إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

من مهرجان البندقية وبفيلم بالأبيض والأسود.. المخرجة البولونية الشهيرة أنيسكا هولاند تضع الأوروبيين أمام مسؤولياتهم إزاء المهاجرين

 

تونس- الصباح

طرح موضوع الهجرة غير النظامية ومأساة قوارب الموت في المتوسط في الدورة الثمانين لمهرجان البندقية السينمائي الدولي الذي اختتم أمس 9 سبتمبر،  بقوة. وطبيعي أن يكون الأمر كذلك، بما أن المهرجان العريق ينظم في إيطاليا احد ابرز بلدان الضفة الشمالية للحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط،  التي تواجه تدفق المهاجرين  غير النظاميين خاصة منهم القادمون من البلدان الافريقية باعداد كبيرة.

والمثير  أن عدد المهاجرين الذين حطوا بالأراضي الإيطالية هذا العام وفق ارقام منظمة الهجرة الدولية قد تضاعف وذلك  رغم  عدم تردد الحكومة اليمينية بقيادة جورجيا ميلوني في استعمال الردع وعدم اخفائها لمواقفها العدائية للأجانب وخاصة رفضها لاستقبال مزيد من المهاجرين غير النظاميين.

وتسعى إيطاليا وأوروبا عموما لايجاد حلول لمشكلة الهجرة بتشريك دول الضفة الجنوبية ومن بينها تونس مع محاولات مستمرة للضغط على هذه الدول  كي تتحمل عنها كامل المسؤولية مقابل التلويح ببعض المساعدات البسيطة منتظرة منها بالخصوص أن تقوم بدور الشرطي وأن تصد جحافل المهاجرين وان تستقبلهم وإن لزم الأمر يقع توطينهم بهذه البلدان، أي كانت الظروف على غرار ما يحدث منذ فترة من محاولات في هذا الاطار مع تونس.

والحقيقة إن تأثر صورة  بلدان الاستقبال سلبا بسبب المآسي التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين سواء القادمين  بحرا أو براّ حيث يموت الكثير منهم غرقا  في ما يصطلح عليه بقوارب الموت (عدد كبير من المهاجرين الافارقة بالخصوص يحشرون حشرا في قوارب بائسة ينتهي كثير منها غرقا ) أو يقع التلاعب بهم  على حدود البلدان الأوربية ( خاصة فيما يتعلق بالمهاجرين القادمين من سوريا مثلا ) وشعور هذه البلدان بعقدة الذنب وهي التي تبجح يوميا باحترامها لحقوق الانسان، يجعلها تسعى للتملص من مسؤوليتها، لكن هذا لا يبرئها في عيون المسكونين بمبدأ العدالة الإنسانية والرافضين للظلم وخاصة لتسلط القوي على الضعيف.

ومن بين هؤلاء فنانون نذروا حياتهم من اجل  الحقيقة. ومن بين الأسماء نذكر المخرجة البولونيةAgnieszka Holland، أنيسكا هولاند " التي طوعت الكاميرا لفضح النفاق الأوروبي في علاقة بقضية الهجرة ولوضع الأوروبيين أمام مسؤوليتهم. وقد شاركت المخرجة التي عاشت بين عدد من البلدان الأوروبية من بينها فرنسا وألمانيا قبل أن تستقر بالولايات المتحدة الأمريكية وتخرج مجموعة من السلسلات الناجحة نذكر من بينها "هاوس أوف كاردس" و"ذي كيلينغ"في الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية ( فينيسيا) السينمائي الذي اختتم في سهرة الأمس، شاركت  بفيلم يتنزل في سياق نضالاتها المتواصلة من اجل الحقيقة.

ويتعلق الأمر بفيلمها "غرين بوردر" باللونين الأبيض والأسود، والذي يدوم حوالي ساعتين ونصف الذي شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان.  تدور أحداث الفيلم حول احتجاز عدد من  اللاجئين على الحدود  بين روسيا البيضاء والاتحاد الأوروبي  وترسم المخرجة مأساة المهاجرين من خلال عائلة سورية تنشد الوصول إلى السويد مرورا من روسيا البيضاء وبولونيا لكن حظها العاثر يجعلها تصل الحدود البيلورسية والبولونية   مع انطلاق حملة المقاومة الوحشية للمهاجرين الذين يجدون انفسهم تتقاذفهم ايدي الشرطة القاسية بين البلدين.

قد شدد النقاد على أن قيمة الفيلم تكمن في انه يركز على الضحايا  وانه يعطي الكلمة لمن لا صوت له ويقصد بذلك المهاجرين الذين كثيرا ما يجدون انفسهم  ضحية لعبة سياسية وديبلوماسية على غرار المهاجرين موضوع الفيلم  بدون ان تتاح لهم الفرصة للتعبير عن انفسهم وأنهم بشر  مثل بقية البشر  وليسوا مجرد موضوع للمزايدات السياسية والديبلوماسية.

وقد شددت المخرجة البولونية التي لها مسيرة طويلة في عالم السينما والتلفزيون على أن اهم التحديات التي تواجه أوروبا في المستقبل ستكون في علاقة بتعاملها مع المهاجرين واللاجئين وهي لا تتردد – وقد جددت التأكيد على ذلك في تدخلاتها على هامش عرض فيلمها بالبندقية-  في الاعتراف بأن أوروبا بصدد التخلي عن مبادئها وأن البلدان الأوروبية انغمست في رفاهيتها وهي ليست مستعدة للخروج من منطقة الراحة التي تنعم بها لتنغص على نفسها بمشاكل المهاجرين وان هذا الأمر يطرح إشكاليات كبيرة على الأوروبيين قبل غيرهم.

 ولئن لا يخفى الموقف الأوروبي وتلك الرغبة المحمومة في التحصن بالأسوار العالية ضد المهاجرين خاصة منهم القادمين من افريقيا ومن بؤر التوتر العربية، فإنها تحمل قيمة إضافية  عندما تكون نابعة من الداخل ومن مبدع أوروبي يملك من الشجاعة ما يجعله يعترف بالحقيقة. وهو ما يجعلنا بدورنا لا نتردد في التنويه بجهود هذه المخرجة التي لم تسلم من النقد الجارح وهي لا تتلقى دائما الورود من اجل عملها لسبب بسيط وهي أن اختارت  ان تعالج مواضيع حارقة بواقعية لا تقبلها العقول المتكلسة.

وينبغي كذلك التنويه بذلك الهامش من الحرية الذي يتركه مهرجان في قيمة وعراقة مهرجان البندقية السينمائي الذي ينتظم كما قلنا في دولة إيطاليا التي ربما لا  هاجس لديها اليوم أقوى  من هاجس صد المهاجرين والتخلص من الهموم الناجمة من تدفقهم المتواصل على سواحلها وعلى أراضيها.

ونشير إلى  ان ما يمكن ان نسيمه بافلام الهجرة قد ازداد عددها في العشرية الأخيرة بالخصوص وذلك لسببين رئيسيين وهو أولا، تعدد مآسي المهاجرين إلى درجة لم يعد من الممكن  تجاهلها لانها باتت تهدد استقرار العالم باسره، وثانيا، هناك اليوم وعي بضرورة اعتماد كل الوسائل والآليات للتوعية بخطورة القضية، والفن والثقافة عموما من أهم الوسائل التي يمكنها الاضطلاع بدور في التحسيس بمدى خطورة الاستمرار في التعامل مع قضية الهجرة غير النظامية بنفس الأدوات وعلى رأسها أدوات الردع.

وقد استجاب عدد مهم من الفنانين لضرورات اللحظة من بينهم المخرجة البولونية موضوع هذا الحيز والتي نعتقد أنها تستحق التنويه لعملها الفني الذي يكتسي صبغة إنسانية واضحة، في انتظار ان تتحفنا السينما التونسية بعمل حول قضية الهجرة التي تعتبر تونس احد أبرز المكتوين بنارها.

 حياة السايب

من مهرجان البندقية وبفيلم بالأبيض والأسود..   المخرجة البولونية  الشهيرة أنيسكا هولاند  تضع الأوروبيين أمام مسؤولياتهم إزاء المهاجرين

 

تونس- الصباح

طرح موضوع الهجرة غير النظامية ومأساة قوارب الموت في المتوسط في الدورة الثمانين لمهرجان البندقية السينمائي الدولي الذي اختتم أمس 9 سبتمبر،  بقوة. وطبيعي أن يكون الأمر كذلك، بما أن المهرجان العريق ينظم في إيطاليا احد ابرز بلدان الضفة الشمالية للحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط،  التي تواجه تدفق المهاجرين  غير النظاميين خاصة منهم القادمون من البلدان الافريقية باعداد كبيرة.

والمثير  أن عدد المهاجرين الذين حطوا بالأراضي الإيطالية هذا العام وفق ارقام منظمة الهجرة الدولية قد تضاعف وذلك  رغم  عدم تردد الحكومة اليمينية بقيادة جورجيا ميلوني في استعمال الردع وعدم اخفائها لمواقفها العدائية للأجانب وخاصة رفضها لاستقبال مزيد من المهاجرين غير النظاميين.

وتسعى إيطاليا وأوروبا عموما لايجاد حلول لمشكلة الهجرة بتشريك دول الضفة الجنوبية ومن بينها تونس مع محاولات مستمرة للضغط على هذه الدول  كي تتحمل عنها كامل المسؤولية مقابل التلويح ببعض المساعدات البسيطة منتظرة منها بالخصوص أن تقوم بدور الشرطي وأن تصد جحافل المهاجرين وان تستقبلهم وإن لزم الأمر يقع توطينهم بهذه البلدان، أي كانت الظروف على غرار ما يحدث منذ فترة من محاولات في هذا الاطار مع تونس.

والحقيقة إن تأثر صورة  بلدان الاستقبال سلبا بسبب المآسي التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين سواء القادمين  بحرا أو براّ حيث يموت الكثير منهم غرقا  في ما يصطلح عليه بقوارب الموت (عدد كبير من المهاجرين الافارقة بالخصوص يحشرون حشرا في قوارب بائسة ينتهي كثير منها غرقا ) أو يقع التلاعب بهم  على حدود البلدان الأوربية ( خاصة فيما يتعلق بالمهاجرين القادمين من سوريا مثلا ) وشعور هذه البلدان بعقدة الذنب وهي التي تبجح يوميا باحترامها لحقوق الانسان، يجعلها تسعى للتملص من مسؤوليتها، لكن هذا لا يبرئها في عيون المسكونين بمبدأ العدالة الإنسانية والرافضين للظلم وخاصة لتسلط القوي على الضعيف.

ومن بين هؤلاء فنانون نذروا حياتهم من اجل  الحقيقة. ومن بين الأسماء نذكر المخرجة البولونيةAgnieszka Holland، أنيسكا هولاند " التي طوعت الكاميرا لفضح النفاق الأوروبي في علاقة بقضية الهجرة ولوضع الأوروبيين أمام مسؤوليتهم. وقد شاركت المخرجة التي عاشت بين عدد من البلدان الأوروبية من بينها فرنسا وألمانيا قبل أن تستقر بالولايات المتحدة الأمريكية وتخرج مجموعة من السلسلات الناجحة نذكر من بينها "هاوس أوف كاردس" و"ذي كيلينغ"في الدورة الأخيرة لمهرجان البندقية ( فينيسيا) السينمائي الذي اختتم في سهرة الأمس، شاركت  بفيلم يتنزل في سياق نضالاتها المتواصلة من اجل الحقيقة.

ويتعلق الأمر بفيلمها "غرين بوردر" باللونين الأبيض والأسود، والذي يدوم حوالي ساعتين ونصف الذي شارك في المسابقة الرسمية للمهرجان.  تدور أحداث الفيلم حول احتجاز عدد من  اللاجئين على الحدود  بين روسيا البيضاء والاتحاد الأوروبي  وترسم المخرجة مأساة المهاجرين من خلال عائلة سورية تنشد الوصول إلى السويد مرورا من روسيا البيضاء وبولونيا لكن حظها العاثر يجعلها تصل الحدود البيلورسية والبولونية   مع انطلاق حملة المقاومة الوحشية للمهاجرين الذين يجدون انفسهم تتقاذفهم ايدي الشرطة القاسية بين البلدين.

قد شدد النقاد على أن قيمة الفيلم تكمن في انه يركز على الضحايا  وانه يعطي الكلمة لمن لا صوت له ويقصد بذلك المهاجرين الذين كثيرا ما يجدون انفسهم  ضحية لعبة سياسية وديبلوماسية على غرار المهاجرين موضوع الفيلم  بدون ان تتاح لهم الفرصة للتعبير عن انفسهم وأنهم بشر  مثل بقية البشر  وليسوا مجرد موضوع للمزايدات السياسية والديبلوماسية.

وقد شددت المخرجة البولونية التي لها مسيرة طويلة في عالم السينما والتلفزيون على أن اهم التحديات التي تواجه أوروبا في المستقبل ستكون في علاقة بتعاملها مع المهاجرين واللاجئين وهي لا تتردد – وقد جددت التأكيد على ذلك في تدخلاتها على هامش عرض فيلمها بالبندقية-  في الاعتراف بأن أوروبا بصدد التخلي عن مبادئها وأن البلدان الأوروبية انغمست في رفاهيتها وهي ليست مستعدة للخروج من منطقة الراحة التي تنعم بها لتنغص على نفسها بمشاكل المهاجرين وان هذا الأمر يطرح إشكاليات كبيرة على الأوروبيين قبل غيرهم.

 ولئن لا يخفى الموقف الأوروبي وتلك الرغبة المحمومة في التحصن بالأسوار العالية ضد المهاجرين خاصة منهم القادمين من افريقيا ومن بؤر التوتر العربية، فإنها تحمل قيمة إضافية  عندما تكون نابعة من الداخل ومن مبدع أوروبي يملك من الشجاعة ما يجعله يعترف بالحقيقة. وهو ما يجعلنا بدورنا لا نتردد في التنويه بجهود هذه المخرجة التي لم تسلم من النقد الجارح وهي لا تتلقى دائما الورود من اجل عملها لسبب بسيط وهي أن اختارت  ان تعالج مواضيع حارقة بواقعية لا تقبلها العقول المتكلسة.

وينبغي كذلك التنويه بذلك الهامش من الحرية الذي يتركه مهرجان في قيمة وعراقة مهرجان البندقية السينمائي الذي ينتظم كما قلنا في دولة إيطاليا التي ربما لا  هاجس لديها اليوم أقوى  من هاجس صد المهاجرين والتخلص من الهموم الناجمة من تدفقهم المتواصل على سواحلها وعلى أراضيها.

ونشير إلى  ان ما يمكن ان نسيمه بافلام الهجرة قد ازداد عددها في العشرية الأخيرة بالخصوص وذلك لسببين رئيسيين وهو أولا، تعدد مآسي المهاجرين إلى درجة لم يعد من الممكن  تجاهلها لانها باتت تهدد استقرار العالم باسره، وثانيا، هناك اليوم وعي بضرورة اعتماد كل الوسائل والآليات للتوعية بخطورة القضية، والفن والثقافة عموما من أهم الوسائل التي يمكنها الاضطلاع بدور في التحسيس بمدى خطورة الاستمرار في التعامل مع قضية الهجرة غير النظامية بنفس الأدوات وعلى رأسها أدوات الردع.

وقد استجاب عدد مهم من الفنانين لضرورات اللحظة من بينهم المخرجة البولونية موضوع هذا الحيز والتي نعتقد أنها تستحق التنويه لعملها الفني الذي يكتسي صبغة إنسانية واضحة، في انتظار ان تتحفنا السينما التونسية بعمل حول قضية الهجرة التي تعتبر تونس احد أبرز المكتوين بنارها.

 حياة السايب