إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

استنزاف مفزع.. الحرائق "تعرى" واقع ثروتنا الغابية !

 

اليوم تستنزف الحرائق الغطاء النباتي والغابي، كما تهدد الثروة الحيوانية البرية بالاندثار

تونس-الصباح

عمقت الحرائق الأخيرة في غابات سليانة والنحلي وقبلها في طبرقة وبوقرنين وسلسلة غابات جبال الشعانبي وسمامة أزمة واقع الثروة الغابية في بلادنا "المستباحة" على امتداد السنوات الأخيرة بسبب جملة المخاطر المحدقة بها بفعل المناخ والطبيعة لكن أيضا بفعل قلة وعي المواطن وتقصير الدولة في تثمين هذه الثروة وإيلائها ما تستحقه من اهتمام.

واليوم تستنزف الحرائق الغطاء النباتي والغابي، كما تهدد الثروة الحيوانية البرية بالاندثار . تتعرض كذلك الثروات الغابية للنهب والاستغلال العشوائي غير المدروس والاكتساح العمراني في غياب قانون قادر على الردع والحد من هذا النزيف، لاسيما أنّ القانون الحالي  يعود إلى سنة 1988.

وتشير معطيات سابقة أن  الغابات في تونس، تمتد  على مساحة 5.6 ملايين هكتار، ما يعادل 34 في المائة من المساحة الإجمالية للبلاد، وهي ثروة حقيقة طالها الإنهاك والإهمال في السنوات الأخيرة بشكل مفزع.

نقص الحراسة

وفي تقرير صادر منذ سنتين عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تضمن الإشارة إلى عديد التجاوزات في حق  الثروات الغابية كقطع الأشجار والرعي العشوائي للأغنام والتوسع العمراني على حساب الغابات إلى جانب تحول عديد الغابات  إلى مصبات  للنفايات.

وتحدث التقرير أيضا عن نقص حراس الغابات  ( يبلغ عدد حراس الغابات وغيرها 7455، من بينهم 5150 حارس غابات، و123 حارساً لسباسب الحلفاء، و212 حارس صيد، و256 حارس برج مراقبة) إلى جانب افتقارهم لوسائل المراقبة والحماية وتواضع أجورهم.

يذكر أنّ مسألة حراس الغابات كانت قد أثارت الكثير من الجدل لا سيما إبان النشاط الإرهابي في الجبال والغابات، وكان وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري الأسبق سمير بالطيب قد أشار منذ 2017 إلى معضلة النقص الكبير في عدد حراس الغابات لحماية الثروات الغابية. وأشار حينها إلى "ضرورة توفير حارس لكل 200 هكتار من الغابات، وحارس لكل 200 هكتار من سباسب الحلفاء، و4 حرّاس لكلّ دائرة فرعية وأيضًا لكلّ مركز حماية الغابات من الحرائق مع تخصيص 30 عون إطفاء بكل فرقة إطفاء، ووجود حارس لكلّ منطقة مرعى و6 حراس وأعوان مخابرة لكل برج مراقبة، وحارسين لكلّ مركز غابي".

تنقيح القانون

يطالب الكثير من المهتمين بموضوع الغابات بضرورة التسريع في إصدار قانون أساسي للغابات وديوان يُنظم التصرف في الثروة الغابية.

وقد دعا رئيس الجمهورية، قيس سعيد، منذ 2020 وعلى هامش الاحتفال بالعيد الوطني للشجرة  إلى "ضرورة حماية القطاع الغابي والرعوي في تونس وذلك من خلال تطبيق القانون على الجميع ودون تمييز، وإعادة مراجعة مجلة الغابات حتى تكون ملائمة لمستجدات الواقع والتطور الحاصل في هذا القطاع الحيوي والحساس وذلك لما يمثله من قيمة بيئية واجتماعية واقتصادية وأمنية".

وبين حينها  أن "القطاع  يساهم في توفير نحو 7 ملايين يوم عمل في السنة و14 بالمائة من حاجيات البلاد للطاقة و25 بالمائة من حاجيات القطيع و30 بالمائة من الدخل السنوي لمتساكني الغابات البالغ عددهم مليون ساكن فضلا على أن قيمته الاقتصادية تناهز 900 مليون دينار حسب دراسة علمية تم انجازها قبل سنوات".

كما أكد  أن "ما يتمتع به هذا القطاع من تنوع وثراء قادر على تحويله إلى محمل حقيقي من محامل التنمية ومغذيا هاما من مغذيات الاقتصاد التضامني الاجتماعي وتوطين السكان في محيطهم الطبيعي والمعهود..".

غياب الانجاز

 لكن الملاحظ رغم مرور حوالي 3 سنوات على تصريحات رئيس الجمهورية يظل التعاطي مع موضوع الثروة الغابية وما يتهددها من مخاطر دون المأمول.

وفي كل مرة تعمق الحرائق المندلعة الأزمة وتضعها في الواجهة ويعاد التقييم ذاته لواقع الغابات في تونس والتحديات التي تواجهها والإجراءات العاجلة المطلوبة لكن دون انجاز.

فقد دفعت الحرائق الأخيرة المصالح المعنية إلى التحرك بعد أن أعلنت أول أمس  وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيّد البحري عن وضع  رقم أخضر “80101250” على ذمة المواطنين للتبليغ عن التجاوزات التي تضر بالثروات الغابية على غرار الانتهاكات التي تطال الغابات من حرق واقتلاع.

كما أوصى  وزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي خلال زيارة عمل ميدانيّة إلى المناطق الغابيّة المحترقة مؤخرا بولايات بنزرت وباجة وجندوبة، بالتّسريع في عمّليات تشجير المساحات، التي احترقت في السابق (مر عليها أكثر من 3 سنوات) وتكثيف عمّليات المراقبة واليقظة بصفة مستمرة وإعادة توظيف حراس الغابات.

وشدّد على ضرورة العمل على التسريع في مراجعة قانون الغابات، وخاصّة، الجزء المتعلّق بردع المخالفين.

ودعا متساكني المناطق الغابيّة إلى الحذر والاحتياط توقيا من انتشار النيران والإبلاغ عن أيّ تحركات أو أحداث مشبوهة داخل الغابات.

م.ي

استنزاف مفزع..   الحرائق "تعرى" واقع ثروتنا الغابية !

 

اليوم تستنزف الحرائق الغطاء النباتي والغابي، كما تهدد الثروة الحيوانية البرية بالاندثار

تونس-الصباح

عمقت الحرائق الأخيرة في غابات سليانة والنحلي وقبلها في طبرقة وبوقرنين وسلسلة غابات جبال الشعانبي وسمامة أزمة واقع الثروة الغابية في بلادنا "المستباحة" على امتداد السنوات الأخيرة بسبب جملة المخاطر المحدقة بها بفعل المناخ والطبيعة لكن أيضا بفعل قلة وعي المواطن وتقصير الدولة في تثمين هذه الثروة وإيلائها ما تستحقه من اهتمام.

واليوم تستنزف الحرائق الغطاء النباتي والغابي، كما تهدد الثروة الحيوانية البرية بالاندثار . تتعرض كذلك الثروات الغابية للنهب والاستغلال العشوائي غير المدروس والاكتساح العمراني في غياب قانون قادر على الردع والحد من هذا النزيف، لاسيما أنّ القانون الحالي  يعود إلى سنة 1988.

وتشير معطيات سابقة أن  الغابات في تونس، تمتد  على مساحة 5.6 ملايين هكتار، ما يعادل 34 في المائة من المساحة الإجمالية للبلاد، وهي ثروة حقيقة طالها الإنهاك والإهمال في السنوات الأخيرة بشكل مفزع.

نقص الحراسة

وفي تقرير صادر منذ سنتين عن المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية تضمن الإشارة إلى عديد التجاوزات في حق  الثروات الغابية كقطع الأشجار والرعي العشوائي للأغنام والتوسع العمراني على حساب الغابات إلى جانب تحول عديد الغابات  إلى مصبات  للنفايات.

وتحدث التقرير أيضا عن نقص حراس الغابات  ( يبلغ عدد حراس الغابات وغيرها 7455، من بينهم 5150 حارس غابات، و123 حارساً لسباسب الحلفاء، و212 حارس صيد، و256 حارس برج مراقبة) إلى جانب افتقارهم لوسائل المراقبة والحماية وتواضع أجورهم.

يذكر أنّ مسألة حراس الغابات كانت قد أثارت الكثير من الجدل لا سيما إبان النشاط الإرهابي في الجبال والغابات، وكان وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري الأسبق سمير بالطيب قد أشار منذ 2017 إلى معضلة النقص الكبير في عدد حراس الغابات لحماية الثروات الغابية. وأشار حينها إلى "ضرورة توفير حارس لكل 200 هكتار من الغابات، وحارس لكل 200 هكتار من سباسب الحلفاء، و4 حرّاس لكلّ دائرة فرعية وأيضًا لكلّ مركز حماية الغابات من الحرائق مع تخصيص 30 عون إطفاء بكل فرقة إطفاء، ووجود حارس لكلّ منطقة مرعى و6 حراس وأعوان مخابرة لكل برج مراقبة، وحارسين لكلّ مركز غابي".

تنقيح القانون

يطالب الكثير من المهتمين بموضوع الغابات بضرورة التسريع في إصدار قانون أساسي للغابات وديوان يُنظم التصرف في الثروة الغابية.

وقد دعا رئيس الجمهورية، قيس سعيد، منذ 2020 وعلى هامش الاحتفال بالعيد الوطني للشجرة  إلى "ضرورة حماية القطاع الغابي والرعوي في تونس وذلك من خلال تطبيق القانون على الجميع ودون تمييز، وإعادة مراجعة مجلة الغابات حتى تكون ملائمة لمستجدات الواقع والتطور الحاصل في هذا القطاع الحيوي والحساس وذلك لما يمثله من قيمة بيئية واجتماعية واقتصادية وأمنية".

وبين حينها  أن "القطاع  يساهم في توفير نحو 7 ملايين يوم عمل في السنة و14 بالمائة من حاجيات البلاد للطاقة و25 بالمائة من حاجيات القطيع و30 بالمائة من الدخل السنوي لمتساكني الغابات البالغ عددهم مليون ساكن فضلا على أن قيمته الاقتصادية تناهز 900 مليون دينار حسب دراسة علمية تم انجازها قبل سنوات".

كما أكد  أن "ما يتمتع به هذا القطاع من تنوع وثراء قادر على تحويله إلى محمل حقيقي من محامل التنمية ومغذيا هاما من مغذيات الاقتصاد التضامني الاجتماعي وتوطين السكان في محيطهم الطبيعي والمعهود..".

غياب الانجاز

 لكن الملاحظ رغم مرور حوالي 3 سنوات على تصريحات رئيس الجمهورية يظل التعاطي مع موضوع الثروة الغابية وما يتهددها من مخاطر دون المأمول.

وفي كل مرة تعمق الحرائق المندلعة الأزمة وتضعها في الواجهة ويعاد التقييم ذاته لواقع الغابات في تونس والتحديات التي تواجهها والإجراءات العاجلة المطلوبة لكن دون انجاز.

فقد دفعت الحرائق الأخيرة المصالح المعنية إلى التحرك بعد أن أعلنت أول أمس  وزارة الفلاحة والموارد المائيّة والصيّد البحري عن وضع  رقم أخضر “80101250” على ذمة المواطنين للتبليغ عن التجاوزات التي تضر بالثروات الغابية على غرار الانتهاكات التي تطال الغابات من حرق واقتلاع.

كما أوصى  وزير الفلاحة عبد المنعم بلعاتي خلال زيارة عمل ميدانيّة إلى المناطق الغابيّة المحترقة مؤخرا بولايات بنزرت وباجة وجندوبة، بالتّسريع في عمّليات تشجير المساحات، التي احترقت في السابق (مر عليها أكثر من 3 سنوات) وتكثيف عمّليات المراقبة واليقظة بصفة مستمرة وإعادة توظيف حراس الغابات.

وشدّد على ضرورة العمل على التسريع في مراجعة قانون الغابات، وخاصّة، الجزء المتعلّق بردع المخالفين.

ودعا متساكني المناطق الغابيّة إلى الحذر والاحتياط توقيا من انتشار النيران والإبلاغ عن أيّ تحركات أو أحداث مشبوهة داخل الغابات.

م.ي