إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

التلفزة التربوية: المضامين والمحتويات

بقلم: الدكتور منذر عافي

 ان التلفزة بشكل عام، والتلفزة التربوية بشكل خاص، نظامان بهما عدد من العناصر التقنية والمضامين، التي تؤثر جميعها على الفرد والمجتمع بطرق مختلفة. ومن اجل تقييم مشروع تعليمي تبثه التلفزة، من الضروري قياس نسب المشاهدة ومدى تأثير البرامج التربوية على المشاهدين بمختلف تنويعاتهم وخصوصياتهم ومستوياتهم المعرفية والثقافية.

مضامين التلفزة التربوية ووظائفها

لكي نفهم المضامين وقياس تأثيرها على المشاهدين يمكن ملاحظة الجوانب المختلفة للتلفزة التربوية او القناة التعليمية في تونس والتي تعتبر ذات أهمية خاصة وفق العناصر التالية: تقنيات الإرسال، والمحتوى الموجه عن طريق البث التلفزيوني، ونظام الرموز، والعوامل التربوية والعوامل التنظيمية،

ان الهدف الرئيسي لتقنية التلفزيون التعليمي هو بث محتويات معينة دقيقة في إطار تعليمي ملائم، سواء تعلق الأمر باللغات والآداب او الفلسفة، أو الرياضيات، أو الفيزياء، أو التاريخ او الفن، فهذه مواد تعليمية لا ينتجها التلفزيون نفسه حيث ان المحتوى يتم انتاجه وصناعته في فضاء تربوي مدرسي ثم يُدمج تقنيا ويُحول الى رموز قابلة للاستغلال تلفازيا.

تتمثل الوظيفة الرئيسية للمحتوى الذي يتم نقله في تعليم المنهجية ونقل المعلومات العلمية بطريقة بيداغوجية من أجل تطوير المهارات. وتختلف درجة الاستفادة من برامج التلفزة التربوية باختلاف زاوية الرؤية وفضاء المشاهدة. فعندما يكون شخص ما بمفرده أمام جهاز حاسوب في غرفة صغيرة بصدد مشاهدة برنامج تعليمي، فإن التأثير سيكون محدودا ولا يماثل استخدام الشاشة الكبيرة التييمكن ان يشاهدها عدد كبير من الأشخاص مجتمعين معًا. ووفقا لهذا التمشي يمكن القول ان القناة التلفازية التعليمية في تونس قد أمكن لها تحقيق جزء كبير من أهدافها التي بعثت من أجلها.

غالبًا ما تتم مشاهدة التلفزيون في ظروف عائلية واجتماعية متنوعة للغاية، قد يختلف في سياقها تأثيرالبرامج التربوية. ولكن يمكن أيضًا مشاهدة البرامج التلفزيونية التعليمية في الفصول الدراسية، في نوادي التلفزيونالتربوي -التي يمكن احداثها للغرض-أو حتى في الأماكن العامة في الهواء الطلق. يستخدم التلفزيون "لغة" أو نظام رموز يختلف في نواح كثيرة عن الكتب أو اللغة المنطوقة أو حتى السينما. إن التلفزيون ينقل المعاني الاقرب للتجربة الشخصية وتتطلب بلا شك مهارات عقلية لا يستدعيها النظام الرمزي للعديد من الوسائل التعليمية الأخرى. في كثير من الحالات، لا يرجع الارتفاع في مستوى المشاهدة إلى محتوى البرامج التعليميةفقط بل إلى "اللغة التقنية " التي تنقل هذا المحتوى.

يمكن تفسير نجاح عدد كبير من البرامج التلفزيونية التعليمية بالتحالف بين تقنية نقل متطورة ومحتوى تربوي يخاطب المتلقين بطريقة جذابةلها تأثير عميق في مستوى تلقي المعلومات واستيعابها واسترجاعها. ولذلك فان أي تقييم يهدف إلى ابراز ما إذا كانت هذه الوظيفة التعليمية قد تم تنفيذها بشكل مُرض ينبغي أن نفصل فيه بينالتأثيرات الناتجة عن تقنية البثوالتأثيرات التي يحدثها المحتوى نفسه. بمعنى اخر نسعى الى اثبات ان التقنية المستخدمة متطورة قد تفاعلت مع المضمون المقترحبطريقة بيداغوجية تفاعلية وجيدة مع توظيف ذكي "للغة التلفزيون"من اجل تحقيق هدف تعليمي. وفي هذه الوضعية يلعب مدير التلفاز والمنتجون والفنيون والمدرسون والتلاميذ أدوارًا مُهمة في تشكيل المنتج التربوي النهائي.اعتبارا الى ان التنظيم السليم لجهودهم هو مفتاح النجاح.ان هذه الاعتبارات التعليمية لها أهمية قصوى لأنها تعزز أو تعيق النجاح التربوي المنشود.

التلفاز التربوي وسيلة للاتصال ناجعة

يختلف التلفاز التعليمي عن التلفاز العادي في بعض النواحي، ولكنه لا يختلف في جوانب أخرى. من الناحية الفنية، لا يوجد فرق كبير بين النمطين، على الرغم من بعض الاستثناءات في حين أن التلفاز العادي يمثل وسيلة اتصال غير متخصصة تستهدف جمهورًا واسعًا، يتجه التلفاز التعليمي نحو زيادة التخصص لتلبية احتياجات جمهور ذي خصوصية. يختلف التلفازان- سواء للجمهور العامأو للتعليم - بشكل واضح للغاية من حيث محتوى البث والظروف الاجتماعية التي تتم مشاهدتها فيها وما إذا كانت البرامج تعليمية أم لا. يتم اختيار المحتوى التلفزيوني التعليمي على وجه التحديد لتحقيق أهداف تعليمية معينة يراها المجتمع مفيدة ومرغوبة.

 يتم نقل محتوى البرنامج التعليمي في المواقف التي يُنظر إليها على أنها تعزز التعلم الفردي، في حين أن التلفزيون المخصص لعامة الناس لا يحاول هيكلة السياق الاجتماعي بهذه الطريقة. وبالتالي يمكن تصميم شروط المشاهدة الخاصة كجزء لا يتجزأ من نظام التلفزيون التعليمي – على الرغم من أن التعليم، على الأقل في جانبه الرسمي، هو ظاهرة تواصلية وأن الكثير من عملية الاتصال تتضمن مناهج تربوية، إلا أن هناك عددًا قليلاً من المفاهيم المشتركة بين التخصصين. يوجد دائمًا "جهاز إرسال" - مدرس أو مؤلف أو منتج لبرامج تلفزيونية تعليمية - يناسب نظامًا اجتماعيًا أكبر باستخدام وسيلة اتصال واحدة أو أكثر لنقل بعض الرسائل المشفرة إلى "المتلقين" - أي التلاميذ، أو الأشخاص الآخرين الذين يمثلون الفئات المستهدفة من التعليم. يؤثر المحتوى الذي يتم نقله على اكتساب المعارف والمواقف والعادات والمهارات وتنميتها؛

تؤثر الظروف أو البيئة الاجتماعية التي يتلقى فيها المشاهدون البرنامج على العادات والسلوكيات الاجتماعية؛ كما تحدد الأنظمة الرمزية التي تستخدمها لغة التلفزيون مدى سهولة أو صعوبة التعلم؛ وتتصل الاعتبارات التربوية والتعليمية بعملية التعلم وصولاً إلى أصغر التفاصيل وكذلك العلاقة بين هيكل البرامج ونتائجها؛

 ومع ذلك، هناك جانبان من جوانب الفعل التربوي في التلفزيون التربوي يختلفان بوضوح عن الأساليب المعتادة للاتصال. أولاً، يكون البرنامج التلفزيوني التعليمي عمومًا مختلفا في أهدافه عن الوسائل التلفزيونية الأخرى، لأنه يستهدف جمهورًا محددًا جيدًا لأغراض محددة. ثانيًا، يسعى التلفزيون التعليمي إلى ضمان التطور الشخصي ونمو الجمهور المستهدف، في حين أن الرسائل التلفزيونية التجاريةتبدو غالبا مصممة بشكل عام فقط لإحداث تأثير استهلاكي فوري. ومع ذلك، على الرغم من هذه الاختلافات، يبدو أن مناهج التعليم وتلك الخاصة بالاتصال لديها العديد من النقاط المشتركة..

ومن المعلوم ان عملية الاتصال (أو التدريس) لا تبدأ في نفس المرحلة لجميع المشاهدين بالنسبة للمتلقي (المتعلم)،فقد تنطلق العملية عندمايشغل المتلقي جهاز التلفزيون، أو عندما يبدأ المعلم درسه. يمكن أن تكون العوامل الوسيطة بين بث المادة التربوية والنتائج المنجزة مهمة، لأن نتيجة التعلم لا تعتمد فقط على بث البرنامج ولكن أيضًا على العمليات التقنية والبيداغوجية المتداخلة. وهذا الامر يجعل اثار المضامين التربوية الموجهة عبر التلفاز تختلف عن الآثار المباشرة للإعلانات، والخطب السياسية،والمسلسلات والأفلام،وغيرها. التي ينقلها التلفاز العادي..)

التلفاز التعليمي وتعزيز التواصل

ان وظيفة تعزيز التواصل بين الأشخاص أكثر أهمية من وظيفة البث، مما يعطي وزناً أكبر لعنصر الاتصال للوساطة فيما يتعلق بالمساهمات. من بين المتغيرات الوسيطة أو المتداخلة الرئيسية بين المدخلات والنتائج الاختلافات في طرق التدريس، وأجواء الفصل، واتجاهات المدرسين، والموقف الأولي للتلاميذ. يمكن أن يكون المتلقون منتبهين أو مهتمين أو متحمسين أو مهتمين برسالة تربوية لها هيكل وتصميم اعلامي مخصوص. انالتأثيرات وسيطة ذات طبيعة نفسية أو اجتماعية أو حتى تنظيمية. تعتمد طبيعتها وشدتها على طبيعة المدخلات وتفاعلها مع طبيعة المستقبل وبيئته.. يكون التأثير فعالًا أم لا اعتمادًا على ما إذا كانت النتيجة تتوافق مع النية والهدف المنشود أم لا، وما إذا كان ذلك مرغوبًا أم لا.

هذا التمييز لا يعني أنه لا توجد بشكل عام في مجال البرامج التلفازية التربوية علاقة بين التأثير والفعالية. على العكس من ذلك، فإن الاثنين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. من الواضح أنه كلما زادت المصادفة بين نوايا مرسل الرسالة والآثار النفسية التي تثيرها هذه الرسالة، زادت فرصة أن تكون هذه الأخيرة فعالة أيضا سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو مرتبطة بالمنظمة، هي عناصر وسيطة تؤثر على الكفاءة ويبدو من الصعب تقييم ذلك دون أخذها في الاعتبار أيضًا..

كل هذا يعني أن تقييم التلفاز التعليمي يجب أن يأخذ في الاعتبار عمليات الوساطة (تأثير المدخلات على المتغيرات الوسيطة) ومن خلال فحص تأثيرات البرنامج وفعاليته بشكل منفصل. من المستحيل تقييم فعالية البرنامج بشكل صحيح إذا لم نكن نعرف آثاره الوسيطة. تختلف أهداف التلفاز التعليمي حسب المستوى العام لتطور النظام التعليمي؛ يعتمد الدور المنوط به على الوضع العام لهذهالمنظومة وعلى الأهداف التي يعينها المجتمع لهذا النظام. وبالتالي، لا يمكن تقييم التلفاز التربوي وفق نموذج واحد يتلاءم مع جميع الأدوار الاجتماعية والأهداف التربوية. علاوة على ذلك تؤدي البرامج التلفزيونية التعليمية وظائف مختلفة وتلبي احتياجات مختلفة.. أي القيام بفعلتواصلي /اتصالي في مجال التعليم وبالتالي هناك مجموعة كاملة من المعايير المقابلة التي يمكن أن يشملها التقييم.

إن المتلقي هو الذي يستخدم الرسالة لتلبية الاحتياجات الشخصية ويتمكن بواسطتها من تأدية وظائف معينة. يتوافق هذا المفهوم تمامًا مع نظريات التعليم الحديثة التي تعتبر أن التلميذ شخص نشط ولديه دوافع ذاتية.

ينبغي ان تضمن القناة التلفازية التعليمية وظيفة "التغذية الراجعة" لجميع المشاهدين؛وهي عبارة عن "تشخيص" أكثر من كونها "أحكام". ومن الواضح أن المدير والمنتجين والمدرسين وأجزاء أخرى من نظام التعليم بحاجة إلى هذه "التعليقات". لان التلفاز التربوي ليس استثناء من هذه القاعدة. ومع ذلك، بحكم طبيعتها، يصعب عادةً الحصول على "تعليقات" فورية على البرامج التربوية. لذلك ليس من المستغرب أن نرى بعض البرامج التليفزيونية التعليمية، حتى تلك التي تم اعدادها وتنفيذها بشكل سيء، تستمر لفترة طويلة نسبيًا قبل أن تتوفر "التغذية المرتدة" التصحيحية.تمنح الفرضية الوظيفية دورًا نشطًا للمتلقي (أو، في الواقع، لأي جزء مهم آخر من العملية). ومن الواضح أنه ينبغي تصميم عناصر التقييم التلفزيوني التعليمي لتوفير معلومات "تشخيصية"؛ وللحصول على "تعليقات نقدية وتقييمية للبرامج التربوية قصد التعديل والتجديدلتقييم التلفاز التعليمي، هذا يعني أنه بالإضافة إلى الأهداف المعلنة لاحد البرامج التعليمية، قد يكون هناك العديد من الأهداف الأخرى، وكذلك العديد من النتائج الأخرى، التي غالبًا ما تكون غير واضحة.

يؤدي تقييم التلفاز التعليمي وظيفة لا يمكن الاستغناء عنها من خلال إتاحة هذه "التغذية الراجعة" للمخططين والمخرجين والمنتجين، بشرط أن تكون بمثابة "تشخيص موضوعي " وليست "مجرد احكام عابرة ". يساعد التقييمعلى ابراز ما إذا كان نظام التلفزيون التعليمي (أو مهمة معينة) فعالًا أم لا، وفقًا لمعايير معينة للحكم على الفعالية. ومن ناحية أخرى، يشير التقييم التشخيصي إلى محتوى البرنامج إذا كان أكثر أو أقل فاعلية ووفي سياق أي ظروف انجز وبالتالي يساعد المشرفين على التعديل لزيادة كفاءة وفعالية برامجهم التلفازية ذات المضامين التعليمية.

 يمكن فقط للتشخيص الذي يعتمد على عناصر المنظومة التربوية أن يشير إلى التعديلات المحددة التي يمكن أن تجعل البث التلفازي أكثر كفاءة..ومن هذا المنطلق نُثمّنالمساعي الجادة التي تبذل في وزارة التربية حاليا مناجل أن يكون التلفزيون التعليمي عاملا رئيسيا يساعد على الإصلاح التعليمي، وليس مجرد عنصر هامشي في نظام تعليمي مرتبك وغير متطور.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التلفزة التربوية: المضامين والمحتويات

بقلم: الدكتور منذر عافي

 ان التلفزة بشكل عام، والتلفزة التربوية بشكل خاص، نظامان بهما عدد من العناصر التقنية والمضامين، التي تؤثر جميعها على الفرد والمجتمع بطرق مختلفة. ومن اجل تقييم مشروع تعليمي تبثه التلفزة، من الضروري قياس نسب المشاهدة ومدى تأثير البرامج التربوية على المشاهدين بمختلف تنويعاتهم وخصوصياتهم ومستوياتهم المعرفية والثقافية.

مضامين التلفزة التربوية ووظائفها

لكي نفهم المضامين وقياس تأثيرها على المشاهدين يمكن ملاحظة الجوانب المختلفة للتلفزة التربوية او القناة التعليمية في تونس والتي تعتبر ذات أهمية خاصة وفق العناصر التالية: تقنيات الإرسال، والمحتوى الموجه عن طريق البث التلفزيوني، ونظام الرموز، والعوامل التربوية والعوامل التنظيمية،

ان الهدف الرئيسي لتقنية التلفزيون التعليمي هو بث محتويات معينة دقيقة في إطار تعليمي ملائم، سواء تعلق الأمر باللغات والآداب او الفلسفة، أو الرياضيات، أو الفيزياء، أو التاريخ او الفن، فهذه مواد تعليمية لا ينتجها التلفزيون نفسه حيث ان المحتوى يتم انتاجه وصناعته في فضاء تربوي مدرسي ثم يُدمج تقنيا ويُحول الى رموز قابلة للاستغلال تلفازيا.

تتمثل الوظيفة الرئيسية للمحتوى الذي يتم نقله في تعليم المنهجية ونقل المعلومات العلمية بطريقة بيداغوجية من أجل تطوير المهارات. وتختلف درجة الاستفادة من برامج التلفزة التربوية باختلاف زاوية الرؤية وفضاء المشاهدة. فعندما يكون شخص ما بمفرده أمام جهاز حاسوب في غرفة صغيرة بصدد مشاهدة برنامج تعليمي، فإن التأثير سيكون محدودا ولا يماثل استخدام الشاشة الكبيرة التييمكن ان يشاهدها عدد كبير من الأشخاص مجتمعين معًا. ووفقا لهذا التمشي يمكن القول ان القناة التلفازية التعليمية في تونس قد أمكن لها تحقيق جزء كبير من أهدافها التي بعثت من أجلها.

غالبًا ما تتم مشاهدة التلفزيون في ظروف عائلية واجتماعية متنوعة للغاية، قد يختلف في سياقها تأثيرالبرامج التربوية. ولكن يمكن أيضًا مشاهدة البرامج التلفزيونية التعليمية في الفصول الدراسية، في نوادي التلفزيونالتربوي -التي يمكن احداثها للغرض-أو حتى في الأماكن العامة في الهواء الطلق. يستخدم التلفزيون "لغة" أو نظام رموز يختلف في نواح كثيرة عن الكتب أو اللغة المنطوقة أو حتى السينما. إن التلفزيون ينقل المعاني الاقرب للتجربة الشخصية وتتطلب بلا شك مهارات عقلية لا يستدعيها النظام الرمزي للعديد من الوسائل التعليمية الأخرى. في كثير من الحالات، لا يرجع الارتفاع في مستوى المشاهدة إلى محتوى البرامج التعليميةفقط بل إلى "اللغة التقنية " التي تنقل هذا المحتوى.

يمكن تفسير نجاح عدد كبير من البرامج التلفزيونية التعليمية بالتحالف بين تقنية نقل متطورة ومحتوى تربوي يخاطب المتلقين بطريقة جذابةلها تأثير عميق في مستوى تلقي المعلومات واستيعابها واسترجاعها. ولذلك فان أي تقييم يهدف إلى ابراز ما إذا كانت هذه الوظيفة التعليمية قد تم تنفيذها بشكل مُرض ينبغي أن نفصل فيه بينالتأثيرات الناتجة عن تقنية البثوالتأثيرات التي يحدثها المحتوى نفسه. بمعنى اخر نسعى الى اثبات ان التقنية المستخدمة متطورة قد تفاعلت مع المضمون المقترحبطريقة بيداغوجية تفاعلية وجيدة مع توظيف ذكي "للغة التلفزيون"من اجل تحقيق هدف تعليمي. وفي هذه الوضعية يلعب مدير التلفاز والمنتجون والفنيون والمدرسون والتلاميذ أدوارًا مُهمة في تشكيل المنتج التربوي النهائي.اعتبارا الى ان التنظيم السليم لجهودهم هو مفتاح النجاح.ان هذه الاعتبارات التعليمية لها أهمية قصوى لأنها تعزز أو تعيق النجاح التربوي المنشود.

التلفاز التربوي وسيلة للاتصال ناجعة

يختلف التلفاز التعليمي عن التلفاز العادي في بعض النواحي، ولكنه لا يختلف في جوانب أخرى. من الناحية الفنية، لا يوجد فرق كبير بين النمطين، على الرغم من بعض الاستثناءات في حين أن التلفاز العادي يمثل وسيلة اتصال غير متخصصة تستهدف جمهورًا واسعًا، يتجه التلفاز التعليمي نحو زيادة التخصص لتلبية احتياجات جمهور ذي خصوصية. يختلف التلفازان- سواء للجمهور العامأو للتعليم - بشكل واضح للغاية من حيث محتوى البث والظروف الاجتماعية التي تتم مشاهدتها فيها وما إذا كانت البرامج تعليمية أم لا. يتم اختيار المحتوى التلفزيوني التعليمي على وجه التحديد لتحقيق أهداف تعليمية معينة يراها المجتمع مفيدة ومرغوبة.

 يتم نقل محتوى البرنامج التعليمي في المواقف التي يُنظر إليها على أنها تعزز التعلم الفردي، في حين أن التلفزيون المخصص لعامة الناس لا يحاول هيكلة السياق الاجتماعي بهذه الطريقة. وبالتالي يمكن تصميم شروط المشاهدة الخاصة كجزء لا يتجزأ من نظام التلفزيون التعليمي – على الرغم من أن التعليم، على الأقل في جانبه الرسمي، هو ظاهرة تواصلية وأن الكثير من عملية الاتصال تتضمن مناهج تربوية، إلا أن هناك عددًا قليلاً من المفاهيم المشتركة بين التخصصين. يوجد دائمًا "جهاز إرسال" - مدرس أو مؤلف أو منتج لبرامج تلفزيونية تعليمية - يناسب نظامًا اجتماعيًا أكبر باستخدام وسيلة اتصال واحدة أو أكثر لنقل بعض الرسائل المشفرة إلى "المتلقين" - أي التلاميذ، أو الأشخاص الآخرين الذين يمثلون الفئات المستهدفة من التعليم. يؤثر المحتوى الذي يتم نقله على اكتساب المعارف والمواقف والعادات والمهارات وتنميتها؛

تؤثر الظروف أو البيئة الاجتماعية التي يتلقى فيها المشاهدون البرنامج على العادات والسلوكيات الاجتماعية؛ كما تحدد الأنظمة الرمزية التي تستخدمها لغة التلفزيون مدى سهولة أو صعوبة التعلم؛ وتتصل الاعتبارات التربوية والتعليمية بعملية التعلم وصولاً إلى أصغر التفاصيل وكذلك العلاقة بين هيكل البرامج ونتائجها؛

 ومع ذلك، هناك جانبان من جوانب الفعل التربوي في التلفزيون التربوي يختلفان بوضوح عن الأساليب المعتادة للاتصال. أولاً، يكون البرنامج التلفزيوني التعليمي عمومًا مختلفا في أهدافه عن الوسائل التلفزيونية الأخرى، لأنه يستهدف جمهورًا محددًا جيدًا لأغراض محددة. ثانيًا، يسعى التلفزيون التعليمي إلى ضمان التطور الشخصي ونمو الجمهور المستهدف، في حين أن الرسائل التلفزيونية التجاريةتبدو غالبا مصممة بشكل عام فقط لإحداث تأثير استهلاكي فوري. ومع ذلك، على الرغم من هذه الاختلافات، يبدو أن مناهج التعليم وتلك الخاصة بالاتصال لديها العديد من النقاط المشتركة..

ومن المعلوم ان عملية الاتصال (أو التدريس) لا تبدأ في نفس المرحلة لجميع المشاهدين بالنسبة للمتلقي (المتعلم)،فقد تنطلق العملية عندمايشغل المتلقي جهاز التلفزيون، أو عندما يبدأ المعلم درسه. يمكن أن تكون العوامل الوسيطة بين بث المادة التربوية والنتائج المنجزة مهمة، لأن نتيجة التعلم لا تعتمد فقط على بث البرنامج ولكن أيضًا على العمليات التقنية والبيداغوجية المتداخلة. وهذا الامر يجعل اثار المضامين التربوية الموجهة عبر التلفاز تختلف عن الآثار المباشرة للإعلانات، والخطب السياسية،والمسلسلات والأفلام،وغيرها. التي ينقلها التلفاز العادي..)

التلفاز التعليمي وتعزيز التواصل

ان وظيفة تعزيز التواصل بين الأشخاص أكثر أهمية من وظيفة البث، مما يعطي وزناً أكبر لعنصر الاتصال للوساطة فيما يتعلق بالمساهمات. من بين المتغيرات الوسيطة أو المتداخلة الرئيسية بين المدخلات والنتائج الاختلافات في طرق التدريس، وأجواء الفصل، واتجاهات المدرسين، والموقف الأولي للتلاميذ. يمكن أن يكون المتلقون منتبهين أو مهتمين أو متحمسين أو مهتمين برسالة تربوية لها هيكل وتصميم اعلامي مخصوص. انالتأثيرات وسيطة ذات طبيعة نفسية أو اجتماعية أو حتى تنظيمية. تعتمد طبيعتها وشدتها على طبيعة المدخلات وتفاعلها مع طبيعة المستقبل وبيئته.. يكون التأثير فعالًا أم لا اعتمادًا على ما إذا كانت النتيجة تتوافق مع النية والهدف المنشود أم لا، وما إذا كان ذلك مرغوبًا أم لا.

هذا التمييز لا يعني أنه لا توجد بشكل عام في مجال البرامج التلفازية التربوية علاقة بين التأثير والفعالية. على العكس من ذلك، فإن الاثنين مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. من الواضح أنه كلما زادت المصادفة بين نوايا مرسل الرسالة والآثار النفسية التي تثيرها هذه الرسالة، زادت فرصة أن تكون هذه الأخيرة فعالة أيضا سواء كانت نفسية أو اجتماعية أو مرتبطة بالمنظمة، هي عناصر وسيطة تؤثر على الكفاءة ويبدو من الصعب تقييم ذلك دون أخذها في الاعتبار أيضًا..

كل هذا يعني أن تقييم التلفاز التعليمي يجب أن يأخذ في الاعتبار عمليات الوساطة (تأثير المدخلات على المتغيرات الوسيطة) ومن خلال فحص تأثيرات البرنامج وفعاليته بشكل منفصل. من المستحيل تقييم فعالية البرنامج بشكل صحيح إذا لم نكن نعرف آثاره الوسيطة. تختلف أهداف التلفاز التعليمي حسب المستوى العام لتطور النظام التعليمي؛ يعتمد الدور المنوط به على الوضع العام لهذهالمنظومة وعلى الأهداف التي يعينها المجتمع لهذا النظام. وبالتالي، لا يمكن تقييم التلفاز التربوي وفق نموذج واحد يتلاءم مع جميع الأدوار الاجتماعية والأهداف التربوية. علاوة على ذلك تؤدي البرامج التلفزيونية التعليمية وظائف مختلفة وتلبي احتياجات مختلفة.. أي القيام بفعلتواصلي /اتصالي في مجال التعليم وبالتالي هناك مجموعة كاملة من المعايير المقابلة التي يمكن أن يشملها التقييم.

إن المتلقي هو الذي يستخدم الرسالة لتلبية الاحتياجات الشخصية ويتمكن بواسطتها من تأدية وظائف معينة. يتوافق هذا المفهوم تمامًا مع نظريات التعليم الحديثة التي تعتبر أن التلميذ شخص نشط ولديه دوافع ذاتية.

ينبغي ان تضمن القناة التلفازية التعليمية وظيفة "التغذية الراجعة" لجميع المشاهدين؛وهي عبارة عن "تشخيص" أكثر من كونها "أحكام". ومن الواضح أن المدير والمنتجين والمدرسين وأجزاء أخرى من نظام التعليم بحاجة إلى هذه "التعليقات". لان التلفاز التربوي ليس استثناء من هذه القاعدة. ومع ذلك، بحكم طبيعتها، يصعب عادةً الحصول على "تعليقات" فورية على البرامج التربوية. لذلك ليس من المستغرب أن نرى بعض البرامج التليفزيونية التعليمية، حتى تلك التي تم اعدادها وتنفيذها بشكل سيء، تستمر لفترة طويلة نسبيًا قبل أن تتوفر "التغذية المرتدة" التصحيحية.تمنح الفرضية الوظيفية دورًا نشطًا للمتلقي (أو، في الواقع، لأي جزء مهم آخر من العملية). ومن الواضح أنه ينبغي تصميم عناصر التقييم التلفزيوني التعليمي لتوفير معلومات "تشخيصية"؛ وللحصول على "تعليقات نقدية وتقييمية للبرامج التربوية قصد التعديل والتجديدلتقييم التلفاز التعليمي، هذا يعني أنه بالإضافة إلى الأهداف المعلنة لاحد البرامج التعليمية، قد يكون هناك العديد من الأهداف الأخرى، وكذلك العديد من النتائج الأخرى، التي غالبًا ما تكون غير واضحة.

يؤدي تقييم التلفاز التعليمي وظيفة لا يمكن الاستغناء عنها من خلال إتاحة هذه "التغذية الراجعة" للمخططين والمخرجين والمنتجين، بشرط أن تكون بمثابة "تشخيص موضوعي " وليست "مجرد احكام عابرة ". يساعد التقييمعلى ابراز ما إذا كان نظام التلفزيون التعليمي (أو مهمة معينة) فعالًا أم لا، وفقًا لمعايير معينة للحكم على الفعالية. ومن ناحية أخرى، يشير التقييم التشخيصي إلى محتوى البرنامج إذا كان أكثر أو أقل فاعلية ووفي سياق أي ظروف انجز وبالتالي يساعد المشرفين على التعديل لزيادة كفاءة وفعالية برامجهم التلفازية ذات المضامين التعليمية.

 يمكن فقط للتشخيص الذي يعتمد على عناصر المنظومة التربوية أن يشير إلى التعديلات المحددة التي يمكن أن تجعل البث التلفازي أكثر كفاءة..ومن هذا المنطلق نُثمّنالمساعي الجادة التي تبذل في وزارة التربية حاليا مناجل أن يكون التلفزيون التعليمي عاملا رئيسيا يساعد على الإصلاح التعليمي، وليس مجرد عنصر هامشي في نظام تعليمي مرتبك وغير متطور.