لم يمر وقت طويل على إثارة قضية بيع مواطنين تونسيين لأعضائهم وتحديدا "الكلى" في اطار شبكة تنشط بين تونس وتركيا، هذه القضية التي شكلت صدمة بالنسبة للتونسيين حتى تم الكشف مؤخرا عن شبكة ثانية تنشط في الاتجار في الاعضاء وتستقطب التونسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مفيدة القيزاني
حيث تم مؤخرا الكشف عن شبكة للاتجار بالأعضاء البشرية وتحديداً الكلى تنشط بين تونس وتركيا منذ سنة 2018، وذلك إثر رصد تدوينات باستعمال حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي دعت تونسيين إلى الاتصال بأعضاء الشبكة للحصول على مبلغ مالي يقدر بـ7 آلاف دولار مقابل بيع كلية، بعد إجراء عملية جراحية لاستئصال الأعضاء في تركيا.
وكشفت التحقيقات عدة عمليات استئصال كلى جرت لتونسيين، كما كشفت أن"هذه المجموعة الإجرامية تنشط عبر الشبكة العنكبوتية وتدار من تركيا بمشاركة سوريين وأردنيين إلى جانب أتراك".
وهذه الشبكة ليست الأولى التي تنشط في تجارة الأعضاء واستقطاب تونسيين حيث قامت في وقت سابق محكمة زغوان وفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بتونس بإحالة ملف مواطن باع إحدى كليتيه في تركيا إلى شخص كونغولي إلى الفرقة المختصة بمكافحة الاتجار بالبشر، وكان وكيل الجمهورية بزغوان صرح حينها أنه تم سماع المتضرر وحجز المبلغ المالي المتبقي الذي تسلمه بعد العملية الجراحية، بينما تعمل الفرقة المختصة في مكافحة الاتجار بالبشر على مواصلة التحقيقات بالتنسيق مع نظائرها خارج البلاد ومع الانتربول للقبض على المتورطين من أعضاء الشبكة الإجرامية.
وتعتبر هذه القضية الأولى من نوعها التي يتعهد بها القضاء التونسي وتنشر لدى المحاكم وهي أول حالة اشتباه بالاتجار بالأعضاء في تونس، وكان منطلق القضية أن مواطنا أصيل منطقة ريفية في زغوان في العقد الثالث من العمر سافر إلى تركيا لمدة قصيرة ولدى عودته ظهرت عليه علامات الثراء المفاجئ وبالتحقيق معه اعترف أنه باع إحدى كليتيه مقابل 16 ألف دولار أميركي أي ما يعادل 48.600 دينار تونسي.
وأفاد شهود من منطقة سمنجة بمعتمدية بئر مشارقة أين يقطن المتضرر أنه شخص فقير الحال متزوج ويعيش ظروفا مادية متدهورة واجتماعية هشة جدا، الأمر الذي سهل عملية استمالته من قبل العصابة وإغرائه بمبلغ مالي دفعه إلى بيع كليته بعد أن تمكن عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من الوصول إلى إحدى الصفحات التي تديرها شبكة إجرامية تستغل الأشخاص من خلال دفعهم إلى بيع أعضائهم مقابل مبالغ مالية.
وقامت الشبكة باستقطابه والتغرير به ثم وقع الاتصال به من قبل وسيط مغربي الجنسية مقيم بتركيا ووفروا له تذاكر السفر مع حجز غرفة فندقية في العاصمة التركية أنقرة ثم أجريت له فحوصات طبية في إحدى المصحات كما تم تزويجه صوريا من ابنة المتبرع لفائدته وهو كنغولي الجنسية وذلك لأن القانون في تركيا يشترط أن يكون التبرع بالأعضاء بين الأقارب فقط.
وكان الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني العقيد حسام الدين الجبابلي أكد في تصريحات صحفية أن فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بزغوان تمكنت من الكشف عن عصابة تنشط في الاتجار بالأعضاء تتكون من 6 أشخاص من جنسيات مختلفة مقيمين في تونس وهم 4 يحملون الجنسية الكونغولية والجنسية المغربية والجنسية الموريتانية، في حين تم ترك المواطن التونسي في حالة سراح إذ يعتبره القانون متضررا ولا يمكن إيقافه.
القانون والاتجار بالاعضاء..
يحجر القانون التونسي "أخذ الأعضاء بمقابل مالي" كما عزّز المشرع التونسي التشريعات التي تضمن الحرمة الجسدية للإنسان بالمصادقة على القانون المتعلق بمنع الاتجار بالبشر ومكافحته سنة 2016.
ويعرف الاتجار بالبشر بأنه "استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيا كانت صوره".
وصدر القانون عدد 22 لسنة 1991 المؤرخ في 25 مارس 1991 المتعلق بأخذ الأعضاء البشريّة وزرعها لتنظيم مسألة التصرف في الأعضاء، وقد أكّـد في فصله الأول على ان الحرمة الجسديّة للإنسان مضمونة وان عمليات أخذ الأعضاء البشريّة وزرعها تخضع للقانون.
واشترط القانون ان أخذ عضو من أي شخص لا يجوز الاّ لغاية علاجية، أي ان المتبرّع يمكنه المساهمة في علاج شخص مريض بتمكينه من عضو من بدنه قصد زرعه.
كما اشترط القانون عدد 22 لسنة 1991 في المتبرع أن يكون رشيدا سليم المدارك العقلية متمتعا بالأهليّة القانونيّة الكاملة وأن يكون رضاه صريحا وصادرا عن اختيار حر.
وأجاز القانون المذكور أخذ عضو من جثة شخص ميت لغاية علاجية أو علمية ما لم تحصل ممانعة من الهالك في قائم حياته أو بعد وفاته بشرط موافقة ورثته الشرعيين اذا كانوا كاملي الأهليّة وحصرهم الفصل الثالث في الأشخاص الآتي ذكرهم وهم: الأبناء - الأب - الأم - الزوج - الأخوة والأخوات والولي الشرعي.
وحجّر القانون التونسي في الفصل الرابع منه أخذ كامل العضو الضروري للحياة من الأحياء لزرعه في شخص آخر ولو برضاه.
ووضّح الفصل المذكور ان العضو الضروري للحياة هو العضو الذي بأخذه تحصل حتما وفاة الشخص الذي أخذ منه.
كما حجّر أخذ أعضاء الإنجاب الناقلة للصفات الوراثيّة من الأحياء والأموات قصد زرعها.
وينص الفصل السادس من قانون 25 مارس 1991 على انه "يحجر أخذ الأعضاء بمقابل مالي أو بأي صفة من صفات التعامل في الحالات المشار إليها بالفصلين 2 و 3 بقطع النظر عن إرجاع المصاريف التي قد تستلزمها عمليات الأخذ والزرع"، وفي صورة مخالفة هذا النص فان كل مخالف يعاقب بالسجن من عامين إلى خمسة أعوام وبخطية تتراوح بين ألفي دينار وخمسة آلاف دينار، ويمكن بالإضافة إلى العقوبات المذكورة حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المدنيّة ومن بعض الوظائف والمهن لمدة تتراوح بين عام وخمسة أعوام.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": في ظل حالة " الانوميا" التي يعيشها المجتمع التونسي تلجأ الفئات الهشة الى بيع أعضائها
وفي تحليله لما يجري لا سيما الدوافع التي تقف خلف إقدام شخص على بيع عضو من أعضائه ووضع حياته في الميزان مقابل مبلغ بسيط من المال يرى الباحث في علم الإجتماع ممدوح عز الدين أنه لكي نفهم واقع جريمة التجارة بالأعضاء البشرية في تونس يبدو ضروريا طرح الملاحظات التالية:
_ أولا: لا بد أن ننسب الأمور ونتحلى بالموضوعية العلمية في المعالجة فلا نهول ولا نهون. .واضح أننا أمام ممارسات فردية لم تتحول إلى ظاهرة اجتماعية بفعل عاملي الكثافة والتواتر كما أنها جريمة مستجدة نسبيا بدأ الحديث عنها سنة 2016.
_ ثانيا: لا بد من التفريق بين تهمة الاتجار بالأعضاء وتهمة بيع الأعضاء إذ يرتبط الاتجار بالأعضاء بجرائم تتعلق بعمليات خطف الأشخاص وسرقة أعضائهم وإجبارهم عن التخلي عنها.
أما تهمة بيع الأعضاء فهو فعل يجرمه القانون التونسي حيث يقوم شخص بتقديم أحد أعضائه لأحد المرضى بمقابل مادي.
في هذه الوضعية يكون على قاضي التحقيق بيان إن كان بعض الاشخاص الموقوفين ضحايا للاتجار بالأعضاء ،أو إنهم تعمدوا بيع أعضاء من أبدانهم وفي الغالب يبيعون كلاهم بمقابل مادي وهنا يمكن أن نتساءل:
هل يعتبر التونسي الذي باع عضوا من أعضاء بدنه مذنبا أو متضررا على اعتبار أنه خرق القانون الذي يمنع هذا التصرف أو هو متضرر تم التغرير به وإغرائه بتحسين وضعه المادي.
ثالثا:_ إن هذه الجريمة ليست محلية بحتة بل عابرة للحدود حيث تتم عبر شبكة دولية لتجارة الأعضاء البشرية تنشط بين تونس وتركيا وتستدرج ضحاياها عبر شبكات التواصل الإجتماعي وعقب الاتفاق معهم يقوم أفرادها بإرسال الضحايا من تونس إلى تركيا لإخضاعهم إلى عمليات جراحية مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 25 و30 ألف دينار للشخص الواحد.
رابعا:_لقد تحولت منصات فيسبوك الى فضاءات للعرض والطلب واستقطاب الباحثين عن المال بعروض مغرية قد تدفعهم الى الدخول الى سوق " قطع الغيار البشري" بعد أن تحولت العملية بالفعل إلى مقايضة تتمثل في دفع المال لشخص محتاج مقابل أعضاء من جسده.
في الواقع عملية زراعة الأعضاء تتم في تونس بصفة مجانية وتطوعية إضافة إلى أن المستفيد من الأعضاء لا يعرف المتطوع مع ضرورة توافر شروط عدة تنص عليها القوانين التونسية، ويتم
التبرع عن طريق شخص ما زال على قيد الحياة ويتمتع بشروط عدة أو من طرف شخص متوف دماغيا ومن المستحيل اعتماد أعضاء من جثث.
مع العلم أن القانون التونسي يمنع تجارة الأعضاء البشرية بمقابل مالي كما تعزز التشريعات الحرمة الجسدية للإنسان بالمصادقة على القانون المتعلق بمنع الاتجار بالبشر ومكافحته عام 2016.
ظاهرة جديدة..
كذلك لا بد أن نقر بعدم وجود مفهوم موحد عالميا لجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية ولا حتى أداة عالمية ذات صلة ملزمة قانونيا مما يشير إلى كون هذه الجريمة ظاهرة جديدة يخطو المجتمع الدولي خطواته الأولى على طريق محاولة فهم نطاقها. ففي حين يقع الاتجار بالبشر بغرض نزع الأعضاء تحت مظلة بروتوكول
باليرمو لمكافحة الاتجار بالبشر الملزم قانونيا ،لا تخضع كل من سياحة زرع الأعضاء والإتجار بالأعضاء البشرية لهذا البروتوكول كما لا يجرم سوى عدد قليل جدا من الدول شراء مواطنيها الأعضاء البشرية من خارج حدودها.
ومثلما هو حال جميع النشاطات السرية ، نطاق الاتجار بالأعضاء البشرية غير معروف بدقة ومع ذلك في ضوء غياب البيانات الرسمية الكافية توجد معلومات كثيرة بشأن الاتجار بالأعضاء البشرية بغرض زرع الأعضاء البشرية يمثل10 بالمائة من جميع حالات زرع الأعضاء البشرية في العالم وينتج ما يصل الى1٫2 مليار دولار أمريكي من العائدات غير المشروعة سنويا.
إن ظهور جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية تزامن مع تنامي صناعة زرع الأعضاء البشرية في جميع أنحاء العالم وخاصة بسبب الثغرة المتزايدة بين الطلب على الأعضاء البشرية والعرض الشرعي لها الذي يشكو نقصا كبيراً.
لكن ما الذي يجعل التونسي ينخرط في هذا النوع من الجرائم وما هي الأسباب التي تجعله يفرط بعضو من جسده بأرخص الأثمان؟
واضح أن الأشخاص الذين يبيعون أعضاءهم هم من الفئات الهشة والفقيرة والذين يكونون في حاجة ماسة إلى المال لتحسين أوضاعهم الاجتماعية في ظل حالة من " الانوميا" التي يعيشها المجتمع التونسي والتي تعني حالة فقدان المعايير الضابطة للسلوك الفردي والاجتماعي والدافعة الى الانفلات، حالة يرتفع فيها مستوى التطلعات الفردية والجماعية ، لكن بالتوازي تقل فرص تجسيم تلك التطلعات.
لقد أصبح كل شيء محاط باللامعنى في ظل عولمة أعطت للأشياء مضامين جديدة، الفرد وما يتصل به هو المضمون المقترح ، فرد متحرر من كل الضوابط المؤسسية والقيمية يواجه تحدي النجاعة في كل شيء، نجاعة جعلت منها الليبرالية الجديدة ديانة جديدة. لقد أدت العولمة الى الرفع من سقف الانتظارات الاستهلاكية لدى التونسي مقابل محدودية إمكانياته.هذا العجز في تحقيق هذه الانتظارات تجعل الفرد التونسي يواجه الصدمات بمفرده دون سند مؤسسي واضح وبالتالي هناك من يستطيع المواجهة وهناك من يعجز. مثلا لمواجهة الفقر يجد العاجز نفسه أمام خيارات صعبة إما الالتجاء الى السرقة أو الاعتداء على الأشخاص والاملاك والتعدي على القانون والانخراط في الأنشطة الموازية والهجرة السرية غير النظامية أو الاكتئاب أو بيع عضو من جسده.
وخلص ممدوح عز الدين الى أنه بالنسبة للحل لا بد من التأكيد أنه الى جانب الحل الأمني والتعاون الدولي في تسليم المجرمين ومصادرة الأصول والعائدات للمتورطين في هذا النشاط والمساعدة القانونية المتبادلة يجب تعزيز التوعية العامة بشأن وهب الأعضاء البشرية ومخاطر هذه الجريمة وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين عبر التوزيع العادل للثروة والسلطة ومكاسب التنمية.
ومثلما هو حال جميع النشاطات السرية، نطاق الاتجار بالأعضاء البشرية غير معروف بدقة ومع ذلك في ضوء غياب البيانات الرسمية الكافية توجد معلومات كثيرة بشأن الاتجار بالأعضاء البشرية من مصادر غير رسمية ويزعم أن الاتجار بالأعضاء البشرية بغرض زرع الأعضاء البشرية يمثل10 بالمائة من جميع حالات زرع الأعضاء البشرية في العالم وينتج ما يصل الى 1٫2 مليار دولار أمريكي من العائدات غير المشروعة سنويا.
تونس-الصباح
لم يمر وقت طويل على إثارة قضية بيع مواطنين تونسيين لأعضائهم وتحديدا "الكلى" في اطار شبكة تنشط بين تونس وتركيا، هذه القضية التي شكلت صدمة بالنسبة للتونسيين حتى تم الكشف مؤخرا عن شبكة ثانية تنشط في الاتجار في الاعضاء وتستقطب التونسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
مفيدة القيزاني
حيث تم مؤخرا الكشف عن شبكة للاتجار بالأعضاء البشرية وتحديداً الكلى تنشط بين تونس وتركيا منذ سنة 2018، وذلك إثر رصد تدوينات باستعمال حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي دعت تونسيين إلى الاتصال بأعضاء الشبكة للحصول على مبلغ مالي يقدر بـ7 آلاف دولار مقابل بيع كلية، بعد إجراء عملية جراحية لاستئصال الأعضاء في تركيا.
وكشفت التحقيقات عدة عمليات استئصال كلى جرت لتونسيين، كما كشفت أن"هذه المجموعة الإجرامية تنشط عبر الشبكة العنكبوتية وتدار من تركيا بمشاركة سوريين وأردنيين إلى جانب أتراك".
وهذه الشبكة ليست الأولى التي تنشط في تجارة الأعضاء واستقطاب تونسيين حيث قامت في وقت سابق محكمة زغوان وفرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بتونس بإحالة ملف مواطن باع إحدى كليتيه في تركيا إلى شخص كونغولي إلى الفرقة المختصة بمكافحة الاتجار بالبشر، وكان وكيل الجمهورية بزغوان صرح حينها أنه تم سماع المتضرر وحجز المبلغ المالي المتبقي الذي تسلمه بعد العملية الجراحية، بينما تعمل الفرقة المختصة في مكافحة الاتجار بالبشر على مواصلة التحقيقات بالتنسيق مع نظائرها خارج البلاد ومع الانتربول للقبض على المتورطين من أعضاء الشبكة الإجرامية.
وتعتبر هذه القضية الأولى من نوعها التي يتعهد بها القضاء التونسي وتنشر لدى المحاكم وهي أول حالة اشتباه بالاتجار بالأعضاء في تونس، وكان منطلق القضية أن مواطنا أصيل منطقة ريفية في زغوان في العقد الثالث من العمر سافر إلى تركيا لمدة قصيرة ولدى عودته ظهرت عليه علامات الثراء المفاجئ وبالتحقيق معه اعترف أنه باع إحدى كليتيه مقابل 16 ألف دولار أميركي أي ما يعادل 48.600 دينار تونسي.
وأفاد شهود من منطقة سمنجة بمعتمدية بئر مشارقة أين يقطن المتضرر أنه شخص فقير الحال متزوج ويعيش ظروفا مادية متدهورة واجتماعية هشة جدا، الأمر الذي سهل عملية استمالته من قبل العصابة وإغرائه بمبلغ مالي دفعه إلى بيع كليته بعد أن تمكن عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك من الوصول إلى إحدى الصفحات التي تديرها شبكة إجرامية تستغل الأشخاص من خلال دفعهم إلى بيع أعضائهم مقابل مبالغ مالية.
وقامت الشبكة باستقطابه والتغرير به ثم وقع الاتصال به من قبل وسيط مغربي الجنسية مقيم بتركيا ووفروا له تذاكر السفر مع حجز غرفة فندقية في العاصمة التركية أنقرة ثم أجريت له فحوصات طبية في إحدى المصحات كما تم تزويجه صوريا من ابنة المتبرع لفائدته وهو كنغولي الجنسية وذلك لأن القانون في تركيا يشترط أن يكون التبرع بالأعضاء بين الأقارب فقط.
وكان الناطق الرسمي باسم الحرس الوطني العقيد حسام الدين الجبابلي أكد في تصريحات صحفية أن فرقة الأبحاث والتفتيش للحرس الوطني بزغوان تمكنت من الكشف عن عصابة تنشط في الاتجار بالأعضاء تتكون من 6 أشخاص من جنسيات مختلفة مقيمين في تونس وهم 4 يحملون الجنسية الكونغولية والجنسية المغربية والجنسية الموريتانية، في حين تم ترك المواطن التونسي في حالة سراح إذ يعتبره القانون متضررا ولا يمكن إيقافه.
القانون والاتجار بالاعضاء..
يحجر القانون التونسي "أخذ الأعضاء بمقابل مالي" كما عزّز المشرع التونسي التشريعات التي تضمن الحرمة الجسدية للإنسان بالمصادقة على القانون المتعلق بمنع الاتجار بالبشر ومكافحته سنة 2016.
ويعرف الاتجار بالبشر بأنه "استقطاب أو تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو تحويل وجهتهم أو ترحيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم باستعمال القوة أو السلاح أو التهديد أو غير ذلك من أشكال الإكراه أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال حالة استضعاف أو استغلال نفوذ أو تسليم أو قبول مبالغ مالية لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر وذلك بقصد الاستغلال أيا كانت صوره".
وصدر القانون عدد 22 لسنة 1991 المؤرخ في 25 مارس 1991 المتعلق بأخذ الأعضاء البشريّة وزرعها لتنظيم مسألة التصرف في الأعضاء، وقد أكّـد في فصله الأول على ان الحرمة الجسديّة للإنسان مضمونة وان عمليات أخذ الأعضاء البشريّة وزرعها تخضع للقانون.
واشترط القانون ان أخذ عضو من أي شخص لا يجوز الاّ لغاية علاجية، أي ان المتبرّع يمكنه المساهمة في علاج شخص مريض بتمكينه من عضو من بدنه قصد زرعه.
كما اشترط القانون عدد 22 لسنة 1991 في المتبرع أن يكون رشيدا سليم المدارك العقلية متمتعا بالأهليّة القانونيّة الكاملة وأن يكون رضاه صريحا وصادرا عن اختيار حر.
وأجاز القانون المذكور أخذ عضو من جثة شخص ميت لغاية علاجية أو علمية ما لم تحصل ممانعة من الهالك في قائم حياته أو بعد وفاته بشرط موافقة ورثته الشرعيين اذا كانوا كاملي الأهليّة وحصرهم الفصل الثالث في الأشخاص الآتي ذكرهم وهم: الأبناء - الأب - الأم - الزوج - الأخوة والأخوات والولي الشرعي.
وحجّر القانون التونسي في الفصل الرابع منه أخذ كامل العضو الضروري للحياة من الأحياء لزرعه في شخص آخر ولو برضاه.
ووضّح الفصل المذكور ان العضو الضروري للحياة هو العضو الذي بأخذه تحصل حتما وفاة الشخص الذي أخذ منه.
كما حجّر أخذ أعضاء الإنجاب الناقلة للصفات الوراثيّة من الأحياء والأموات قصد زرعها.
وينص الفصل السادس من قانون 25 مارس 1991 على انه "يحجر أخذ الأعضاء بمقابل مالي أو بأي صفة من صفات التعامل في الحالات المشار إليها بالفصلين 2 و 3 بقطع النظر عن إرجاع المصاريف التي قد تستلزمها عمليات الأخذ والزرع"، وفي صورة مخالفة هذا النص فان كل مخالف يعاقب بالسجن من عامين إلى خمسة أعوام وبخطية تتراوح بين ألفي دينار وخمسة آلاف دينار، ويمكن بالإضافة إلى العقوبات المذكورة حرمان المحكوم عليه من ممارسة حقوقه المدنيّة ومن بعض الوظائف والمهن لمدة تتراوح بين عام وخمسة أعوام.
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": في ظل حالة " الانوميا" التي يعيشها المجتمع التونسي تلجأ الفئات الهشة الى بيع أعضائها
وفي تحليله لما يجري لا سيما الدوافع التي تقف خلف إقدام شخص على بيع عضو من أعضائه ووضع حياته في الميزان مقابل مبلغ بسيط من المال يرى الباحث في علم الإجتماع ممدوح عز الدين أنه لكي نفهم واقع جريمة التجارة بالأعضاء البشرية في تونس يبدو ضروريا طرح الملاحظات التالية:
_ أولا: لا بد أن ننسب الأمور ونتحلى بالموضوعية العلمية في المعالجة فلا نهول ولا نهون. .واضح أننا أمام ممارسات فردية لم تتحول إلى ظاهرة اجتماعية بفعل عاملي الكثافة والتواتر كما أنها جريمة مستجدة نسبيا بدأ الحديث عنها سنة 2016.
_ ثانيا: لا بد من التفريق بين تهمة الاتجار بالأعضاء وتهمة بيع الأعضاء إذ يرتبط الاتجار بالأعضاء بجرائم تتعلق بعمليات خطف الأشخاص وسرقة أعضائهم وإجبارهم عن التخلي عنها.
أما تهمة بيع الأعضاء فهو فعل يجرمه القانون التونسي حيث يقوم شخص بتقديم أحد أعضائه لأحد المرضى بمقابل مادي.
في هذه الوضعية يكون على قاضي التحقيق بيان إن كان بعض الاشخاص الموقوفين ضحايا للاتجار بالأعضاء ،أو إنهم تعمدوا بيع أعضاء من أبدانهم وفي الغالب يبيعون كلاهم بمقابل مادي وهنا يمكن أن نتساءل:
هل يعتبر التونسي الذي باع عضوا من أعضاء بدنه مذنبا أو متضررا على اعتبار أنه خرق القانون الذي يمنع هذا التصرف أو هو متضرر تم التغرير به وإغرائه بتحسين وضعه المادي.
ثالثا:_ إن هذه الجريمة ليست محلية بحتة بل عابرة للحدود حيث تتم عبر شبكة دولية لتجارة الأعضاء البشرية تنشط بين تونس وتركيا وتستدرج ضحاياها عبر شبكات التواصل الإجتماعي وعقب الاتفاق معهم يقوم أفرادها بإرسال الضحايا من تونس إلى تركيا لإخضاعهم إلى عمليات جراحية مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 25 و30 ألف دينار للشخص الواحد.
رابعا:_لقد تحولت منصات فيسبوك الى فضاءات للعرض والطلب واستقطاب الباحثين عن المال بعروض مغرية قد تدفعهم الى الدخول الى سوق " قطع الغيار البشري" بعد أن تحولت العملية بالفعل إلى مقايضة تتمثل في دفع المال لشخص محتاج مقابل أعضاء من جسده.
في الواقع عملية زراعة الأعضاء تتم في تونس بصفة مجانية وتطوعية إضافة إلى أن المستفيد من الأعضاء لا يعرف المتطوع مع ضرورة توافر شروط عدة تنص عليها القوانين التونسية، ويتم
التبرع عن طريق شخص ما زال على قيد الحياة ويتمتع بشروط عدة أو من طرف شخص متوف دماغيا ومن المستحيل اعتماد أعضاء من جثث.
مع العلم أن القانون التونسي يمنع تجارة الأعضاء البشرية بمقابل مالي كما تعزز التشريعات الحرمة الجسدية للإنسان بالمصادقة على القانون المتعلق بمنع الاتجار بالبشر ومكافحته عام 2016.
ظاهرة جديدة..
كذلك لا بد أن نقر بعدم وجود مفهوم موحد عالميا لجريمة الاتجار بالأعضاء البشرية ولا حتى أداة عالمية ذات صلة ملزمة قانونيا مما يشير إلى كون هذه الجريمة ظاهرة جديدة يخطو المجتمع الدولي خطواته الأولى على طريق محاولة فهم نطاقها. ففي حين يقع الاتجار بالبشر بغرض نزع الأعضاء تحت مظلة بروتوكول
باليرمو لمكافحة الاتجار بالبشر الملزم قانونيا ،لا تخضع كل من سياحة زرع الأعضاء والإتجار بالأعضاء البشرية لهذا البروتوكول كما لا يجرم سوى عدد قليل جدا من الدول شراء مواطنيها الأعضاء البشرية من خارج حدودها.
ومثلما هو حال جميع النشاطات السرية ، نطاق الاتجار بالأعضاء البشرية غير معروف بدقة ومع ذلك في ضوء غياب البيانات الرسمية الكافية توجد معلومات كثيرة بشأن الاتجار بالأعضاء البشرية بغرض زرع الأعضاء البشرية يمثل10 بالمائة من جميع حالات زرع الأعضاء البشرية في العالم وينتج ما يصل الى1٫2 مليار دولار أمريكي من العائدات غير المشروعة سنويا.
إن ظهور جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية تزامن مع تنامي صناعة زرع الأعضاء البشرية في جميع أنحاء العالم وخاصة بسبب الثغرة المتزايدة بين الطلب على الأعضاء البشرية والعرض الشرعي لها الذي يشكو نقصا كبيراً.
لكن ما الذي يجعل التونسي ينخرط في هذا النوع من الجرائم وما هي الأسباب التي تجعله يفرط بعضو من جسده بأرخص الأثمان؟
واضح أن الأشخاص الذين يبيعون أعضاءهم هم من الفئات الهشة والفقيرة والذين يكونون في حاجة ماسة إلى المال لتحسين أوضاعهم الاجتماعية في ظل حالة من " الانوميا" التي يعيشها المجتمع التونسي والتي تعني حالة فقدان المعايير الضابطة للسلوك الفردي والاجتماعي والدافعة الى الانفلات، حالة يرتفع فيها مستوى التطلعات الفردية والجماعية ، لكن بالتوازي تقل فرص تجسيم تلك التطلعات.
لقد أصبح كل شيء محاط باللامعنى في ظل عولمة أعطت للأشياء مضامين جديدة، الفرد وما يتصل به هو المضمون المقترح ، فرد متحرر من كل الضوابط المؤسسية والقيمية يواجه تحدي النجاعة في كل شيء، نجاعة جعلت منها الليبرالية الجديدة ديانة جديدة. لقد أدت العولمة الى الرفع من سقف الانتظارات الاستهلاكية لدى التونسي مقابل محدودية إمكانياته.هذا العجز في تحقيق هذه الانتظارات تجعل الفرد التونسي يواجه الصدمات بمفرده دون سند مؤسسي واضح وبالتالي هناك من يستطيع المواجهة وهناك من يعجز. مثلا لمواجهة الفقر يجد العاجز نفسه أمام خيارات صعبة إما الالتجاء الى السرقة أو الاعتداء على الأشخاص والاملاك والتعدي على القانون والانخراط في الأنشطة الموازية والهجرة السرية غير النظامية أو الاكتئاب أو بيع عضو من جسده.
وخلص ممدوح عز الدين الى أنه بالنسبة للحل لا بد من التأكيد أنه الى جانب الحل الأمني والتعاون الدولي في تسليم المجرمين ومصادرة الأصول والعائدات للمتورطين في هذا النشاط والمساعدة القانونية المتبادلة يجب تعزيز التوعية العامة بشأن وهب الأعضاء البشرية ومخاطر هذه الجريمة وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين عبر التوزيع العادل للثروة والسلطة ومكاسب التنمية.
ومثلما هو حال جميع النشاطات السرية، نطاق الاتجار بالأعضاء البشرية غير معروف بدقة ومع ذلك في ضوء غياب البيانات الرسمية الكافية توجد معلومات كثيرة بشأن الاتجار بالأعضاء البشرية من مصادر غير رسمية ويزعم أن الاتجار بالأعضاء البشرية بغرض زرع الأعضاء البشرية يمثل10 بالمائة من جميع حالات زرع الأعضاء البشرية في العالم وينتج ما يصل الى 1٫2 مليار دولار أمريكي من العائدات غير المشروعة سنويا.