إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم نجاح تجربة تعلمهم في بنزرت: التربية تتنكر لمسار التعليم المندمج للمكفوفين.. وتواصل سياساتها الطاردة والعازلة لحاملي الإعاقة

 

"التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس يقر، بأن برنامـج الدمـج المدرسي لذوي وذوات الإعاقة مـازال يتطلب بـذل الجهـد، ولـم يرتـق إلـى الاستجابة لحاجيـات الأطفال ذوي الإعاقة أو انتظارات أوليائهـم".

تونس-الصباح

يواجه التلاميذ الناجحون في امتحان "السيزيام" من فاقدي البصر ممن زاولوا تعليمهم في المدارس الدامجة ببنزرت، مشكلا في مواصلة التعلم في إعداديات قريبة من منازلهم وتكون في امتداد للمشروع النموذجي للتعليم المندمج الذي أقرته وزارة التربية منذ ست سنوات على مستوى ولاية بنزرت.

والى غاية اليوم لم تتفاعل وزارة التربية مع طلب أولياء هؤلاء التلاميذ ببعث قسم على مستوى إحدى إعداديات بنزرت يسمح بمواصلة أبنائهم للتعلم في إطار نفس البرنامج الدامج ويضمن بقاءهم صلب أسرهم.

ويضطر التلميذ من ذوي وذوات الإعاقة البصرية مع بلوغه سن التمدرس، 6 سنوات، الى مغادرة أسرهم من أجل الالتحاق بأحد مراكز تعلم المكفوفين الثلاث ببن عروس أو سوسة أو قابس. وكانت تجربة القسم الدامج في المرحلة الابتدائية لذوي وذوات الإعاقة البصرية ببنزرت تجربة نموذجية شملت 6 تلاميذ مكفوفين من عدد من مناطق الجهة وتمت بالتنسيق والتعاون بين المندوبية الجهوية للتربية وجمعية صوروبتيميست" الدولية نادي بنزرت، وصفها آنذاك وزير التربية بالمبادرة "الحضارية" وأكد أن الوزارة ستعمل على تعميمها على كل ولايات الجمهورية. وتعد مبادرة القسم المندمج في بنزرت التجربة الثانية من نوعها في علاقة بالتلاميذ من فاقدي البصر بعد قسم الباكالوريا الذي تم بعثه في صفاقس لذوي وذوات الإعاقة البصرية.

وتعرضت تجربة القسم المندمج ببنزرت عند انطلاقها للكثير من النقد، واعتبرت أنها لم تخرج عن المفهوم "الطارد والعازل "الذي تتعامل في إطاره وزارة التربية مع الأطفال من ذوي وذوات الإعاقة ومنها البصرية.

وقال محمد المنصوري رئيس جمعية إبصار في لقائه بـ"الصباح" آنذاك إن مراكز تدريس المكفوفين تضم أكثر من 70 % من المدرسين من المكفوفين، وتجارب التعليم المندمج كل التلاميذ فيها في المرحلة الابتدائية والثانوية فاقدون للبصر أو بحالات نقص نظر متقدمة. وزارة التربية تتعامل معهم في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم، بعيدا كل البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ أو بين الجنسين.

ويوضح أن مسارات التمدرس تنقسم الى نوعين، مسار عادي للتمدرس داخل المؤسسات التربوية العادية والمتواجد على مستوى كل ولايات الجمهورية وأخرى خاصة عازلة موجهة لذوي وذوات الإعاقة ومنهم المكفوفون.

ويشير المنصوري إلى أن المكفوف لا يتلقى تعليمه في بيئته أو قرب عائلته، فهو مضطر لمغادرة منزله وأسرته في سن الـ6 سنوات من أجل تلقي تعليمه الابتدائي والثانوي كمقيم، في الوقت الذي كان يفترض أن الهدف من الإدماج يكون عبر خلق الاختلاط بين التلامذة المكفوفين وبين بقية التلاميذ في المدارس أو المعاهد. يتقاسمون معهم مقاعد الدراسة وفضاءات الترفيه وفترة الاستراحة داخل ساحة المؤسسة التربوية.

ويعتبر رئيس جمعية إبصار أن وزارة التربية باعتبارها الفاعل الأول في ما يتصل بالتحصيل العلمي للمكفوفين، هي لا تحترم أسس التعليم الدامج الذي ينص عليه القانون ولا تمكن المكفوف من القراء والكتابة بلغة "براي"، غير مواكبة للتطور التكنولوجي ولا توفر أي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف. ولا تراعي خلال كل المسار التعليمي أنهم فئات اجتماعية فقيرة- الفقر والإعاقة أمران متلازمان- وان تكلفة الطفل حامل الإعاقة أكثر بـ3 أو 4 مرات من تكلفة الطفل العادي وأن عددا كبيرا منهم يغادرون مقاعد الدراسة نتيجة فقرهم وعدم قدرتهم على توفير تغطية كلفة تعلميهم.

ومن الجانب التشريعي تنص القوانين والدستور التونسي بحق ذوي وذوات الإعاقة الانتفاع، حسب طبيعة إعاقتهم، بكل التدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان ذلك. وتؤكد الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية أن دمج ذوي وذوات الإعاقة من التلاميذ يتنزل ضمن احترام حقوق الإنسان ومبدأ المساواة في فرص التعلم بين الجميع دون استثناء.

في المقابل تعكس كل المؤشرات الصادرة في تقارير ودراسات في هذا الشأن مسالة التعليم المندمج تبقى أمرا منقوصا، ويقر التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس لسنة 2022، أن برنامـج الدمـج المدرسي  لذوي وذوات الإعاقة مـازال يتطلب بـذل الكثير مـن الجهـد، ولـم يرتـق إلـى الاستجابة لحاجيـات الأطفال ذوي الإعاقة أو انتظارات أوليائهـم، فلـم يسـتوعب الحـد الأدنى مـن حقهم  في عملية الدمج .

في نفس الوقت يكشف معلمون في شهادات لهم، أنهم يواجهون إشكاليات واضحة في استقبال ذوي وذوات الإعاقة في أقسامهم، ففي غالبية التجارب لا يتم التقليص في عدد التلاميذ عن كل حامل إعاقة داخل القسم كما ينص عليه القانون. ليجد المربي نفسه مطالبا ببذل جهد مضاعف لتحقيق نتائج مرضية.. وفي العموم دمج التلميذ من ذوي وذوات الإعاقة أو تحقيقه لنتائج دراسية مشابهة لرفاقه وأترابه في نفس القسم تكون بفضل مجهودات تبذلها العائلة والمعلم.

وتجدر الإشارة الى أن المنظومة التعليمية الطاردة وسياسة العزل والإقصاء التي تعتمدها، يكون وقعها أعمق لدى الإناث منها على الذكور، أين تشير الإحصائيات الصادرة في نفس تقرير وضع الطفولة إلى أن التلاميذ المدمجين في المرحلة الإعدادية من التعليم الثانوي أغلبهم ذكور بنسبة 66 % بينما لا تلتحق سوى 34 % فقط من الإناث بمقاعد التعليم بسبب عدم ملاءمة الفضاءات المدرسية لمتطلبات التلاميذ من حاملي الإعاقة وأحيانا صعوبة التنقل إلى المؤسسات التعليمية وما يجعل هذه الفئة الأقرب للتسرب والانقطاع المدرسي.

ريم سوودي

رغم نجاح تجربة تعلمهم في بنزرت:   التربية تتنكر لمسار التعليم المندمج للمكفوفين.. وتواصل سياساتها الطاردة والعازلة لحاملي الإعاقة

 

"التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس يقر، بأن برنامـج الدمـج المدرسي لذوي وذوات الإعاقة مـازال يتطلب بـذل الجهـد، ولـم يرتـق إلـى الاستجابة لحاجيـات الأطفال ذوي الإعاقة أو انتظارات أوليائهـم".

تونس-الصباح

يواجه التلاميذ الناجحون في امتحان "السيزيام" من فاقدي البصر ممن زاولوا تعليمهم في المدارس الدامجة ببنزرت، مشكلا في مواصلة التعلم في إعداديات قريبة من منازلهم وتكون في امتداد للمشروع النموذجي للتعليم المندمج الذي أقرته وزارة التربية منذ ست سنوات على مستوى ولاية بنزرت.

والى غاية اليوم لم تتفاعل وزارة التربية مع طلب أولياء هؤلاء التلاميذ ببعث قسم على مستوى إحدى إعداديات بنزرت يسمح بمواصلة أبنائهم للتعلم في إطار نفس البرنامج الدامج ويضمن بقاءهم صلب أسرهم.

ويضطر التلميذ من ذوي وذوات الإعاقة البصرية مع بلوغه سن التمدرس، 6 سنوات، الى مغادرة أسرهم من أجل الالتحاق بأحد مراكز تعلم المكفوفين الثلاث ببن عروس أو سوسة أو قابس. وكانت تجربة القسم الدامج في المرحلة الابتدائية لذوي وذوات الإعاقة البصرية ببنزرت تجربة نموذجية شملت 6 تلاميذ مكفوفين من عدد من مناطق الجهة وتمت بالتنسيق والتعاون بين المندوبية الجهوية للتربية وجمعية صوروبتيميست" الدولية نادي بنزرت، وصفها آنذاك وزير التربية بالمبادرة "الحضارية" وأكد أن الوزارة ستعمل على تعميمها على كل ولايات الجمهورية. وتعد مبادرة القسم المندمج في بنزرت التجربة الثانية من نوعها في علاقة بالتلاميذ من فاقدي البصر بعد قسم الباكالوريا الذي تم بعثه في صفاقس لذوي وذوات الإعاقة البصرية.

وتعرضت تجربة القسم المندمج ببنزرت عند انطلاقها للكثير من النقد، واعتبرت أنها لم تخرج عن المفهوم "الطارد والعازل "الذي تتعامل في إطاره وزارة التربية مع الأطفال من ذوي وذوات الإعاقة ومنها البصرية.

وقال محمد المنصوري رئيس جمعية إبصار في لقائه بـ"الصباح" آنذاك إن مراكز تدريس المكفوفين تضم أكثر من 70 % من المدرسين من المكفوفين، وتجارب التعليم المندمج كل التلاميذ فيها في المرحلة الابتدائية والثانوية فاقدون للبصر أو بحالات نقص نظر متقدمة. وزارة التربية تتعامل معهم في غياب كلي للمفهوم الحقوقي للتعليم، بعيدا كل البعد عن مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ أو بين الجنسين.

ويوضح أن مسارات التمدرس تنقسم الى نوعين، مسار عادي للتمدرس داخل المؤسسات التربوية العادية والمتواجد على مستوى كل ولايات الجمهورية وأخرى خاصة عازلة موجهة لذوي وذوات الإعاقة ومنهم المكفوفون.

ويشير المنصوري إلى أن المكفوف لا يتلقى تعليمه في بيئته أو قرب عائلته، فهو مضطر لمغادرة منزله وأسرته في سن الـ6 سنوات من أجل تلقي تعليمه الابتدائي والثانوي كمقيم، في الوقت الذي كان يفترض أن الهدف من الإدماج يكون عبر خلق الاختلاط بين التلامذة المكفوفين وبين بقية التلاميذ في المدارس أو المعاهد. يتقاسمون معهم مقاعد الدراسة وفضاءات الترفيه وفترة الاستراحة داخل ساحة المؤسسة التربوية.

ويعتبر رئيس جمعية إبصار أن وزارة التربية باعتبارها الفاعل الأول في ما يتصل بالتحصيل العلمي للمكفوفين، هي لا تحترم أسس التعليم الدامج الذي ينص عليه القانون ولا تمكن المكفوف من القراء والكتابة بلغة "براي"، غير مواكبة للتطور التكنولوجي ولا توفر أي تجهيزات مساعدة للتلميذ الكفيف. ولا تراعي خلال كل المسار التعليمي أنهم فئات اجتماعية فقيرة- الفقر والإعاقة أمران متلازمان- وان تكلفة الطفل حامل الإعاقة أكثر بـ3 أو 4 مرات من تكلفة الطفل العادي وأن عددا كبيرا منهم يغادرون مقاعد الدراسة نتيجة فقرهم وعدم قدرتهم على توفير تغطية كلفة تعلميهم.

ومن الجانب التشريعي تنص القوانين والدستور التونسي بحق ذوي وذوات الإعاقة الانتفاع، حسب طبيعة إعاقتهم، بكل التدابير التي تضمن لهم الاندماج الكامل في المجتمع وعلى الدولة اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لضمان ذلك. وتؤكد الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الدولة التونسية أن دمج ذوي وذوات الإعاقة من التلاميذ يتنزل ضمن احترام حقوق الإنسان ومبدأ المساواة في فرص التعلم بين الجميع دون استثناء.

في المقابل تعكس كل المؤشرات الصادرة في تقارير ودراسات في هذا الشأن مسالة التعليم المندمج تبقى أمرا منقوصا، ويقر التقرير الوطني حول وضع الطفولة في تونس لسنة 2022، أن برنامـج الدمـج المدرسي  لذوي وذوات الإعاقة مـازال يتطلب بـذل الكثير مـن الجهـد، ولـم يرتـق إلـى الاستجابة لحاجيـات الأطفال ذوي الإعاقة أو انتظارات أوليائهـم، فلـم يسـتوعب الحـد الأدنى مـن حقهم  في عملية الدمج .

في نفس الوقت يكشف معلمون في شهادات لهم، أنهم يواجهون إشكاليات واضحة في استقبال ذوي وذوات الإعاقة في أقسامهم، ففي غالبية التجارب لا يتم التقليص في عدد التلاميذ عن كل حامل إعاقة داخل القسم كما ينص عليه القانون. ليجد المربي نفسه مطالبا ببذل جهد مضاعف لتحقيق نتائج مرضية.. وفي العموم دمج التلميذ من ذوي وذوات الإعاقة أو تحقيقه لنتائج دراسية مشابهة لرفاقه وأترابه في نفس القسم تكون بفضل مجهودات تبذلها العائلة والمعلم.

وتجدر الإشارة الى أن المنظومة التعليمية الطاردة وسياسة العزل والإقصاء التي تعتمدها، يكون وقعها أعمق لدى الإناث منها على الذكور، أين تشير الإحصائيات الصادرة في نفس تقرير وضع الطفولة إلى أن التلاميذ المدمجين في المرحلة الإعدادية من التعليم الثانوي أغلبهم ذكور بنسبة 66 % بينما لا تلتحق سوى 34 % فقط من الإناث بمقاعد التعليم بسبب عدم ملاءمة الفضاءات المدرسية لمتطلبات التلاميذ من حاملي الإعاقة وأحيانا صعوبة التنقل إلى المؤسسات التعليمية وما يجعل هذه الفئة الأقرب للتسرب والانقطاع المدرسي.

ريم سوودي