إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد.. عين على عودة الوسيط الصيني ...

 

بالتزامن مع وصول السفير الإيراني رضا عنايتي لتولي مهامه في المملكة العربية السعودية بعد تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، أعلنت الصين التي قادت بنجاح جهود الوساطة بين الجارين اللدودين اعتزامها الدخول على خط الأزمة في النيجر لانتزاع الفتيل والدفع إلى تغليب  منطق الديبلوماسية في الأزمة المستعصية في هذا البلد الإفريقي بعد أكثر من شهر على الانقلاب العسكري في النيجر الذي يعد الأفقر في العالم ودخوله أكثر من أزمة مع الحليف الفرنسي السابق كما مع دول ايكواس التي لوحت بالتدخل العسكري لإعادة المؤسسات الدستورية ...

ولأنه  لا وجود للصدفة في لعبة المصالح السياسية ولأنه لا يمكن اعتبار أن الإعلان الذي جاء على لسان سفير الصين في النيجر أعد لمجرد الاستهلاك الإعلامي يمكن القول أن الصين وبعد نجاح المبادرة التي قادتها بين السعودية وإيران وانتهت بعد جهود ديبلوماسية ومحادثات بدأت قيد التكتم والسرية قبل أن تنضج وتخرج للعلن، أن بيكين وبعد التدرب على دور الوسيط وهو بالتأكيد دور يحتاج للكثير من المهارات والشروط التي بدونها لا يمكن تحقيق التقدم المنشود في حل الأزمات خاصة عندما يتعلق الأمر بأزمات معقدة تتضارب فيها لعبة المصالح وتقل فيها نقاط الالتقاء.

والأكيد أن الصين تدخل على خط الأزمة في النيجر متحصنة بأهم أسلحة التفاوض وهو ثقة الأطراف المتنازعة،فالصين التي اخترقت القارة الإفريقية وهيمنت على الأسواق الإفريقية دون أن تطلق رصاصة واحدة كسبت درجة من المصداقية التي تؤهلها  اليوم لدور الوساطة في النيجر والأرجح أن طموحات الصين لن تتوقف عند هذه المحطة في عالم يغرق في الأزمات والصراعات وستبحث بيكين عن ادوار جديدة كلما استشعرت إمكانية كسب الرهان والفوز بما يعزز رصيدها في ديبلوماسية الوساطة ...

و الأرجح أن السفير الصيني  في نيامي جيانغ فنغ  ما كان له ان يتجرأ و يعلن عن هذا التوجه لولا وجود ضوء اخضر من بيكين اولا ومن علي محمد الأمين زين رئيس المجلس العسكري في النيجر ثانيا للقبول بهذه الوساطة والخروج من أزمة ليس من الواضح كيف يمكن أن تتطور... ليس سرا أن الشعار الذي تنتهجه الصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للغير وهو الشعار ذاته الذي ترفعه الصين لصد تدخلات الغرب في خياراتها السياسية لا سيما في علاقة بتايوان... والأرجح أيضا أن لهذا الشعار وقعه على الدول الإفريقية والدول النامية بشكل خاص التي باتت تجاهر برفض التدخلات الخارجية لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقوى الاستعمارية السابقة التي  ترفض قطع عقدة غورديون حتى بعد استقلال تلك الدول و تستمر في تهيمن على ثرواتها.. الأكيد أيضا أن العلاقات بين النيجر والصين الشريك الاقتصادي خاصة في مجال الطاقة يمكن أن تساعد في المضي قدما بهذه الوساطة لتحقيق الأهداف المطلوبة... حتى هذه المرحلة ليس من الواضح ان كانت اللقاءات انطلقت، والأرجح أنها انطلقت لسبب بسيط ولكنه مهم وهو أن الحديث عن قنوات تفاوض واتصال غالبا ما يأتي لاحقا مع ظهور بوادر ربما تدفع إلى التفاؤل...  وما يعزز هذه القناعة ما نشرته صحيفة "لوموند" في عددها أمس بشأن دخول باريس في مناقشات مع الجيش في النيجر لسحب بعض من قواتها هناك.. وهو إن حدث سيكون اختراقا مهما وقد يمهد أيضا لتجاوز أزمة وجود السفير الفرنسي المحاصر في النيجر...

و بعيدا عن استباق الأحداث و تحميل الخبر أكثر مما يحتمل فان أي نجاح للوسيط الصيني في هذه الأزمة س يضاف إلى ما تحقق بين السعودية وإيران قبل ستة أشهر وسيمنح بيكين شهادة إضافية في الضلوع في دور الوساطة في أزمات دولية أكثر تعقيدا تحتاج وساطة جدية قادرة على اقتلاع بعض من الألغام في ساحة العلاقات الدولية المتفجرة في أكثر من موقع ...

وبالعودة إلى الاختراق الذي حققته الصين بين الرياض وطهران وجب الإشارة إلى انه كان تتويجا لمباحثات ومفاوضات عديدة من مسقط الى بغداد و قد عرفت بيكين متى وكيف تتجند لقطف الثمار التي اينعت وآن أوان قطفها لتسجل بذلك نقطة لصالحها كوسيط مطلوب مستقبلا في عديد الأزمات ... ولاشك انه إلى جانب المهارات المطلوبة في التفاوض ومنها القدرة على الإصغاء والاستماع لكل الأطراف وتوخي النزاهة والحياد فضلا عن التحكم في النفس والصبر في التعامل مع الأطراف المعنية وهي شروط لا يمكن إسقاطها او التقليل من شأنها الى جانب طبعا الذكاء والفطنة والتمكن من القدرة اللغوية والفصاحة والقدرة على الإقناع والانتباه إلى نقطة الالتقاء التي يمكن أن تحفز أطراف النزاع على التفاوض وتفعيل لعبة المصالح وما يمكن تحقيقه من وراء التفاوض والبحث عن أرضية مشتركة أو منفعة مشتركة والدفع الى التفكير فيما يمكن للتفاوض ان يحققه لكل طرف وهو ما يؤسس بلغة الديبلوماسية للفوز بثقة الجميع والتقدم في مسار التفاوض ...

ويمكن القول من هذا المنطلق أن الصين  كعضو في مجلس الأمن الدولي طالما تعرضت في تاريخها للاعتداءات ولكنها لم تدخل أي حروب توسعية ضد محيطها الآسيوي وكقوة اقتصادية كانت حتى وقت قريب تصر على انها دولة في طريق النمو تحظى بهذه الثقة التي تؤهلها للوساطة كل ذلك فضلا عما باتت أمريكا القوة الأولى العسكرية في العالم تواجه من انتقادات ومن رفض بسبب حضورها العسكري وتدخلاتها العسكرية وحروبها في أكثر من منطقة.. كما أن الانحياز الأمريكي وحتى الأوروبي الأعمى لإسرائيل ولممارساتها وجرائمها التوسعية الاحتلالية يجعل من الدور الصيني أكثر قبولا لدى دول الجنوب... وفي انتظار أن تتضح النتائج وتثمر جهود الوساطة الصينية في النيجر يبقى السؤال المطروح هل يمكن لبكين بعد ذلك أن تذهب إلى ابعد من ذلك وأن تتجرأ  على  تقريب المواقف بين طرفي الصراع الدموي في السودان لوضع حد لحرب استنزاف عبثية طال أمدها وأثقلت كاهل المدنيين في السودان ثم هل يمكن أن تقدم بكين على منافسة واشنطن في دورها كراع وحيد لعملية السلام في الشرق الأوسط.. وهل يمكن أن تسمح واشنطن بذلك ..خلاصة القول إن هناك حاجة أكيدة اليوم لوساطة جديدة حازمة وقادرة على فرض الحلول الديبلوماسية وإسكات صوت القنابل ...

اسيا العتروس  

ممنوع من الحياد..   عين على عودة الوسيط الصيني ...

 

بالتزامن مع وصول السفير الإيراني رضا عنايتي لتولي مهامه في المملكة العربية السعودية بعد تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، أعلنت الصين التي قادت بنجاح جهود الوساطة بين الجارين اللدودين اعتزامها الدخول على خط الأزمة في النيجر لانتزاع الفتيل والدفع إلى تغليب  منطق الديبلوماسية في الأزمة المستعصية في هذا البلد الإفريقي بعد أكثر من شهر على الانقلاب العسكري في النيجر الذي يعد الأفقر في العالم ودخوله أكثر من أزمة مع الحليف الفرنسي السابق كما مع دول ايكواس التي لوحت بالتدخل العسكري لإعادة المؤسسات الدستورية ...

ولأنه  لا وجود للصدفة في لعبة المصالح السياسية ولأنه لا يمكن اعتبار أن الإعلان الذي جاء على لسان سفير الصين في النيجر أعد لمجرد الاستهلاك الإعلامي يمكن القول أن الصين وبعد نجاح المبادرة التي قادتها بين السعودية وإيران وانتهت بعد جهود ديبلوماسية ومحادثات بدأت قيد التكتم والسرية قبل أن تنضج وتخرج للعلن، أن بيكين وبعد التدرب على دور الوسيط وهو بالتأكيد دور يحتاج للكثير من المهارات والشروط التي بدونها لا يمكن تحقيق التقدم المنشود في حل الأزمات خاصة عندما يتعلق الأمر بأزمات معقدة تتضارب فيها لعبة المصالح وتقل فيها نقاط الالتقاء.

والأكيد أن الصين تدخل على خط الأزمة في النيجر متحصنة بأهم أسلحة التفاوض وهو ثقة الأطراف المتنازعة،فالصين التي اخترقت القارة الإفريقية وهيمنت على الأسواق الإفريقية دون أن تطلق رصاصة واحدة كسبت درجة من المصداقية التي تؤهلها  اليوم لدور الوساطة في النيجر والأرجح أن طموحات الصين لن تتوقف عند هذه المحطة في عالم يغرق في الأزمات والصراعات وستبحث بيكين عن ادوار جديدة كلما استشعرت إمكانية كسب الرهان والفوز بما يعزز رصيدها في ديبلوماسية الوساطة ...

و الأرجح أن السفير الصيني  في نيامي جيانغ فنغ  ما كان له ان يتجرأ و يعلن عن هذا التوجه لولا وجود ضوء اخضر من بيكين اولا ومن علي محمد الأمين زين رئيس المجلس العسكري في النيجر ثانيا للقبول بهذه الوساطة والخروج من أزمة ليس من الواضح كيف يمكن أن تتطور... ليس سرا أن الشعار الذي تنتهجه الصين منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية رفضها التدخل في الشؤون الداخلية للغير وهو الشعار ذاته الذي ترفعه الصين لصد تدخلات الغرب في خياراتها السياسية لا سيما في علاقة بتايوان... والأرجح أيضا أن لهذا الشعار وقعه على الدول الإفريقية والدول النامية بشكل خاص التي باتت تجاهر برفض التدخلات الخارجية لاسيما عندما يتعلق الأمر بالقوى الاستعمارية السابقة التي  ترفض قطع عقدة غورديون حتى بعد استقلال تلك الدول و تستمر في تهيمن على ثرواتها.. الأكيد أيضا أن العلاقات بين النيجر والصين الشريك الاقتصادي خاصة في مجال الطاقة يمكن أن تساعد في المضي قدما بهذه الوساطة لتحقيق الأهداف المطلوبة... حتى هذه المرحلة ليس من الواضح ان كانت اللقاءات انطلقت، والأرجح أنها انطلقت لسبب بسيط ولكنه مهم وهو أن الحديث عن قنوات تفاوض واتصال غالبا ما يأتي لاحقا مع ظهور بوادر ربما تدفع إلى التفاؤل...  وما يعزز هذه القناعة ما نشرته صحيفة "لوموند" في عددها أمس بشأن دخول باريس في مناقشات مع الجيش في النيجر لسحب بعض من قواتها هناك.. وهو إن حدث سيكون اختراقا مهما وقد يمهد أيضا لتجاوز أزمة وجود السفير الفرنسي المحاصر في النيجر...

و بعيدا عن استباق الأحداث و تحميل الخبر أكثر مما يحتمل فان أي نجاح للوسيط الصيني في هذه الأزمة س يضاف إلى ما تحقق بين السعودية وإيران قبل ستة أشهر وسيمنح بيكين شهادة إضافية في الضلوع في دور الوساطة في أزمات دولية أكثر تعقيدا تحتاج وساطة جدية قادرة على اقتلاع بعض من الألغام في ساحة العلاقات الدولية المتفجرة في أكثر من موقع ...

وبالعودة إلى الاختراق الذي حققته الصين بين الرياض وطهران وجب الإشارة إلى انه كان تتويجا لمباحثات ومفاوضات عديدة من مسقط الى بغداد و قد عرفت بيكين متى وكيف تتجند لقطف الثمار التي اينعت وآن أوان قطفها لتسجل بذلك نقطة لصالحها كوسيط مطلوب مستقبلا في عديد الأزمات ... ولاشك انه إلى جانب المهارات المطلوبة في التفاوض ومنها القدرة على الإصغاء والاستماع لكل الأطراف وتوخي النزاهة والحياد فضلا عن التحكم في النفس والصبر في التعامل مع الأطراف المعنية وهي شروط لا يمكن إسقاطها او التقليل من شأنها الى جانب طبعا الذكاء والفطنة والتمكن من القدرة اللغوية والفصاحة والقدرة على الإقناع والانتباه إلى نقطة الالتقاء التي يمكن أن تحفز أطراف النزاع على التفاوض وتفعيل لعبة المصالح وما يمكن تحقيقه من وراء التفاوض والبحث عن أرضية مشتركة أو منفعة مشتركة والدفع الى التفكير فيما يمكن للتفاوض ان يحققه لكل طرف وهو ما يؤسس بلغة الديبلوماسية للفوز بثقة الجميع والتقدم في مسار التفاوض ...

ويمكن القول من هذا المنطلق أن الصين  كعضو في مجلس الأمن الدولي طالما تعرضت في تاريخها للاعتداءات ولكنها لم تدخل أي حروب توسعية ضد محيطها الآسيوي وكقوة اقتصادية كانت حتى وقت قريب تصر على انها دولة في طريق النمو تحظى بهذه الثقة التي تؤهلها للوساطة كل ذلك فضلا عما باتت أمريكا القوة الأولى العسكرية في العالم تواجه من انتقادات ومن رفض بسبب حضورها العسكري وتدخلاتها العسكرية وحروبها في أكثر من منطقة.. كما أن الانحياز الأمريكي وحتى الأوروبي الأعمى لإسرائيل ولممارساتها وجرائمها التوسعية الاحتلالية يجعل من الدور الصيني أكثر قبولا لدى دول الجنوب... وفي انتظار أن تتضح النتائج وتثمر جهود الوساطة الصينية في النيجر يبقى السؤال المطروح هل يمكن لبكين بعد ذلك أن تذهب إلى ابعد من ذلك وأن تتجرأ  على  تقريب المواقف بين طرفي الصراع الدموي في السودان لوضع حد لحرب استنزاف عبثية طال أمدها وأثقلت كاهل المدنيين في السودان ثم هل يمكن أن تقدم بكين على منافسة واشنطن في دورها كراع وحيد لعملية السلام في الشرق الأوسط.. وهل يمكن أن تسمح واشنطن بذلك ..خلاصة القول إن هناك حاجة أكيدة اليوم لوساطة جديدة حازمة وقادرة على فرض الحلول الديبلوماسية وإسكات صوت القنابل ...

اسيا العتروس