألف دينار لفائدة 148.832 ألف منتفع، أيّ ما يعادل 7.5 بالمائة من إجمالي القروض المسندة من قبل الجمعيات المعنية بالتمويل الصغير والتي يتمّ تمويلها من قبل البنك التونسي للتضامن ضمن آليات تمويل تضعها الدولة التونسية على ذمتها في حدود 100 مليار سنويا. وأضاف أنّ قروض تحسين ظروف العيش تمنح من قبل الجمعيات وتهم الأشخاص الذين دخلهم لا يتجاوز الألف دينار بنسبة فائدة تقدر بـ5 بالمائة مع 2.5 بالمائة دراسة ملف وهي أقل نسبة موجودة على مستوى إسناد القروض وطنيا وحتى على مستوى دولي وبسقف أقصى ألف دينار.
وبخصوص شركات التمويل، قال إنها تمنح قروضا استهلاكية بما قيمته ما بين 15 و20 بالمائة من مجموع القروض التي تسندها، مُشيرا إلى أنّ هذه القروض تتحصل عليها الشركات من البنوك بنسبة فائض مرتفعة لتُوظّف بذلك نسبة فائدة مرتفعة على القروض الممنوحة لتصل أو تتجاوز الـ30 بالمائة أحيانا.. وهنا ذكّر بدعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد للحدّ من ارتفاع نسب الفائض البنكي لتكون في مستويات مقبولة وبوجود هيئات رقابة مطالبة بمتابعة الموضوع، غير أنّ العيادي استدرك بالقول أنه للأسف العائلات التي تتوجه لمؤسسات التمويل الصغير تتحصل على قروض بنسب فائدة مُرتفعة، مُقرّا: "نعلم جيّدا أنّ من يتوجّه لهذه المؤسسات هو في عجز وبالتالي لا يجب أن نُكبّله بهذه الفوائض المُرتفعة".
"بنوك الفقراء"
وحول اعتبار هذه المؤسسات "بنوك الفقراء"، أكّد أن هذا المصطلح يستقيم بنسبة 100 بالمائة على الجمعيات التي تمنح قروضا بين 500 دينار و5 آلاف دينار وتصل أحياناً إلى 10 آلاف دينار لبعث وتوسعة مشاريع كما تحل مشاكل عدد من المواطنين الذين ليس بإمكانهم الولوج للقطاع البنكي التقليدي بنسب فائدة معقولة جدّا والأقل في البلاد، وقدّم عبد المجيد العياري لمحة حول القروض الممنوحة من قبل هذه الجمعيات والتي تتوزع على النحو التالي: قروض تحسين ظروف العيش، خدمات، صناعات تقليدية، فلاحة، مهن صغرى، وبمجموع وصل إلى حوالي 1323209 ألف دينار على امتداد 24 سنة (منذ سنة 1999).
ويكشف الجدول المصاحب للمقال عدد القروض الممنوحة وقيمتها على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة ومجموعها الجملي منذ إحداث هذا القطاع..
وعن شركات التمويل الصغير الـ7، اكتفى عبد المجيد العياري بالإشارة إلى أنها تمنح قروضا تفوق قيمتها الـ10 آلاف دينار ولا تتجاوز 40 ألف دينار، غير أنّه تمّ خلال مجلس وزاري التأم في شهر جويلية الماضي إقرار الترفيع في سقف هذه القروض لتصل إلى 50 ألف دينار دون تحديد سقف نسب الفائدة.
غياب التأمين
وبما أنّ القروض المسندة من قبل مؤسسات التمويل الصغير لا تخضع حاليا إلى عمليات التامين، أكّد العياري أنّ قطاع التأمين "رافض" سواء بالنسبة للجمعيات أو شركات التمويل الصغير، مُشدّدا على ضرورة إدراج التأمين ضمن منظومة الإقراض الصغير بصفة فعلية والعمل على تامين كافة القروض.
ورغم أن التشاريع تفرض على الجمعيات النفاذ إلى الصندوق الوطني للضمان منذ سنة 1999، اعتبر أنّه وإن كانت القروض مُؤمنة من قبل الصندوق إلا أنه يشترط عجز المنتفع وانتهاء كل الإجراءات القانونية إلى حين إثبات العجز النهائي.
استخلاص القروض
وفيما يتعلق باستخلاص القروض، قال عبد المجيد العياري، إنه لا يجب أن تقل عن 80 بالمائة بالنسبة للجمعيات حتى لا يتم إيقاف تمويلها وهو ما يجعلها، وفق تعبيره، "تقوم بالتتبعات ضدّ المُتلددين عن السداد"، غير أن نسبة الاستخلاص، وصفها عبد المجيد العياري، بـ"القوية" لدى الشركات باعتبار حصولها على ضمانات كبرى. وهنا استدرك مُحدّثنا بالقول: "نعرف إليّ غير ممكن أن ننجح 100 بالمائة.. وإذا موّلنا مواطنا ولا نعذره في عجزه خاصة عندما تكون هنالك أسباب واضحة ومعقولة وبالأساس بالنسبة لتمويل مشاريع فلاحية باعتبار ما يمكن أن تعترضها من جوائح طبيعية.. وبالتالي لا يجب أن يكون لدينا السيف القاطع تخلّصني أو نمشي لإجراءات أخرى المواطن في غنى عنها ولا أحبّذها.. ولذلك أقول أنه يجب على المنتفع في صورة عدم تمكنه من خلاص قسط أن يتوجه للطرف المانح أو يردّ على المكالمات أو استفسارات المانح حتى لا يُعرّض نفسه لأيّ تتبع قانوني تمّ تضمينه في عقد القرض".
كما ذكّر العياري بأنه "يتم توظيف فوائض تأخير عن كلّ يوم ما بعد التاريخ المُحدد للخلاص والمُضمّن في عقد القرض"، وفق تأكيده.
وفي سياق متصل، قال العياري إنّ 45 بالمائة من المنتفعين بالقروض نساء، وهذه الفئة "مُخلصة" أكثر من الرجال وفق ما تؤكده الإحصائيات.
ودعا العياري، المانحين من جمعيات وشركات إلى حسن دراسة الملفات قبل منح القروض والنظر في مدى قابلية المواطن لخلاص القرض لتجنّب "التعسّف" الذي يُسلّط على المقترض في العادة عند عدم قدرته على الخلاص، مُضيفا أنّ منح قروض بصفة "اعتباطية" والعلم مُسبقا بوجود إمكانية لعدم القدرة على الخلاص يُساهم في مزيد "إغراق" المقترض.
"مناورة تسويقية"
وردّا على ما يراه البعض بخصوص اعتبار التمويل الصغير يُكافح الفقر ويساهم في الإدماج المالي للعائلات الأكثر ضعفا والمُهمشة، مُجرّد "مناورة تسويقية"، رفض رئيس الجمعية المهنية لمؤسسات التمويل الصغير هذا المصطلح، قائلا: "صحيح أنّ هنالك تجاوزات أحيانا.. لكن القرض الصغير هذا جُعل للتونسيين غير القادرين على الولوج لمؤسسات التمويل التقليدي كما أنه ساهم في خلق مواطن شغل ومشاريع استثمارية وحدّ من تلاشي مشاريع صغرى في ظروف اقتصادية صعبة مرت بها البلاد في السنوات الأخيرة...
رسالة للبنوك
وفي سياق آخر، وبالنسبة لدخول البنوك التقليدية لعالم مؤسسات التمويل الصغير، وجّه العياري رسالة للبنوك للعب دورها في الأزمة الاقتصادية ولتقف إلى جانب الشركات "المُتعثّرة" وتقوم بتسهيل بعث المشاريع وتمويلها بهدف خلق مواطن شغل، قائلا: "هنالك دور وطني للبنوك ويجب أن تلعبه.. والتاريخ سيسجل ذلك.. وتحية للبنك التونسي للتضامن الذي أفرد قطاع الفلاحة بإجراءات ثورية منها عدم اشتراط الضامن والملكية وتمويل جميع المشاريع المصادق عليها من قبل مندوبيات الفلاحة، رغم أنّ هذا القطاع يتمّ تمويله من قبل البنك الوطني الفلاحي الذي يعتبر دوره كبيرا في البلاد وهو قيدوم البنوك ولهذا يجب أن يلعب دوره الفعلي في القطاع الفلاحي".
نائب رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك لـ"الصباح": مؤسسات التمويل الصغير توظف نسب فائدة "عالية جدا" تفوق الـ25 بالمائة
تحدّث نائب رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك محمد زروق لـ"الصباح" حول القروض الممنوحة من قبل مؤسسات التمويل الصغير.
وقال زروق إنّ هذا المنتوج كان مُوجها عندما أحدث للطبقات الفقيرة والمُهمشة والتي لا يمكنها الولوج للقطاع البنكي التقليدي الذي يُقصيها، مُشيرا إلى أنّ نسبة الانخراط في المنظومة البنكية في تونس هي من أدنى النسب في إفريقيا رغم العدد الهام للبنوك في البلاد.
وأضاف مُحدّثنا أنّ ما حدث في تونس هو تطور قطاع مؤسسات التمويل الصغير وتوظيفه لنسب فائدة "عالية جدا"، حسب تعبيره، رغم أنّ هذا المنتوج يجب أن يلعب دوره في خلق فرص شغل وبعث مشاريع صغيرة.
وواصل بالقول:"ما يُؤلم فعلا أنّ قطاع مؤسسات التمويل الصغير تطوّر غير أنّ المُشرع خلق قانونا لهذه الصيرفة".
وأوضح أنّ "المواطن عندما يتم إقصاؤه من القطاع البنكي الكلاسيكي يتّجه لهؤلاء فيُقرضونه "قروضا استهلاكية" تفوق نسب الفائدة فيها الـ25 بالمائة".
ولم يُخف زروق دخول مجامع كبرى ورجال أعمال معروفين لقطاع التمويل الصغير باعتباره قطاعا مُربحا، لكن آثاره سلبية بما أنه لم يلعب دوره الحقيقي في خلق مواطن شغل والتحكم في الأسعار ما زاد الطين بلة من حيث مزيد تفقير الطبقة الفقيرة والهشة، حسب قوله.
نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، شدّد على ضرورة "أن يلعب هذا القطاع دوره الاقتصادي والاجتماعي مع عقلنة نسب الفائدة العالية للقروض والتي يندى لها الجبين"، وفق قوله، مع طرح الموضوع على كل من مجلس المنافسة والبنك المركزي التونسي، مُعتبرا أن قطاع التمويل الصغير جعل حياة من يتوجهون إليه من فئات هشة "صعبة" وقد زاد في تفقيرهم، حسب تعبيره.
وفي ختام حديثه، أفاد أنّه لا يجب أن يشعر كل من يتوجه لقطاع التمويل الصغير بالضيم لما يُوظّف من نسب فائدة مُرتفعة، مُعبّرا عن رغبته في أن يتجمع المتحصلون على قروض صغيرة في هيكل مُوحّد لإيصال أصواتهم.