إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس.. الفرص المهدورة ومعركة البناء والتحديث المعطلة (2/4)

 

 

بقلم: محمـــــد بشر بن أحمد *

*كانت تونس في أمس الحاجة إلى إنقاذ شامل غير قابل للتجزئة إلى سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي... لأن الفساد استشرى واخترق مرافق الدولة فعطل مرافق الإدارة التونسية العريقة

وجاوز الفرقاء المدى في تجاذبانهم وأمعنوا في التنازع والتناحر على مواقع النفوذ بينما البلاد ''تغرق.. تغرق'' من جراء سوء الحوكمة وعدم الاستقرار الحكومي وانخرام التوازنات المالية للميزانية وتعثر أداء المؤسسات العمومية التي تفاقم عجزها المزمن ثم جاءت فجأة الكوفيد بتداعياتها الرهيبة لتزيد الطين بلة فغصت المستشفيات بالمصابين و قضى منهم خلق كثير في ظروف عصيبة وعجز ملفت للسلطة في مجابهة الوضع الكارثي... واشتدت وطأة الجريمة المنظمة على الناس فعربدت عصابات سرقة الواشي و الشاحنات الخفيفة و تفاقمت عمليات التهريب و ترويج المخدرات دون أن ننسى تواصل تحصن الإرهاب بمرتفعات البلاد الغربية وتمكن ذئابه المنفردة من تهديد أمن البلاد في أكثر من عملية أخطرها على الإطلاق كانت عملية بن قردان التي باءت بالفشل الذريع في معركة تاريخية دحرت فيها قواتنا الأمنية الباسلة فلول المعتدين بدعم شعبي كبير من أبناء الجهة...

تجمعت كل هذه الأسباب ابتداء من الثلاثية الأخيرة لسنة 2020 لتشكل أزمة حادة متعددة الرؤوس أخذت في التصاعد شيئا فشيئا ودفعت بالآلاف من التونسيين إلى الخروج في عموم مدن البلاد منددين بما آل إليه الوضع ومطالبين الرئيس قيس سعيد بالتدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وقد تم ذلك يوم 25 جويلية 2021 ذكرى عيد الجمهورية باعتماد الفصل 80 من دستور المجلس التأسيسي فجمد البرلمان ثم حله في وقت لاحق واعتمد المراسيم لتسيير البلاد في هذا الظرف الاستثنائي ثم جمد العمل بالدستور المذكور وأذن بسن دستور جديد عرضه على الاستفتاء الشعبي ثم اعتمده لاحقا لتنظيم انتخابات برلمانية أفرزت برلمانا جديدا باعتماد قانون انتخابي جديد ودوائر انتخابية محلية ذات مقعد وحيد يترشح إليها الأفراد في دورة واحدة أو دورتين...

تنفست البلاد الصعداء ولكن إلى حين فتداعيات العشرية السوداء لاتزال تلقي بضلالها على سماء البلاد وتعطل سير دواليبها..

فقد اخترقت الجماعة الحاكمة المتحالفة بنية الإدارة الوطنية ومزقت أوصالها وأغرقتها بآلاف الانتدابات العشوائية غير الضرورة لأشخاص غير أكفاء التهمت مخصصات العنوان الثاني لميزانية الدولة وتسببت في انخرام التوازنات المالية وفي تناقص مدخرات العملة الصعبة إلى ما تحت الخط الأحمر مما يهدد بجدية ولأول مرة في تاريخ البلاد بعجز الدولة عن توريد الحاجيات الأساسية التي تحتاجها وخاصة المتعلقة منها بأمننا الغذائي والطاقي...كما تسببت الجماعة المتحالفة الحاكمة في انخرام منظوماتنا الغذائية العريقة والقضاء على النسيج الصناعي الوطني فتحول أرباب الصناعات إلى تجار شنطة في تبادل تجاري غير متوازن مع تركيا والصين... وغرقت البلاد في بحر من الديون الكريهة قارب مبلغها الجملي سقف الناتج المحلي الخام.. "فوقفت الزنقة للهارب" فما العمل وكيف الوصول إلى توافق وطني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس المهددة بالإفلاس رغم ثرواتها الطبيعية المتنوعة ومواردها البشرية المتنوعة؟

كانت تونس في أمس الحاجة إلى إنقاذ شامل غير قابل للتجزئة إلى سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي... لأن الفساد استشرى واخترق مرافق الدولة فعطل مرافق الإدارة التونسية العريقة وكاد يوقف دورانها تماما لولا قلة مؤمنة ما فتأت تتصدى لمعاول الهدم المصرة على الإطاحة بما تبقى من مكاسب دولة الاستقلال...

اختار الرئيس إعطاء الأولوية لعملية الإنقاذ السياسي وحدد مراحل إصلاح منظومة الحكم ضمن روزنامة تمتد على فترة زمنية توجت بانتخاب البرلمان الجديد في ظروف صعبة تميزت بغياب الحوار والتشاور وبمقاومة شرسة من معارضي الرئيس الذين تمسكوا برفض المسار الإصلاحي الذي فرض فيه وجهة نظره مما انعكس سلبا على نسب المشاركة سواء في الاستشارة أو في الاستفتاء على الدستور أو في الانتخابات البرلمانية التي تمت باعتماد قانون انتخابي جديد لم ينل حظه من التشاور أيضا.

وكان لتقديم عملية الإنقاذ السياسي على حساب عملية الإنقاذ الاقتصادي وعدم الجمع بين المسارات في عملية إنقاذ شامل كان لها أثر بالغ في تدهور الوضع الاقتصادي ومزيد انخرام التوازنات المالية لميزانية الدولة وللمؤسسات العمومية المهمة التي تؤمن الأمن الغذائي والطاقي...

وانتهزت المعارضة التي كانت تحكم البلاد قبل 25 جويلية 2021 صعوبة الوضع المعيشي لتزيد من الضغط على الرئيس وحكومته بشتى الوسائل والطرق مستعينة بما نسجته من علاقات في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وبدا الرئيس كأنه وحيد في معركته مع هذه المعارضة الشرسة التي شوشت على حرب الرئيس ضد الفساد وشككت في مصداقية الإيقافات التي شملت بعض رموز المنظومة الحاكمة خلال العشرية السوداء والتي طالت بعض الإعلاميين وشخصيات أخرى معروفة...

وبدا كأنما الإعلام في عمومه والنخبة الوطنية المهيكلة وغير المهيكلة قد تركت الرئيس يخوض معركته وحيدا في مواجهة منظومة ما قبل 25 جويلية لا سند له سوى جماهير الشعب التي ضاقت ذرعا بكل شيء... فهي تبدو غير معنية بمكاسب العشرية في مجال الحريات الفردية وفي فك عقال وسائل الإعلام السمعي والبصري والمكتوب أو في مجال التنظم الحزبي والجمعياتي والنقابي... فهي في نظر الجماهير المؤيدة للرئيس مسؤولة على حد سواء على تعفن الوضع السياسي والاجتماعي للبلاد خلال فترة العشرية السوداء وكأنما مسرع السيارة ظل في نقطة اللاسرعة . العجلة تراوح مكانها في انتظار التحرك نحو السرعة الأولى... الوضع العام وضع أزمة شاملة متصاعدة في انتظار قرض صندوق النقد الدولي الذي لا يأتي مع أن الحاجة ماسة إليه وبالرغم من كونه لن يحل المشكلة في حد ذاتها اذ هو آذان بفتح الباب أمام قروض وهبات البلدان الشقيقة و الصديقة والعديد من الصناديق المانحة التي نحتاجها للخروج من النفق المظلم.

طالت فترة انتظار القرض بينما الوضع الاقتصادي في عد تنازلي زادته قتامة مؤسسات الترقيم السيادي... واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن المؤسسات المالية الغربية التي تخضع لأهواء حكام الولايات المتحدة وحلفائها والتي أغرقت أوكرانيا بمئات المليارات من الدولارات في شكل قروض وهبات رغم كونها في حالة حرب مدمرة مع جارتها روسيا ورغم كونها غير قادرة على السداد ولو على المدى البعيد بينما تَضِنُّ على تونس بملياري دولار فقط على أقساط لإصلاح اقتصادها المتضرر من سوء الحوكمة ومن تداعيات الكوفيد...

وقد تمترس الرئيس قيس سعيد في التصدي لشروط صندوق النقد الدولي التعجيزية وجاءته فرصة لا تقدر بثمن من خلال زحف جحافل المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء والساحل على سواحل شمال المتوسط مرورا بتونس وقد كانت مناسبة لقلب الطاولة على أصحابها الذين يريدون أن تكون تونس حارسا أمينا لحدودهم البحرية ومخيما وقتيا (من صنف الوقتي الذي يدوم) لقاء فتات من الدولارات لا تسمن ولا تغني من جوع... ويبدو أن حلم الرئيس بتحقيق اختراق كبير في هذا الملف آخذ في التبلور شيئا فشيئا من خلال توالي زيارات الوفود الأوروبية إلى تونس حاملة معها حزمات من مقترحات المشاريع لانقاذ الوضع المتأزم للاقتصاد التونسي ولبلورة شراكة طويلة المدى مع بلادنا في مجال الطاقة النظيفة وفي دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وفي غيرها من المجالات... ويطمح الرئيس إلى أكثر من ذلك: حل مشكلة الهجرة في إطار مغاربي-إفريقي-أوروبي لا يكتفي باعتماد الحل الأمني فحسب بل يعالج الأسباب والمسببات ويرتقي الى مخطط تنموي على شاكلة مخطط مارشال للنهوض بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيجد الإفريقي كل أسباب الكرامة في بلاده من تعليم و تكوين و تشغيل و تغطية صحية و سكن لائق فعندئذ تنتفي الهجرة وتصبح غير ضرورية و بذلك تعيد أوروبا إلى إفريقيا القليل القليل من الخيرات التي نهبتها من بلدان القارة خلال الفترة الاستعمارية وما بعدها والتي كانت من أسباب تفقير الأفارقة.

و يحرص الرئيس على توسيع المفاوضات مع أوروبا في مجال الهجرة لتشمل الإتحاد المغاربي والإتحاد الافريقي ولتكون _لم لا_ بغطاء أممي حتى لا نضطر إلى التفاوض مع الجانب الأوروبي منفردين فيحملنا ما لا طاقة لنا به من أعباء يجب أن يتقاسم أوزارها كل الأطراف.

وكما يقول المثل الفرنسي " il n'est jamais trop tard" يمكن تدارك ما فات إذا توفرت الإرادة وحسن النية فبلادنا لا يمكن أن تتجاوز هذه الأزمة المركبة في ظل انقسام حاد بين الرئيس والنخبة المستنيرة التي تعج بها بلاد راهنت على العلم منذ بداية الإستقلال وتتواجد إطاراتها في شتى أنحاء العالم يساهمون في نهضة بلدان الشمال والجنوب على السواء بينما البلاد تحتاجهم للخروج من أزمتها... يكفي فقط دعوتهم وتحفيزهم لاستخراج "القرينة" التي بداخلهم في خدمة وطنهم.

تونس لا يمكن أن تواجه المتربصين بها إلا بوحدة صماء من أبنائها وراء قيادة وطنية (هي الآن متوفرة) شريطة أن تحتضن هذه القيادة جميع التونسيين ماعدا من يكابر ويناور أو يكيد في الظلام الدامس فهو تحت طائلة القانون إذا سعى في الأرض مناوئا و مخربا...

 

 

 

 

 

تونس.. الفرص المهدورة ومعركة البناء والتحديث المعطلة (2/4)

 

 

بقلم: محمـــــد بشر بن أحمد *

*كانت تونس في أمس الحاجة إلى إنقاذ شامل غير قابل للتجزئة إلى سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي... لأن الفساد استشرى واخترق مرافق الدولة فعطل مرافق الإدارة التونسية العريقة

وجاوز الفرقاء المدى في تجاذبانهم وأمعنوا في التنازع والتناحر على مواقع النفوذ بينما البلاد ''تغرق.. تغرق'' من جراء سوء الحوكمة وعدم الاستقرار الحكومي وانخرام التوازنات المالية للميزانية وتعثر أداء المؤسسات العمومية التي تفاقم عجزها المزمن ثم جاءت فجأة الكوفيد بتداعياتها الرهيبة لتزيد الطين بلة فغصت المستشفيات بالمصابين و قضى منهم خلق كثير في ظروف عصيبة وعجز ملفت للسلطة في مجابهة الوضع الكارثي... واشتدت وطأة الجريمة المنظمة على الناس فعربدت عصابات سرقة الواشي و الشاحنات الخفيفة و تفاقمت عمليات التهريب و ترويج المخدرات دون أن ننسى تواصل تحصن الإرهاب بمرتفعات البلاد الغربية وتمكن ذئابه المنفردة من تهديد أمن البلاد في أكثر من عملية أخطرها على الإطلاق كانت عملية بن قردان التي باءت بالفشل الذريع في معركة تاريخية دحرت فيها قواتنا الأمنية الباسلة فلول المعتدين بدعم شعبي كبير من أبناء الجهة...

تجمعت كل هذه الأسباب ابتداء من الثلاثية الأخيرة لسنة 2020 لتشكل أزمة حادة متعددة الرؤوس أخذت في التصاعد شيئا فشيئا ودفعت بالآلاف من التونسيين إلى الخروج في عموم مدن البلاد منددين بما آل إليه الوضع ومطالبين الرئيس قيس سعيد بالتدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

وقد تم ذلك يوم 25 جويلية 2021 ذكرى عيد الجمهورية باعتماد الفصل 80 من دستور المجلس التأسيسي فجمد البرلمان ثم حله في وقت لاحق واعتمد المراسيم لتسيير البلاد في هذا الظرف الاستثنائي ثم جمد العمل بالدستور المذكور وأذن بسن دستور جديد عرضه على الاستفتاء الشعبي ثم اعتمده لاحقا لتنظيم انتخابات برلمانية أفرزت برلمانا جديدا باعتماد قانون انتخابي جديد ودوائر انتخابية محلية ذات مقعد وحيد يترشح إليها الأفراد في دورة واحدة أو دورتين...

تنفست البلاد الصعداء ولكن إلى حين فتداعيات العشرية السوداء لاتزال تلقي بضلالها على سماء البلاد وتعطل سير دواليبها..

فقد اخترقت الجماعة الحاكمة المتحالفة بنية الإدارة الوطنية ومزقت أوصالها وأغرقتها بآلاف الانتدابات العشوائية غير الضرورة لأشخاص غير أكفاء التهمت مخصصات العنوان الثاني لميزانية الدولة وتسببت في انخرام التوازنات المالية وفي تناقص مدخرات العملة الصعبة إلى ما تحت الخط الأحمر مما يهدد بجدية ولأول مرة في تاريخ البلاد بعجز الدولة عن توريد الحاجيات الأساسية التي تحتاجها وخاصة المتعلقة منها بأمننا الغذائي والطاقي...كما تسببت الجماعة المتحالفة الحاكمة في انخرام منظوماتنا الغذائية العريقة والقضاء على النسيج الصناعي الوطني فتحول أرباب الصناعات إلى تجار شنطة في تبادل تجاري غير متوازن مع تركيا والصين... وغرقت البلاد في بحر من الديون الكريهة قارب مبلغها الجملي سقف الناتج المحلي الخام.. "فوقفت الزنقة للهارب" فما العمل وكيف الوصول إلى توافق وطني في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ تونس المهددة بالإفلاس رغم ثرواتها الطبيعية المتنوعة ومواردها البشرية المتنوعة؟

كانت تونس في أمس الحاجة إلى إنقاذ شامل غير قابل للتجزئة إلى سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي... لأن الفساد استشرى واخترق مرافق الدولة فعطل مرافق الإدارة التونسية العريقة وكاد يوقف دورانها تماما لولا قلة مؤمنة ما فتأت تتصدى لمعاول الهدم المصرة على الإطاحة بما تبقى من مكاسب دولة الاستقلال...

اختار الرئيس إعطاء الأولوية لعملية الإنقاذ السياسي وحدد مراحل إصلاح منظومة الحكم ضمن روزنامة تمتد على فترة زمنية توجت بانتخاب البرلمان الجديد في ظروف صعبة تميزت بغياب الحوار والتشاور وبمقاومة شرسة من معارضي الرئيس الذين تمسكوا برفض المسار الإصلاحي الذي فرض فيه وجهة نظره مما انعكس سلبا على نسب المشاركة سواء في الاستشارة أو في الاستفتاء على الدستور أو في الانتخابات البرلمانية التي تمت باعتماد قانون انتخابي جديد لم ينل حظه من التشاور أيضا.

وكان لتقديم عملية الإنقاذ السياسي على حساب عملية الإنقاذ الاقتصادي وعدم الجمع بين المسارات في عملية إنقاذ شامل كان لها أثر بالغ في تدهور الوضع الاقتصادي ومزيد انخرام التوازنات المالية لميزانية الدولة وللمؤسسات العمومية المهمة التي تؤمن الأمن الغذائي والطاقي...

وانتهزت المعارضة التي كانت تحكم البلاد قبل 25 جويلية 2021 صعوبة الوضع المعيشي لتزيد من الضغط على الرئيس وحكومته بشتى الوسائل والطرق مستعينة بما نسجته من علاقات في الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي وبدا الرئيس كأنه وحيد في معركته مع هذه المعارضة الشرسة التي شوشت على حرب الرئيس ضد الفساد وشككت في مصداقية الإيقافات التي شملت بعض رموز المنظومة الحاكمة خلال العشرية السوداء والتي طالت بعض الإعلاميين وشخصيات أخرى معروفة...

وبدا كأنما الإعلام في عمومه والنخبة الوطنية المهيكلة وغير المهيكلة قد تركت الرئيس يخوض معركته وحيدا في مواجهة منظومة ما قبل 25 جويلية لا سند له سوى جماهير الشعب التي ضاقت ذرعا بكل شيء... فهي تبدو غير معنية بمكاسب العشرية في مجال الحريات الفردية وفي فك عقال وسائل الإعلام السمعي والبصري والمكتوب أو في مجال التنظم الحزبي والجمعياتي والنقابي... فهي في نظر الجماهير المؤيدة للرئيس مسؤولة على حد سواء على تعفن الوضع السياسي والاجتماعي للبلاد خلال فترة العشرية السوداء وكأنما مسرع السيارة ظل في نقطة اللاسرعة . العجلة تراوح مكانها في انتظار التحرك نحو السرعة الأولى... الوضع العام وضع أزمة شاملة متصاعدة في انتظار قرض صندوق النقد الدولي الذي لا يأتي مع أن الحاجة ماسة إليه وبالرغم من كونه لن يحل المشكلة في حد ذاتها اذ هو آذان بفتح الباب أمام قروض وهبات البلدان الشقيقة و الصديقة والعديد من الصناديق المانحة التي نحتاجها للخروج من النفق المظلم.

طالت فترة انتظار القرض بينما الوضع الاقتصادي في عد تنازلي زادته قتامة مؤسسات الترقيم السيادي... واتضح بما لا يدع مجالا للشك أن المؤسسات المالية الغربية التي تخضع لأهواء حكام الولايات المتحدة وحلفائها والتي أغرقت أوكرانيا بمئات المليارات من الدولارات في شكل قروض وهبات رغم كونها في حالة حرب مدمرة مع جارتها روسيا ورغم كونها غير قادرة على السداد ولو على المدى البعيد بينما تَضِنُّ على تونس بملياري دولار فقط على أقساط لإصلاح اقتصادها المتضرر من سوء الحوكمة ومن تداعيات الكوفيد...

وقد تمترس الرئيس قيس سعيد في التصدي لشروط صندوق النقد الدولي التعجيزية وجاءته فرصة لا تقدر بثمن من خلال زحف جحافل المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء والساحل على سواحل شمال المتوسط مرورا بتونس وقد كانت مناسبة لقلب الطاولة على أصحابها الذين يريدون أن تكون تونس حارسا أمينا لحدودهم البحرية ومخيما وقتيا (من صنف الوقتي الذي يدوم) لقاء فتات من الدولارات لا تسمن ولا تغني من جوع... ويبدو أن حلم الرئيس بتحقيق اختراق كبير في هذا الملف آخذ في التبلور شيئا فشيئا من خلال توالي زيارات الوفود الأوروبية إلى تونس حاملة معها حزمات من مقترحات المشاريع لانقاذ الوضع المتأزم للاقتصاد التونسي ولبلورة شراكة طويلة المدى مع بلادنا في مجال الطاقة النظيفة وفي دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وفي غيرها من المجالات... ويطمح الرئيس إلى أكثر من ذلك: حل مشكلة الهجرة في إطار مغاربي-إفريقي-أوروبي لا يكتفي باعتماد الحل الأمني فحسب بل يعالج الأسباب والمسببات ويرتقي الى مخطط تنموي على شاكلة مخطط مارشال للنهوض بأوروبا بعد الحرب العالمية الثانية فيجد الإفريقي كل أسباب الكرامة في بلاده من تعليم و تكوين و تشغيل و تغطية صحية و سكن لائق فعندئذ تنتفي الهجرة وتصبح غير ضرورية و بذلك تعيد أوروبا إلى إفريقيا القليل القليل من الخيرات التي نهبتها من بلدان القارة خلال الفترة الاستعمارية وما بعدها والتي كانت من أسباب تفقير الأفارقة.

و يحرص الرئيس على توسيع المفاوضات مع أوروبا في مجال الهجرة لتشمل الإتحاد المغاربي والإتحاد الافريقي ولتكون _لم لا_ بغطاء أممي حتى لا نضطر إلى التفاوض مع الجانب الأوروبي منفردين فيحملنا ما لا طاقة لنا به من أعباء يجب أن يتقاسم أوزارها كل الأطراف.

وكما يقول المثل الفرنسي " il n'est jamais trop tard" يمكن تدارك ما فات إذا توفرت الإرادة وحسن النية فبلادنا لا يمكن أن تتجاوز هذه الأزمة المركبة في ظل انقسام حاد بين الرئيس والنخبة المستنيرة التي تعج بها بلاد راهنت على العلم منذ بداية الإستقلال وتتواجد إطاراتها في شتى أنحاء العالم يساهمون في نهضة بلدان الشمال والجنوب على السواء بينما البلاد تحتاجهم للخروج من أزمتها... يكفي فقط دعوتهم وتحفيزهم لاستخراج "القرينة" التي بداخلهم في خدمة وطنهم.

تونس لا يمكن أن تواجه المتربصين بها إلا بوحدة صماء من أبنائها وراء قيادة وطنية (هي الآن متوفرة) شريطة أن تحتضن هذه القيادة جميع التونسيين ماعدا من يكابر ويناور أو يكيد في الظلام الدامس فهو تحت طائلة القانون إذا سعى في الأرض مناوئا و مخربا...