تشكل الحوادث المرورية إحدى المشكلات العالمية الخطيرة التي تؤثر اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا على الكثير من البلدان في جميع أنحاء العالم. فهذه الحوادث تتسبب في فقدان الأرواح والإصابات البدنية الخطيرة، وتسبب خسائر اقتصادية هائلة. ويبقى فهم أسباب الحوادث المرورية وتحليلها بدقة من شأنه أن يساعد في تبني استراتيجيات فعالة للحد منها والحفاظ على سلامة المجتمعات.
إعداد: سفيان المهداوي
"الصباح" فتحت ملف الحوادث المرورية في تونس وكلفتها الاقتصادية والتي تضاربت في العديد من الأحيان، لكنها تشترك من حيث القيمة، والتي تجاوزت التوقعات، وما يثير الانتباه أن الكلفة تجاوزت 1200 مليون دينار إذا ما اعتبرنا تعويضات التأمين وخسائر ساعات العمل وخسائر الصناديق الاجتماعية وغير ذلك. هذا إضافة الى المخلفات النفسية والآلام والمعاناة التي تخلفها حوادث السير والتي تتجاوز هذه القيمة بكثير. فهناك تكاليف مادية يمكن أن نقيسها ونسجل فيها رقما معينا، وهناك تكاليف ومخلفات أخرى موازية، وربما وقعها أخطر بكثير، ويصعب أن نقيسها.
فالآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عن الحوادث المرورية هائلة وتنطلق من التكاليف الطبية الناتجة عن الإصابات والعجز، فقدان الإنتاجية والوظائف، تكاليف الإصلاح والتأمين للمركبات، وتعطيل حركة المرور وتأثيرها على الاقتصاد المحلي.
كما أن الخسائر الاقتصادية يمكن أن تقاس بالضحية نفسها فإذا كان المتوفى طبيبا أو مهندسا في العشرينيات، فما تبقى له على التقاعد يشكل خسارة، كان يمكن أن ينتج فيها قيمة مضافة، بعدما استثمرت الدولة في دراسته وتكوينه...
فكل قتيل على الطريق يكلف الدولة 994 ألف دينار فيما بلغت تكلفة كل مصاب بجروح بليغة 242 ألف دينار.
وكانت وزارة الداخلية التونسية أشارت في 6 جانفي الماضي، أن حوادث الطرق تكلف تونس 5.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وتشير أحدث نشرة لحوادث الطرقات الى وفاة 120 شخصًا في شهر جانفي 2023 وحده ، مقارنة بـ91 في نفس الشهر من العام الماضي. وهذا يمثل زيادة بنسبة 30٪. وهو رقم كبير يضع تونس في أعلى المراتب عالميا من حيث الخسائر المترتبة عن حوداث الطرقات حيث تشير أرقام منظمة الصحة العالمية، أن تكلفة انعدام الأمن على الطرق تمثل 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي، أو 2700 مليار دولار (9000 مليار دينار!) وفي فرنسا 46.3 مليار يورو، وفي أوروبا أكثر من 200 وفي الولايات المتحدة 900 مليار دولار في السنة!.
900 مليون دينار سنويا تعويضات شركات التأمين
وبالعودة الى شركات التأمين تشير آخر الأرقام الرسمية المسجلة سنة 2022 ، أن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لحوادث المرور بالبلاد التونسية بلغت أكثر من 900 مليون دينار سنويا مقابل 737 مليون دينار سنة 2019 و664 مليون دينار سنة 2018 حسب الجامعة التونسية لشركات التأمين وفق الخبير الدولي والمكوّن في السلامة المرورية ورئيس المجلس العلمي لجمعية تونس للسلامة المرورية المنجي الشابي.
وبيّن الشابي أنّ هذه المبالغ صرفتها شركات التأمين في البلاد كتعويضات مباشرة وغير مباشرة لحوادث الطرقات وخصّصت لتعويض قطع غيار أو لتعويض السيارات أو للتعويض للمتضررين أو للتعويض عن الضرر المعنوي والأدبي من حوادث المرور وهو ما يمثّل نزيفا في الأرواح والأموال ممّا يحتّم وضع خطة إستراتيجية وطنية للسلامة المرورية هي حاليا غير موجودة غير أنّها في طور الدراسات. وسيمكن إنجازها كلّ الأطراف المعنية بمعرفة ما لها وما عليها علاوة على أنّها ستسمح بإتاحة نفس المقاييس المعتمدة في المستوى العالمي للتقييم ولاستقراء المعطيات وتبادلها، بحسب تقديره.
وقال الشابي إنّ عشرية السنة المرورية 2011-2020 التي أقرتها كلّ من الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للصحة للتقليص بنسبة 50 بالمائة من نسبة عدد قتلى حوادث المرور في العالم أي مليون و350 ألف قتيل انتهت ودخلنا في العشرية الثانية التي تتواصل إلى سنة 2030 ولم يقع إلى حدّ الآن في تونس إنجاز ما من شأنه السماح بالتقليص في نسب قتلي حوادث المرور وبالتالي المحافظة على الأرواح البشرية وخاصة التقليص في الإعاقات الدائمة التي تخلفها مثل هذه الحوادث والتي تكون أحيانا أخطر من الوفيات.
وتعدّ البلاد التونسية مليونين ونصف مليون من العربات المتنقلة في الطريق حسب الإحصائيات الأخيرة للسجل الوطني للعربات غير أنّ العدد المحدّد للدراجات النارية غير معروف باعتبارها غير مرقّمة وليست لها بطاقة رمادية حسب الشابي.
ووفق أحدث البيانات الصادرة عن جمعية السلامة المرورية بلغ عدد المركبات على طرقات تونس نحو 1.7 مليون مركبة، في حين تصل الكلفة الاقتصادية لحوادث المرور خلال النصف الأول من سنة 2023 قرابة 800 مليون دينار دون احتساب التعويضات الصادرة عن شركات التأمين، علما وانه والى غاية 12 جويلية تم تسجيل 2772 حادثا خطيرا نتجت عنها وفاة 606 أشخاص، فيما قدر رئيس جمعية السلامة المرورية بلال الونيفي الكلفة الاقتصادية المباشرة لحوادث الطرقات بقرابة 1200 مليون دينار سنويا. ويبقى السؤال الذي عجزت السلطات عن الإجابة عنه، "كيف يمكن التقليص من فاتورة الحوادث المرورية على الاقتصاد الوطني؟" مفتوحا على مصراعيه لمدة طويلة لكن دون إجابة!.
2023 سنة كارثية ودموية بامتياز !
واستنادا إلى آخر الأرقام المسجلة في الفترة الأخيرة ،
أكد الونيفي أن سنة 2023، تعد سنة كارثية ودموية بامتياز حيث تم خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي إلى 25 جوان الماضي، تسجيل 2519 حادث مرور خلّف 543 قتيلا و3527 جريحا.
وأوضح أنه على الرغم من تسجيل انخفاض في عدد الحوادث مقارنة بالفترة نفسها من السنة الفارطة بـ181 حادث مرور وفي عدد الجرحى بـ340 جريحا، إلا أن عدد الوفيات قد سجل ارتفاعا بـ128 قتيلا أي بنسبة 30 بالمائة..
ولفت رئيس الجمعية أن كلفة حوادث الطرقات تتجاوز الـ1200 مليون دينار سنويا.
وشدد الونيفي، أن مؤسسات الدولة غائبة أمام هذه الكارثة، داعيا السلطات إلى تغيير مجلة الطرقات، وإقرار اعتماد التكنولوجيا الحديثة لإثبات جرائم الجولان، إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في هذا المجال.
ارتفاع قتلى الحوادث المرورية بـ30%
كما كشف المرصد الوطني للسلامة المرورية أن نسبة قتلى حوادث المرور في تونس سجّلت ارتفاعا بأكثر من 30 بالمائة منذ مطلع السنة الجارية إلى غاية 26 جوان 2023، وذلك مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022.
وبلغ عدد قتلى حوادث الطرقات إلى غاية 26 جوان الجاري، حسب معطيات صادرة عن المرصد الوطني لسلامة المرور، 548 قتيلا مقابل 422 قتيلا خلال نفس الفترة من سنة 2022، فيما بلغ عدد حوادث الطرقات 2546 حادثا مقابل 2723 خلال نفس الفترة من السنة المنقضية أي بتراجع قدّر بنسبة 6.5 بالمائة.
وجاءت عوامل مثل السهو وعدم الانتباه في المرتبة الأولى بنسبة تجاوزت 42 بالمائة، في حين حل عامل السرعة في المرتبة الثانية بأكثر من 15 بالمائة من الحوادث المسجّلة الى حدود 26 جوان الجاري، يليها عدم احترام الأولوية بنسبة فاقت 8 بالمائة، ثمّ عدم ملازمة اليمين بنسبة تجاوزت 6 بالمائة.
ولا تختلف تونس هنا كثيرا عن بقية دول العالم من حيث أسباب حوادث المرور وانعكاساتها حيث لفت المرصد الوطني لسلامة المرور أن عدم احترام علامات المرور، والسياقة في حالة سكر، والمجاوزة الممنوعة، وشقّ الطريق، والمداهمة تعدّ أيضا من أهم المسبّبات الأخرى لحوادث الطرقات في تونس.
وفي العالم، تشهد العديد من الدول مستويات عالية من الحوادث المرورية، وتختلف أعداد الحوادث ومعدلات الوفيات والإصابات من بلد إلى آخر. ويعتبر قطاع النقل وسلامة الطرق أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الحكومات والمنظمات الدولية في جميع أنحاء العالم، وتتنوع أسباب الحوادث المرورية وتتضمن عوامل متعددة، مثل القيادة غير الآمنة، السرعة المفرطة، القيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول، الإجهاد وقلة التركيز أثناء القيادة، وحالة الطرقات والبنية التحتية، سوء حالة الطرق، عدم وجود إشارات مرورية مناسبة، نقص الإضاءة. بالإضافة إلى سلوكيات المشاة، عبور الشوارع بطريقة غير آمنة، عدم احترام إشارات المرور، وسلامة المركبات، قدرة الفرامل والإطارات، نظام فحص السلامة...
الأسباب عديدة والنتائج الاقتصادية والاجتماعية وخيمة وإيجاد الحلول لحد من الكلفة البشرية والمالية لحوادث المرور أصبح أكثر من ضرورة وما على الهياكل المعتمة من وزارة داخلية وجمعيات ومنظمات إلا العمل أكثر وبصفة مشتركة على إيقاف النزيف..
مشروع Circulothon وسبل الحد من الحوادث وكلفتها البشرية والاقتصادية
الأرقام المفزعة لحوادث المرور في تونس لفتت انتباه العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي في بلادنا وخارجها، ولعل من أبرز هؤلاء نجد صاحب مشروع Circulothon، الفرنسي ورجل الأعمال في القطاع العقاري "لويس شارل كونتون"، والذي كشف في دراسة علمية قدمها لـ"الصباح" عن حجم الخسائر المسجلة في تونس وعن الحلول التي وجب اتباعها حتى تتمكن الدولة من التقليص من الكلفة الاقتصادية للحوادث، وتحويلها إلى استثمارات تخلق مواطن الشغل وتشغل الشباب العاطل عن العمل، علما وأن هذه الخطة عرضت على الحكومات المتعاقبة وتم تجاهلها لأسباب غير منطقية بالمرة.
يهدف مشروع Circulothon المستوحى من روح الألعاب الاولمبية على وزن marathon ويتوسط شعاره حمامة بيضاء وتحيط به علامة السلام في الطرقات، السلام العالمي، إلى أن يكون حدثًا يمكن تطبيقه بسهولة، جاهز للاستخدام، بنتائج فورية، وبأقل التكاليف، تم تطبيقه في المغرب وفرنسا، وفيما يلي موجز للوصفة التي يدعو إليها الفرنسي "لويس شارل كانتون" لمحاربة انعدام الأمن على الطرقات، كما تلقتها "الصباح".
حسب "شارل كانتون" الذي تحدثت معه "الصباح" من الضروري العمل على حشد التونسيين ليوم واحد وأكثر من ذلك للوعي بمخاطر الطريق، ويمكن لمشروع Circulothon أن يشكل فرصة عظيمة لمواجهة مخاطر حوادث الطريق. ولأن وراء كل عمل أو إرادة، هناك رجال وأفكار، فإنه من الضروري استخلاص ما دونه هذا الخبير وما اكتسبه من المعرفة من خلال العمل التطوعي ، في عمله ونشاطه في مجال السلامة على الطرقات والصرامة الشاملة لمدة 30 عامًا.
هذا الخبير العقاري والمالي السابق الذي تحول إلى العمل التطوعي، وتفرغ له لا يلفظ كلماته من فراغ ويؤمن إيمانا راسخا بأفكاره التي يصفها بأنها "مبتكرة وعملية دائما للتنفيذ ورائعة".
يقول السيد "كوينتون" على الصعيد العالمي، تشير الأرقام الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، الى تسجيل 35 مليون حالة وفاة و150 مليون إصابة خطيرة منذ عام 1992، بتكلفة عالمية تقارب 40 ألف مليار دولار، ومتوسط عمر ضحايا حوادث الطرقات في العالم يبلغ حوالي 30 عامًا، في حين أن متوسط عمر المتوفين بفيروس Covid-19 بلغ 82 عامًا.
أما في تونس، فيتم تسجيل وفاة ألف شخص كل عام حسب آخر النشرات الصادرة عن المرصد الوطني للسلامة المرورية، وهناك زيادة مستمرة في حوادث الطرق المميتة بمعدل 3 وفيات يوميًا.
إهدار المال العام
نشأ مشروع Circulothon من خلال دراسة والربط بين عدد من أسباب حوادث الطريق وفئتهم الاجتماعية والمهنية في عام 1992. يقسم الخبير الفرنسي السائقين إلى فئتين، أولئك الذين ينشطون ويعملون بانتظام، يذهبون إلى منازلهم ويستيقظون في ساعات العمل العادية وأولئك الذين تم عزلهم عن المجتمع وليس لديهم أي اتجاه، وخاصة الشباب، ولكن ليس فقط أولئك الذين ينامون متأخرًا، ويستيقظون متأخرًا وغالبًا ما يقودون سياراتهم في حالة سيئة / أو المركبات غير المؤمَّن عليها، لأنها لا تملك الموارد المالية الكافية، ويقودون دون رخصة ويرتكبون جميع أنواع الانتهاكات المرورية ... "إنهم يجعلون أنفسهم مسؤولين ومذنبين عن" حوادث الإصابات أو أنهم هم أنفسهم الضحايا ". من هناك، يكون تفكيره بسيطًا ويأخذ في الاعتبار حقيقة أن كل شخص يجب أن يكون له حياة اجتماعية. يطالب كوينتون هنا بتقليل إهدار المال.
يشرح كوينتون لماذا وكيف توصل إلى يقينه. وهو يعتقد أنه عندما تكون جميع الإشارات باللون الأحمر، فهذه فرصة لإعادة كل شيء إلى الأرض مرة أخرى من خلال إجراءات أكثر فاعلية وخطط ملموسة وإستراتيجية واضحة.
ويضيف: "هناك صلة ثابتة بين بطالة الشباب و"إرهاب الطرقات"، وهو يؤمن بضرورة إخضاع الجميع في نفس الوقت لمخاطر الطريق: "كل من على متن المركب في نفس الوقت أو لا شيء! ". من الضروري التفكير في القيام بذلك مع حوادث الطرق التي تأخذ نسبة كبيرة ولها تكلفة باهظة على الاقتصاد الوطني.
الأسباب المباشرة للحوادث
يتابع الخبير الفرنسي،" إن Circulothon هي فكرة للقضاء على 60٪ من الحوادث المميتة وما لا يقل عن 50٪ من الحوادث الجسدية". ويقدر من قراءاته أن 93٪ من حوادث الطرق ناتجة عن سوء سلوك متعمد من قبل السائقين. ولهذا يعتقد أن المشكلة لا تتعلق بالإشارات، وإنما بالسائقين المسرعين على الطريق والسائقين المجانين، ولكن ليس هذا فقط لأن "إرهاب الطريق" كما يحب أن يسميه هو ظاهرة يستخدم فيها السائق سيارته كسلاح حسب الوجهة ولم تعد وسيلة للتنقل.
ما هو أبعد من السرعة أو القيادة في حالة سكر! "الثورة الهادئة أو كيفية الخروج من المأزق" هو عنوان دراسته المكونة من 250 صفحة والتي كتبها عام 1993! إنه يلخص نهج المتحمس الذي كرس حياته كلها لقضية ما، أن يدافع عن مشروعه من أجل تقديم حياة أفضل لسكان الأرض، مع قدر أقل من التوتر والقلق، وقبل كل شيء حوادث أقل بكثير.
التدابير والحلول المستعجلة
ومن بين الحلول والتدابير التي يدعو اليها "كوينتون" فهي تعزيز التوعية والتثقيف المروري في المجتمعات وتشجيع الالتزام بقواعد السلامة المرورية، وتحسين البنية التحتية والطرق، وتوفير الإشارات المرورية والإضاءة الكافية، وتشديد تنفيذ قوانين المرور وفرض عقوبات رادعة على المخالفين.
وتطوير تكنولوجيا السلامة في المركبات مثل نظم الفرامل المتقدمة وأنظمة المساعدة في القيادة، وتعزيز طرقات المشاة والدراجات الهوائية ووسائل النقل العامة والآمنة والمستدامة.
وحسب كوينتون تعتبر الحوادث المرورية تحديًا عالميًا يستدعي التعاون والجهود المشتركة للحد منها، يجب أن تتبنى الحكومات والمنظمات الدولية استراتيجيات شاملة لتحسين سلامة الطرق وتوعية الجمهور بأهمية الالتزام بقواعد المرور. إن تطبيق التدابير الوقائية والتكنولوجيا المتقدمة في السلامة المرورية يمكن أن يحقق تقدماً كبيراً في تقليل حوادث الطرق وحماية الأرواح.
التعاطي مع السائقين مثل الأطفال
يهدف المشروع إلى تقليل عدد حوادث الطرق بمقدار الربع في يوم واحد للناس بدءًا من الملاحظة التي تشير إلى أن 94٪ من حوادث الطرق ناتجة عن السلوك المسؤول، ولا سيما السرعة، والقيادة في حالة سكر، وما إلى ذلك، تخيل لويس تشارلز أوينتون خطة طموحة ومذهلة لمعالجته لأصول هذه الآفة. نعم، يمكننا أن نغير من يوم لآخر كل شيء له أصل سلوكي، كما يذكر، مشيرًا إلى دراساته في علم النفس. في الواقع، يمكن تحقيق الهدف الطموح المتمثل في تقليل عدد الحوادث بمقدار الربع في يوم واحد، تمامًا كما فعلنا بفضل التطعيم ضد العديد من الأمراض، أو كما نفعل مع الأطفال عبر العطاء والمال إذا كنت مستقيما والتزمت بالقوانين في سياقتك نمنحك جائزة، أي انك كمواطن ستدفع غرامة وفي ذات الوقت يمكن أن تفوز بجائزة ثمينة.
اختيار تونس كقاعدة لهذا العمل ليس نتيجة الصدفة، ويأمل "كوينتون" أن يأخذ مشروعه موجة مماثلة لمشروع الربيع العربي الذي انطلق من تونس ولكن يتجه شمالًا أيضًا بعد فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ والمغرب. سافر السيد كوينتون إلى تونس، وطالب السلطات في أكثر من مناسبة بالنظر في سبل تطبيق مشروعه، الذي يعتمد توجهات علمية دقيقة للحد من الحوادث المرورية وتجنيب البلاد نفقات إضافية، يمكن الاستفادة منها في مشاريع استثمارية تخلق مواطن شغل جديدة وتنقذ آلاف الشباب من البطالة المطولة، لكن الى الآن لم يجد آذانا صاغية رغم رجاحة ما قدمه على مستوى النظري والتطبيقي.
تونس- الصباح
تشكل الحوادث المرورية إحدى المشكلات العالمية الخطيرة التي تؤثر اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا على الكثير من البلدان في جميع أنحاء العالم. فهذه الحوادث تتسبب في فقدان الأرواح والإصابات البدنية الخطيرة، وتسبب خسائر اقتصادية هائلة. ويبقى فهم أسباب الحوادث المرورية وتحليلها بدقة من شأنه أن يساعد في تبني استراتيجيات فعالة للحد منها والحفاظ على سلامة المجتمعات.
إعداد: سفيان المهداوي
"الصباح" فتحت ملف الحوادث المرورية في تونس وكلفتها الاقتصادية والتي تضاربت في العديد من الأحيان، لكنها تشترك من حيث القيمة، والتي تجاوزت التوقعات، وما يثير الانتباه أن الكلفة تجاوزت 1200 مليون دينار إذا ما اعتبرنا تعويضات التأمين وخسائر ساعات العمل وخسائر الصناديق الاجتماعية وغير ذلك. هذا إضافة الى المخلفات النفسية والآلام والمعاناة التي تخلفها حوادث السير والتي تتجاوز هذه القيمة بكثير. فهناك تكاليف مادية يمكن أن نقيسها ونسجل فيها رقما معينا، وهناك تكاليف ومخلفات أخرى موازية، وربما وقعها أخطر بكثير، ويصعب أن نقيسها.
فالآثار الاقتصادية والاجتماعية التي تترتب عن الحوادث المرورية هائلة وتنطلق من التكاليف الطبية الناتجة عن الإصابات والعجز، فقدان الإنتاجية والوظائف، تكاليف الإصلاح والتأمين للمركبات، وتعطيل حركة المرور وتأثيرها على الاقتصاد المحلي.
كما أن الخسائر الاقتصادية يمكن أن تقاس بالضحية نفسها فإذا كان المتوفى طبيبا أو مهندسا في العشرينيات، فما تبقى له على التقاعد يشكل خسارة، كان يمكن أن ينتج فيها قيمة مضافة، بعدما استثمرت الدولة في دراسته وتكوينه...
فكل قتيل على الطريق يكلف الدولة 994 ألف دينار فيما بلغت تكلفة كل مصاب بجروح بليغة 242 ألف دينار.
وكانت وزارة الداخلية التونسية أشارت في 6 جانفي الماضي، أن حوادث الطرق تكلف تونس 5.6٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
وتشير أحدث نشرة لحوادث الطرقات الى وفاة 120 شخصًا في شهر جانفي 2023 وحده ، مقارنة بـ91 في نفس الشهر من العام الماضي. وهذا يمثل زيادة بنسبة 30٪. وهو رقم كبير يضع تونس في أعلى المراتب عالميا من حيث الخسائر المترتبة عن حوداث الطرقات حيث تشير أرقام منظمة الصحة العالمية، أن تكلفة انعدام الأمن على الطرق تمثل 3٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي، أو 2700 مليار دولار (9000 مليار دينار!) وفي فرنسا 46.3 مليار يورو، وفي أوروبا أكثر من 200 وفي الولايات المتحدة 900 مليار دولار في السنة!.
900 مليون دينار سنويا تعويضات شركات التأمين
وبالعودة الى شركات التأمين تشير آخر الأرقام الرسمية المسجلة سنة 2022 ، أن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لحوادث المرور بالبلاد التونسية بلغت أكثر من 900 مليون دينار سنويا مقابل 737 مليون دينار سنة 2019 و664 مليون دينار سنة 2018 حسب الجامعة التونسية لشركات التأمين وفق الخبير الدولي والمكوّن في السلامة المرورية ورئيس المجلس العلمي لجمعية تونس للسلامة المرورية المنجي الشابي.
وبيّن الشابي أنّ هذه المبالغ صرفتها شركات التأمين في البلاد كتعويضات مباشرة وغير مباشرة لحوادث الطرقات وخصّصت لتعويض قطع غيار أو لتعويض السيارات أو للتعويض للمتضررين أو للتعويض عن الضرر المعنوي والأدبي من حوادث المرور وهو ما يمثّل نزيفا في الأرواح والأموال ممّا يحتّم وضع خطة إستراتيجية وطنية للسلامة المرورية هي حاليا غير موجودة غير أنّها في طور الدراسات. وسيمكن إنجازها كلّ الأطراف المعنية بمعرفة ما لها وما عليها علاوة على أنّها ستسمح بإتاحة نفس المقاييس المعتمدة في المستوى العالمي للتقييم ولاستقراء المعطيات وتبادلها، بحسب تقديره.
وقال الشابي إنّ عشرية السنة المرورية 2011-2020 التي أقرتها كلّ من الأمم المتحدة والمنظمة الدولية للصحة للتقليص بنسبة 50 بالمائة من نسبة عدد قتلى حوادث المرور في العالم أي مليون و350 ألف قتيل انتهت ودخلنا في العشرية الثانية التي تتواصل إلى سنة 2030 ولم يقع إلى حدّ الآن في تونس إنجاز ما من شأنه السماح بالتقليص في نسب قتلي حوادث المرور وبالتالي المحافظة على الأرواح البشرية وخاصة التقليص في الإعاقات الدائمة التي تخلفها مثل هذه الحوادث والتي تكون أحيانا أخطر من الوفيات.
وتعدّ البلاد التونسية مليونين ونصف مليون من العربات المتنقلة في الطريق حسب الإحصائيات الأخيرة للسجل الوطني للعربات غير أنّ العدد المحدّد للدراجات النارية غير معروف باعتبارها غير مرقّمة وليست لها بطاقة رمادية حسب الشابي.
ووفق أحدث البيانات الصادرة عن جمعية السلامة المرورية بلغ عدد المركبات على طرقات تونس نحو 1.7 مليون مركبة، في حين تصل الكلفة الاقتصادية لحوادث المرور خلال النصف الأول من سنة 2023 قرابة 800 مليون دينار دون احتساب التعويضات الصادرة عن شركات التأمين، علما وانه والى غاية 12 جويلية تم تسجيل 2772 حادثا خطيرا نتجت عنها وفاة 606 أشخاص، فيما قدر رئيس جمعية السلامة المرورية بلال الونيفي الكلفة الاقتصادية المباشرة لحوادث الطرقات بقرابة 1200 مليون دينار سنويا. ويبقى السؤال الذي عجزت السلطات عن الإجابة عنه، "كيف يمكن التقليص من فاتورة الحوادث المرورية على الاقتصاد الوطني؟" مفتوحا على مصراعيه لمدة طويلة لكن دون إجابة!.
2023 سنة كارثية ودموية بامتياز !
واستنادا إلى آخر الأرقام المسجلة في الفترة الأخيرة ،
أكد الونيفي أن سنة 2023، تعد سنة كارثية ودموية بامتياز حيث تم خلال الفترة الممتدة من 1 جانفي إلى 25 جوان الماضي، تسجيل 2519 حادث مرور خلّف 543 قتيلا و3527 جريحا.
وأوضح أنه على الرغم من تسجيل انخفاض في عدد الحوادث مقارنة بالفترة نفسها من السنة الفارطة بـ181 حادث مرور وفي عدد الجرحى بـ340 جريحا، إلا أن عدد الوفيات قد سجل ارتفاعا بـ128 قتيلا أي بنسبة 30 بالمائة..
ولفت رئيس الجمعية أن كلفة حوادث الطرقات تتجاوز الـ1200 مليون دينار سنويا.
وشدد الونيفي، أن مؤسسات الدولة غائبة أمام هذه الكارثة، داعيا السلطات إلى تغيير مجلة الطرقات، وإقرار اعتماد التكنولوجيا الحديثة لإثبات جرائم الجولان، إضافة إلى تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في هذا المجال.
ارتفاع قتلى الحوادث المرورية بـ30%
كما كشف المرصد الوطني للسلامة المرورية أن نسبة قتلى حوادث المرور في تونس سجّلت ارتفاعا بأكثر من 30 بالمائة منذ مطلع السنة الجارية إلى غاية 26 جوان 2023، وذلك مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2022.
وبلغ عدد قتلى حوادث الطرقات إلى غاية 26 جوان الجاري، حسب معطيات صادرة عن المرصد الوطني لسلامة المرور، 548 قتيلا مقابل 422 قتيلا خلال نفس الفترة من سنة 2022، فيما بلغ عدد حوادث الطرقات 2546 حادثا مقابل 2723 خلال نفس الفترة من السنة المنقضية أي بتراجع قدّر بنسبة 6.5 بالمائة.
وجاءت عوامل مثل السهو وعدم الانتباه في المرتبة الأولى بنسبة تجاوزت 42 بالمائة، في حين حل عامل السرعة في المرتبة الثانية بأكثر من 15 بالمائة من الحوادث المسجّلة الى حدود 26 جوان الجاري، يليها عدم احترام الأولوية بنسبة فاقت 8 بالمائة، ثمّ عدم ملازمة اليمين بنسبة تجاوزت 6 بالمائة.
ولا تختلف تونس هنا كثيرا عن بقية دول العالم من حيث أسباب حوادث المرور وانعكاساتها حيث لفت المرصد الوطني لسلامة المرور أن عدم احترام علامات المرور، والسياقة في حالة سكر، والمجاوزة الممنوعة، وشقّ الطريق، والمداهمة تعدّ أيضا من أهم المسبّبات الأخرى لحوادث الطرقات في تونس.
وفي العالم، تشهد العديد من الدول مستويات عالية من الحوادث المرورية، وتختلف أعداد الحوادث ومعدلات الوفيات والإصابات من بلد إلى آخر. ويعتبر قطاع النقل وسلامة الطرق أحد التحديات الرئيسية التي تواجهها الحكومات والمنظمات الدولية في جميع أنحاء العالم، وتتنوع أسباب الحوادث المرورية وتتضمن عوامل متعددة، مثل القيادة غير الآمنة، السرعة المفرطة، القيادة تحت تأثير المخدرات أو الكحول، الإجهاد وقلة التركيز أثناء القيادة، وحالة الطرقات والبنية التحتية، سوء حالة الطرق، عدم وجود إشارات مرورية مناسبة، نقص الإضاءة. بالإضافة إلى سلوكيات المشاة، عبور الشوارع بطريقة غير آمنة، عدم احترام إشارات المرور، وسلامة المركبات، قدرة الفرامل والإطارات، نظام فحص السلامة...
الأسباب عديدة والنتائج الاقتصادية والاجتماعية وخيمة وإيجاد الحلول لحد من الكلفة البشرية والمالية لحوادث المرور أصبح أكثر من ضرورة وما على الهياكل المعتمة من وزارة داخلية وجمعيات ومنظمات إلا العمل أكثر وبصفة مشتركة على إيقاف النزيف..
مشروع Circulothon وسبل الحد من الحوادث وكلفتها البشرية والاقتصادية
الأرقام المفزعة لحوادث المرور في تونس لفتت انتباه العديد من المتابعين للشأن الاقتصادي في بلادنا وخارجها، ولعل من أبرز هؤلاء نجد صاحب مشروع Circulothon، الفرنسي ورجل الأعمال في القطاع العقاري "لويس شارل كونتون"، والذي كشف في دراسة علمية قدمها لـ"الصباح" عن حجم الخسائر المسجلة في تونس وعن الحلول التي وجب اتباعها حتى تتمكن الدولة من التقليص من الكلفة الاقتصادية للحوادث، وتحويلها إلى استثمارات تخلق مواطن الشغل وتشغل الشباب العاطل عن العمل، علما وأن هذه الخطة عرضت على الحكومات المتعاقبة وتم تجاهلها لأسباب غير منطقية بالمرة.
يهدف مشروع Circulothon المستوحى من روح الألعاب الاولمبية على وزن marathon ويتوسط شعاره حمامة بيضاء وتحيط به علامة السلام في الطرقات، السلام العالمي، إلى أن يكون حدثًا يمكن تطبيقه بسهولة، جاهز للاستخدام، بنتائج فورية، وبأقل التكاليف، تم تطبيقه في المغرب وفرنسا، وفيما يلي موجز للوصفة التي يدعو إليها الفرنسي "لويس شارل كانتون" لمحاربة انعدام الأمن على الطرقات، كما تلقتها "الصباح".
حسب "شارل كانتون" الذي تحدثت معه "الصباح" من الضروري العمل على حشد التونسيين ليوم واحد وأكثر من ذلك للوعي بمخاطر الطريق، ويمكن لمشروع Circulothon أن يشكل فرصة عظيمة لمواجهة مخاطر حوادث الطريق. ولأن وراء كل عمل أو إرادة، هناك رجال وأفكار، فإنه من الضروري استخلاص ما دونه هذا الخبير وما اكتسبه من المعرفة من خلال العمل التطوعي ، في عمله ونشاطه في مجال السلامة على الطرقات والصرامة الشاملة لمدة 30 عامًا.
هذا الخبير العقاري والمالي السابق الذي تحول إلى العمل التطوعي، وتفرغ له لا يلفظ كلماته من فراغ ويؤمن إيمانا راسخا بأفكاره التي يصفها بأنها "مبتكرة وعملية دائما للتنفيذ ورائعة".
يقول السيد "كوينتون" على الصعيد العالمي، تشير الأرقام الرسمية لمنظمة الصحة العالمية، الى تسجيل 35 مليون حالة وفاة و150 مليون إصابة خطيرة منذ عام 1992، بتكلفة عالمية تقارب 40 ألف مليار دولار، ومتوسط عمر ضحايا حوادث الطرقات في العالم يبلغ حوالي 30 عامًا، في حين أن متوسط عمر المتوفين بفيروس Covid-19 بلغ 82 عامًا.
أما في تونس، فيتم تسجيل وفاة ألف شخص كل عام حسب آخر النشرات الصادرة عن المرصد الوطني للسلامة المرورية، وهناك زيادة مستمرة في حوادث الطرق المميتة بمعدل 3 وفيات يوميًا.
إهدار المال العام
نشأ مشروع Circulothon من خلال دراسة والربط بين عدد من أسباب حوادث الطريق وفئتهم الاجتماعية والمهنية في عام 1992. يقسم الخبير الفرنسي السائقين إلى فئتين، أولئك الذين ينشطون ويعملون بانتظام، يذهبون إلى منازلهم ويستيقظون في ساعات العمل العادية وأولئك الذين تم عزلهم عن المجتمع وليس لديهم أي اتجاه، وخاصة الشباب، ولكن ليس فقط أولئك الذين ينامون متأخرًا، ويستيقظون متأخرًا وغالبًا ما يقودون سياراتهم في حالة سيئة / أو المركبات غير المؤمَّن عليها، لأنها لا تملك الموارد المالية الكافية، ويقودون دون رخصة ويرتكبون جميع أنواع الانتهاكات المرورية ... "إنهم يجعلون أنفسهم مسؤولين ومذنبين عن" حوادث الإصابات أو أنهم هم أنفسهم الضحايا ". من هناك، يكون تفكيره بسيطًا ويأخذ في الاعتبار حقيقة أن كل شخص يجب أن يكون له حياة اجتماعية. يطالب كوينتون هنا بتقليل إهدار المال.
يشرح كوينتون لماذا وكيف توصل إلى يقينه. وهو يعتقد أنه عندما تكون جميع الإشارات باللون الأحمر، فهذه فرصة لإعادة كل شيء إلى الأرض مرة أخرى من خلال إجراءات أكثر فاعلية وخطط ملموسة وإستراتيجية واضحة.
ويضيف: "هناك صلة ثابتة بين بطالة الشباب و"إرهاب الطرقات"، وهو يؤمن بضرورة إخضاع الجميع في نفس الوقت لمخاطر الطريق: "كل من على متن المركب في نفس الوقت أو لا شيء! ". من الضروري التفكير في القيام بذلك مع حوادث الطرق التي تأخذ نسبة كبيرة ولها تكلفة باهظة على الاقتصاد الوطني.
الأسباب المباشرة للحوادث
يتابع الخبير الفرنسي،" إن Circulothon هي فكرة للقضاء على 60٪ من الحوادث المميتة وما لا يقل عن 50٪ من الحوادث الجسدية". ويقدر من قراءاته أن 93٪ من حوادث الطرق ناتجة عن سوء سلوك متعمد من قبل السائقين. ولهذا يعتقد أن المشكلة لا تتعلق بالإشارات، وإنما بالسائقين المسرعين على الطريق والسائقين المجانين، ولكن ليس هذا فقط لأن "إرهاب الطريق" كما يحب أن يسميه هو ظاهرة يستخدم فيها السائق سيارته كسلاح حسب الوجهة ولم تعد وسيلة للتنقل.
ما هو أبعد من السرعة أو القيادة في حالة سكر! "الثورة الهادئة أو كيفية الخروج من المأزق" هو عنوان دراسته المكونة من 250 صفحة والتي كتبها عام 1993! إنه يلخص نهج المتحمس الذي كرس حياته كلها لقضية ما، أن يدافع عن مشروعه من أجل تقديم حياة أفضل لسكان الأرض، مع قدر أقل من التوتر والقلق، وقبل كل شيء حوادث أقل بكثير.
التدابير والحلول المستعجلة
ومن بين الحلول والتدابير التي يدعو اليها "كوينتون" فهي تعزيز التوعية والتثقيف المروري في المجتمعات وتشجيع الالتزام بقواعد السلامة المرورية، وتحسين البنية التحتية والطرق، وتوفير الإشارات المرورية والإضاءة الكافية، وتشديد تنفيذ قوانين المرور وفرض عقوبات رادعة على المخالفين.
وتطوير تكنولوجيا السلامة في المركبات مثل نظم الفرامل المتقدمة وأنظمة المساعدة في القيادة، وتعزيز طرقات المشاة والدراجات الهوائية ووسائل النقل العامة والآمنة والمستدامة.
وحسب كوينتون تعتبر الحوادث المرورية تحديًا عالميًا يستدعي التعاون والجهود المشتركة للحد منها، يجب أن تتبنى الحكومات والمنظمات الدولية استراتيجيات شاملة لتحسين سلامة الطرق وتوعية الجمهور بأهمية الالتزام بقواعد المرور. إن تطبيق التدابير الوقائية والتكنولوجيا المتقدمة في السلامة المرورية يمكن أن يحقق تقدماً كبيراً في تقليل حوادث الطرق وحماية الأرواح.
التعاطي مع السائقين مثل الأطفال
يهدف المشروع إلى تقليل عدد حوادث الطرق بمقدار الربع في يوم واحد للناس بدءًا من الملاحظة التي تشير إلى أن 94٪ من حوادث الطرق ناتجة عن السلوك المسؤول، ولا سيما السرعة، والقيادة في حالة سكر، وما إلى ذلك، تخيل لويس تشارلز أوينتون خطة طموحة ومذهلة لمعالجته لأصول هذه الآفة. نعم، يمكننا أن نغير من يوم لآخر كل شيء له أصل سلوكي، كما يذكر، مشيرًا إلى دراساته في علم النفس. في الواقع، يمكن تحقيق الهدف الطموح المتمثل في تقليل عدد الحوادث بمقدار الربع في يوم واحد، تمامًا كما فعلنا بفضل التطعيم ضد العديد من الأمراض، أو كما نفعل مع الأطفال عبر العطاء والمال إذا كنت مستقيما والتزمت بالقوانين في سياقتك نمنحك جائزة، أي انك كمواطن ستدفع غرامة وفي ذات الوقت يمكن أن تفوز بجائزة ثمينة.
اختيار تونس كقاعدة لهذا العمل ليس نتيجة الصدفة، ويأمل "كوينتون" أن يأخذ مشروعه موجة مماثلة لمشروع الربيع العربي الذي انطلق من تونس ولكن يتجه شمالًا أيضًا بعد فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ والمغرب. سافر السيد كوينتون إلى تونس، وطالب السلطات في أكثر من مناسبة بالنظر في سبل تطبيق مشروعه، الذي يعتمد توجهات علمية دقيقة للحد من الحوادث المرورية وتجنيب البلاد نفقات إضافية، يمكن الاستفادة منها في مشاريع استثمارية تخلق مواطن شغل جديدة وتنقذ آلاف الشباب من البطالة المطولة، لكن الى الآن لم يجد آذانا صاغية رغم رجاحة ما قدمه على مستوى النظري والتطبيقي.