*اخيرا الانتباه إلى أن التركيز على الكم على حساب الكيف قد "دمر" المهرجانات
*طرق التصرف في موارد الدولة ومنظومة الدعم اشكاليات عاجلة بدورها وتتطلب تمعنا وتمحيصا
تونس- الصباح
اكد نص البلاغ الذي اصدرته وزارة الشؤون الثقافية أول أمس اثر اجتماع الوزيرة حياة قطاط القرمازي بالمديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية ومدير عام المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار المتوسط للثقافة والفنون وأعضاء هيئتي مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين" للنظر في أهم توجهات التظاهرات الثقافية ومراجعة الخيارات الفنية وكذلك الترتيبات التنظيمية والتقنية المتعلقة باحتواء الأحداث الطارئة على المستوى التنفيذي للعروض بالتنسيق مع الوزارات والمصالح المعنية" أن هناك توجه نحو الاستجابة للمطالب التي الح عليها اهل الاختصاص والتي تتمثل بالخصوص في الاهتمام بالكيف والتقليص من عدد السهرات كحل عاجل لاصلاح منظومة المهرجانات.
وقد نادى العديد من اهل الذكر من مثقفين وفنانين ونقاد واعلاميين مواكبين للحياة الثقافية في أغلب اللقاءات التي تم تنظيمها حول منظومة المهرجانات بالاستفادة من التجارب المقارنة خاصة في بلدان شبيهة بتونس في انفتاحها وتاريخها العريق وتعاقب الحضارات على أرضها ومن بينها لبنان التي استطاعت المحافظة على قيمة ابرز مهرجاناتها ونعني بالخصوص مهرجاني بعلبك وبيت الدين حيث ظل الكيف يغلب على الكم وقد اقتصرت الدورة السابقة لمهرجان بعلبك مثلا على بضع سهرات كانت كفيلة بأن تروق للجمهور وبأن تحافظ على مستوى التظاهرة.
لكن للاسف ورغم الندوات والدراسات التي أكدت أن منظومة المهرجانات المعتمدة منذ سنين قد تآكلت، فإن تونس ظلت تحافظ على نفس المنظومة دون أن يشفع ذلك بما يبرر الابقاء على منظومة ثبت عدم نجاعتها، بل كل شيء يؤكد أنها تستنزف موارد الدولة بدون فائدة.
فالدولة التي تخلت بين ليلة وضحاها، عن اللجان الثقافية التي كانت تقوم بدور كبير في المجال الثقافي خاصة في الجهات، قررت منذ سنوات أن تعتمد على المنظومة التالية: أن تشرف مباشرة على تنظيم مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين وأن تترك مسؤولية تنظيم بقية المهرجانات لجمعيات وجهات محلية.
وقد ثبت مع الأيام أن هذه الاختيارات لم تعط اكلها، بل تسببت في تراجع مستوى كل التظاهرات تقريبا.
فمهرجان قرطاج الدولي ما فتئ يتراجع حتى أصبح مهرجانا تجاريا لا يختلف في شيء عن بقية المهرجانات، في تنكر تام لماضيه حيث كان مهرجانا كبيرا لا يبرمج الا الاسماء الفنية الكبرى أي تلك التي لها رصيد فني حقيقي. مهرجان الحمامات الدولي من جانبه وإن لا يطاله نقدا كبيرا مقارنة بما يطال مهرجان قرطاج الدولي، كان يمكن أن يكون افضل بكثير خاصة أنه تحت اشراف مباشر للدولة من خلال وزارة الثقافة.
أما بقية المهرجانات فحدث ولا حرج. فقد ساهمت التقسيمات التي اعتمدتها وزارة الثقافة ببساطة في القضاء على مهرجانات دولية كبرى تقام بالجهات. مهرجان سوسة الدولي وهو اعرق مهرجان في تونس ( دورته الرابعة والستين) اقتصر هذا العام على برمجة محلية وغابت كل العروض الدولية لاسباب لها علاقة بالميزانية. مهرجان صفاقس الدولي ايضا شهد تراجعا كبيرا وكل المهرجانات الجهوية والمحلية شهدت تراجعا مفلتا للانتباه دون أن ننسى الخلافات الداخلية والانسحابات من هيئات التسيير التي تتم احيانا قبل ايام من انطلاق التظاهرة.
ويكفي ان نشير إلى ما شهده مهرجان بنزرت الدولي هذا العام من تجاذبات بين افراد هيئته التسييرية وقد استفحلت الصراعات والخصومات واستغرقت الهيئة في تبادل الاتهامات في الايام القليلة التي سبقت انطلاق التظاهرة ولم ينج" المهرجان الا بتدخل السلط المحلية في آخر وقت لايجاد وسط، يكفي معرفة ذلك حتى ندرك ما آلت إليه منظومة المهرجانات في تونس من وضع.
كل ذلك يحدث بعد سنوات من الفراغ الثقافي بسبب فيروس كورونا الذي اعاق الحياة الثقافية في تونس وخارجها، وكان من المفروض أن تستغل فترة العامين ( 2020- 2021 ) التي توقفت فيها المهرجانات في اعادة النظر في سياساتنا الثقافية غير أنه لا شيء من ذلك حدث، بل على العكس تراكمت المشاكل، وازدادت الاشكاليات وكل الهيئات المشرفة على المهرجانات بالجهات تشكو اليوم من تقليص حجم الدعم.
ويبدو أنه كان لا بد أن يحدث ما حدث في مهرجان قرطاج حتى يطرح موضوع منظومة المهرجانات بشكل جدي وحتى يقع التركيز على فكرة التعجيل الاصلاحات.
فقد دعت وزيرة الشؤون الثقافية وفق البلاغ الصادر حول اللقاء المذكور إلى الاسراع في إعداد دراسة لتقييم "تجربة تسليم إدارة مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين إلى مؤسسات الوزارة والهيئات المديرة التنظيمية للوقوف على النقاط الإيجابية والسلبية لهذا التوجه المعمول به في السنوات الأخيرة". وتم التأكيد في نفس البلاغ على مراجعة المنظومة من حيث الكم والكيف وهي مطالب قديمة ومتجددة ونعتقد أن الاهم اليوم هو الاصلاح حتى وإن جاء متأخرا. نقول ذلك لأن عددا من الملاحظين اعتبروا أن الخطوة جاءت متأخرة وأنه كان من المفروض أن يعقد الاجتماع قبل انطلاق موسم المهرجانات ونحن نقول من جانبنا اننا اضعنا كثيرا من الوقت بالفعل لكن الأهم من ذلك أن نقتنع اخيرا بأنه ينبغي احداث ثورة في المجال الثقافي وتغيير العقليات وتغيير اسلوب الدولة في التعامل مع الحقل الثقافي.
كان أذن من الضروري أن يحدث ما حدث في سهرة الضحك في قرطاج ( سهرة 16 جويلية بمشاركة عدد من الفنانين الكوميديين من بينهم الفنان المعروف باسم AZ) حيث تلفظ احد المشاركين الاجانب بكلمة غير لائقة ورددها عدة مرات وسط تشجيع الجمهور وقهقهته، وقد اثار ذلك موجة من الغضب تردد صداها في وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبرت مساسا من هيبة مهرجان قرطاج الدولي واستوجبت اعتذارا من الضيف ومن هيئة التنظيم ومن المؤسسة الوطنية لتنظيم المهرجانات رغم التشديد على أنها لم تكن مبرمجة وتم ارتجالها خلال العرض.
واستوجبت كذلك دعوة وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي إلى قصر الجمهورية بقرطاج حيث ذكّر الرئيس قيس سعيد، بتاريخ مهرجان قرطاج وبدور المهرجانات في تهذيب الذوق. وقد كان ذلك كفيلا بتسريع الأمور حيث انعقد أول أمس كما ذكرنا اجتماعا طارئا برئاسة وزيرة الشؤون الثقافية وبحضور الاطراف المعنية، للنظر في ما يجب فعله لتجنب مزيد من المشاكل.
ولنا أن نشير إلى أن مشاكل الحياة الثقافية ليست وليدة اليوم وإنما هي متراكمة منذ سنوات، بل منذ عقود لكنها استفحلت مع الاعوام ويزداد الوضع دقة مع الأيام. ونشير مثلا إلى أن موجة من الانتقادات قد سبقت انطلاق مهرجان قرطاج الدولي هذا العام تركزت حول قيمة الفنان التونسي والمساحة الممنوحة له في اعرق مهرجانات البلد، كما أن عرض افتتاح المهرجان بدوره قد رافقه جدل كبير، عاد بنا لمشكل الدعم وهو من المواضيع الحارقة أمام وزارة الثقافة وأمام الدولة التي تحولت من خلال الاصرار على نفس السياسات الثقافية وكما سبق أن ذكرنا في عدة مناسبات إلى المنتج الاول للثقافة وهي اشكالية تتطلب تمعنا وانتباها كبيرا.
حياة السايب
*اخيرا الانتباه إلى أن التركيز على الكم على حساب الكيف قد "دمر" المهرجانات
*طرق التصرف في موارد الدولة ومنظومة الدعم اشكاليات عاجلة بدورها وتتطلب تمعنا وتمحيصا
تونس- الصباح
اكد نص البلاغ الذي اصدرته وزارة الشؤون الثقافية أول أمس اثر اجتماع الوزيرة حياة قطاط القرمازي بالمديرة العامة للمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية ومدير عام المركز الثقافي الدولي بالحمامات دار المتوسط للثقافة والفنون وأعضاء هيئتي مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين" للنظر في أهم توجهات التظاهرات الثقافية ومراجعة الخيارات الفنية وكذلك الترتيبات التنظيمية والتقنية المتعلقة باحتواء الأحداث الطارئة على المستوى التنفيذي للعروض بالتنسيق مع الوزارات والمصالح المعنية" أن هناك توجه نحو الاستجابة للمطالب التي الح عليها اهل الاختصاص والتي تتمثل بالخصوص في الاهتمام بالكيف والتقليص من عدد السهرات كحل عاجل لاصلاح منظومة المهرجانات.
وقد نادى العديد من اهل الذكر من مثقفين وفنانين ونقاد واعلاميين مواكبين للحياة الثقافية في أغلب اللقاءات التي تم تنظيمها حول منظومة المهرجانات بالاستفادة من التجارب المقارنة خاصة في بلدان شبيهة بتونس في انفتاحها وتاريخها العريق وتعاقب الحضارات على أرضها ومن بينها لبنان التي استطاعت المحافظة على قيمة ابرز مهرجاناتها ونعني بالخصوص مهرجاني بعلبك وبيت الدين حيث ظل الكيف يغلب على الكم وقد اقتصرت الدورة السابقة لمهرجان بعلبك مثلا على بضع سهرات كانت كفيلة بأن تروق للجمهور وبأن تحافظ على مستوى التظاهرة.
لكن للاسف ورغم الندوات والدراسات التي أكدت أن منظومة المهرجانات المعتمدة منذ سنين قد تآكلت، فإن تونس ظلت تحافظ على نفس المنظومة دون أن يشفع ذلك بما يبرر الابقاء على منظومة ثبت عدم نجاعتها، بل كل شيء يؤكد أنها تستنزف موارد الدولة بدون فائدة.
فالدولة التي تخلت بين ليلة وضحاها، عن اللجان الثقافية التي كانت تقوم بدور كبير في المجال الثقافي خاصة في الجهات، قررت منذ سنوات أن تعتمد على المنظومة التالية: أن تشرف مباشرة على تنظيم مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين وأن تترك مسؤولية تنظيم بقية المهرجانات لجمعيات وجهات محلية.
وقد ثبت مع الأيام أن هذه الاختيارات لم تعط اكلها، بل تسببت في تراجع مستوى كل التظاهرات تقريبا.
فمهرجان قرطاج الدولي ما فتئ يتراجع حتى أصبح مهرجانا تجاريا لا يختلف في شيء عن بقية المهرجانات، في تنكر تام لماضيه حيث كان مهرجانا كبيرا لا يبرمج الا الاسماء الفنية الكبرى أي تلك التي لها رصيد فني حقيقي. مهرجان الحمامات الدولي من جانبه وإن لا يطاله نقدا كبيرا مقارنة بما يطال مهرجان قرطاج الدولي، كان يمكن أن يكون افضل بكثير خاصة أنه تحت اشراف مباشر للدولة من خلال وزارة الثقافة.
أما بقية المهرجانات فحدث ولا حرج. فقد ساهمت التقسيمات التي اعتمدتها وزارة الثقافة ببساطة في القضاء على مهرجانات دولية كبرى تقام بالجهات. مهرجان سوسة الدولي وهو اعرق مهرجان في تونس ( دورته الرابعة والستين) اقتصر هذا العام على برمجة محلية وغابت كل العروض الدولية لاسباب لها علاقة بالميزانية. مهرجان صفاقس الدولي ايضا شهد تراجعا كبيرا وكل المهرجانات الجهوية والمحلية شهدت تراجعا مفلتا للانتباه دون أن ننسى الخلافات الداخلية والانسحابات من هيئات التسيير التي تتم احيانا قبل ايام من انطلاق التظاهرة.
ويكفي ان نشير إلى ما شهده مهرجان بنزرت الدولي هذا العام من تجاذبات بين افراد هيئته التسييرية وقد استفحلت الصراعات والخصومات واستغرقت الهيئة في تبادل الاتهامات في الايام القليلة التي سبقت انطلاق التظاهرة ولم ينج" المهرجان الا بتدخل السلط المحلية في آخر وقت لايجاد وسط، يكفي معرفة ذلك حتى ندرك ما آلت إليه منظومة المهرجانات في تونس من وضع.
كل ذلك يحدث بعد سنوات من الفراغ الثقافي بسبب فيروس كورونا الذي اعاق الحياة الثقافية في تونس وخارجها، وكان من المفروض أن تستغل فترة العامين ( 2020- 2021 ) التي توقفت فيها المهرجانات في اعادة النظر في سياساتنا الثقافية غير أنه لا شيء من ذلك حدث، بل على العكس تراكمت المشاكل، وازدادت الاشكاليات وكل الهيئات المشرفة على المهرجانات بالجهات تشكو اليوم من تقليص حجم الدعم.
ويبدو أنه كان لا بد أن يحدث ما حدث في مهرجان قرطاج حتى يطرح موضوع منظومة المهرجانات بشكل جدي وحتى يقع التركيز على فكرة التعجيل الاصلاحات.
فقد دعت وزيرة الشؤون الثقافية وفق البلاغ الصادر حول اللقاء المذكور إلى الاسراع في إعداد دراسة لتقييم "تجربة تسليم إدارة مهرجاني قرطاج والحمامات الدوليين إلى مؤسسات الوزارة والهيئات المديرة التنظيمية للوقوف على النقاط الإيجابية والسلبية لهذا التوجه المعمول به في السنوات الأخيرة". وتم التأكيد في نفس البلاغ على مراجعة المنظومة من حيث الكم والكيف وهي مطالب قديمة ومتجددة ونعتقد أن الاهم اليوم هو الاصلاح حتى وإن جاء متأخرا. نقول ذلك لأن عددا من الملاحظين اعتبروا أن الخطوة جاءت متأخرة وأنه كان من المفروض أن يعقد الاجتماع قبل انطلاق موسم المهرجانات ونحن نقول من جانبنا اننا اضعنا كثيرا من الوقت بالفعل لكن الأهم من ذلك أن نقتنع اخيرا بأنه ينبغي احداث ثورة في المجال الثقافي وتغيير العقليات وتغيير اسلوب الدولة في التعامل مع الحقل الثقافي.
كان أذن من الضروري أن يحدث ما حدث في سهرة الضحك في قرطاج ( سهرة 16 جويلية بمشاركة عدد من الفنانين الكوميديين من بينهم الفنان المعروف باسم AZ) حيث تلفظ احد المشاركين الاجانب بكلمة غير لائقة ورددها عدة مرات وسط تشجيع الجمهور وقهقهته، وقد اثار ذلك موجة من الغضب تردد صداها في وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبرت مساسا من هيبة مهرجان قرطاج الدولي واستوجبت اعتذارا من الضيف ومن هيئة التنظيم ومن المؤسسة الوطنية لتنظيم المهرجانات رغم التشديد على أنها لم تكن مبرمجة وتم ارتجالها خلال العرض.
واستوجبت كذلك دعوة وزيرة الثقافة حياة قطاط القرمازي إلى قصر الجمهورية بقرطاج حيث ذكّر الرئيس قيس سعيد، بتاريخ مهرجان قرطاج وبدور المهرجانات في تهذيب الذوق. وقد كان ذلك كفيلا بتسريع الأمور حيث انعقد أول أمس كما ذكرنا اجتماعا طارئا برئاسة وزيرة الشؤون الثقافية وبحضور الاطراف المعنية، للنظر في ما يجب فعله لتجنب مزيد من المشاكل.
ولنا أن نشير إلى أن مشاكل الحياة الثقافية ليست وليدة اليوم وإنما هي متراكمة منذ سنوات، بل منذ عقود لكنها استفحلت مع الاعوام ويزداد الوضع دقة مع الأيام. ونشير مثلا إلى أن موجة من الانتقادات قد سبقت انطلاق مهرجان قرطاج الدولي هذا العام تركزت حول قيمة الفنان التونسي والمساحة الممنوحة له في اعرق مهرجانات البلد، كما أن عرض افتتاح المهرجان بدوره قد رافقه جدل كبير، عاد بنا لمشكل الدعم وهو من المواضيع الحارقة أمام وزارة الثقافة وأمام الدولة التي تحولت من خلال الاصرار على نفس السياسات الثقافية وكما سبق أن ذكرنا في عدة مناسبات إلى المنتج الاول للثقافة وهي اشكالية تتطلب تمعنا وانتباها كبيرا.