إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

انقلاب الغابون: جدل شرعية الديمقراطية وسؤال مشروعية انقلاب المؤسسات

 

بقلم: نوفل سلامة

خلّف التصريح الذي أدلى به مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد  الأوروبي "جوزيف بوريل" بخصوص عملية الانقلاب العسكرية التي حصلت في الغابون جدلا كبيرا واعتبر تصريحه مفاجئا في هذا التوقيت وهذا السياق من التنديد الأوروبي بموجة الانقلابات المتتالية في القارة السمراء حيث ذهب " بوريل " في تعليقه على العملية العسكرية التي قام بها  قادة الجيش في الكونغو  والتي أدت الي خلع الرئيس "على بونغو" وتنحيته من السلطة وإنهاء  حكم عائلته الذي دام لقرابة الستين سنة على إثر إعلان فوزه في الانتخابات الأخيرة" أن العسكر لم يكن أمامهم الكثير من الخيارات لإيقاف ما حصل من تزوير في الانتخابات وأن العملية الديمقراطية قد شابها الكثير من الخروقات والمخالفات خاصة وأن الرئيس علي بونغو قد تقدم للانتخابات بعد أن انتهت ولايته الأمر الذي يجعل هذه الانتخابات غير شرعية. وأضاف بأن انقلاب الغابون لا يمكن مقارنته بما حصل من انقلاب في النيجر حيث أن الانقلاب الذي قام به الجيش في النيجر هو انقلاب غير شرعي تم ضد رئيس منتخب ديمقراطيا في حين أن انقلاب الغابون هو انقلاب مؤسساتي ومدني وهي الصورة التي لا نجدها في حالة النيجر".

هذا التصريح المثير والصادر عن مسؤول مهم في الاتحاد الأوروبي وله وزنه على المستوى العالمي قد فهم منه أن المجموعة الأوروبية تنظر إلى الانقلاب الحاصل في الغابون نظرة مغايرة ونظرة مختلفة عن الانقلاب الحاصل في النيجر بالرغم من أن الذي كان وراء الانقلابين هي نفس الجهة وهي المؤسسة العسكرية. كما فهم من هذا التصريح أن الاتحاد الأوروبي يرى أن قيام العسكر بانقلاب على نتائج الانتخابات وعلى الديمقراطية وعلى نظام الرئيس "على بونغو" هو عمل مشروع ومقبول لاعتبارات تتعلق بنزاهة العملية الانتخابية . والسؤال المطروح هو كيف نفهم هذا الموقف من تدخل الجيش في الحياة الديمقراطية وتغيير المسار السياسي للشعوب بغير الطرق الديمقراطية ؟ وكيف نفهم هذا التقييم السياسي وهذا الموقف من الحركة التي قام بها الجيش في الغابون واعتبار أن الانقلابات العسكرية قد تكون أحيانا شرعية ويقبل بها دوليا  لمشروعيتها؟  وفي الأخير أليس في موقف المسؤول الأوروبي من انقلاب الغابون دليلا على أزمة الديمقراطية في إفريقيا وأزمة في النظام الديمقراطي عموما حينما تنتج الديمقراطية أنظمة حكم غير شرعية ولا تحظى بالمشروعية؟

يبدو اليوم بعد هذا التصريح الأوروبي بخصوص شرعية ومشروعية ما سمي "بانقلاب المؤسسات المدني" أن النظرية الديمقراطية تعيش أزمة صادمة في أسسها ومبادئها وأن المنظومة الديمقراطية برمتها والتي عدت أفضل وأرقى ما وصل إليه العقل البشري الى حد اليوم لإدارة الخلاف وفي طريقة التداول السلمي على السلطة وفي وصول الأفراد إلى الحكم تحتاج الى مراجعة وإعادة نظر في علاقة بالموقف الغربي عموما الذي يتبنى  فكرة  النظام الديمقراطي القائم على الديمقراطية التمثيلية وعلى الاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع  والتقيّد بنتائج الانتخابات واعتبارها أفضل وسيلة للحكم وأن ما يقرره الشعب هو الفيصل بين الفرقاء السياسيين والمتنازعين على ممارسة السلطة حيث نقف اليوم تصور جديد للغرب الديمقراطي يميز بين انقلاب عير شرعي وغير مقبول به كما في حالة النيجر وانقلاب شرعي يحظى بمشروعية ويقبل به خاصة اذا تبنته مؤسسات المجتمع المدني  كما في صورة الكونغو.

إن هذا الموقف المثير للجدل يعني أن العالم يشهد تحولات كبرى في منظومة أفكاره ويعرف مراجعات مؤثرة في تصوراته و نظريته السياسية وأن العالم سائر في تجاه زعزعة كل القيم التي بدت ثابتة وإعادة النظر في كل الثوابت.. ويبدو كذلك أن هناك اليوم تحولات كبرى في الفكرة الديمقراطية وفكرة الانقلاب بما يعني أن الديمقراطية واستتباعات نتائج الانتخابات والفوز فيها لا تعني دوما تمتعها بالشرعية واكتسابها المشروعية وهي تعني أن لا شيء يمنع من الخروج على ما أفرزته صناديق الانتخابات طالما كانت العملية الانتخابية تشوبها خروقات وتزوير وأنه لم يعد من الممكن انتظار حصول انتخابات في المستقبل لتنحية رئيس غير شرعي تسلم السلطة في ظروف غير شرعية ومن وراء عملية تزوير وتحايل و هذا يعني التخلي عن الفكر السياسي القديم القائل بأن الخاسر في انتخابات ديمقراطية تحصل بمشاركة شعبية عليه أن يقبل بنتائجها وأنه يتعين عليه أن يعمل ويستعد ويعد نفسه إلى المحطة الانتخابية المقبلة لإزاحة خصمه السياسى. هذا المنطق لم يعد مقبولا اليوم لنجد أنفسنا أمام مشهد جديد ومعادلة جديدة ومقاربة جديدة تتبنى فكرة أن الشعوب ومؤسسات المجتمع لم تعد تقبل بنتائج انتخابات ديمقراطية مزورة وأن المؤسسة العسكرية يمكن لها أن تتدخل متى حصل التلاعب بالديمقراطية  لتصحح مسار التاريخ وتعدل ما طرأ في مساره من أحداث ركبّت خطأ وقامت على الغش والتزوير والتحايل وأن المؤسسة العسكرية قد تنقلب على الحكم وعلى الديمقراطية متى كان تدخلها ضروريا لإيقاف نزيف التلاعب والتحايل بإرادة الشعوب.. أنه عصر التحولات المثير.

انقلاب الغابون:  جدل شرعية الديمقراطية وسؤال مشروعية انقلاب المؤسسات

 

بقلم: نوفل سلامة

خلّف التصريح الذي أدلى به مسؤول السياسة الخارجية في الإتحاد  الأوروبي "جوزيف بوريل" بخصوص عملية الانقلاب العسكرية التي حصلت في الغابون جدلا كبيرا واعتبر تصريحه مفاجئا في هذا التوقيت وهذا السياق من التنديد الأوروبي بموجة الانقلابات المتتالية في القارة السمراء حيث ذهب " بوريل " في تعليقه على العملية العسكرية التي قام بها  قادة الجيش في الكونغو  والتي أدت الي خلع الرئيس "على بونغو" وتنحيته من السلطة وإنهاء  حكم عائلته الذي دام لقرابة الستين سنة على إثر إعلان فوزه في الانتخابات الأخيرة" أن العسكر لم يكن أمامهم الكثير من الخيارات لإيقاف ما حصل من تزوير في الانتخابات وأن العملية الديمقراطية قد شابها الكثير من الخروقات والمخالفات خاصة وأن الرئيس علي بونغو قد تقدم للانتخابات بعد أن انتهت ولايته الأمر الذي يجعل هذه الانتخابات غير شرعية. وأضاف بأن انقلاب الغابون لا يمكن مقارنته بما حصل من انقلاب في النيجر حيث أن الانقلاب الذي قام به الجيش في النيجر هو انقلاب غير شرعي تم ضد رئيس منتخب ديمقراطيا في حين أن انقلاب الغابون هو انقلاب مؤسساتي ومدني وهي الصورة التي لا نجدها في حالة النيجر".

هذا التصريح المثير والصادر عن مسؤول مهم في الاتحاد الأوروبي وله وزنه على المستوى العالمي قد فهم منه أن المجموعة الأوروبية تنظر إلى الانقلاب الحاصل في الغابون نظرة مغايرة ونظرة مختلفة عن الانقلاب الحاصل في النيجر بالرغم من أن الذي كان وراء الانقلابين هي نفس الجهة وهي المؤسسة العسكرية. كما فهم من هذا التصريح أن الاتحاد الأوروبي يرى أن قيام العسكر بانقلاب على نتائج الانتخابات وعلى الديمقراطية وعلى نظام الرئيس "على بونغو" هو عمل مشروع ومقبول لاعتبارات تتعلق بنزاهة العملية الانتخابية . والسؤال المطروح هو كيف نفهم هذا الموقف من تدخل الجيش في الحياة الديمقراطية وتغيير المسار السياسي للشعوب بغير الطرق الديمقراطية ؟ وكيف نفهم هذا التقييم السياسي وهذا الموقف من الحركة التي قام بها الجيش في الغابون واعتبار أن الانقلابات العسكرية قد تكون أحيانا شرعية ويقبل بها دوليا  لمشروعيتها؟  وفي الأخير أليس في موقف المسؤول الأوروبي من انقلاب الغابون دليلا على أزمة الديمقراطية في إفريقيا وأزمة في النظام الديمقراطي عموما حينما تنتج الديمقراطية أنظمة حكم غير شرعية ولا تحظى بالمشروعية؟

يبدو اليوم بعد هذا التصريح الأوروبي بخصوص شرعية ومشروعية ما سمي "بانقلاب المؤسسات المدني" أن النظرية الديمقراطية تعيش أزمة صادمة في أسسها ومبادئها وأن المنظومة الديمقراطية برمتها والتي عدت أفضل وأرقى ما وصل إليه العقل البشري الى حد اليوم لإدارة الخلاف وفي طريقة التداول السلمي على السلطة وفي وصول الأفراد إلى الحكم تحتاج الى مراجعة وإعادة نظر في علاقة بالموقف الغربي عموما الذي يتبنى  فكرة  النظام الديمقراطي القائم على الديمقراطية التمثيلية وعلى الاحتكام إلى نتائج صناديق الاقتراع  والتقيّد بنتائج الانتخابات واعتبارها أفضل وسيلة للحكم وأن ما يقرره الشعب هو الفيصل بين الفرقاء السياسيين والمتنازعين على ممارسة السلطة حيث نقف اليوم تصور جديد للغرب الديمقراطي يميز بين انقلاب عير شرعي وغير مقبول به كما في حالة النيجر وانقلاب شرعي يحظى بمشروعية ويقبل به خاصة اذا تبنته مؤسسات المجتمع المدني  كما في صورة الكونغو.

إن هذا الموقف المثير للجدل يعني أن العالم يشهد تحولات كبرى في منظومة أفكاره ويعرف مراجعات مؤثرة في تصوراته و نظريته السياسية وأن العالم سائر في تجاه زعزعة كل القيم التي بدت ثابتة وإعادة النظر في كل الثوابت.. ويبدو كذلك أن هناك اليوم تحولات كبرى في الفكرة الديمقراطية وفكرة الانقلاب بما يعني أن الديمقراطية واستتباعات نتائج الانتخابات والفوز فيها لا تعني دوما تمتعها بالشرعية واكتسابها المشروعية وهي تعني أن لا شيء يمنع من الخروج على ما أفرزته صناديق الانتخابات طالما كانت العملية الانتخابية تشوبها خروقات وتزوير وأنه لم يعد من الممكن انتظار حصول انتخابات في المستقبل لتنحية رئيس غير شرعي تسلم السلطة في ظروف غير شرعية ومن وراء عملية تزوير وتحايل و هذا يعني التخلي عن الفكر السياسي القديم القائل بأن الخاسر في انتخابات ديمقراطية تحصل بمشاركة شعبية عليه أن يقبل بنتائجها وأنه يتعين عليه أن يعمل ويستعد ويعد نفسه إلى المحطة الانتخابية المقبلة لإزاحة خصمه السياسى. هذا المنطق لم يعد مقبولا اليوم لنجد أنفسنا أمام مشهد جديد ومعادلة جديدة ومقاربة جديدة تتبنى فكرة أن الشعوب ومؤسسات المجتمع لم تعد تقبل بنتائج انتخابات ديمقراطية مزورة وأن المؤسسة العسكرية يمكن لها أن تتدخل متى حصل التلاعب بالديمقراطية  لتصحح مسار التاريخ وتعدل ما طرأ في مساره من أحداث ركبّت خطأ وقامت على الغش والتزوير والتحايل وأن المؤسسة العسكرية قد تنقلب على الحكم وعلى الديمقراطية متى كان تدخلها ضروريا لإيقاف نزيف التلاعب والتحايل بإرادة الشعوب.. أنه عصر التحولات المثير.