انقسامات وانقلابات، خلافات ومؤتمرات موازية هكذا يظهر الجزء الأكبر من الحياة السياسية والمدنية في تونس بعد أن نشطت مجموعات من داخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني واستعدت لافتكاك دفة القيادة.
ولم تكن المنظمات الكبرى والأحزاب المحصنة من الداخل بمعزل عن الاختراقات حيث لم يعد هذا الوصف محل تداول سري أو محل حديث داخل الأروقة الضيقة للكواليس.
وقد تحولت الصورة المجتمعية والحزبية في جزئها الواسع الى حلبة صراع داخلي بين المتنازعين إما لضمان "الباتيندا " أو لتأكيد الشرعية.
تمش، أضر بالمشهد السياسي عموما وقلل من أهمية هذا الحزب أو تلك المنظمة وأفقدها هيبتها في التأثير على الواقع وأحالها على هامش الأحداث.
وكثيرا ما اتهمت السلطة بسعيها لاختراق المجتمع المدني والأحزاب عبر النفخ في بعض المجموعات وتقوية عزيمتها للتمرد على مكاتبها السياسية أو من خلال توظيف البعض لخلق ساحة من الشغب المتواصل وإحاطة الجهات الشرعية بحرائق وهمية للتلهية والاستنزاف.
ولم يكن الاتحاد العام التونسي للشغل بمعزل عن هكذا توجه بعد ظهور انقسامات صلبه ةجهت أصابع الاتهام فيها للسلطة.
وعلى عكس رؤساء منظمات أخرى وجد الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي الشجاعة لكشف بعض الملفات ففي كلمة ألقاها في آخر اجتماع للإطارات النقابية لقطاع النقل قال "إن أطرافا حاولت اختراق اتحاد الشغل عبر الاتصال بالأمين العام السابق للمنظمة حسين العباسي والأمين العام المساعد الأسبق المولدي الجندوبي.
وأضاف الطبوبي "إن أبناء الاتحاد حتى وإن اختلفوا أو تناقضوا في عدة مواقف فإنهم يتقاسمون قيم النضال من أجل الدفاع عن وحدة وسيادة الوطن.
وشدد على أن "الاتحاد مؤسسة منظمة ومقرراتها مبنية على مبدأ الديمقراطية الفعلية وتدعو الى حوار عقلاني ويمكنها التدخل عند توفير المصداقية والثقة وتوضيح الرؤية".
ولئن تفطن اتحاد الشغل لمحاولة ضربه من الداخل فإن الأمر قد كان مختلفا بالنسبة لاتحاد الفلاحين، بعد أن سحب نورالدين بن عياد بمقتضى قرار اجتماع القيروان بتاريخ 18 ماي 2022 الثقة من الرئيس وقتها عبد الحميد الزار.
وجاءت خطوة بن عياد إثر لقاء له برئيس الدولة يوم 11 ماي 2022 حيث قال قيس سعيد بقصر قرطاج "في صورة بقي رئيسكم على رأس المنظمة، أنا لا أقبل التعامل مع الفساد ومع السّراق.. طهروا المنظمة في شخص رئيسها''.
وعلى خلفية اجتماع التنصيب، اعتبر مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري خالد العراك، أن اجتماع سحب الثقة من عبد المجيد الزار، محاولة لتركيع المنظمة وضرب وحدتها واستقلاليتها وخطوة غير قانونية ستضر بمصلحة الفلاحين.
ولم تكن هيئة الانتخابات أكثر حظا أو بمعزل عن التعيينات بعد أن استقبل رئيس الجمهورية نائب رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر يوم 4 أفريل 2022 مقابل تغييب الرجل الأول للهيئة نبيل بافون.
وعبر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بافون عن استغرابه من اقتصار رئيس الجمهورية قيس سعيد على استقبال نائبه فقط فاروق بوعسكر.
وفي حوار له مع "شمس اف ام" قال بافون "انه كان من المفروض استقبال مجلس الهيئة" مبينا أن اللقاء بين قيس سعيد وفاروق بوعسكر كان بطلب من رئاسة الجمهورية، مشيرا إلى أن بوعسكر أبلغه باللقاء معتبرا" أن اللقاء بين سعيد وبوعسكر هو أمر عادي وبروتوكولي."
وإذ فهم اللقاء بين سعيد وعضو هيئة الانتخابات على أنه لإذابة الجليد بين الرئاسة والهيئة فوجئ بافون بتعيين نائبه نبيل بوعسكر خلفا له.
كما أصابت الانقسامات أحزاب اليسار ففي بلاغ صادر بتاريخ 5 جوان 2022 عن حزب الوطنيين الديمقراطيين والذي جاء فيه أنه تبعا لـ"إصرار منجي الرحوي على مخالفة موقف الحزب الرافض للمشاركة في أشغال لجان الحوار الوطني في محاولة يائسة لفرض موقفه الفردي كأمر واقع تقرر فصل منجي الرحوي وسحب عضويته نهائيا من حزب الوطد الموحد"، وفق نص البلاغ.
وشدد المكتب السياسي على أنه تم اتخاذ القرار "طبقا لما يخوله له النظام الداخلي للحزب وفي إطار الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ وحدة الحزب وضمان استقلالية موقفه السياسي عن كل اختراق خارجي".
وتحول الخلاف الحاصل بين المكتب السياسي الذي يقوده زياد لخضر ومجموع الهيئة التسييرية بزعامة منجي الرحوي الى حرب بيانات ومواقف انتهى بانقسام الوطد الى حزبين .
فقد أعلنت الهيئة التسييرية لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد (شق منجي الرحوي) عن عقد المؤتمر الثاني للحزب، يومي 30 أفريل و1 ماي 2023.
وحتى تضمن لنفسها أسبقية زمنية عن "الرفاق" المنشقين عن الحزب أعلن المكتب السياسي (شق زياد الأخضر) وبناء على قرار الدورة 33 للجنة المركزية المنعقدة شهر مارس الماضي عن عقد أشغال المؤتمر الثاني للحزب يومي29 و30 افريل2023 بتونس.
ولئن كان من المفترض أن تشكل المجتمع السياسي والمجتمع المدني دعامة للديمقراطية وميزانا قويا لترجيح الكفة أمام السلطة، هل تحولت الأحزاب والمنظمات الى عبء كبير داخل المشهد الوطني؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
انقسامات وانقلابات، خلافات ومؤتمرات موازية هكذا يظهر الجزء الأكبر من الحياة السياسية والمدنية في تونس بعد أن نشطت مجموعات من داخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني واستعدت لافتكاك دفة القيادة.
ولم تكن المنظمات الكبرى والأحزاب المحصنة من الداخل بمعزل عن الاختراقات حيث لم يعد هذا الوصف محل تداول سري أو محل حديث داخل الأروقة الضيقة للكواليس.
وقد تحولت الصورة المجتمعية والحزبية في جزئها الواسع الى حلبة صراع داخلي بين المتنازعين إما لضمان "الباتيندا " أو لتأكيد الشرعية.
تمش، أضر بالمشهد السياسي عموما وقلل من أهمية هذا الحزب أو تلك المنظمة وأفقدها هيبتها في التأثير على الواقع وأحالها على هامش الأحداث.
وكثيرا ما اتهمت السلطة بسعيها لاختراق المجتمع المدني والأحزاب عبر النفخ في بعض المجموعات وتقوية عزيمتها للتمرد على مكاتبها السياسية أو من خلال توظيف البعض لخلق ساحة من الشغب المتواصل وإحاطة الجهات الشرعية بحرائق وهمية للتلهية والاستنزاف.
ولم يكن الاتحاد العام التونسي للشغل بمعزل عن هكذا توجه بعد ظهور انقسامات صلبه ةجهت أصابع الاتهام فيها للسلطة.
وعلى عكس رؤساء منظمات أخرى وجد الأمين العام للمنظمة نورالدين الطبوبي الشجاعة لكشف بعض الملفات ففي كلمة ألقاها في آخر اجتماع للإطارات النقابية لقطاع النقل قال "إن أطرافا حاولت اختراق اتحاد الشغل عبر الاتصال بالأمين العام السابق للمنظمة حسين العباسي والأمين العام المساعد الأسبق المولدي الجندوبي.
وأضاف الطبوبي "إن أبناء الاتحاد حتى وإن اختلفوا أو تناقضوا في عدة مواقف فإنهم يتقاسمون قيم النضال من أجل الدفاع عن وحدة وسيادة الوطن.
وشدد على أن "الاتحاد مؤسسة منظمة ومقرراتها مبنية على مبدأ الديمقراطية الفعلية وتدعو الى حوار عقلاني ويمكنها التدخل عند توفير المصداقية والثقة وتوضيح الرؤية".
ولئن تفطن اتحاد الشغل لمحاولة ضربه من الداخل فإن الأمر قد كان مختلفا بالنسبة لاتحاد الفلاحين، بعد أن سحب نورالدين بن عياد بمقتضى قرار اجتماع القيروان بتاريخ 18 ماي 2022 الثقة من الرئيس وقتها عبد الحميد الزار.
وجاءت خطوة بن عياد إثر لقاء له برئيس الدولة يوم 11 ماي 2022 حيث قال قيس سعيد بقصر قرطاج "في صورة بقي رئيسكم على رأس المنظمة، أنا لا أقبل التعامل مع الفساد ومع السّراق.. طهروا المنظمة في شخص رئيسها''.
وعلى خلفية اجتماع التنصيب، اعتبر مساعد رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري خالد العراك، أن اجتماع سحب الثقة من عبد المجيد الزار، محاولة لتركيع المنظمة وضرب وحدتها واستقلاليتها وخطوة غير قانونية ستضر بمصلحة الفلاحين.
ولم تكن هيئة الانتخابات أكثر حظا أو بمعزل عن التعيينات بعد أن استقبل رئيس الجمهورية نائب رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر يوم 4 أفريل 2022 مقابل تغييب الرجل الأول للهيئة نبيل بافون.
وعبر رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بافون عن استغرابه من اقتصار رئيس الجمهورية قيس سعيد على استقبال نائبه فقط فاروق بوعسكر.
وفي حوار له مع "شمس اف ام" قال بافون "انه كان من المفروض استقبال مجلس الهيئة" مبينا أن اللقاء بين قيس سعيد وفاروق بوعسكر كان بطلب من رئاسة الجمهورية، مشيرا إلى أن بوعسكر أبلغه باللقاء معتبرا" أن اللقاء بين سعيد وبوعسكر هو أمر عادي وبروتوكولي."
وإذ فهم اللقاء بين سعيد وعضو هيئة الانتخابات على أنه لإذابة الجليد بين الرئاسة والهيئة فوجئ بافون بتعيين نائبه نبيل بوعسكر خلفا له.
كما أصابت الانقسامات أحزاب اليسار ففي بلاغ صادر بتاريخ 5 جوان 2022 عن حزب الوطنيين الديمقراطيين والذي جاء فيه أنه تبعا لـ"إصرار منجي الرحوي على مخالفة موقف الحزب الرافض للمشاركة في أشغال لجان الحوار الوطني في محاولة يائسة لفرض موقفه الفردي كأمر واقع تقرر فصل منجي الرحوي وسحب عضويته نهائيا من حزب الوطد الموحد"، وفق نص البلاغ.
وشدد المكتب السياسي على أنه تم اتخاذ القرار "طبقا لما يخوله له النظام الداخلي للحزب وفي إطار الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ وحدة الحزب وضمان استقلالية موقفه السياسي عن كل اختراق خارجي".
وتحول الخلاف الحاصل بين المكتب السياسي الذي يقوده زياد لخضر ومجموع الهيئة التسييرية بزعامة منجي الرحوي الى حرب بيانات ومواقف انتهى بانقسام الوطد الى حزبين .
فقد أعلنت الهيئة التسييرية لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد (شق منجي الرحوي) عن عقد المؤتمر الثاني للحزب، يومي 30 أفريل و1 ماي 2023.
وحتى تضمن لنفسها أسبقية زمنية عن "الرفاق" المنشقين عن الحزب أعلن المكتب السياسي (شق زياد الأخضر) وبناء على قرار الدورة 33 للجنة المركزية المنعقدة شهر مارس الماضي عن عقد أشغال المؤتمر الثاني للحزب يومي29 و30 افريل2023 بتونس.
ولئن كان من المفترض أن تشكل المجتمع السياسي والمجتمع المدني دعامة للديمقراطية وميزانا قويا لترجيح الكفة أمام السلطة، هل تحولت الأحزاب والمنظمات الى عبء كبير داخل المشهد الوطني؟