إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نعم تونس قادرة على التخلي عن التداين.. لكن بشروط ...

 

بقلم:ريم بالخذيري

تداين الدول والشركات وحتى الأشخاص ليس خيرا كلّه و لا هو شرّ كلّه .

والتداين نوعان :

*الأول اختياري أو استراتيجي بمعنى أنه ليس مبنيّا على الحاجة الملحة للتداين انما هو سياسة تتبعها الحكومات والشركات للاستفادة من فرص الإقراض الميسّر.وهو خيار استراتيجي الهدف منه المحافظة على رأس المال بالنسبة للشركات والمخاطرة بأموال القروض المؤجلة الدفع أو الأسهم وهي التي يحكمها مبدأ السوق والخسارة والربح.

كما أنه خيار تعتمده بعض الحكومات للمحافظة على الموازنة المالية دون اتخاذ إجراءات موجعة تمس القدرة الشرائية للمواطنين أو الصحّة أو الخدمات. وهذا الخيار يهدف أيضا الى المحافظة على الرصيد الأدنى من العملة الصعبة. وفيه عادة ما تكون القروض بشروط ميسرة وبنسب فائدة معقولة.

وكانت السعودية قد اقترضت 10 مليار دولار من السوق العالمية في 2015/2016، عبر قرض أجله خمس سنوات، رغم انّ لديها احتياطي مريح، بلغ 2.289 ترليون ريال (610.4 مليار دولار) حينها.

*الثاني اضطراري وتمليه الحاجة الفورية الى أموال نقدا أو سندات قابلة للصرف وذلك لتلبية حاجات مستعجلة من قبل تمويل الميزانية أو توريد سلع حيوية.وهذا النوع من الاقتراض لا هامش مناورة كبيرة فيه للذي سيقترض (حكومة أو شركة أو شخص) وهو يكون بنسب فائدة كبيرة وبآجال دفع قصيرة كتلك التي تحصّلت عليها تونس في السنوات الأخيرة.

تونس وديونها الكريهة

يتردد في تونس مصطلح الديون الكريهة أو البغيضة ويستعملها الكثيرون للتدليل على لا شرعية هذه الديون وأنها صرفت هدرا خاصة في السنوات العشر الأخيرة. غير أن الحقيقة هي أن تونس لم تتحصل على ديون كريهة مطلقا وانما يمكن الحديث عن سوء تصرف في القروض والهبات الممنوحة وبالتالي فتونس كانت مضطرة دوما الى الاقتراض الداخلي والخارجي وجزء من ميزانية الدولة قائم على الاقتراض وهذا ما يفسر الوضعية الصعبة الحالية للمالية العمومية بسبب تأخر قرض صندوق النقد الدولي بمبلغ 1.9مليار دولار مدرج في ميزانية 2023.

وبالعودة لمصطلح الديون الكريهة فهو يسمى الدين البغيض أيضا ويسمى بالإنقليزيةOdiousdebtوهو دين غير شرعي،وهو مصطلح في القانون الدولي، يشير إلى نظرية تقول بأن الدين الوطني الذي يقترضه النظام لأغراض لا تخدم مصالح الشعب لا يجوز الوفاء به. ويعتبر القانون هذه الديون ديونًا شخصية للنظام يتحملها هو وليس الدولة. ويشبه هذا المفهوم في بعض النواحي العقود الباطلة التي توقع تحت الإكراه.

وفي التاريخ قامت الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي1933 و 1934 بشطب ديونها،وهي العملية ذاتها التي سبق وان أقدم عليها السوفيات حين ألغوا ديون الإمبراطورية القيصرية والحكومة المؤقّتة في عام 1918.

وبذلك انتصرت الدول التي قاومت،ورفضت سداد الديون البغيضة. أمّا الدول التي استسلمت أو فشلت في المقاومة حتّى النهاية مثل مصر عام 1882، وتونس عام 1881،و دول اخرى خضعت لشروط الاتفاقيات التي أملاها صندوق النقد الدولي فقد كان عليها القبول بدورها كدولة تابعة للدائنين، فضلا على أنها لم تنجح في الخروج من المديونية.

ترشيد المديونية

في تونس اليوم وبعد أن بلغ حجم الديون مستوى لا يطاق حيث من المنتظر وفق وزارة المالية أن يصل إلى 124.5 مليار دينار (40.8 مليار دولار) بحلول نهاية سنة 2023، وتستحوذ الديون الخارجية على 63.9% منها في ما البقية من السوق الداخلية لذلك يظل الوضع مدعاة للحيرة والقلق.

واضطرت الحكومة مؤخرا الى الاقتراض من البنوك المحلية لسداد قسط من قرض خارجي.

وبالتالي فالاقتراض الخارجي أصبح صعبا وان وجد فهو بشروط مجحفة وبنسبة فائدة لا تقل عن 11 أو 12 بالمائة. لذلك لابد من ترشيد الاقتراض ولابد من محاولة جدولة الديون المستحقة لنترك بذلك فرصة للحكومة لاسترداد الأنفاس والتفكير في إرساء موارد اخرى للمالية العمومية تعوض شيئا فشيئا الاقتراض الدوري.

وأهم هذه الموارد على الاطلاق هو عودة نسق الاستثمار الداخلي والخارجي فيجب أن تضع الحكومة خططا وقوانين جالبة للمستثمرين وتخلق فضاء آمنا وعادلا لا ابتزاز فيه ولا ظلم كي يحس المستثمرون بالأمان.

ولهذا يجب سن قانون استثمار جديد يشارك في صياغته الأمن والقضاء والاقتصاديون والمنظمات النقابية..

وبالتالي نبعث برسالة طمأنة واضحة للخارج.

وحينما تعود عجلة الاستثمار للدوران سيترتب على ذلك ضرائب تحصل عليها الدولة تقربنا من الاستغناء على التداين.

كما أنه من الضروري ترشيد التوريد فهو من الأسباب التي تجعل الدولة تقدم على الاقتراض لتوفير العملة الصعبة.

ومن المهم إعادة الحياة الى القطاعات الواعدة كالفسفاط والسياحة الطبية والتركيز على الأمن لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء عبر سياسة فلاحية جديدة.

ومن الضروري أيضا التوجه نحو عصرنة قطاع النسيج واستعادة الأسواق الخارجية التي خسرها فضلا عن السوق الداخلية .

 بهذا وحده يمكن الحديث عن قدرة تونس على التوقف عن الاقتراض غير أنها حلول ليست آنية ولكن لابد من الشروع فيها الان وليس غدا.

 

 

نعم تونس قادرة على التخلي عن التداين.. لكن بشروط ...

 

بقلم:ريم بالخذيري

تداين الدول والشركات وحتى الأشخاص ليس خيرا كلّه و لا هو شرّ كلّه .

والتداين نوعان :

*الأول اختياري أو استراتيجي بمعنى أنه ليس مبنيّا على الحاجة الملحة للتداين انما هو سياسة تتبعها الحكومات والشركات للاستفادة من فرص الإقراض الميسّر.وهو خيار استراتيجي الهدف منه المحافظة على رأس المال بالنسبة للشركات والمخاطرة بأموال القروض المؤجلة الدفع أو الأسهم وهي التي يحكمها مبدأ السوق والخسارة والربح.

كما أنه خيار تعتمده بعض الحكومات للمحافظة على الموازنة المالية دون اتخاذ إجراءات موجعة تمس القدرة الشرائية للمواطنين أو الصحّة أو الخدمات. وهذا الخيار يهدف أيضا الى المحافظة على الرصيد الأدنى من العملة الصعبة. وفيه عادة ما تكون القروض بشروط ميسرة وبنسب فائدة معقولة.

وكانت السعودية قد اقترضت 10 مليار دولار من السوق العالمية في 2015/2016، عبر قرض أجله خمس سنوات، رغم انّ لديها احتياطي مريح، بلغ 2.289 ترليون ريال (610.4 مليار دولار) حينها.

*الثاني اضطراري وتمليه الحاجة الفورية الى أموال نقدا أو سندات قابلة للصرف وذلك لتلبية حاجات مستعجلة من قبل تمويل الميزانية أو توريد سلع حيوية.وهذا النوع من الاقتراض لا هامش مناورة كبيرة فيه للذي سيقترض (حكومة أو شركة أو شخص) وهو يكون بنسب فائدة كبيرة وبآجال دفع قصيرة كتلك التي تحصّلت عليها تونس في السنوات الأخيرة.

تونس وديونها الكريهة

يتردد في تونس مصطلح الديون الكريهة أو البغيضة ويستعملها الكثيرون للتدليل على لا شرعية هذه الديون وأنها صرفت هدرا خاصة في السنوات العشر الأخيرة. غير أن الحقيقة هي أن تونس لم تتحصل على ديون كريهة مطلقا وانما يمكن الحديث عن سوء تصرف في القروض والهبات الممنوحة وبالتالي فتونس كانت مضطرة دوما الى الاقتراض الداخلي والخارجي وجزء من ميزانية الدولة قائم على الاقتراض وهذا ما يفسر الوضعية الصعبة الحالية للمالية العمومية بسبب تأخر قرض صندوق النقد الدولي بمبلغ 1.9مليار دولار مدرج في ميزانية 2023.

وبالعودة لمصطلح الديون الكريهة فهو يسمى الدين البغيض أيضا ويسمى بالإنقليزيةOdiousdebtوهو دين غير شرعي،وهو مصطلح في القانون الدولي، يشير إلى نظرية تقول بأن الدين الوطني الذي يقترضه النظام لأغراض لا تخدم مصالح الشعب لا يجوز الوفاء به. ويعتبر القانون هذه الديون ديونًا شخصية للنظام يتحملها هو وليس الدولة. ويشبه هذا المفهوم في بعض النواحي العقود الباطلة التي توقع تحت الإكراه.

وفي التاريخ قامت الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي1933 و 1934 بشطب ديونها،وهي العملية ذاتها التي سبق وان أقدم عليها السوفيات حين ألغوا ديون الإمبراطورية القيصرية والحكومة المؤقّتة في عام 1918.

وبذلك انتصرت الدول التي قاومت،ورفضت سداد الديون البغيضة. أمّا الدول التي استسلمت أو فشلت في المقاومة حتّى النهاية مثل مصر عام 1882، وتونس عام 1881،و دول اخرى خضعت لشروط الاتفاقيات التي أملاها صندوق النقد الدولي فقد كان عليها القبول بدورها كدولة تابعة للدائنين، فضلا على أنها لم تنجح في الخروج من المديونية.

ترشيد المديونية

في تونس اليوم وبعد أن بلغ حجم الديون مستوى لا يطاق حيث من المنتظر وفق وزارة المالية أن يصل إلى 124.5 مليار دينار (40.8 مليار دولار) بحلول نهاية سنة 2023، وتستحوذ الديون الخارجية على 63.9% منها في ما البقية من السوق الداخلية لذلك يظل الوضع مدعاة للحيرة والقلق.

واضطرت الحكومة مؤخرا الى الاقتراض من البنوك المحلية لسداد قسط من قرض خارجي.

وبالتالي فالاقتراض الخارجي أصبح صعبا وان وجد فهو بشروط مجحفة وبنسبة فائدة لا تقل عن 11 أو 12 بالمائة. لذلك لابد من ترشيد الاقتراض ولابد من محاولة جدولة الديون المستحقة لنترك بذلك فرصة للحكومة لاسترداد الأنفاس والتفكير في إرساء موارد اخرى للمالية العمومية تعوض شيئا فشيئا الاقتراض الدوري.

وأهم هذه الموارد على الاطلاق هو عودة نسق الاستثمار الداخلي والخارجي فيجب أن تضع الحكومة خططا وقوانين جالبة للمستثمرين وتخلق فضاء آمنا وعادلا لا ابتزاز فيه ولا ظلم كي يحس المستثمرون بالأمان.

ولهذا يجب سن قانون استثمار جديد يشارك في صياغته الأمن والقضاء والاقتصاديون والمنظمات النقابية..

وبالتالي نبعث برسالة طمأنة واضحة للخارج.

وحينما تعود عجلة الاستثمار للدوران سيترتب على ذلك ضرائب تحصل عليها الدولة تقربنا من الاستغناء على التداين.

كما أنه من الضروري ترشيد التوريد فهو من الأسباب التي تجعل الدولة تقدم على الاقتراض لتوفير العملة الصعبة.

ومن المهم إعادة الحياة الى القطاعات الواعدة كالفسفاط والسياحة الطبية والتركيز على الأمن لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء عبر سياسة فلاحية جديدة.

ومن الضروري أيضا التوجه نحو عصرنة قطاع النسيج واستعادة الأسواق الخارجية التي خسرها فضلا عن السوق الداخلية .

 بهذا وحده يمكن الحديث عن قدرة تونس على التوقف عن الاقتراض غير أنها حلول ليست آنية ولكن لابد من الشروع فيها الان وليس غدا.