هل يعد تعيين الحشاني خلفا لبودن عنوانا لتغييرات بالجملة في سياسة الدولة وسعيا لكسب تحديات مطروحة؟
تونس – الصباح
يبدو أن توجه سلطة الإشراف لمراجعة سياستها المنتهجة منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية اليوم بقيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد التمكن من وضع اللبنات الأولى لمشروع الجمهورية الجديدة دستوريا وتنظيميا وقانونيا واتضاح معالم مشروع الدولة الاجتماعية الذي لطالما أشار له سعيد، وذلك عبر التوجه للانفتاح على المنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل القطاعية ومكونات المجتمع المدني خلال المرحلة القادمة. رغم الانتقادات الواسعة والجدل الكبير الذي استهدف سياسة الدولة المتبعة خلال أكثر من سنتين، في مختلف الأوساط في تونس وخارجها سواء بالنسبة للمساندين للمسار أو القوى والجهات المعارضة له، ووسط إجماع عديد الجهات على أنها سياسة أحادية" الجانب تقطع مع التشاركية التي تعد أحد شروط النظام الديمقراطي.
إذ كانت مبادرة بعض المجموعات المحسوبة على دعم ومساندة المسار الذي يقوده سعيد خلال الأسبوع الماضي، وتتمثل في توجيه الدعوة رسميا إلى منظمات الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للمرأة إلى جانب النقابة الوطنية للصحفيين وعمادة المحامين، وذلك بدعوتها للمشاركة في وقفة مساندة ودعم للمسار الذي يقدوه سعيد كان مقررا تنظيمها نهاية الأسبوع المنقضي وسط العاصمة، لتكون هذه المبادرة خطوة عملية نحو انفتاح منظومة الحكم على المنظمات الوطنية وجانب من مكونات المجتمع المدني وفسح المجال لها لتقديم مقارباتها واقتراحاتها التي تراها كفيلة لخروج الدولة من الوضع المتردي على اعتبار أن ذلك يعد المكان والدور الطبيعي لهذه المنظمات والهياكل في مهامها كشريكة في إدارة الشأن العام.
وهي مبادرة اعتبرها البعض "مغازلة" بشكل غير مباشر من المنظومة الحالية ترتقي لتكون في مستوى محاولة لاستدراج المنظمات الوطنية والهياكل القطاعية للانخراط عمليا في المسار وفسح المجال لها للمشاركة عمليا في وضع البرامج وتقديم الحلول اللازمة للدولة في هذه المرحلة، خاصة بعد أن اختار سعيد "تحييد" هذه المنظمات والأحزاب والهياكل المدنية وغيرها من الأجسام الوسيطة منذ مسكه بزمام السلط، منذ أكثر من سنتين، ورفضه تشريك أي جهة كانت في اتخاذ القرارات ووضع البرامج وكل متعلقات تسيير دواليب الدولة، رغم مشاركة بعض هذه المنظمات إلى جانب أحزاب وسياسيين وغيرهم من ممثلي بعض الهياكل القطاعية والمؤسسات في بعض المحطات المفصلية في سياسة الدولة وإعلان أغلبها دعمها لمسار ما بعد 25 جويلية 2021 من بينها المشاركة في والاستشارة الالكترونية في مرحلة أولى ثم في صياغة دستور 2022 في مرحلة ثانية.
ويذكر أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان قدم مبادرة "الإنقاذ الوطني" التي غير عنوانها إلى مبادرة "تونس المستقبل"، بمشاركة كل من الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فيما ظلت هذه المبادرة معلقة بعد أن رفض رئيس الجمهورية التفاعل معها وتأكيده أنه "لا حاجة للحوار ما دام ثمّة برلمان منتخب ويمارس مهامه"، وهو ما فهم على أنّه موقف رافض لأيّ مبادرة للحوار مع المنظمات النقابية أو مع الأحزاب السياسية. وكان موقف سعيد الرافض لهذه المبادرة من بين أسباب توتر العلاقة بين سعيد والمنظمة الشغيلة في الفترة الماضية. كما سبق أن رفض سعيد التفاعل مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار وطني يضم فاعلين سياسيين واجتماعيين واقتصاديين إبان اندلاع الأزمة بين رؤساء الحكم الثلاثة أي رئيس الجمهورية قيس سعيد وهشام مشيشي رئيس الحكومة وراشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب سنة 2020. إضافة إلى رفض رئيس الجمهورية منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في تونس التحاور أو التفاوض مع أي طرف، على اعتبار أنه لا مجال للتفاوض خارج أطر مؤسسات الدولة.
إذ تكشف مبادرة الانفتاح على هذه المنظمات والهياكل القطاعية والمدنية التي سعى لها "أنصار" الرئيس في هذه المرحلة تحديدا، تأكيدا لوجود توجه رسمي لتغيير سياسة الدولة وفق تمش تفرضه عدة استحقاقات وسياقات داخلية وخارجية تهدف في مجملها إلى بحث مخارج وحلول عملية لوضع والأزمات المتردية التي تمر بها الدولة لاسيما بعد الفشل الذريع لمنظومة سعيد في الجانب الاجتماعي بالأساس في ظل تواصل تعطل الخدمات في النقل والصحة والتعليم واستفحال أزمات غلاء الأسعار وعدم القدرة على التحكم في أزمات افتقاد أو عدم توفر بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق وتواصل توسع طبقة الفقر مقابل تآكل الطبقة المتوسطة في المجتمع.
كما ذهب البعض في قراءتهم للتغيير الذي أقدم عليه سعيد على رأس حكومته منذ أكثر من شهر بعد تعيين أحمد الحشاني رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن، على اعتبار أن ذلك يعد عنوانا لتغييرات بالجملة في سياسة الدولة وسعيا لكسب تحديات مطروحة من بينها التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض المنتظر والاستعداد للدخول عمليا في مراحل تنفيذ جانب من الاتفاقات وبرامج التعاون والشراكة الدولية سواء مع الاتحاد الأوروبي أو غيرها من البلدان العربية والأوروبية والإفريقية، بعد صيحات الفزع التي أطلقتها عديد الجهات حول عدم قدرة المواطنين والدولة وبعض المؤسسات على تحمل مزيد من المعاناة والصعوبات في ظل غياب الحلول وتواصل الأزمة المالية. ثم أن ذلك يأتي في سياق الانطلاق عمليا في الاستعداد للحملة الانتخابية للاستحقاقات الرئاسية المقررة في سنة 2024، باعتبار أن سعيد سبق أن شدد على التزامه باحترام هذا الموعد الانتخابي. ففتح المجال للمنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل القطاعية والنقابية والمجتمع لمدني للدخول في مربع "السلطة" هو مطلب لطالما تعلقت همة القائمين عليها والفاعلين فيها به على اعتبار أنه استحقاق طبيعي لدولة تقر بان نظامها ديمقراطي. ولكن يبقى مدى تفاعل هذه المنظمات وغيرها من الأجسام الوسيطة مع هذه المبادرة غير المباشرة من منظومة سعيد، هو الفيصل في تأكيد القبول أو الرفض. خاصة أنها ارتبطت بتقديمها لمبادرات وحلول تهدف لبحث وتقديم حلول إنجاح المسار وتثبيت ركائزه على أسس اجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة.
نزيهة الغضباني
هل يعد تعيين الحشاني خلفا لبودن عنوانا لتغييرات بالجملة في سياسة الدولة وسعيا لكسب تحديات مطروحة؟
تونس – الصباح
يبدو أن توجه سلطة الإشراف لمراجعة سياستها المنتهجة منذ 25 جويلية 2021 إلى غاية اليوم بقيادة رئيس الجمهورية قيس سعيد بعد التمكن من وضع اللبنات الأولى لمشروع الجمهورية الجديدة دستوريا وتنظيميا وقانونيا واتضاح معالم مشروع الدولة الاجتماعية الذي لطالما أشار له سعيد، وذلك عبر التوجه للانفتاح على المنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل القطاعية ومكونات المجتمع المدني خلال المرحلة القادمة. رغم الانتقادات الواسعة والجدل الكبير الذي استهدف سياسة الدولة المتبعة خلال أكثر من سنتين، في مختلف الأوساط في تونس وخارجها سواء بالنسبة للمساندين للمسار أو القوى والجهات المعارضة له، ووسط إجماع عديد الجهات على أنها سياسة أحادية" الجانب تقطع مع التشاركية التي تعد أحد شروط النظام الديمقراطي.
إذ كانت مبادرة بعض المجموعات المحسوبة على دعم ومساندة المسار الذي يقوده سعيد خلال الأسبوع الماضي، وتتمثل في توجيه الدعوة رسميا إلى منظمات الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والاتحاد الوطني للمرأة إلى جانب النقابة الوطنية للصحفيين وعمادة المحامين، وذلك بدعوتها للمشاركة في وقفة مساندة ودعم للمسار الذي يقدوه سعيد كان مقررا تنظيمها نهاية الأسبوع المنقضي وسط العاصمة، لتكون هذه المبادرة خطوة عملية نحو انفتاح منظومة الحكم على المنظمات الوطنية وجانب من مكونات المجتمع المدني وفسح المجال لها لتقديم مقارباتها واقتراحاتها التي تراها كفيلة لخروج الدولة من الوضع المتردي على اعتبار أن ذلك يعد المكان والدور الطبيعي لهذه المنظمات والهياكل في مهامها كشريكة في إدارة الشأن العام.
وهي مبادرة اعتبرها البعض "مغازلة" بشكل غير مباشر من المنظومة الحالية ترتقي لتكون في مستوى محاولة لاستدراج المنظمات الوطنية والهياكل القطاعية للانخراط عمليا في المسار وفسح المجال لها للمشاركة عمليا في وضع البرامج وتقديم الحلول اللازمة للدولة في هذه المرحلة، خاصة بعد أن اختار سعيد "تحييد" هذه المنظمات والأحزاب والهياكل المدنية وغيرها من الأجسام الوسيطة منذ مسكه بزمام السلط، منذ أكثر من سنتين، ورفضه تشريك أي جهة كانت في اتخاذ القرارات ووضع البرامج وكل متعلقات تسيير دواليب الدولة، رغم مشاركة بعض هذه المنظمات إلى جانب أحزاب وسياسيين وغيرهم من ممثلي بعض الهياكل القطاعية والمؤسسات في بعض المحطات المفصلية في سياسة الدولة وإعلان أغلبها دعمها لمسار ما بعد 25 جويلية 2021 من بينها المشاركة في والاستشارة الالكترونية في مرحلة أولى ثم في صياغة دستور 2022 في مرحلة ثانية.
ويذكر أن الاتحاد العام التونسي للشغل كان قدم مبادرة "الإنقاذ الوطني" التي غير عنوانها إلى مبادرة "تونس المستقبل"، بمشاركة كل من الهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فيما ظلت هذه المبادرة معلقة بعد أن رفض رئيس الجمهورية التفاعل معها وتأكيده أنه "لا حاجة للحوار ما دام ثمّة برلمان منتخب ويمارس مهامه"، وهو ما فهم على أنّه موقف رافض لأيّ مبادرة للحوار مع المنظمات النقابية أو مع الأحزاب السياسية. وكان موقف سعيد الرافض لهذه المبادرة من بين أسباب توتر العلاقة بين سعيد والمنظمة الشغيلة في الفترة الماضية. كما سبق أن رفض سعيد التفاعل مع مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل لإطلاق حوار وطني يضم فاعلين سياسيين واجتماعيين واقتصاديين إبان اندلاع الأزمة بين رؤساء الحكم الثلاثة أي رئيس الجمهورية قيس سعيد وهشام مشيشي رئيس الحكومة وراشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب سنة 2020. إضافة إلى رفض رئيس الجمهورية منذ إعلانه التدابير الاستثنائية في تونس التحاور أو التفاوض مع أي طرف، على اعتبار أنه لا مجال للتفاوض خارج أطر مؤسسات الدولة.
إذ تكشف مبادرة الانفتاح على هذه المنظمات والهياكل القطاعية والمدنية التي سعى لها "أنصار" الرئيس في هذه المرحلة تحديدا، تأكيدا لوجود توجه رسمي لتغيير سياسة الدولة وفق تمش تفرضه عدة استحقاقات وسياقات داخلية وخارجية تهدف في مجملها إلى بحث مخارج وحلول عملية لوضع والأزمات المتردية التي تمر بها الدولة لاسيما بعد الفشل الذريع لمنظومة سعيد في الجانب الاجتماعي بالأساس في ظل تواصل تعطل الخدمات في النقل والصحة والتعليم واستفحال أزمات غلاء الأسعار وعدم القدرة على التحكم في أزمات افتقاد أو عدم توفر بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق وتواصل توسع طبقة الفقر مقابل تآكل الطبقة المتوسطة في المجتمع.
كما ذهب البعض في قراءتهم للتغيير الذي أقدم عليه سعيد على رأس حكومته منذ أكثر من شهر بعد تعيين أحمد الحشاني رئيسا للحكومة خلفا لنجلاء بودن، على اعتبار أن ذلك يعد عنوانا لتغييرات بالجملة في سياسة الدولة وسعيا لكسب تحديات مطروحة من بينها التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي للحصول على القرض المنتظر والاستعداد للدخول عمليا في مراحل تنفيذ جانب من الاتفاقات وبرامج التعاون والشراكة الدولية سواء مع الاتحاد الأوروبي أو غيرها من البلدان العربية والأوروبية والإفريقية، بعد صيحات الفزع التي أطلقتها عديد الجهات حول عدم قدرة المواطنين والدولة وبعض المؤسسات على تحمل مزيد من المعاناة والصعوبات في ظل غياب الحلول وتواصل الأزمة المالية. ثم أن ذلك يأتي في سياق الانطلاق عمليا في الاستعداد للحملة الانتخابية للاستحقاقات الرئاسية المقررة في سنة 2024، باعتبار أن سعيد سبق أن شدد على التزامه باحترام هذا الموعد الانتخابي. ففتح المجال للمنظمات الوطنية وغيرها من الهياكل القطاعية والنقابية والمجتمع لمدني للدخول في مربع "السلطة" هو مطلب لطالما تعلقت همة القائمين عليها والفاعلين فيها به على اعتبار أنه استحقاق طبيعي لدولة تقر بان نظامها ديمقراطي. ولكن يبقى مدى تفاعل هذه المنظمات وغيرها من الأجسام الوسيطة مع هذه المبادرة غير المباشرة من منظومة سعيد، هو الفيصل في تأكيد القبول أو الرفض. خاصة أنها ارتبطت بتقديمها لمبادرات وحلول تهدف لبحث وتقديم حلول إنجاح المسار وتثبيت ركائزه على أسس اجتماعية واقتصادية وسياسية شاملة.