- حل ملف الهجرة غير الشرعية لن يكون على حساب الدولة التونسية.. والمفاوضات مع صندوق النقد لم تتوقف..
-انتهينا مؤخرا من سد الشغور على رأس جل البعثات الديبلوماسية واعتمدنا خلال الحركة على معايير وشروط واضحة وشفافة
- الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة مكن حوالي 40 إطارا ساميا من استئناف عملهم بشكل عادي والمساهمة في دفع الديبلوماسية التونسية
- شركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد
- الوضع الحالي ما هو إلا انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد على امتداد عشر سنوات
- الوضع الاجتماعي والاقتصادي للتونسيين لا يتحمل تطبيق شروط صندوق النقد كما هي وتونس لن تقبل الضغط أو مقايضة القرض بضرب الاستقرار الاجتماعي
- لا يوجد تعارض في إقامة علاقات إستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة وفي نفس الوقت أن تكون لنا علاقات جيدة مع الصين أو روسيا أو دول "بريكس"
- تاريخ تونس دائما هو عدم الاصطفاف أو الانحياز لجهة دون أخرى نتعامل مع الجميع في إطار شراكة تراعي مصالحنا وسيادتنا وواقعنا وتونس منفتحة على كل الفرص
تونس-الصباح
قبل تحوله إلى القاهرة وترؤسه الوفد التونسي المشارك في أشغال الدورة العادية 160 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري المنعقد أمس بالتوازي مع اجتماع الدورة الثالثة للحوار السياسي الوزاري العربي الياباني في القاهرة كان لـ"الصباح" لقاء خاص مع نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج تم خلاله التطرق إلى عديد الملفات التي تهم علاقات تونس الخارجية والملفات والقضايا الديبلوماسية وكذلك وضع تونس الداخلي والتدخل الأجنبي خاصة في ملفات الهجرة غير الشرعية لأفارقة جنوب الصحراء وملف صندوق النقد الدولي والعلاقة مع ليبيا والمغرب وتأثيرات الحرب الروسي-الأوكرانية إضافة الى تغيير هيكلة الوزارة والتسميات على رأس البعثات الديبلوماسية...
وفيما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: سفيان رجب
*بعد زيارتكم للسعودية الأخيرة، تسافرون غدا الى القاهرة لحضور اجتماعي وزراء الخارجية العرب والدورة الثالثة للحوار السياسي الوزاري العربي الياباني.. فماذا عن هاذين الاجتماعين وهل من ملفات استثنائية ستكون في جدول الأعمال؟
تحتضن القاهرة يوم 6 سبتمبر (أمس) أشغال الدورة العادية 160 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بالتوازي مع اجتماع الدورة الثالثة للحوار السياسي الوزاري العربي الياباني. مجلس وزراء الخارجية العرب سيبحث مستجدّات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وتطوّرات الأحداث في جمهورية السودان، إلى جانب أبرز قضايا الأمن القومي العربي والعلاقات العربية مع التجمّعات والتكتّلات الإقليمية والدولية، والقضايا القانونية والحقوقية والاجتماعية. كما سيتطرّق إلى إصلاح وتطوير دور الجامعة العربية، وإعادة طرح قضية تدنيس القرآن الكريم الذّي صدر بشأنه بيان وزاري.
كما أن هذه الدورة ستشهد بصفة استثنائية، عددا هامّا من الترشيحات التونسية لهياكل عربية ومنظمات دولية، وستكون مناسبة لحشد الدعم لها.
أما الدورة الثالثة للاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي-الياباني، فأشار الوزير أنه سيكون مناسبة لمزيد التشاور والتنسيق حول مجمل القضايا العربية والإقليمية والدولية وتأكيد الموقف العربي الثابت منها.
وتتمثل أهميّة اللقاء العربي الياباني، والذي توليه بلادنا أهميّة خاصّة، في كونه مناسبة لتجديد التأكيد على أهمية التعاون متعدد الأطراف والارتقاء به مع اليابان من خلال إرساء حوار مُعمّق حول التحديات المشتركة وسبل مواجهتها، ودعم القضايا الجوهرية للمنطقة العربية، تعزيزا للأمن والاستقرار والسلام الدوليين، لاسيما في ظل عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وعلى رأسها نصرة القضية الفلسطينية العادلة، إلى جانب العمل المشترك الهادف إلى تطوير منظومة العمل الأممية وترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية والعالم.
كما سيمكّن الاجتماع من فتح آفاق جديدة للتعاون بين الجانبين، العربي والياباني، والعمل على الاستفادة المثلى من الخبرة التي يتمتّع بها الشريك الياباني في عديد المجالات كالطاقة المتجدّدة والاقتصاد الأخضر والأزرق والتكنولوجيا الحديثة إلى جانب مزيد دعم وتعزيز التعاون الثقافي وحماية التراث.
*قبل القاهرة توجهتم الى المملكة العربية السعودية حيث ترأستم الجانب التونسي في أشغال الدورة الثالثة للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين والتي احتضنتها الرياض الأحد الماضي.. فعمّا أسفرت اجتماعاتكم خاصة أن المرحلة الأخيرة شهدت تقاربا تونسيا سعوديا كبيرا؟
بالفعل ترأست بمعية نظيري وصديقي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، الأحد الماضي أشغال الدورة الثالثة للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين. وقد تركّزت أشغال اللجنة على تقييم مسيرة علاقات الأخوة والتعاون وتدارس سبل مزيد تطويرها وتوسيع مجالاتها، وعلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والتشاور والتنسيق حول عدد من قضايا وأزمات المنطقة. كما كانت العلاقات المختلفة بين البلدين محورا رئيسيا للجنة فهي علاقات تاريخية ومتينة والمملكة كانت وما تزال داعما لبلادنا ولجهودها في رفع التحديات الراهنة. وهو ما أكده الأمير فيصل الذي أعرب عن ثقة المملكة في القيادة التونسية وفي قدرتها على تجاوز الصعوبات، مجدّدا عزم بلاده على مزيد توثيق علاقات التعاون والشراكة مع تونس عبر ارتفاع نسق التشاور والتنسيق وكثافة الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين.
وقد تم الاتفاق على عقد اللجنة المشتركة قبل موفى هذه السنة وتفعيل آليات التعاون واجتماعات اللجان القطاعية والفنية، بما يُسهم في مزيد دفع علاقات التعاون على مختلف الأصعدة، لاسيما في المجالين التجاري والاستثماري.
*بعد تأخر كبير، وبقاء عديد المكاتب الديبلوماسية شاغرة، صدرت مؤخرا الحركة السنوية للسفراء والقناصل العامين والقناصل والدبلوماسيين ويبدو أن تغييرات هامة شملت استراتيجيات وشروط التعيين هذه المرة؟
التأخير الذي حصل كانت وراءه أسباب موضوعية تتعلق بالشفافية والمسؤول المناسب في المكان المناسب. فمن الضروري وجود مسؤولين أكفاء على رأس سفاراتنا، بحكم أنها تمثّل القناة الرسمية لنقل مواقف بلادنا والدفاع عن مصالحها ومصالح جاليتنا بالخارج. وقد انتهينا مؤخرا من سد الشغور على رأس جل البعثات الديبلوماسية والعملية متواصلة. وقد اعتمدنا خلال الحركة السنوية على معايير وشروط تم إعلام كافة الدبلوماسيين بها وهي شروط ومعايير تجمع بين الكفاءة وحسن السيرة وملاءمة مؤهلات المترشح للدولة التي سيتم اعتماد المترشح فيها إضافة الى شرط اللغات. وقد تم تكوين لجنة للبت في التعيينات، وهو ما أسهم في إضفاء شفافية على عملية التعيين والنتيجة غياب شبه كلي للاحترازات في أوساط الدبلوماسيين.
*اعتمدتم مؤخرا هيكلا تنظيميا جديدا للوزارة.. فلماذا هذا الإجراء وماذا سيقدم للوزارة على مستوى طريقة العمل؟
بالفعل تم إعداد واعتماد هيكل تنظيمي جديد لوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج وهو ما من شأنه إعطاء المجال للكفاءات التي تزخر بها الوزارة للعمل وللإسهام في إنجاح المهام الموكولة إليها. وكذلك لتفادي العطل الذي تم تسجيله خلال السنوات المنقضية، حيث سجلنا التحاق عدة كفاءات من بعثاتنا بالخارج بالوزارة دون أن توكل إليها أية مهام لتبقى خارج نطاق الخدمة والنشاط لأشهر. وسيخوّل الهيكل التنظيمي الجديد لحوالي 40 إطارا ساميا في الوزارة استئناف عملهم بشكل عادي والمساهمة في دفع الديبلوماسية التونسية. إننا اليوم نعمل على تلافي كل ما من شأنه أن يمثّل عائقا أمام السير العادي للعمل صلب الوزارة من خلال إضفاء روح جديدة لدى كافة أبنائها قصد الحصول على أفضل ما لديهم ومنحهم الفرصة لإثبات الذات كل من موقعه.
*عاد التوتر مجددا الى ليبيا ونحن نعلم جيدا تأثيرات ذلك على بلادنا المرتبطة بشكل كبير سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مع جارتها الجنوبية.. فلكيف تنظرون الى ذلك وهل من دور تونسي للمساهمة في عودة الاستقرار الى ليبيا؟
نحن نعي جيدا تأثيرات ما يحصل في ليبيا على بلادنا وتهمنا ليبيا واستقرارها وأمنها بشكل كبير لذلك ما انفكت تونس تلعب دورا إيجابيا لدفع المسار السياسي في ليبيا سواء عبر اللقاءات المشتركة أو اللقاءات الإقليمية والدولية أو كذلك من خلال احتضانها للعديد من اللقاءات بين الأشقاء الليبيين مساهمة منها في تشجيع ودعم الحوار بين مختلف الأطراف الليبية ان موقف تونس يبقى ثابتا في ما يتعلق بضرورة أن يكون الحل ليبيا- ليبيا في إطار من التوافق وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.
*يبدو أن الوضع الجيوسياسي الدولي خاصة ما يجري في ليبيا والحرب الروسية الأوكرانية قد أثر بشكل كبير على الوضع في تونس وخاصة من الناحية الاقتصادية؟
بالتأكيد الوضع في ليبيا والحرب في أوكرانيا ساهما في مزيد الإضرار بالاقتصاد التونسي.
فليبيا هب شريك تاريخي لتونس اقتصاديا من حيث الاستيراد والتصدير واستيعاب اليد العاملة والتوتر صلبها يؤثر على حركة تنقل الأشخاص والسلع والاستثمار والتشغيل. أما الحرب الروسية الأوكرانية فان تداعياتها وخيمة على العالم ككل وقد أثرت بشكل كبير على الاقتصاد التونسي من حيث تراجع السياح الروس فضلا عن تراجع التزود بالمواد الغذائية وعلى رأسها القمح الى جانب ارتفاع أسعار المحروقات وتأثيراته على أسعار كل المواد.
*تتحدث السلطات عن مشروع إصلاحي كبير وكنتم تأملون في دعم من الأصدقاء والشركاء.. فلماذا تأخر هذا الدعم وهل أن الضغوطات الداخلية عطلت هذا المشروع؟
اليوم ولأول مرة منذ 2011، هناك بوصلة واحدة يعمل وفقها المسؤولون في تونس وهي إصلاح وضع معقد جدا نتيجة سنوات من الفوضى وسوء الحكم والتسيير. الإصلاح يتطلب جهودا داخلية وكذلك دعما خارجيا وهذا ما تعهد به شركاء تونس دون تقدم في الوعد ودون انجاز واضح وملموس وهو ما صعب من مهام الحكومة والدولة ككل في تحقيق ما يليق ببلادنا في مختلف المجالات. فالتطوّر الاقتصادي لتونس وازدهارها يصبان في مصلحة مختلف الأطراف، وأنّ مصلحة تونس تلتقي مع مصلحة كل شركائها وخاصة منهم الأوروبيين.
إن الرسائل السلبية والباطلة تجاه تونس، لها انعكاسات مباشرة ووخيمة على المستوى الاقتصادي.. وحين يتحدّث شركاؤنا عن دعمنا ثم يبثون في الوقت ذاته رسائل مشككة وغير صحيحة، فإنهم يقومون بعكس ما يصرحون بل يتعمدون زرع مزيد الصعوبات في طريقنا نحو الإصلاح والتنمية.
أكدنا دائما لشركائنا ومازلنا على أن هناك خطا أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، ألا وهو استقرار البلاد والسلم الاجتماعية. ورئيس الجمهورية قيس سعيد، كان واضحا في هذه النقطة، فالرئيس هو الضامن لاستقرار البلاد والتصريحات التي يدلي بها يجب أخذها بعين الاعتبار، سواء في تونس أو في الخارج وشركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد.
يجب على شركاء تونس الإصغاء جيدا لمعرفة حقيقة الوضع فيها.. فالوضع الحالي ما هو إلا انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد، على امتداد عشر سنوات، من خلال دعمهم لسياسات خاطئة للحكومات المتعاقبة منذ 2011 وهم بالتالي يتحملون جانبا من المسؤولية وقد واجهناهم بذلك وحملناهم مسؤولياتهم.
*يبدو أن العلاقات التونسية-الإيطالية توطدت بشكل كبير في المدة الأخيرة حتى أن الجانب الإيطالي أصبح هو المدافع الأول عن مصالح تونس وتعددت زيارات رئيسة الوزراء ميلوني الى بلادنا.. فهل أن المسالة آنية مرتبطة بملف الهجرة غير الشرعية أم أن لهذه العلاقات جذور وعمق تاريخي واستراتيجي ثابت؟
بين تونس وإيطاليا علاقات تاريخية وثقى وليست وليدة اليوم ولنا في الأرقام أحسن مثال حيث تحتل جارتنا الشمالية المرتبة الأولى اليوم من حيث المبادلات التجارية والاستثمار والتعاون الاقتصادي لتبلغ قيمة التبادل التجاري بين تونس وإيطاليا أكثر من 7 مليارات يورو، إضافة الى أن إيطاليا هي الشريك الاقتصادي الأول لتونس من حيث الواردات والصادرات ومن حيث عدد الشركات الذي تجاوز 900 شركة تعمل في تونس توظف حوالي 70 ألف شخص.
بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية، فهو ملف يهم أوروبا قاطبة ومن جهتنا نعمل مع شركائنا على معالجة عميقة وناجعة لهذه الظاهرة وفق مقاربة شاملة تخدم المصالح الاقتصادية للبلدان المعنية. حل ملف الهجرة غير الشرعية لن يكون على حساب الدولة التونسية، فالمهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء قامت معهم تونس بالواجب من رعاية وحماية وغيرها لكن يجب عليهم أيضا أن يمتثلوا للقانون ولا اعتقد أن أي دولة في العالم تقبل بدخول أجانب إليها بصفة غير قانونية. وتونس لن تقبل أن تكون حارسا لأوروبا في البحر المتوسط بل نقبل بالعمل المشترك الذي تراعى فيه مصالح كل الأطراف.
*التدخل الأجنبي في تونس عرقل عديد القرارات ومساعدات لبلادنا.. واستمعنا الى مسؤولين غربيين وحتى سفراء يتحدثون عمن الديمقراطية وحقوق الإنسان في محاولة إعطائنا دروس في المجال.. فكيف كان ردكم على مثل هذه التدخلات؟
تونس ليست خارج الديمقراطية بل إن تطبيق القانون والالتزام به هو الشعار الذي ترسخ اليوم ولا محيد عنه وهو ما أقلق البعض في الداخل والخارج وأقلق الذين يريدون ديمقراطية يسطرونها هم وفق منظورهم الخاص ونظامًا ديمقراطيًا يقررون هم شكله وطرق عمله.
لكن البعض استغل ملف المهاجرين الأفارقة في محاولة لضرب بلادنا والضغط عليها.
على من انتقد سياستنا في ملف الهجرة غير الشرعية أن يعمل على إصلاح الأوضاع في دول منشأ المهاجرين وخاصة الأوضاع الاقتصادية فالوضع السيئ في تلك الدول هو السبب الأبرز لتزايد الهجرة غير الشرعية والحل على المدى المتوسط والطويل هو إصلاح المشاكل الحقيقية في عدد من الدول. فالمعالجة الأمنية لهذه الظاهرة غير كافية لأنه إذا لم يكن لدى هذه الفئة من المهاجرين أمل أو عمل أو استقرار، وما إلى ذلك، فسيحاولون بكل ما في وسعهم ترك بلدانهم وسيجدون في تونس المعبر الأقرب لأوروبا يلجؤون إليها في البداية كفضاء عبور وربما فضاء إقامة إذا ما استعصى عليهم العبور. إن التحديات الكبيرة والمتعددة المرتبطة بانفجار ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وما ينتج عنها من آلام يتم استثمارها سياسيا وإعلاميا بطريقة غير مقبولة وغير مسؤولة، تتطلب عملا جماعيا ومنسقا، على أساس المسؤولية. والتضامن والحوار واحترام حقوق جميع الأطراف المعنية..
*وماذا عن بيان السفارة الأمريكية في تونس الذي وصف الأفارقة جنوب الصحراء بـ"السكان الأصليين" في تونس؟
لقد أسرعنا بالتنديد بالبيان واتخذنا الإجراءات الديبلوماسية اللازمة وهو ما جعل السفارة تسحب البيان وتعتذر معتبرة أن ما نشر هو خطأ في الترجمة الى العربية من قبلها باعتبار أن بيان الخارجية الأمريكية تعلق بعديد الأشخاص والدول منها بنغلاديش والبرازيل وليس بتونس والبيان خلط للأسف حسب السفير الأمريكي بين الأشخاص في نسخته العربية.
*هل يمكن اليوم القول إن ملف التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قد أغلق تماما بعد عدم تفاعل بلادنا مع مطالب وشروط الصندوق؟
الملف قائم والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي لم تتوقف. وفي كل مفاوضات هناك شروط ونقاش وقبول ورفض وتنازل وهو ما يحصل بيننا وبين الهيكل الدولي المانح.. لكن بالطبع هناك خط أحمر لا يمكن المساس به وهو استقرار البلاد.. فالوضع الاجتماعي والاقتصادي للتونسيين لا يحتمل تطبيق شروط صندوق النقد الدولي كما هي، وتونس لن تقبل الضغط أو مقايضة القرض بضرب الاستقرار الاجتماعي.
*شاركتم مؤخرا في قمة دول بريكس بسان بيطرسبورغ الروسية.. وقتها دار الحديث عن نوايا تونس تقديم ملفها للانضمام الى هذا التكتل الذي بدأ يتوسع.. فماذا عن نوايا تونس في أن تكون قريبا عضو في هذا التجمع الدولي.. وهل يعني ذلك تحولا في علاقات تونس الإستراتيجية؟
لدينا علاقات جيدة مع العديد من الشركاء المختلفين. لا يوجد تعارض في إقامة علاقات إستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة وفي نفس الوقت أن تكون لنا علاقات جيدة مع الصين أو روسيا أو البرازيل أو دول البريكس. تاريخ تونس دائما هو عدم الاصطفاف أو الانحياز لجهة دون أخرى نتعامل مع الجميع في إطار شراكة تراعي مصالحنا وسيادتنا وواقعنا تونس منفتحة على كل الفرص.
البريكس قوة صاعدة على المستوى الدولي، وهو ما يؤكده العديد من الطلبات للانضمام إلى هذه المجموعة وتنوعها والتحديات الحالية غير المسبوقة تجبرنا على بلورة أفكار جديدة وتطوير آليات تعاون مبتكرة وتشاركية ودائمة ومتجددة، بعد أن تعلمنا كل دروس غياب الرؤية في السياسات والتحركات والتجارب السابقة. وتونس حريصة دائما على التعاون المتعدد الأطراف المسؤول والتشاركي، على أساس الحوار والاحتياجات الإنسانية، بما يمكن من تحقيق الرخاء المشترك وضمان الاستقرار والسلام الدائم للجميع..
دخولنا الى مجموعة بريكس ممكن نظريا لكنه اليوم ليس في جدول أعمالنا.
ألا تعتقدون أن الفتور في العلاقات التونسية-المغربية قد طال نوعا ما بالنظر الى العلاقات التاريخية المتينة بين الدولتين؟
العلاقات بيننا وبين المغرب لم تنقطع.. فالرباط سحبت سفيرها للتشاور وعاملناها بالمثل وبلاغنا وقتها واضح حيث أكدنا فيه أن تونس حريصة على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، لكنها ترفض رفضا قاطعا اتهام بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب يضر بالمصالح المغربية. وشددنا على انه وانطلاقا من ثوابت سياستنا الخارجية، على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام خياراتها، فإننا نؤكد أيضا على رفضنا التدخل في شؤوننا الداخلية وسيادة قرارنا الوطني.
ونؤكد أنه ليس لدينا أي إشكال مع المغرب وأن العلاقات ستعود الى طبيعتها الأخوية.
*هناك موجة من التطبيع اليوم متفشية ضمن الدول العربية.. فما موقف تونس من محاولات جرها نحو مسار تلك الدول؟
التطبيع خط أحمر مهما كانت الضغوطات ورئيس الدولة كان واضحا وصريحا في ذلك حيث جدد رفضه القاطع للتطبيع مع إسرائيل، مؤكدا أن مصطلح التطبيع غير موجود لديه على الإطلاق.
لقد غاب ملف الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي عن الصورة.. فأي جديد في هذا الملف الذي بلع هذه الأيام سنته التاسعة؟
الملف لم يغب عن جدول أعمال لقاءاتنا مع الأطراف الليبية ونواصل دائما البحث عن الحقيقة التي ستظهر في يوم ما. الملف متشعب وغامض والأوضاع في ليبيا لم تساعد على تقدم مسار ظهور الحقيقة.. لكن أتفهم لوعة العائلات ونواصل مع عديد الأطراف إيجاد أي خيط يوصلنا إلى الحقيقة.
- حل ملف الهجرة غير الشرعية لن يكون على حساب الدولة التونسية.. والمفاوضات مع صندوق النقد لم تتوقف..
-انتهينا مؤخرا من سد الشغور على رأس جل البعثات الديبلوماسية واعتمدنا خلال الحركة على معايير وشروط واضحة وشفافة
- الهيكل التنظيمي الجديد للوزارة مكن حوالي 40 إطارا ساميا من استئناف عملهم بشكل عادي والمساهمة في دفع الديبلوماسية التونسية
- شركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد
- الوضع الحالي ما هو إلا انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد على امتداد عشر سنوات
- الوضع الاجتماعي والاقتصادي للتونسيين لا يتحمل تطبيق شروط صندوق النقد كما هي وتونس لن تقبل الضغط أو مقايضة القرض بضرب الاستقرار الاجتماعي
- لا يوجد تعارض في إقامة علاقات إستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة وفي نفس الوقت أن تكون لنا علاقات جيدة مع الصين أو روسيا أو دول "بريكس"
- تاريخ تونس دائما هو عدم الاصطفاف أو الانحياز لجهة دون أخرى نتعامل مع الجميع في إطار شراكة تراعي مصالحنا وسيادتنا وواقعنا وتونس منفتحة على كل الفرص
تونس-الصباح
قبل تحوله إلى القاهرة وترؤسه الوفد التونسي المشارك في أشغال الدورة العادية 160 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري المنعقد أمس بالتوازي مع اجتماع الدورة الثالثة للحوار السياسي الوزاري العربي الياباني في القاهرة كان لـ"الصباح" لقاء خاص مع نبيل عمار وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج تم خلاله التطرق إلى عديد الملفات التي تهم علاقات تونس الخارجية والملفات والقضايا الديبلوماسية وكذلك وضع تونس الداخلي والتدخل الأجنبي خاصة في ملفات الهجرة غير الشرعية لأفارقة جنوب الصحراء وملف صندوق النقد الدولي والعلاقة مع ليبيا والمغرب وتأثيرات الحرب الروسي-الأوكرانية إضافة الى تغيير هيكلة الوزارة والتسميات على رأس البعثات الديبلوماسية...
وفيما يلي نص الحوار:
أجرى الحوار: سفيان رجب
*بعد زيارتكم للسعودية الأخيرة، تسافرون غدا الى القاهرة لحضور اجتماعي وزراء الخارجية العرب والدورة الثالثة للحوار السياسي الوزاري العربي الياباني.. فماذا عن هاذين الاجتماعين وهل من ملفات استثنائية ستكون في جدول الأعمال؟
تحتضن القاهرة يوم 6 سبتمبر (أمس) أشغال الدورة العادية 160 لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بالتوازي مع اجتماع الدورة الثالثة للحوار السياسي الوزاري العربي الياباني. مجلس وزراء الخارجية العرب سيبحث مستجدّات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وتطوّرات الأحداث في جمهورية السودان، إلى جانب أبرز قضايا الأمن القومي العربي والعلاقات العربية مع التجمّعات والتكتّلات الإقليمية والدولية، والقضايا القانونية والحقوقية والاجتماعية. كما سيتطرّق إلى إصلاح وتطوير دور الجامعة العربية، وإعادة طرح قضية تدنيس القرآن الكريم الذّي صدر بشأنه بيان وزاري.
كما أن هذه الدورة ستشهد بصفة استثنائية، عددا هامّا من الترشيحات التونسية لهياكل عربية ومنظمات دولية، وستكون مناسبة لحشد الدعم لها.
أما الدورة الثالثة للاجتماع الوزاري للحوار السياسي العربي-الياباني، فأشار الوزير أنه سيكون مناسبة لمزيد التشاور والتنسيق حول مجمل القضايا العربية والإقليمية والدولية وتأكيد الموقف العربي الثابت منها.
وتتمثل أهميّة اللقاء العربي الياباني، والذي توليه بلادنا أهميّة خاصّة، في كونه مناسبة لتجديد التأكيد على أهمية التعاون متعدد الأطراف والارتقاء به مع اليابان من خلال إرساء حوار مُعمّق حول التحديات المشتركة وسبل مواجهتها، ودعم القضايا الجوهرية للمنطقة العربية، تعزيزا للأمن والاستقرار والسلام الدوليين، لاسيما في ظل عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن، وعلى رأسها نصرة القضية الفلسطينية العادلة، إلى جانب العمل المشترك الهادف إلى تطوير منظومة العمل الأممية وترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية والعالم.
كما سيمكّن الاجتماع من فتح آفاق جديدة للتعاون بين الجانبين، العربي والياباني، والعمل على الاستفادة المثلى من الخبرة التي يتمتّع بها الشريك الياباني في عديد المجالات كالطاقة المتجدّدة والاقتصاد الأخضر والأزرق والتكنولوجيا الحديثة إلى جانب مزيد دعم وتعزيز التعاون الثقافي وحماية التراث.
*قبل القاهرة توجهتم الى المملكة العربية السعودية حيث ترأستم الجانب التونسي في أشغال الدورة الثالثة للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين والتي احتضنتها الرياض الأحد الماضي.. فعمّا أسفرت اجتماعاتكم خاصة أن المرحلة الأخيرة شهدت تقاربا تونسيا سعوديا كبيرا؟
بالفعل ترأست بمعية نظيري وصديقي الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود، وزير خارجية المملكة العربية السعودية الشقيقة، الأحد الماضي أشغال الدورة الثالثة للجنة المتابعة والتشاور السياسي بين البلدين. وقد تركّزت أشغال اللجنة على تقييم مسيرة علاقات الأخوة والتعاون وتدارس سبل مزيد تطويرها وتوسيع مجالاتها، وعلى بحث مستجدات الأوضاع الإقليمية والدولية والتشاور والتنسيق حول عدد من قضايا وأزمات المنطقة. كما كانت العلاقات المختلفة بين البلدين محورا رئيسيا للجنة فهي علاقات تاريخية ومتينة والمملكة كانت وما تزال داعما لبلادنا ولجهودها في رفع التحديات الراهنة. وهو ما أكده الأمير فيصل الذي أعرب عن ثقة المملكة في القيادة التونسية وفي قدرتها على تجاوز الصعوبات، مجدّدا عزم بلاده على مزيد توثيق علاقات التعاون والشراكة مع تونس عبر ارتفاع نسق التشاور والتنسيق وكثافة الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين.
وقد تم الاتفاق على عقد اللجنة المشتركة قبل موفى هذه السنة وتفعيل آليات التعاون واجتماعات اللجان القطاعية والفنية، بما يُسهم في مزيد دفع علاقات التعاون على مختلف الأصعدة، لاسيما في المجالين التجاري والاستثماري.
*بعد تأخر كبير، وبقاء عديد المكاتب الديبلوماسية شاغرة، صدرت مؤخرا الحركة السنوية للسفراء والقناصل العامين والقناصل والدبلوماسيين ويبدو أن تغييرات هامة شملت استراتيجيات وشروط التعيين هذه المرة؟
التأخير الذي حصل كانت وراءه أسباب موضوعية تتعلق بالشفافية والمسؤول المناسب في المكان المناسب. فمن الضروري وجود مسؤولين أكفاء على رأس سفاراتنا، بحكم أنها تمثّل القناة الرسمية لنقل مواقف بلادنا والدفاع عن مصالحها ومصالح جاليتنا بالخارج. وقد انتهينا مؤخرا من سد الشغور على رأس جل البعثات الديبلوماسية والعملية متواصلة. وقد اعتمدنا خلال الحركة السنوية على معايير وشروط تم إعلام كافة الدبلوماسيين بها وهي شروط ومعايير تجمع بين الكفاءة وحسن السيرة وملاءمة مؤهلات المترشح للدولة التي سيتم اعتماد المترشح فيها إضافة الى شرط اللغات. وقد تم تكوين لجنة للبت في التعيينات، وهو ما أسهم في إضفاء شفافية على عملية التعيين والنتيجة غياب شبه كلي للاحترازات في أوساط الدبلوماسيين.
*اعتمدتم مؤخرا هيكلا تنظيميا جديدا للوزارة.. فلماذا هذا الإجراء وماذا سيقدم للوزارة على مستوى طريقة العمل؟
بالفعل تم إعداد واعتماد هيكل تنظيمي جديد لوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج وهو ما من شأنه إعطاء المجال للكفاءات التي تزخر بها الوزارة للعمل وللإسهام في إنجاح المهام الموكولة إليها. وكذلك لتفادي العطل الذي تم تسجيله خلال السنوات المنقضية، حيث سجلنا التحاق عدة كفاءات من بعثاتنا بالخارج بالوزارة دون أن توكل إليها أية مهام لتبقى خارج نطاق الخدمة والنشاط لأشهر. وسيخوّل الهيكل التنظيمي الجديد لحوالي 40 إطارا ساميا في الوزارة استئناف عملهم بشكل عادي والمساهمة في دفع الديبلوماسية التونسية. إننا اليوم نعمل على تلافي كل ما من شأنه أن يمثّل عائقا أمام السير العادي للعمل صلب الوزارة من خلال إضفاء روح جديدة لدى كافة أبنائها قصد الحصول على أفضل ما لديهم ومنحهم الفرصة لإثبات الذات كل من موقعه.
*عاد التوتر مجددا الى ليبيا ونحن نعلم جيدا تأثيرات ذلك على بلادنا المرتبطة بشكل كبير سياسيا واجتماعيا واقتصاديا مع جارتها الجنوبية.. فلكيف تنظرون الى ذلك وهل من دور تونسي للمساهمة في عودة الاستقرار الى ليبيا؟
نحن نعي جيدا تأثيرات ما يحصل في ليبيا على بلادنا وتهمنا ليبيا واستقرارها وأمنها بشكل كبير لذلك ما انفكت تونس تلعب دورا إيجابيا لدفع المسار السياسي في ليبيا سواء عبر اللقاءات المشتركة أو اللقاءات الإقليمية والدولية أو كذلك من خلال احتضانها للعديد من اللقاءات بين الأشقاء الليبيين مساهمة منها في تشجيع ودعم الحوار بين مختلف الأطراف الليبية ان موقف تونس يبقى ثابتا في ما يتعلق بضرورة أن يكون الحل ليبيا- ليبيا في إطار من التوافق وتحت رعاية منظمة الأمم المتحدة.
*يبدو أن الوضع الجيوسياسي الدولي خاصة ما يجري في ليبيا والحرب الروسية الأوكرانية قد أثر بشكل كبير على الوضع في تونس وخاصة من الناحية الاقتصادية؟
بالتأكيد الوضع في ليبيا والحرب في أوكرانيا ساهما في مزيد الإضرار بالاقتصاد التونسي.
فليبيا هب شريك تاريخي لتونس اقتصاديا من حيث الاستيراد والتصدير واستيعاب اليد العاملة والتوتر صلبها يؤثر على حركة تنقل الأشخاص والسلع والاستثمار والتشغيل. أما الحرب الروسية الأوكرانية فان تداعياتها وخيمة على العالم ككل وقد أثرت بشكل كبير على الاقتصاد التونسي من حيث تراجع السياح الروس فضلا عن تراجع التزود بالمواد الغذائية وعلى رأسها القمح الى جانب ارتفاع أسعار المحروقات وتأثيراته على أسعار كل المواد.
*تتحدث السلطات عن مشروع إصلاحي كبير وكنتم تأملون في دعم من الأصدقاء والشركاء.. فلماذا تأخر هذا الدعم وهل أن الضغوطات الداخلية عطلت هذا المشروع؟
اليوم ولأول مرة منذ 2011، هناك بوصلة واحدة يعمل وفقها المسؤولون في تونس وهي إصلاح وضع معقد جدا نتيجة سنوات من الفوضى وسوء الحكم والتسيير. الإصلاح يتطلب جهودا داخلية وكذلك دعما خارجيا وهذا ما تعهد به شركاء تونس دون تقدم في الوعد ودون انجاز واضح وملموس وهو ما صعب من مهام الحكومة والدولة ككل في تحقيق ما يليق ببلادنا في مختلف المجالات. فالتطوّر الاقتصادي لتونس وازدهارها يصبان في مصلحة مختلف الأطراف، وأنّ مصلحة تونس تلتقي مع مصلحة كل شركائها وخاصة منهم الأوروبيين.
إن الرسائل السلبية والباطلة تجاه تونس، لها انعكاسات مباشرة ووخيمة على المستوى الاقتصادي.. وحين يتحدّث شركاؤنا عن دعمنا ثم يبثون في الوقت ذاته رسائل مشككة وغير صحيحة، فإنهم يقومون بعكس ما يصرحون بل يتعمدون زرع مزيد الصعوبات في طريقنا نحو الإصلاح والتنمية.
أكدنا دائما لشركائنا ومازلنا على أن هناك خطا أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، ألا وهو استقرار البلاد والسلم الاجتماعية. ورئيس الجمهورية قيس سعيد، كان واضحا في هذه النقطة، فالرئيس هو الضامن لاستقرار البلاد والتصريحات التي يدلي بها يجب أخذها بعين الاعتبار، سواء في تونس أو في الخارج وشركاؤنا لا يعرفون الوضع في تونس أكثر من كبار المسؤولين المشرفين على إدارة شؤون البلاد.
يجب على شركاء تونس الإصغاء جيدا لمعرفة حقيقة الوضع فيها.. فالوضع الحالي ما هو إلا انعكاس مباشر وغير مباشر للحوكمة السيئة للبلاد، على امتداد عشر سنوات، من خلال دعمهم لسياسات خاطئة للحكومات المتعاقبة منذ 2011 وهم بالتالي يتحملون جانبا من المسؤولية وقد واجهناهم بذلك وحملناهم مسؤولياتهم.
*يبدو أن العلاقات التونسية-الإيطالية توطدت بشكل كبير في المدة الأخيرة حتى أن الجانب الإيطالي أصبح هو المدافع الأول عن مصالح تونس وتعددت زيارات رئيسة الوزراء ميلوني الى بلادنا.. فهل أن المسالة آنية مرتبطة بملف الهجرة غير الشرعية أم أن لهذه العلاقات جذور وعمق تاريخي واستراتيجي ثابت؟
بين تونس وإيطاليا علاقات تاريخية وثقى وليست وليدة اليوم ولنا في الأرقام أحسن مثال حيث تحتل جارتنا الشمالية المرتبة الأولى اليوم من حيث المبادلات التجارية والاستثمار والتعاون الاقتصادي لتبلغ قيمة التبادل التجاري بين تونس وإيطاليا أكثر من 7 مليارات يورو، إضافة الى أن إيطاليا هي الشريك الاقتصادي الأول لتونس من حيث الواردات والصادرات ومن حيث عدد الشركات الذي تجاوز 900 شركة تعمل في تونس توظف حوالي 70 ألف شخص.
بخصوص ملف الهجرة غير الشرعية، فهو ملف يهم أوروبا قاطبة ومن جهتنا نعمل مع شركائنا على معالجة عميقة وناجعة لهذه الظاهرة وفق مقاربة شاملة تخدم المصالح الاقتصادية للبلدان المعنية. حل ملف الهجرة غير الشرعية لن يكون على حساب الدولة التونسية، فالمهاجرون من إفريقيا جنوب الصحراء قامت معهم تونس بالواجب من رعاية وحماية وغيرها لكن يجب عليهم أيضا أن يمتثلوا للقانون ولا اعتقد أن أي دولة في العالم تقبل بدخول أجانب إليها بصفة غير قانونية. وتونس لن تقبل أن تكون حارسا لأوروبا في البحر المتوسط بل نقبل بالعمل المشترك الذي تراعى فيه مصالح كل الأطراف.
*التدخل الأجنبي في تونس عرقل عديد القرارات ومساعدات لبلادنا.. واستمعنا الى مسؤولين غربيين وحتى سفراء يتحدثون عمن الديمقراطية وحقوق الإنسان في محاولة إعطائنا دروس في المجال.. فكيف كان ردكم على مثل هذه التدخلات؟
تونس ليست خارج الديمقراطية بل إن تطبيق القانون والالتزام به هو الشعار الذي ترسخ اليوم ولا محيد عنه وهو ما أقلق البعض في الداخل والخارج وأقلق الذين يريدون ديمقراطية يسطرونها هم وفق منظورهم الخاص ونظامًا ديمقراطيًا يقررون هم شكله وطرق عمله.
لكن البعض استغل ملف المهاجرين الأفارقة في محاولة لضرب بلادنا والضغط عليها.
على من انتقد سياستنا في ملف الهجرة غير الشرعية أن يعمل على إصلاح الأوضاع في دول منشأ المهاجرين وخاصة الأوضاع الاقتصادية فالوضع السيئ في تلك الدول هو السبب الأبرز لتزايد الهجرة غير الشرعية والحل على المدى المتوسط والطويل هو إصلاح المشاكل الحقيقية في عدد من الدول. فالمعالجة الأمنية لهذه الظاهرة غير كافية لأنه إذا لم يكن لدى هذه الفئة من المهاجرين أمل أو عمل أو استقرار، وما إلى ذلك، فسيحاولون بكل ما في وسعهم ترك بلدانهم وسيجدون في تونس المعبر الأقرب لأوروبا يلجؤون إليها في البداية كفضاء عبور وربما فضاء إقامة إذا ما استعصى عليهم العبور. إن التحديات الكبيرة والمتعددة المرتبطة بانفجار ظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية وما ينتج عنها من آلام يتم استثمارها سياسيا وإعلاميا بطريقة غير مقبولة وغير مسؤولة، تتطلب عملا جماعيا ومنسقا، على أساس المسؤولية. والتضامن والحوار واحترام حقوق جميع الأطراف المعنية..
*وماذا عن بيان السفارة الأمريكية في تونس الذي وصف الأفارقة جنوب الصحراء بـ"السكان الأصليين" في تونس؟
لقد أسرعنا بالتنديد بالبيان واتخذنا الإجراءات الديبلوماسية اللازمة وهو ما جعل السفارة تسحب البيان وتعتذر معتبرة أن ما نشر هو خطأ في الترجمة الى العربية من قبلها باعتبار أن بيان الخارجية الأمريكية تعلق بعديد الأشخاص والدول منها بنغلاديش والبرازيل وليس بتونس والبيان خلط للأسف حسب السفير الأمريكي بين الأشخاص في نسخته العربية.
*هل يمكن اليوم القول إن ملف التوصل الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي قد أغلق تماما بعد عدم تفاعل بلادنا مع مطالب وشروط الصندوق؟
الملف قائم والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي لم تتوقف. وفي كل مفاوضات هناك شروط ونقاش وقبول ورفض وتنازل وهو ما يحصل بيننا وبين الهيكل الدولي المانح.. لكن بالطبع هناك خط أحمر لا يمكن المساس به وهو استقرار البلاد.. فالوضع الاجتماعي والاقتصادي للتونسيين لا يحتمل تطبيق شروط صندوق النقد الدولي كما هي، وتونس لن تقبل الضغط أو مقايضة القرض بضرب الاستقرار الاجتماعي.
*شاركتم مؤخرا في قمة دول بريكس بسان بيطرسبورغ الروسية.. وقتها دار الحديث عن نوايا تونس تقديم ملفها للانضمام الى هذا التكتل الذي بدأ يتوسع.. فماذا عن نوايا تونس في أن تكون قريبا عضو في هذا التجمع الدولي.. وهل يعني ذلك تحولا في علاقات تونس الإستراتيجية؟
لدينا علاقات جيدة مع العديد من الشركاء المختلفين. لا يوجد تعارض في إقامة علاقات إستراتيجية مع الغرب والولايات المتحدة وفي نفس الوقت أن تكون لنا علاقات جيدة مع الصين أو روسيا أو البرازيل أو دول البريكس. تاريخ تونس دائما هو عدم الاصطفاف أو الانحياز لجهة دون أخرى نتعامل مع الجميع في إطار شراكة تراعي مصالحنا وسيادتنا وواقعنا تونس منفتحة على كل الفرص.
البريكس قوة صاعدة على المستوى الدولي، وهو ما يؤكده العديد من الطلبات للانضمام إلى هذه المجموعة وتنوعها والتحديات الحالية غير المسبوقة تجبرنا على بلورة أفكار جديدة وتطوير آليات تعاون مبتكرة وتشاركية ودائمة ومتجددة، بعد أن تعلمنا كل دروس غياب الرؤية في السياسات والتحركات والتجارب السابقة. وتونس حريصة دائما على التعاون المتعدد الأطراف المسؤول والتشاركي، على أساس الحوار والاحتياجات الإنسانية، بما يمكن من تحقيق الرخاء المشترك وضمان الاستقرار والسلام الدائم للجميع..
دخولنا الى مجموعة بريكس ممكن نظريا لكنه اليوم ليس في جدول أعمالنا.
ألا تعتقدون أن الفتور في العلاقات التونسية-المغربية قد طال نوعا ما بالنظر الى العلاقات التاريخية المتينة بين الدولتين؟
العلاقات بيننا وبين المغرب لم تنقطع.. فالرباط سحبت سفيرها للتشاور وعاملناها بالمثل وبلاغنا وقتها واضح حيث أكدنا فيه أن تونس حريصة على المحافظة على علاقاتها الودية والأخوية والتاريخية العريقة التي تجمعها بالشعب المغربي، لكنها ترفض رفضا قاطعا اتهام بلادنا باتخاذ موقف عدواني تجاه المغرب يضر بالمصالح المغربية. وشددنا على انه وانطلاقا من ثوابت سياستنا الخارجية، على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام خياراتها، فإننا نؤكد أيضا على رفضنا التدخل في شؤوننا الداخلية وسيادة قرارنا الوطني.
ونؤكد أنه ليس لدينا أي إشكال مع المغرب وأن العلاقات ستعود الى طبيعتها الأخوية.
*هناك موجة من التطبيع اليوم متفشية ضمن الدول العربية.. فما موقف تونس من محاولات جرها نحو مسار تلك الدول؟
التطبيع خط أحمر مهما كانت الضغوطات ورئيس الدولة كان واضحا وصريحا في ذلك حيث جدد رفضه القاطع للتطبيع مع إسرائيل، مؤكدا أن مصطلح التطبيع غير موجود لديه على الإطلاق.
لقد غاب ملف الصحفيين التونسيين نذير القطاري وسفيان الشورابي عن الصورة.. فأي جديد في هذا الملف الذي بلع هذه الأيام سنته التاسعة؟
الملف لم يغب عن جدول أعمال لقاءاتنا مع الأطراف الليبية ونواصل دائما البحث عن الحقيقة التي ستظهر في يوم ما. الملف متشعب وغامض والأوضاع في ليبيا لم تساعد على تقدم مسار ظهور الحقيقة.. لكن أتفهم لوعة العائلات ونواصل مع عديد الأطراف إيجاد أي خيط يوصلنا إلى الحقيقة.