في برنامج " في فلك الممنوع " الذي يبث على القناة الفرنسية " فرانس 24 " وتقدمه الإعلامية ميسلون نصار تناول في حصة يوم الأحد 13 أوت المنقضي موضوع ممارسة الجنس في المجتمع بين المقاربة الدينية ومنظومة الحقوق الفردية التي أقرتها المدونة الكونية العالمية لحقوق الإنسان. كان السؤال المؤطر للموضوع هو لماذا يمارس الإنسان الجنس ؟ هل نمارسه بوصفه حرية فردية ومتعة خاصة بقطع النظر عن مآلاته وغاياته ؟ أم نمارسه من أجل التزاوج وإنجاب الأطفال وتكوين الأسر لضمان استمرارية البشرية واستمرار الحياة فوق هذه الأرض التي لا يمكن أن تستمر إلا بالإنجاب ؟.
في هذه الحصة التي تداول على النقاش فيها علماء دين ومهتمين بقضايا المجتمع من تونس ومصر والمغرب وإيطاليا قيل الكثير من الكلام وقدمت الكثير من الأفكار منها أن موضوع الممارسة الجنسية في المجتمع يطرح في سياق التحولات التي تشهدها المجتمعات الغربية بعد أن تم تنظيم الحياة والعلاقات بين الأفراد من خارج الأطر الدينية وبعد أن تم إبعاد التعاليم الدينية من الكثير من المجالات في المجتمع وبعد أن فكت أوروبا ارتباطها مع الدين المسيحي وخيرت الاحتكام إلى العقل وحده والتجربة البشرية في تنظيم أوضاعها وحسم خلافاتها وإيجاد الحلول لمشاكلها من خارج التوجهات الإيمانية وهذا الاختيار الذي سارت عليه أوروبا في علاقتها بالدين من تداعياته أن للفرد حرية كاملة على حياته وجسده يفعل به ما يشاء في إطار العلاقات الرضائية والمفاهمات الحرة البعيدة عن الإكراه.
تناول النقاش مسألة تحويل المفاهيم والمصطلحات عن معانيها الأصلية الحقيقة وإلباس المواضيع المطروحة مصطلحات جديدة لإبعاد الناس عن حقيقة الموضوع ولاكساء ما يطرح من نقاش شيئا من المشروعية والمقبولية المجتمعية التي تجعل المتابع أو المتلقى يطمئن لما يقدم له . فالزنا يتحول إلى حرية جنسية والعلاقات المحرمة التي تمارس خارج إطار الدين تصبح علاقات رضائية تمارس خارج إطار الزواج والمثلية الجنسية تسمى تحولا جنسيا وهكذا تتغير كل القضايا بتغير المفاهيم والمعاني التي تعطى لها.. وهذا الأسلوب في التلاعب بالمصطلحات هو في نظر بعض من شارك في هذا النقاش نوع من التحايل والخداع وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقة لتحقيق التعايش والقبول والرضا المغشوش.
من الأفكار الأخرى التي عرفت نقاشا حادا الفكرة التي تقول بأن ممارسة الجنس في إطار علاقات مقننة يعترف بها المجتمع هي مسألة جاءت قبل الإسلام وحتى قبل الدين أقرتها القبيلة لضمان استمرار النسل داخلها وللحفاظ على نقاوة العرق والمحافظة على اللقب العائلي والمحافظة على ثروة القبيلة وهذا الأمر قد تغير اليوم والبعد القبلي قد تلاشى واختفى في كل المجتمعات تقريبا بما يجعل من فكرة الممارسة الجنسية وفق التعاليم الدينية تضعف وتفقد معناها. لتترك مكانها إلى فكرة حرية الفرد في جسده بعيدا عن أي تأثير خارجي للتدخل في الذات و الارادة الحرة .
من الأفكار الأخرى أن الممارسة الجنسية تمارس اليوم في المجتمعات الحديثة بعيدة عن سلطة الدين وفي إطار العلاقات الفردية الرضائية من دون حاجة إلى إطار قيمي ينظم هذه العلاقة ولا حاجة لرباط الدين لإعطاء العلاقة الجنسية مقبولية ومشروعية مجتمعية فالبعد الفردي والحرية الشخصية هما المحددات في ممارسة الجنس فلماذا نتزوج وننجب أطفالا وننشئ أسرا في الوقت الذي يمكن للأفراد أن يختاروا غير ذلك ؟ ولماذا نتقيد في إطار الأسرة إذا كان بالإمكان أن نختار أطرا أخرى لممارسة الجنس؟
انحصر النقاش حول فكرة أن ممارسة الجنس بكل حرية ومن دون إطار منظم لها و ربط الجنس بفكرة المتعة الفردية هي مسألة لا تتعارض مع الدين وأن هذه الإرادة الحرة لا تتنافى مع ما جاءت به الشرائع السماوية في نظرتها للممارسة الجنسية ذلك أن فكرة المتعة التي تقوم عليها فلسفة الحرية الجنسية لا يصادرها الإسلام ولا يصطدم معها كما لا يمنعها ذلك أن الدين قد شرع للإنسان أن يستمتع بمتع الحياة بل أن بعض النصوص الدينية تعتبر أن المتع الحسية إذا مارسها الانسان بطرق مشروعة فإنها تدخل في نطاق العبادة والعمل الصالح والتقرب إلى الخالق .. الدين لا يحرم المتع والملذات ولكنه ينظمها حتى لا تنفلت وتتحول إلى فوضى تهدد تماسك المجتمع فكل المجتمعات حتى تلك التي لا تقوم على أساس ديني تمنع انفلات المتع داخلها وتضع قيودا على ممارسة الحريات الفردية من أجل الصالح العام ومصلحة المجموعة فليس هناك حرية مطلقة محررة من أي قيد وإلا تحولت إلى فوضى وتسيب وتحلل والمتع مهما كان نوعها جنسية كانت أو غيرها معترف بها وهي مقررة ولكنها منظمة وفق التعاليم والشرائع الدينية قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب "
الإنسان مجبول بطبعه على حب المتع الدنيوية والجنس من بين هذه المتع المهمة لتحقيق التوازن النفسي ولاستمرار الحياة وبقاء البشرية حية ولكن طريقة الاستفادة منها هي التي يجب أن تعدل وتؤطر لصالح الفرد والمجتمع والمنتظم الانساني.
هناك مجتمعات تختار أن تكون ممارسة الجنس داخلها حرة بعيدا عن تدخل الدين وتعاليمه وعين الدولة ورقابة القانون وأخرى تختار أن توجه حرية الأفراد في ربط العلاقات الجنسية وتوظيفها لصالح المجتمع فالممارسة الجنسية ليست ممارسة من أجل الجنس فقط وإلا تحول الانسان الى حيوان همه تلبية غرائزه في أوقات معلومة وإنما ممارسة الجنس فضلا عن أهميته في تحقيق إنسانية الإنسان فهو ممارسة من أجل النمو الانساني ومن أجل أن تتواصل الحياة وتبقى على هذه الأرض من خلال تكوين الأسر والإنجاب وإن ممارسة الجنس وفق مقاربة الحرية الفردية لها استتباعات مجتمعية خطيرة في علاقة بالأسرة والأبناء والعلاقات داخل المجتمع ولها وفق المقاربة الدينية استتباعات أخرى حيث النظرة للإنسان أشمل من مجرد ممارسة جنسية مادية بوصفه خليفة الله في الأرض من أجل اعمارها وإصلاحها وهو مؤتمن على هذه المهمة في اطار المفهوم الواسع للعبادة وفلسفة الدين التي تعتبر أن الله لم يخلق الإنسان عبثا من اجل أن يلهو ويلعب فقط رغم أنه مباح وإنما من أجل غايات أخرى أسمى وأرفع .. فرق كبير بين فكرة المتعة من دون غاية ولا هدف وفكرة المتعة في سياق منهج كامل للحياة..
بقلم: نوفل سلامة
في برنامج " في فلك الممنوع " الذي يبث على القناة الفرنسية " فرانس 24 " وتقدمه الإعلامية ميسلون نصار تناول في حصة يوم الأحد 13 أوت المنقضي موضوع ممارسة الجنس في المجتمع بين المقاربة الدينية ومنظومة الحقوق الفردية التي أقرتها المدونة الكونية العالمية لحقوق الإنسان. كان السؤال المؤطر للموضوع هو لماذا يمارس الإنسان الجنس ؟ هل نمارسه بوصفه حرية فردية ومتعة خاصة بقطع النظر عن مآلاته وغاياته ؟ أم نمارسه من أجل التزاوج وإنجاب الأطفال وتكوين الأسر لضمان استمرارية البشرية واستمرار الحياة فوق هذه الأرض التي لا يمكن أن تستمر إلا بالإنجاب ؟.
في هذه الحصة التي تداول على النقاش فيها علماء دين ومهتمين بقضايا المجتمع من تونس ومصر والمغرب وإيطاليا قيل الكثير من الكلام وقدمت الكثير من الأفكار منها أن موضوع الممارسة الجنسية في المجتمع يطرح في سياق التحولات التي تشهدها المجتمعات الغربية بعد أن تم تنظيم الحياة والعلاقات بين الأفراد من خارج الأطر الدينية وبعد أن تم إبعاد التعاليم الدينية من الكثير من المجالات في المجتمع وبعد أن فكت أوروبا ارتباطها مع الدين المسيحي وخيرت الاحتكام إلى العقل وحده والتجربة البشرية في تنظيم أوضاعها وحسم خلافاتها وإيجاد الحلول لمشاكلها من خارج التوجهات الإيمانية وهذا الاختيار الذي سارت عليه أوروبا في علاقتها بالدين من تداعياته أن للفرد حرية كاملة على حياته وجسده يفعل به ما يشاء في إطار العلاقات الرضائية والمفاهمات الحرة البعيدة عن الإكراه.
تناول النقاش مسألة تحويل المفاهيم والمصطلحات عن معانيها الأصلية الحقيقة وإلباس المواضيع المطروحة مصطلحات جديدة لإبعاد الناس عن حقيقة الموضوع ولاكساء ما يطرح من نقاش شيئا من المشروعية والمقبولية المجتمعية التي تجعل المتابع أو المتلقى يطمئن لما يقدم له . فالزنا يتحول إلى حرية جنسية والعلاقات المحرمة التي تمارس خارج إطار الدين تصبح علاقات رضائية تمارس خارج إطار الزواج والمثلية الجنسية تسمى تحولا جنسيا وهكذا تتغير كل القضايا بتغير المفاهيم والمعاني التي تعطى لها.. وهذا الأسلوب في التلاعب بالمصطلحات هو في نظر بعض من شارك في هذا النقاش نوع من التحايل والخداع وتسمية الأشياء بغير أسمائها الحقيقة لتحقيق التعايش والقبول والرضا المغشوش.
من الأفكار الأخرى التي عرفت نقاشا حادا الفكرة التي تقول بأن ممارسة الجنس في إطار علاقات مقننة يعترف بها المجتمع هي مسألة جاءت قبل الإسلام وحتى قبل الدين أقرتها القبيلة لضمان استمرار النسل داخلها وللحفاظ على نقاوة العرق والمحافظة على اللقب العائلي والمحافظة على ثروة القبيلة وهذا الأمر قد تغير اليوم والبعد القبلي قد تلاشى واختفى في كل المجتمعات تقريبا بما يجعل من فكرة الممارسة الجنسية وفق التعاليم الدينية تضعف وتفقد معناها. لتترك مكانها إلى فكرة حرية الفرد في جسده بعيدا عن أي تأثير خارجي للتدخل في الذات و الارادة الحرة .
من الأفكار الأخرى أن الممارسة الجنسية تمارس اليوم في المجتمعات الحديثة بعيدة عن سلطة الدين وفي إطار العلاقات الفردية الرضائية من دون حاجة إلى إطار قيمي ينظم هذه العلاقة ولا حاجة لرباط الدين لإعطاء العلاقة الجنسية مقبولية ومشروعية مجتمعية فالبعد الفردي والحرية الشخصية هما المحددات في ممارسة الجنس فلماذا نتزوج وننجب أطفالا وننشئ أسرا في الوقت الذي يمكن للأفراد أن يختاروا غير ذلك ؟ ولماذا نتقيد في إطار الأسرة إذا كان بالإمكان أن نختار أطرا أخرى لممارسة الجنس؟
انحصر النقاش حول فكرة أن ممارسة الجنس بكل حرية ومن دون إطار منظم لها و ربط الجنس بفكرة المتعة الفردية هي مسألة لا تتعارض مع الدين وأن هذه الإرادة الحرة لا تتنافى مع ما جاءت به الشرائع السماوية في نظرتها للممارسة الجنسية ذلك أن فكرة المتعة التي تقوم عليها فلسفة الحرية الجنسية لا يصادرها الإسلام ولا يصطدم معها كما لا يمنعها ذلك أن الدين قد شرع للإنسان أن يستمتع بمتع الحياة بل أن بعض النصوص الدينية تعتبر أن المتع الحسية إذا مارسها الانسان بطرق مشروعة فإنها تدخل في نطاق العبادة والعمل الصالح والتقرب إلى الخالق .. الدين لا يحرم المتع والملذات ولكنه ينظمها حتى لا تنفلت وتتحول إلى فوضى تهدد تماسك المجتمع فكل المجتمعات حتى تلك التي لا تقوم على أساس ديني تمنع انفلات المتع داخلها وتضع قيودا على ممارسة الحريات الفردية من أجل الصالح العام ومصلحة المجموعة فليس هناك حرية مطلقة محررة من أي قيد وإلا تحولت إلى فوضى وتسيب وتحلل والمتع مهما كان نوعها جنسية كانت أو غيرها معترف بها وهي مقررة ولكنها منظمة وفق التعاليم والشرائع الدينية قال تعالى " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب "
الإنسان مجبول بطبعه على حب المتع الدنيوية والجنس من بين هذه المتع المهمة لتحقيق التوازن النفسي ولاستمرار الحياة وبقاء البشرية حية ولكن طريقة الاستفادة منها هي التي يجب أن تعدل وتؤطر لصالح الفرد والمجتمع والمنتظم الانساني.
هناك مجتمعات تختار أن تكون ممارسة الجنس داخلها حرة بعيدا عن تدخل الدين وتعاليمه وعين الدولة ورقابة القانون وأخرى تختار أن توجه حرية الأفراد في ربط العلاقات الجنسية وتوظيفها لصالح المجتمع فالممارسة الجنسية ليست ممارسة من أجل الجنس فقط وإلا تحول الانسان الى حيوان همه تلبية غرائزه في أوقات معلومة وإنما ممارسة الجنس فضلا عن أهميته في تحقيق إنسانية الإنسان فهو ممارسة من أجل النمو الانساني ومن أجل أن تتواصل الحياة وتبقى على هذه الأرض من خلال تكوين الأسر والإنجاب وإن ممارسة الجنس وفق مقاربة الحرية الفردية لها استتباعات مجتمعية خطيرة في علاقة بالأسرة والأبناء والعلاقات داخل المجتمع ولها وفق المقاربة الدينية استتباعات أخرى حيث النظرة للإنسان أشمل من مجرد ممارسة جنسية مادية بوصفه خليفة الله في الأرض من أجل اعمارها وإصلاحها وهو مؤتمن على هذه المهمة في اطار المفهوم الواسع للعبادة وفلسفة الدين التي تعتبر أن الله لم يخلق الإنسان عبثا من اجل أن يلهو ويلعب فقط رغم أنه مباح وإنما من أجل غايات أخرى أسمى وأرفع .. فرق كبير بين فكرة المتعة من دون غاية ولا هدف وفكرة المتعة في سياق منهج كامل للحياة..