بحث حثيث في الكواليس عن تسويات ربما تجنّب الحركة سيناريوهات أخطر من وضعها الحالي
تونس – الصباح
أعلنت حركة النهضة، رسميا، أوّل أمس، أنها ستعقد مؤتمرها الحادي عشر أواخر شهر أكتوبر القادم وذلك تمسّكا بما وصفته بـ"حياة سياسية مسؤولة وسعيا الى تقييم جدّي لمشاركتها في إدارة عشرية الانتقال الديمقراطي" حسب بيان أصدره المكتب التنفيذي المؤقت للحركة والذي دعا منخرطي الحركة الى المشاركة الواسعة في ما وصفه البيان بـ»المحطة السياسية الهامة«.
المؤتمر الذي تأخّر لأكثر من سنتين لأسباب ذاتية وموضوعية يأتي اليوم في سياقات تاريخية وسياسية ذات خصوصية وغير مسبوقة بالنسبة لحركة النهضة فزعيمها التاريخي ومؤسسها راشد الغنوشي مودع بالسجن منذ أكثر من ثلاثة أشهر بتهم ثقيلة منها التآمر على أمن الدولة والتسفير الى بؤر التوتّر وهي تهم ثقيلة قد تصل عقوبتها الى الإعدام.. ولأوّل مرة سينعقد مؤتمر حركة النهضة في غياب راشد الغنوشي والذي يعيش سيناريو غير متوقع لنهاية حكمه داخل النهضة ونهايته كشخصية سياسية كانت على مدى أربعة عقود من الشخصيات الفاعلة سياسيا في المشهد التونسي سواء من موقع المعارضة او الحكم..
كما يأتي هذا المؤتمر بالتزامن مع تقديم لائحة سياسية مطروحة اليوم في مجلس نواب الشعب وتقدمت بها النائبة فاطمة المسدي تطالب بتصنيف حركة النهضة كتنظيم إرهابي وحلّها وهو ما اعتبرته قيادات نهضاوية حركة استئصاليه يسعى لها البعض داخل البرلمان للتغطية عن فشلهم ، كما يتزامن الإعلان عن تاريخ عقد المؤتمر بتوجيه تهمة الى رئيس الحركة المؤقت منذر الونيسي بتورّطه في خطأ طبي بحكم عمله كطبيب وهي التهمة التي نفاها بشدة على صفحته الرسمية واعتبر ان ذلك محاولة لضربه سياسيا بتشويه مساره المهني وتلويث سمعته كطبيب .
يجمع أغلب المتابعين للشأن العام اليوم أن تأخير الحركة لمؤتمرها لمدة سنتين أضرّ بها كثيرا وكان خيارا خاطئا منذ البداية من القيادة التي تعللت في البداية بجائحة كورونا في محاولة لتطويق خلافاتها الداخلية التي اندلعت بشكل أكثر حدّة بعد سحب الثقة من حكومة الرئيس الأولى وإجبار الياس فخفاخ على تقديم استقالته واقالة قبل ذلك وزراء حركة النهضة وعلى رأسهم عبد اللطيف المكي الذي كان في صراع داخلي مع راشد الغنوشي ومن المطالبين بضرورة توفّر مناخ ديمقراطي داخل الحزب ، وذلك الصراع الذي ادركه مسار 25 جويلية وزاد في تأزيم الوضع الداخلي للحركة انتهى بانشقاقات كبيرة ولافتة وكذلك انتهى الى اضعاف الحزب داخليا وهو ما أثّر على قوته في مواجهة حقيقة ابعاده عن الحياة السياسية في مرحلة أولى ثم إيداع ابرز قياداته السجن في مرحلة ثانيا ..
وحصيلة كل ذلك المسار المرهق والصعب، اليوم، هو بروز جيل من القيادات الجديدة التي أبدت جاهزيتها لطي صفحة راشد الغنوشي بكل اخفاقاتها في قيادة الحركة بشكل آمن!
القيادة المؤقتة في منعرج مصيري
لم يكتف رئيس حركة النهضة بالنيابة، منذر الونيسي، بطرح خطاب أقل حدّة وأقرب الى مهادنة السلطة القائمة بعيدا عن خطابات التصعيد والوعيد بل ان إعلانه عن تاريخ المؤتمر الحادي عشر والاستعداد له يعتبر أكبر تحد اليوم أمام الرئيس المؤقت للحركة، وقد أكّد الونيسي في وقت سابق أنه سيتم انتخاب قيادة ومكتب تنفيذي جديد للحركة ولم ينف إمكانية ترشّحه لرئاسة حركة النهضة .
وتفيد معطيات مؤكدة اليوم أن منذر الونيسي سيترشّح لرئاسة الحركة وبات يملك حظوظا وافرة لانتخابه من طرف أبناء النهضة وهو الذي استطاع ان يجد لنفسه مساحات هامة اليوم داخل الحركة في غياب قيادات تاريخية ومؤثرة ، مستفيدا من المنطق البراغماتي السائد اليوم في صفوف النهضاويين والذي هدفه إنقاذ الحزب وضمان استمراريته وعدم التهوّر في الذهاب الى مواجهة يراها الأغلبية ستكون خاسرة بالضرورة مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بل ان فكرة إيجاد صيغة للتسوية مع النظام باتت أيضا مطروحة وذلك بعيدا عن التصعيد والمواجهة.
واليوم يقود منذر الونيسي مع قيادات بارزة داخل الحزب هذا التيار البراغماتي الذي يريد تقليص خسائر الحزب وانقاذه من القرار الأخطر الا وهو الحلّ خاصة بوجود عدد من نواب البرلمان الذين يدفعون في هذا الاتجاه.. ومنذ أن تولي منذر الونيسي رئاسة الحركة بالنيابة بعد إيقاف راشد الغنوشي بدا خطابه أكثر توازنا وأقلّ حدّة ومختلف على خطابات صقور حركة النهضة والذي انتهى المطاف بأغلبهم الى السجن.. والونيسي هو من قيادات الحركة الذين عاشوا طويلا في الظل ولم تُمنح لهم فرصة البروز في وجود قيادات أخرى تاريخية استفادت من نضالات سابقة ولكنه اليوم مع قيادات أخرى بات تحت الأضواء مباشرة وموكول له مهمة العبور بحركة النهضة الى برّ أكثر أمانا !
هذه القيادات الجديدة اضطرت لملئ فراغ تركته قيادات أخرى تقبع اليوم في السجون مثل نائب رئيس الحركة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، والنائب الثاني لرئيس الحزب ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، وقيادات أخرى لها وزنها في المكتب التنفيذي ومجلس الشورى على غرار سيد الفرجاني والصحبي عتيق، والرئيس السابق للنهضة الحبيب اللوز، والنائبان السابقان أحمد العماري وصالح العلاقي.
وفي بيانها أوّل أمس نددت حركة النهضة بظروف الموقوفين في السجن وقالت أنه تم»حرمانهم من مقابلة أهاليهم بشكل مباشر بتعليمات شفاهية خالفت قرارات القضاء« حسب نص البيان إضافة الى ما يعانيه عدد منهم نتيجة الأمراض المزمنة والخطيرة كما جددت القيادة المؤقتة للحركة دعوتها الى إطلاق سراحهم فورا.
وتبقى أكبر معضلة لوجستية تواجه الحركة اليوم هي مقراتها التي تم إغلاقها بعد إيقاف راشد الغنوشي بما في ذلك المقر المركزي للحركة بجهة مونبليزير حيث قامت قوات الأمن بإغلاق كافة مقرات الحزب بما فيها مقره المركزي ومنعت العاملين فيها من الدخول إليها مباشرة بعد الإعلان عن إيقاف رئيس الحركة السابق راشد الغنوشي. كما أعلن وزير الداخلية وقتها كمال الفقي عن منع الاجتماعات في مقرات حركة النهضة ومقرات جبهة الخلاص الوطني. واليوم رغم إعلان القيادة أنها قامت بكل الإجراءات الأمنية والقضائية وتجاوبت مع جميع إجراءات التحقيق والتفتيش كما أعلن ذلك في وقت سابق الرئيس بالنيابة منذر الونيسي إلا أن المقرات ما زالت مغلقة وهو ما سيعسّر ويصعّب مهمة عقد المؤتمر في ظروف مشابهة خاصة وان السلطة لم تفصح عن موقفها بشأن هذا المؤتمر وما إذا ستسمح وزارة الداخلية بعقده أم لا!
ولكن من المؤكد ان انعقاد هذا المؤتمر هو طي لصفحة راشد الغنوشي بكل تفاصيلها وبالكامل، فهو سيغيب لأول مرة عن مؤتمر للحركة وحتى القيادات المرشّحة لخلافته تختلف جذريا عنه في المواقف وفي الوزن الداخلي والدولي، هذا بالإضافة الى البحث الحثيث في الكواليس عن تسويات ربما تجنّب الحركة سيناريوهات أخطر من وضعها الحالي.
منية العرفاوي
بحث حثيث في الكواليس عن تسويات ربما تجنّب الحركة سيناريوهات أخطر من وضعها الحالي
تونس – الصباح
أعلنت حركة النهضة، رسميا، أوّل أمس، أنها ستعقد مؤتمرها الحادي عشر أواخر شهر أكتوبر القادم وذلك تمسّكا بما وصفته بـ"حياة سياسية مسؤولة وسعيا الى تقييم جدّي لمشاركتها في إدارة عشرية الانتقال الديمقراطي" حسب بيان أصدره المكتب التنفيذي المؤقت للحركة والذي دعا منخرطي الحركة الى المشاركة الواسعة في ما وصفه البيان بـ»المحطة السياسية الهامة«.
المؤتمر الذي تأخّر لأكثر من سنتين لأسباب ذاتية وموضوعية يأتي اليوم في سياقات تاريخية وسياسية ذات خصوصية وغير مسبوقة بالنسبة لحركة النهضة فزعيمها التاريخي ومؤسسها راشد الغنوشي مودع بالسجن منذ أكثر من ثلاثة أشهر بتهم ثقيلة منها التآمر على أمن الدولة والتسفير الى بؤر التوتّر وهي تهم ثقيلة قد تصل عقوبتها الى الإعدام.. ولأوّل مرة سينعقد مؤتمر حركة النهضة في غياب راشد الغنوشي والذي يعيش سيناريو غير متوقع لنهاية حكمه داخل النهضة ونهايته كشخصية سياسية كانت على مدى أربعة عقود من الشخصيات الفاعلة سياسيا في المشهد التونسي سواء من موقع المعارضة او الحكم..
كما يأتي هذا المؤتمر بالتزامن مع تقديم لائحة سياسية مطروحة اليوم في مجلس نواب الشعب وتقدمت بها النائبة فاطمة المسدي تطالب بتصنيف حركة النهضة كتنظيم إرهابي وحلّها وهو ما اعتبرته قيادات نهضاوية حركة استئصاليه يسعى لها البعض داخل البرلمان للتغطية عن فشلهم ، كما يتزامن الإعلان عن تاريخ عقد المؤتمر بتوجيه تهمة الى رئيس الحركة المؤقت منذر الونيسي بتورّطه في خطأ طبي بحكم عمله كطبيب وهي التهمة التي نفاها بشدة على صفحته الرسمية واعتبر ان ذلك محاولة لضربه سياسيا بتشويه مساره المهني وتلويث سمعته كطبيب .
يجمع أغلب المتابعين للشأن العام اليوم أن تأخير الحركة لمؤتمرها لمدة سنتين أضرّ بها كثيرا وكان خيارا خاطئا منذ البداية من القيادة التي تعللت في البداية بجائحة كورونا في محاولة لتطويق خلافاتها الداخلية التي اندلعت بشكل أكثر حدّة بعد سحب الثقة من حكومة الرئيس الأولى وإجبار الياس فخفاخ على تقديم استقالته واقالة قبل ذلك وزراء حركة النهضة وعلى رأسهم عبد اللطيف المكي الذي كان في صراع داخلي مع راشد الغنوشي ومن المطالبين بضرورة توفّر مناخ ديمقراطي داخل الحزب ، وذلك الصراع الذي ادركه مسار 25 جويلية وزاد في تأزيم الوضع الداخلي للحركة انتهى بانشقاقات كبيرة ولافتة وكذلك انتهى الى اضعاف الحزب داخليا وهو ما أثّر على قوته في مواجهة حقيقة ابعاده عن الحياة السياسية في مرحلة أولى ثم إيداع ابرز قياداته السجن في مرحلة ثانيا ..
وحصيلة كل ذلك المسار المرهق والصعب، اليوم، هو بروز جيل من القيادات الجديدة التي أبدت جاهزيتها لطي صفحة راشد الغنوشي بكل اخفاقاتها في قيادة الحركة بشكل آمن!
القيادة المؤقتة في منعرج مصيري
لم يكتف رئيس حركة النهضة بالنيابة، منذر الونيسي، بطرح خطاب أقل حدّة وأقرب الى مهادنة السلطة القائمة بعيدا عن خطابات التصعيد والوعيد بل ان إعلانه عن تاريخ المؤتمر الحادي عشر والاستعداد له يعتبر أكبر تحد اليوم أمام الرئيس المؤقت للحركة، وقد أكّد الونيسي في وقت سابق أنه سيتم انتخاب قيادة ومكتب تنفيذي جديد للحركة ولم ينف إمكانية ترشّحه لرئاسة حركة النهضة .
وتفيد معطيات مؤكدة اليوم أن منذر الونيسي سيترشّح لرئاسة الحركة وبات يملك حظوظا وافرة لانتخابه من طرف أبناء النهضة وهو الذي استطاع ان يجد لنفسه مساحات هامة اليوم داخل الحركة في غياب قيادات تاريخية ومؤثرة ، مستفيدا من المنطق البراغماتي السائد اليوم في صفوف النهضاويين والذي هدفه إنقاذ الحزب وضمان استمراريته وعدم التهوّر في الذهاب الى مواجهة يراها الأغلبية ستكون خاسرة بالضرورة مع رئيس الجمهورية قيس سعيّد، بل ان فكرة إيجاد صيغة للتسوية مع النظام باتت أيضا مطروحة وذلك بعيدا عن التصعيد والمواجهة.
واليوم يقود منذر الونيسي مع قيادات بارزة داخل الحزب هذا التيار البراغماتي الذي يريد تقليص خسائر الحزب وانقاذه من القرار الأخطر الا وهو الحلّ خاصة بوجود عدد من نواب البرلمان الذين يدفعون في هذا الاتجاه.. ومنذ أن تولي منذر الونيسي رئاسة الحركة بالنيابة بعد إيقاف راشد الغنوشي بدا خطابه أكثر توازنا وأقلّ حدّة ومختلف على خطابات صقور حركة النهضة والذي انتهى المطاف بأغلبهم الى السجن.. والونيسي هو من قيادات الحركة الذين عاشوا طويلا في الظل ولم تُمنح لهم فرصة البروز في وجود قيادات أخرى تاريخية استفادت من نضالات سابقة ولكنه اليوم مع قيادات أخرى بات تحت الأضواء مباشرة وموكول له مهمة العبور بحركة النهضة الى برّ أكثر أمانا !
هذه القيادات الجديدة اضطرت لملئ فراغ تركته قيادات أخرى تقبع اليوم في السجون مثل نائب رئيس الحركة ورئيس الحكومة الأسبق علي العريض، والنائب الثاني لرئيس الحزب ووزير العدل الأسبق نور الدين البحيري، وقيادات أخرى لها وزنها في المكتب التنفيذي ومجلس الشورى على غرار سيد الفرجاني والصحبي عتيق، والرئيس السابق للنهضة الحبيب اللوز، والنائبان السابقان أحمد العماري وصالح العلاقي.
وفي بيانها أوّل أمس نددت حركة النهضة بظروف الموقوفين في السجن وقالت أنه تم»حرمانهم من مقابلة أهاليهم بشكل مباشر بتعليمات شفاهية خالفت قرارات القضاء« حسب نص البيان إضافة الى ما يعانيه عدد منهم نتيجة الأمراض المزمنة والخطيرة كما جددت القيادة المؤقتة للحركة دعوتها الى إطلاق سراحهم فورا.
وتبقى أكبر معضلة لوجستية تواجه الحركة اليوم هي مقراتها التي تم إغلاقها بعد إيقاف راشد الغنوشي بما في ذلك المقر المركزي للحركة بجهة مونبليزير حيث قامت قوات الأمن بإغلاق كافة مقرات الحزب بما فيها مقره المركزي ومنعت العاملين فيها من الدخول إليها مباشرة بعد الإعلان عن إيقاف رئيس الحركة السابق راشد الغنوشي. كما أعلن وزير الداخلية وقتها كمال الفقي عن منع الاجتماعات في مقرات حركة النهضة ومقرات جبهة الخلاص الوطني. واليوم رغم إعلان القيادة أنها قامت بكل الإجراءات الأمنية والقضائية وتجاوبت مع جميع إجراءات التحقيق والتفتيش كما أعلن ذلك في وقت سابق الرئيس بالنيابة منذر الونيسي إلا أن المقرات ما زالت مغلقة وهو ما سيعسّر ويصعّب مهمة عقد المؤتمر في ظروف مشابهة خاصة وان السلطة لم تفصح عن موقفها بشأن هذا المؤتمر وما إذا ستسمح وزارة الداخلية بعقده أم لا!
ولكن من المؤكد ان انعقاد هذا المؤتمر هو طي لصفحة راشد الغنوشي بكل تفاصيلها وبالكامل، فهو سيغيب لأول مرة عن مؤتمر للحركة وحتى القيادات المرشّحة لخلافته تختلف جذريا عنه في المواقف وفي الوزن الداخلي والدولي، هذا بالإضافة الى البحث الحثيث في الكواليس عن تسويات ربما تجنّب الحركة سيناريوهات أخطر من وضعها الحالي.