إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

فيما تزخر الساحة الفنية بأمهر العازفين.. ما سر غياب مهرجانات الموسيقى الآلية؟

تونس -الصباح

لعل أبرز ما يميز الساحة الموسيقية في تونس هو تلك الكفاءات العالية في العزف على جميع الآلات.. وقد رٌسخت القناعة عند الجماهير الواسعة عبر أجيال مختلفة سواء في تونس أو خارجها بأن العازف التونسي يبقى من خيرة العازفين في العالم العربي، بل باستطاعته فرض مؤهلاته الفنية في أعرق المهرجانات العالمية إن سنحت له الفرص..

وتاريخ الإبداع في هذا المجال ضارب في القدم ويمثل عشرات الفنانين الذين تركوا وقعا كبيرا في خزينة التراث الموسيقي التونسي على غرار أبرز العازفين على الكمنجة وأشهرهم رضا القلعي صاحب الكثير من الأعمال التي جعلت منه رائدا في الساحة الموسيقية، مؤلف الأغاني العاطفية والوطنية والمعروف بارتجالاته المتميزة في أعمال متكاملة ومتناسقة من خلال قيادته "فرقة المنار" والتي ظلت محفورة في الذاكرة الجماعية إلى يوم الناس هذا.. فضلا عن العديد من الموسيقيين المنتمين إلى أجيال مختلفة والذين تميزوا وتفردوا في مجالهم نذكر على سبيل المثال عازف القانون الراحل توفيق زغندة وعازف العود رضا الشمك وعازف الكمنجة الراحل زهير بالهاني والملحن الكبير أنور براهم وحسين ميلود أبرز عازفي الناي في تونس والعالم العربي الذي مكنته كفاءته من مقعد قار في الفرقة الوطنية وفي مختلف الفرق الموسيقية مما عمق تفرده في العزف واللحن وعازف الكمنجة أنيس القليبي والعازفين التوأمين محمد الغربي(كمنجة) وبشير الغربي (عود)..

أجيال مختلفة أكدت أن الميدان الفني في تونس يزخر بالكثير من المواهب في مجال الموسيقى الآلية، لكن للأسف لا يزال الجمهور العربي عامة والتونسي خاصة جمهور طرب وجمهور صوت غير متعود على العروض الموسيقية التي تتراوح مدتها بين الساعة والنصف والساعتين، وهو ما يستدعي انتباهنا إلى مشاركة عازف "الفيولونسال" الكبير محمد غنية الأخيرة في عرض "أنغام في الذاكرة2" ليلة 1اوت في مهرجان قرطاج، من خلال لحنين فقط "يا مسافر وحدك" و"يا دار الحبايب" رغم الرصيد الفني الكبير لهذا الفنان وإمكانية تمتع الجمهور أكثر بعزفه المتفرد .. لنتساءل عن سبب احتجاب مثل هذه القامات الفنية وراء مطربين لمدة عقود دون التفكير في عروض خاصة والمجازفة من خلال تجاوز ألحان الذاكرة الوطنية نحو الألحان والانتاجات الخاصة.. المجازفة الحقيقة في مجال الموسيقى الآلية كانت مع القلائل من العازفين أمثال الأخوين محمد وبشير الغربي اللذين اختارا أن يشاركا في مهرجانات عريقة خارج الوطن باعتبار أن العازف في تونس هو ضحية عقلية مهيمنة فضلا عن سياسة تسيير مهرجانات لا تتماشى وطموحات اي عازف ماهر له من الانتاجات الخاصة والقدرات الفنية ما يجعله أن يؤمن حفلات خاصة..

ذلك أن النزعة التفاضلية لا تزال تسيطر على أسبقية المغني في تونس على الموسيقي فقلما يبرز عازف أو عازفة نتيجة عدم توفر المناخ المناسب كي يتفرغ العازف للإبداع عزفا وتأليفا..

لماذا لا يحظى العازف التونسي مهما بلغت درجة موهبته بمكانة تضاهي المغنين من حيث الدعم والمكانة الاجتماعية؟

لماذا تفتقر ساحتنا الفنية مدارس كبرى للعزف مثل مدرسة رضا القلعي والحال أن الكثير من المبدعين جعلوا من العزف مناخا خاصا بهم واداة للتعبير عن كينونتهم ومواهبهم..

إن المتأمل في مسيرة أبرز العازفين في تونس مثل احمد القلعي عازف العود الكبير يمكن أن تتضح له الرؤية وأن تتبين ملامح الرؤية الاستشرافية والاحاطة المعنوية والاجتماعية، خاصة وأن الفقيد القلعي وما ادراك كان يعزف ويمتع أساسا لكسب المال رغم انبهار الاتراك وغيرهم بموهبته وعبقريته.. إذن الامر خطير ويستدعي رسم مناهج جديدة لا سيما أن الأمر لم يتغير بعد..

وضع مترد بالنسبة للموسيقى الآلية ربما يرجع إلى غياب الاشهار عكس العديد من البلدان العربية رغم افتقارها لعازفين ماهرين.. كنا أنه لسائل أن يسأل لماذا العازف لا يتمتع بالدعم إلا اذا تحصل على شهائد علمية عالية؟

 نحن نعلم أن تونس تزخر بآلاف المتحصلين على الدكتوراه في اختصاصات موسيقية مختلفة ولكن قلة قليلة تميزوا خاصة على مستوى التأليف الموسيقي ..لعل ذلك يرجع -اضافة إلى التسيير العام للمهرجانات والتظاهرات الفنية الكبرى- إلى عدم متابعة المتخرجين من المعاهد العليا للموسيقى لمجال اختصاصهم ذلك أن مختصين يرون أنه يجب تأطيرهم حتى في سنوات الدراسة المتقدمة كالمجال الطبي..كي يتمكنوا من الاضافة للموسيقى التونسية.. وبطبيعة الحال جراء الإهمال أصبح الموسيقي يشتغل في حفلات الزفاف (عرابني) أو يلتزم بعقد لمدة وجيزة بمعهد الرشيدية لكسب بعض المال ليس إلا مما ينعكس سلبا على العزف والابداع.. لهذا السبب نفتقد اليوم مدارس كبيرة للعزف على غرار مدرسة رضا القلعي وقدور الصرارفي وغيرهما دون الانتباه أيضا الى أن العازف يجب أن يكون منفتحا على جميع الموسيقات..

ومن المؤكد ورغم كل هذه المؤاخذات فإن مستوى العزف في تونس تحسن تحسنا ملحوظا في السنوات الأخيرة في ظل بحث الموسيقيين عن مكانتهم الخاصة في الساحة الفنية نظرا لأن المستمع العربي عامة تعود على الأغنية، كما أنه لا يزال يشكو من نقص الفضاءات الثقافية التي تعتني بالموسيقى الآلية ليجد نفسه عازفا وسط مجموعة أو "سوليست" أو قائد فرقة، فيصبح مقيدا بنسق معين يعيقه على الإبداع وتقديم انتاجات خاصة وهو ما يحول دون تقديم انتاجات خاصة في ظل تلك الظروف.

إضافة إلى نقص المهرجانات الخاصة التي من شأنها أن تشجع المواهب الصاعدة وأصحاب المشاريع الفنية..ولم لا اقتراح إنشاء حفل شهري يقام كل مرة بإحدى المدن التونسية كي تصبح ثقافة العزف متجذرة عند التونسيين ويحظى كل عازف مبدع بالمكانة الاجتماعية والثقافية التي يستحق، ومن ثمة تتغير العقلية السائدة ويصبح الجمهور التونسي مولعا بعروض العازفين الفرديين كما هو الحال بالنسبة الى عازف الكمنجة الارميني الشهير صامويل نارفينيان أو عازف الكلارينات التركي المتميز حسنو أو عازفي القانون هايتاتش وقوقسال باكاتير.. ناهيك أن ثلة من العازفين التونسيين وجدوا ضالتهم خارج الوطن على غرار انور براهم وبشير الغربي ومحمد الغربي وظافر يوسف وكانت لهم مشاركات هامة في اعرق المهرجانات العالمية ..عازفون محترفون لو نسج على منوالهم الكثير من الموسيقيين الماهرين لكان الأمر مختلفا عن السائد شرط أن يجازفوا وأن يؤمنوا بقدراتهم الفنية وأن يعملوا على المدى الطويل .. خاصة وأن الساحة حبلى بمئات المبدعين القادرين على إحياء فكرة مهرجانات الموسيقى الآلية..

وليد عبد اللاوي

 

 

 

 

فيما تزخر الساحة الفنية بأمهر العازفين..  ما سر غياب مهرجانات الموسيقى الآلية؟

تونس -الصباح

لعل أبرز ما يميز الساحة الموسيقية في تونس هو تلك الكفاءات العالية في العزف على جميع الآلات.. وقد رٌسخت القناعة عند الجماهير الواسعة عبر أجيال مختلفة سواء في تونس أو خارجها بأن العازف التونسي يبقى من خيرة العازفين في العالم العربي، بل باستطاعته فرض مؤهلاته الفنية في أعرق المهرجانات العالمية إن سنحت له الفرص..

وتاريخ الإبداع في هذا المجال ضارب في القدم ويمثل عشرات الفنانين الذين تركوا وقعا كبيرا في خزينة التراث الموسيقي التونسي على غرار أبرز العازفين على الكمنجة وأشهرهم رضا القلعي صاحب الكثير من الأعمال التي جعلت منه رائدا في الساحة الموسيقية، مؤلف الأغاني العاطفية والوطنية والمعروف بارتجالاته المتميزة في أعمال متكاملة ومتناسقة من خلال قيادته "فرقة المنار" والتي ظلت محفورة في الذاكرة الجماعية إلى يوم الناس هذا.. فضلا عن العديد من الموسيقيين المنتمين إلى أجيال مختلفة والذين تميزوا وتفردوا في مجالهم نذكر على سبيل المثال عازف القانون الراحل توفيق زغندة وعازف العود رضا الشمك وعازف الكمنجة الراحل زهير بالهاني والملحن الكبير أنور براهم وحسين ميلود أبرز عازفي الناي في تونس والعالم العربي الذي مكنته كفاءته من مقعد قار في الفرقة الوطنية وفي مختلف الفرق الموسيقية مما عمق تفرده في العزف واللحن وعازف الكمنجة أنيس القليبي والعازفين التوأمين محمد الغربي(كمنجة) وبشير الغربي (عود)..

أجيال مختلفة أكدت أن الميدان الفني في تونس يزخر بالكثير من المواهب في مجال الموسيقى الآلية، لكن للأسف لا يزال الجمهور العربي عامة والتونسي خاصة جمهور طرب وجمهور صوت غير متعود على العروض الموسيقية التي تتراوح مدتها بين الساعة والنصف والساعتين، وهو ما يستدعي انتباهنا إلى مشاركة عازف "الفيولونسال" الكبير محمد غنية الأخيرة في عرض "أنغام في الذاكرة2" ليلة 1اوت في مهرجان قرطاج، من خلال لحنين فقط "يا مسافر وحدك" و"يا دار الحبايب" رغم الرصيد الفني الكبير لهذا الفنان وإمكانية تمتع الجمهور أكثر بعزفه المتفرد .. لنتساءل عن سبب احتجاب مثل هذه القامات الفنية وراء مطربين لمدة عقود دون التفكير في عروض خاصة والمجازفة من خلال تجاوز ألحان الذاكرة الوطنية نحو الألحان والانتاجات الخاصة.. المجازفة الحقيقة في مجال الموسيقى الآلية كانت مع القلائل من العازفين أمثال الأخوين محمد وبشير الغربي اللذين اختارا أن يشاركا في مهرجانات عريقة خارج الوطن باعتبار أن العازف في تونس هو ضحية عقلية مهيمنة فضلا عن سياسة تسيير مهرجانات لا تتماشى وطموحات اي عازف ماهر له من الانتاجات الخاصة والقدرات الفنية ما يجعله أن يؤمن حفلات خاصة..

ذلك أن النزعة التفاضلية لا تزال تسيطر على أسبقية المغني في تونس على الموسيقي فقلما يبرز عازف أو عازفة نتيجة عدم توفر المناخ المناسب كي يتفرغ العازف للإبداع عزفا وتأليفا..

لماذا لا يحظى العازف التونسي مهما بلغت درجة موهبته بمكانة تضاهي المغنين من حيث الدعم والمكانة الاجتماعية؟

لماذا تفتقر ساحتنا الفنية مدارس كبرى للعزف مثل مدرسة رضا القلعي والحال أن الكثير من المبدعين جعلوا من العزف مناخا خاصا بهم واداة للتعبير عن كينونتهم ومواهبهم..

إن المتأمل في مسيرة أبرز العازفين في تونس مثل احمد القلعي عازف العود الكبير يمكن أن تتضح له الرؤية وأن تتبين ملامح الرؤية الاستشرافية والاحاطة المعنوية والاجتماعية، خاصة وأن الفقيد القلعي وما ادراك كان يعزف ويمتع أساسا لكسب المال رغم انبهار الاتراك وغيرهم بموهبته وعبقريته.. إذن الامر خطير ويستدعي رسم مناهج جديدة لا سيما أن الأمر لم يتغير بعد..

وضع مترد بالنسبة للموسيقى الآلية ربما يرجع إلى غياب الاشهار عكس العديد من البلدان العربية رغم افتقارها لعازفين ماهرين.. كنا أنه لسائل أن يسأل لماذا العازف لا يتمتع بالدعم إلا اذا تحصل على شهائد علمية عالية؟

 نحن نعلم أن تونس تزخر بآلاف المتحصلين على الدكتوراه في اختصاصات موسيقية مختلفة ولكن قلة قليلة تميزوا خاصة على مستوى التأليف الموسيقي ..لعل ذلك يرجع -اضافة إلى التسيير العام للمهرجانات والتظاهرات الفنية الكبرى- إلى عدم متابعة المتخرجين من المعاهد العليا للموسيقى لمجال اختصاصهم ذلك أن مختصين يرون أنه يجب تأطيرهم حتى في سنوات الدراسة المتقدمة كالمجال الطبي..كي يتمكنوا من الاضافة للموسيقى التونسية.. وبطبيعة الحال جراء الإهمال أصبح الموسيقي يشتغل في حفلات الزفاف (عرابني) أو يلتزم بعقد لمدة وجيزة بمعهد الرشيدية لكسب بعض المال ليس إلا مما ينعكس سلبا على العزف والابداع.. لهذا السبب نفتقد اليوم مدارس كبيرة للعزف على غرار مدرسة رضا القلعي وقدور الصرارفي وغيرهما دون الانتباه أيضا الى أن العازف يجب أن يكون منفتحا على جميع الموسيقات..

ومن المؤكد ورغم كل هذه المؤاخذات فإن مستوى العزف في تونس تحسن تحسنا ملحوظا في السنوات الأخيرة في ظل بحث الموسيقيين عن مكانتهم الخاصة في الساحة الفنية نظرا لأن المستمع العربي عامة تعود على الأغنية، كما أنه لا يزال يشكو من نقص الفضاءات الثقافية التي تعتني بالموسيقى الآلية ليجد نفسه عازفا وسط مجموعة أو "سوليست" أو قائد فرقة، فيصبح مقيدا بنسق معين يعيقه على الإبداع وتقديم انتاجات خاصة وهو ما يحول دون تقديم انتاجات خاصة في ظل تلك الظروف.

إضافة إلى نقص المهرجانات الخاصة التي من شأنها أن تشجع المواهب الصاعدة وأصحاب المشاريع الفنية..ولم لا اقتراح إنشاء حفل شهري يقام كل مرة بإحدى المدن التونسية كي تصبح ثقافة العزف متجذرة عند التونسيين ويحظى كل عازف مبدع بالمكانة الاجتماعية والثقافية التي يستحق، ومن ثمة تتغير العقلية السائدة ويصبح الجمهور التونسي مولعا بعروض العازفين الفرديين كما هو الحال بالنسبة الى عازف الكمنجة الارميني الشهير صامويل نارفينيان أو عازف الكلارينات التركي المتميز حسنو أو عازفي القانون هايتاتش وقوقسال باكاتير.. ناهيك أن ثلة من العازفين التونسيين وجدوا ضالتهم خارج الوطن على غرار انور براهم وبشير الغربي ومحمد الغربي وظافر يوسف وكانت لهم مشاركات هامة في اعرق المهرجانات العالمية ..عازفون محترفون لو نسج على منوالهم الكثير من الموسيقيين الماهرين لكان الأمر مختلفا عن السائد شرط أن يجازفوا وأن يؤمنوا بقدراتهم الفنية وأن يعملوا على المدى الطويل .. خاصة وأن الساحة حبلى بمئات المبدعين القادرين على إحياء فكرة مهرجانات الموسيقى الآلية..

وليد عبد اللاوي