إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

كانت وازنة وفاعلة في منظومة الحكم.. أحزاب وقوى سياسية في تراجع.. افتقدت التوازن وغابت عن الساحة

 

*المبادرات "الجبهوية" لم تشفع للمحافظة على قوتها

تونس – الصباح

لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية المقرر سنة 2024، باعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيد سبق أن أكد على احترام موعد هذا الاستحقاق الانتخابي، فيما لا تزال وضعية الأحزاب السياسية لاسيما منها الأحزاب والقوى التي كانت وازنة ومكونة لمنظومة الحكم وحاضرة بقوة وفاعلة في المشهد السياسي خلال العشرية الماضية، في ترد وتراجع مستمر إلى حد أن البعض يصف وضعها اليوم بكونها أقرب إلى الاضمحلال والتلاشي رغم تأكيد بعضها بشكل مباشر أو غير مباشر عن رغبتها في خوض هذا الاستحقاق، بعد أن غابت في زحام مسار ما بعد 25 جويلية 2021 الذي تستعد بلادنا للاحتفال بذكرى عامه الثاني بعد خمسة أيام من هذا التاريخ، تزامنا مع الاحتفال بالذكرى 66 لعيد الجمهورية. وتاهت في "غياهب" المعارضة والصراع على السلطة في مسارها لمعارضة سياسة سعيد ورفض قراراته وخياراته وتوجهاته المعتمدة في إدارة دواليب الدولة ولتكريس الجمهورية الجديدة خلال السنتين الأخيرتين.

 ولئن كان الأمر مختلفا بالنسبة لبعض الأحزاب والقوى التي اختارت خط المساندة والدعم لقرارات ومسار ما بعد 25 جويلية، إلا أن كل الأحزاب تقف اليوم في نفس المربع الضيق الذي ترزح فيها اليوم كل الأجسام السياسية في ظل مواصلة سعيد انتهاج سياسة التغييب والتهميش لها وعدم الاعتراف بها.

ولم يشفع لهذه القوى السياسية الدخول في مبادرات جديدة غلب عليها الطابع الجبهوي في محاولاتها المتكررة للمحافظة على بقائها في المشهد العام بعد أن أصبحت خارج دائرة السلطة والقرار، باعتبارها الموقع الذي كانت تستمد منه قوتها وإشعاعها في السابق على نحو مكنها من هامش واسع من التحرك وفرض نسقها و"حصصها" في مواقع القرار والسلط والثروة. لتتحول بذلك من أحزاب قوية ووازنة وفاعلة خلال عشرية ما بعد 2011 إلى مجرد أجسام سياسية يُسْتَشهد بها في سياق الحديث عن عدد الأحزاب المرخص لها أو التي كانت مكونة للمشهد السياسي في مراحل تاريخية وسياسية قريبة في تاريخ تونس المعاصر، فبعضها تلاشى واضمحل والبعض الآخر لا يزال ينازع البقاء بعد أن أصبحت أوضاعها جميعا متشابهة.

فالجبهات والتكتلات التي تضم أغلب هذه الأحزاب من قبيل "جبهة الخلاص" والكتلة الخماسية التي تضم أحزاب التيار الديمقراطي والتكتل والعمال والقطب والجمهوري وغيرها، لم تستطع قلب المعادلة لفائدتها وظلت كلها تراوح مكانها من جل البقاء لا غير في ظل العزلة التي فرضتها عليها سياسة سعيد اليوم رغما عنها.

فما عرفته بعض الأحزاب التي أنصفتها صناديق الاقتراع في المحطات الانتخابية والتي كانت طرفا في منظومة الحكم التي تقودها حركة النهضة ما بعد الثورة من تشظ واضمحلال في مراحل مختلفة سواء تعلق الأمر بالأحزاب التقليدية أو القوى الصاعدة على غرار التكتل والجمهوري والمؤتمر من أجل الجمهورية ونداء تونس والجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر والعريضة الشعبية وصولا إلى التيار الديمقراطي وقلب تونس وتحيا تونس وغيرها، انسحب اليوم على كل مكونات المشهد الحزبي والواقع السياسي في تونس ما بعد مسك سعيد بزمام دواليب الدولة منذ سنتين تقريبا. وقد ساهمت عدة عوامل في تردي وضعية هذه الأحزاب بالشكل السيئ الذي هي عليه اليوم، منها ما هو موضوعي فرضه الواقع والسياقات السياسية والاجتماعية والتغيرات التي يشهدها العالم في هذه الفترة ومنها عوامل أخرى سياسيوية بالأساس تتحمل الأحزاب وبعض قياداتها جانبا من المسؤولية، وبعضها الآخر يرجع لسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد المعتمد تجاه الأحزاب والمنظمات وتداعيات ذلك على تراجع قيمة ووقع الأحزاب التي كانت تصنف كعناوين كبرى لقوى سياسية يتجاوز صداها تونس إلى المجال الإقليمي والدولي على غرار حركة النهضة.

 ورغم ما أتاحته مرحلة تونس ما بعد 25 جويلية 2021 من فرصة للقوى والأحزاب التي قاربت على الاندثار والاضمحلال خلال العشرية الماضية نتيجة اختيارات إستراتيجية وسياسية للعودة إلى التحرك والنشاط والظهور في المشهد العام من باب المعارضة وضمن تكتلات وجبهات، وهو شأن أحزاب التكتل والجمهوري والعمال وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، إلا أن الأمر كان مختلفا بالنسبة للأحزاب الأخرى خاصة منها "الفتية" التي خرجت من رحم تشظي الواقع الحزبي والسياسي وتلاشي بعض الأحزاب في النصف الثاني من العشرية الماضية على غرار التيار الديمقراطي وتحيا تونس وائتلاف الكرامة وغيرها من الأحزاب التي شكلت مكونا لبرلمان وحكومة ما بعد انتخابات 2019 وطرفا فاعلا في المشهد السياسي.

إذ شكلت الملاحقات القضائية لبعض رموز المشهد السياسي وبعض القيادات الحزبية أحد العوامل التي ساهمت بشكل أو بآخر في تراجع هذه الأحزاب لتلعب "ملفات" البعض المطروحة أمام القضاء دورها في تراجع هذه الأحزاب. خاصة أن القرارات الرئاسية التي غيرت مجرى الحكم والنظام في تونس منذ سنتين تقريبا، لاقت حظوة وترحيبا وتأييدا شعبيا واسعا، مقابل التراجع المسجل في القواعد الشعبية لأغلب هذه الأحزاب. وفسر بعض المتابعين انقلاب هذه القواعد الشعبية وانفضاضها من حول الأحزاب التي شكلت في مناسبات انتخابية وخارجها حزاما قويا لها عزز مواقعها في دوائر القرار والمعارضة على حد السواء، بعد أن حملها الجميع مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة سياساتها الفاشلة التي غلب عليها الفساد والمحسوبية والمحاصصة الحزبية. فحزب "قلب تونس" الذي تلاحق رئيسه نبيل القروي وبعض قياداته ونوابه ملفات مطروحة لدى النيابة العمومية لم يعد موجودا تقريبا على أرض الواقع اليوم. كما هو الشأن لحزب "تحيا تونس" الذي تلاحق رئيسه يوسف الشاهد وهو أيضا رئيس الحكومة السابق، قضى أطول مدة في منصبه في حكومات ما بعد الثورة، وبعض قيادات حزبه تهما في قضايا مختلفة، لم يعد موجودا تقريبا على أرض الواقع بعد أن اختار بعض قياديه التواري عن النشاط الحزبي والسياسي. فيما تحاول أجسام أخرى إعادة توزيع الأوراق وترتيب أوراقها عسى أن تجد لها موقع قدم في الواقع الحزبي الذي أصبح أفقه ضيقا. ومن بين هذه القوى نجد التيار الديمقراطي بعد استقالة الأمين العام وأحد المؤسسين محمد عبو، وإيقاف أمينه العام غازي الشواشي.

وكانت المناسبات التي دعت فيها "قوى الأمس القريب" قواعدها لمعاضدتها في تحركاتها في الشارع في مناسبات عديدة عن تراجع "حجمها" ووزنها المجتمعي والقاعدي.

فيما يواصل حزب حركة النهضة العمل على مواصلة الصراع والتمسك من أجل المحافظة على ما تبقى من قوة الحركة التي استطاعت فرض نسقها وقوتها على منظومة الحكم طيلة فترة ما بعد 2011. ورغم تأكيد عديد القراءات على تأثير وتناقل وتوارد أخبار حول ضلوع بعض قياداتها في ملفات فساد أو غيرها من التهم الأخرى، على صورة الحزب وقيمته لدى قواعد الحركة ولدى الرأيين العام والخاص داخل تونس وخارجها. وتأثير إيقاف بعض قياداته من الصف الأولى في فترات متفاوتة على قيمة وقوة الحزب. فبعد إيقاف نورالدين البحيري وعلي العريض ثم رئيس الحركة راشد الغنوشي وغيرهم من قيادات الأحزاب ممن استقالوا منه على غرار محمد بن سالم وعبد الحميد الجلاصي وغيرهم. وهي عملية وإن لا تزال غير واضحة المعالم إلا أنها تحمل رسائل جدي سلبية وساهمت في نفور القواعد الشعبية منها بعد أن اختار بعض الناشطين في هياكلها الانسحاب في صمت. وهو ما ساهم في تراجعها.

فالجميع في انتظار تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات الذي سبق أن أشار له رئيس الجمهورية في عديد المناسبات ودعا له بعض المختصين في الشؤون السياسية والدستورية على اعتبار أن "حالة الفوضى أو الانفلات الحزبي" التي يعكسها تجاوز الأحزاب المتحصلة على تراخيص أو تأشيرات تجاوز 240 حزبا في حين أن ذلك لا يمكن أن يخدم المشهد السياسي أو واقع الأحزاب. لأن من شان مراجعة تقنين وآلية تنظيم الممارسة الحزبية وشروط تكوينها ونشاطها أن يكون بمثابة محطة فرز ثانية لهذه الأحزاب خاصة منها التقليدية أو الكلاسيكية التي أنصفتها صناديق الاقتراع في مرحلة ما بعد 2011 لكنها سريعا ما تهاوت وعاقبتها وانقلبت عليها نفس الصناديق بسبب اختياراتها وسياساتها.

نزيهة الغضباني

 

 

كانت وازنة وفاعلة في منظومة الحكم..   أحزاب وقوى سياسية في تراجع.. افتقدت التوازن وغابت عن الساحة

 

*المبادرات "الجبهوية" لم تشفع للمحافظة على قوتها

تونس – الصباح

لم يعد يفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية المقرر سنة 2024، باعتبار أن رئيس الجمهورية قيس سعيد سبق أن أكد على احترام موعد هذا الاستحقاق الانتخابي، فيما لا تزال وضعية الأحزاب السياسية لاسيما منها الأحزاب والقوى التي كانت وازنة ومكونة لمنظومة الحكم وحاضرة بقوة وفاعلة في المشهد السياسي خلال العشرية الماضية، في ترد وتراجع مستمر إلى حد أن البعض يصف وضعها اليوم بكونها أقرب إلى الاضمحلال والتلاشي رغم تأكيد بعضها بشكل مباشر أو غير مباشر عن رغبتها في خوض هذا الاستحقاق، بعد أن غابت في زحام مسار ما بعد 25 جويلية 2021 الذي تستعد بلادنا للاحتفال بذكرى عامه الثاني بعد خمسة أيام من هذا التاريخ، تزامنا مع الاحتفال بالذكرى 66 لعيد الجمهورية. وتاهت في "غياهب" المعارضة والصراع على السلطة في مسارها لمعارضة سياسة سعيد ورفض قراراته وخياراته وتوجهاته المعتمدة في إدارة دواليب الدولة ولتكريس الجمهورية الجديدة خلال السنتين الأخيرتين.

 ولئن كان الأمر مختلفا بالنسبة لبعض الأحزاب والقوى التي اختارت خط المساندة والدعم لقرارات ومسار ما بعد 25 جويلية، إلا أن كل الأحزاب تقف اليوم في نفس المربع الضيق الذي ترزح فيها اليوم كل الأجسام السياسية في ظل مواصلة سعيد انتهاج سياسة التغييب والتهميش لها وعدم الاعتراف بها.

ولم يشفع لهذه القوى السياسية الدخول في مبادرات جديدة غلب عليها الطابع الجبهوي في محاولاتها المتكررة للمحافظة على بقائها في المشهد العام بعد أن أصبحت خارج دائرة السلطة والقرار، باعتبارها الموقع الذي كانت تستمد منه قوتها وإشعاعها في السابق على نحو مكنها من هامش واسع من التحرك وفرض نسقها و"حصصها" في مواقع القرار والسلط والثروة. لتتحول بذلك من أحزاب قوية ووازنة وفاعلة خلال عشرية ما بعد 2011 إلى مجرد أجسام سياسية يُسْتَشهد بها في سياق الحديث عن عدد الأحزاب المرخص لها أو التي كانت مكونة للمشهد السياسي في مراحل تاريخية وسياسية قريبة في تاريخ تونس المعاصر، فبعضها تلاشى واضمحل والبعض الآخر لا يزال ينازع البقاء بعد أن أصبحت أوضاعها جميعا متشابهة.

فالجبهات والتكتلات التي تضم أغلب هذه الأحزاب من قبيل "جبهة الخلاص" والكتلة الخماسية التي تضم أحزاب التيار الديمقراطي والتكتل والعمال والقطب والجمهوري وغيرها، لم تستطع قلب المعادلة لفائدتها وظلت كلها تراوح مكانها من جل البقاء لا غير في ظل العزلة التي فرضتها عليها سياسة سعيد اليوم رغما عنها.

فما عرفته بعض الأحزاب التي أنصفتها صناديق الاقتراع في المحطات الانتخابية والتي كانت طرفا في منظومة الحكم التي تقودها حركة النهضة ما بعد الثورة من تشظ واضمحلال في مراحل مختلفة سواء تعلق الأمر بالأحزاب التقليدية أو القوى الصاعدة على غرار التكتل والجمهوري والمؤتمر من أجل الجمهورية ونداء تونس والجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر والعريضة الشعبية وصولا إلى التيار الديمقراطي وقلب تونس وتحيا تونس وغيرها، انسحب اليوم على كل مكونات المشهد الحزبي والواقع السياسي في تونس ما بعد مسك سعيد بزمام دواليب الدولة منذ سنتين تقريبا. وقد ساهمت عدة عوامل في تردي وضعية هذه الأحزاب بالشكل السيئ الذي هي عليه اليوم، منها ما هو موضوعي فرضه الواقع والسياقات السياسية والاجتماعية والتغيرات التي يشهدها العالم في هذه الفترة ومنها عوامل أخرى سياسيوية بالأساس تتحمل الأحزاب وبعض قياداتها جانبا من المسؤولية، وبعضها الآخر يرجع لسياسة رئيس الجمهورية قيس سعيد المعتمد تجاه الأحزاب والمنظمات وتداعيات ذلك على تراجع قيمة ووقع الأحزاب التي كانت تصنف كعناوين كبرى لقوى سياسية يتجاوز صداها تونس إلى المجال الإقليمي والدولي على غرار حركة النهضة.

 ورغم ما أتاحته مرحلة تونس ما بعد 25 جويلية 2021 من فرصة للقوى والأحزاب التي قاربت على الاندثار والاضمحلال خلال العشرية الماضية نتيجة اختيارات إستراتيجية وسياسية للعودة إلى التحرك والنشاط والظهور في المشهد العام من باب المعارضة وضمن تكتلات وجبهات، وهو شأن أحزاب التكتل والجمهوري والعمال وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين، إلا أن الأمر كان مختلفا بالنسبة للأحزاب الأخرى خاصة منها "الفتية" التي خرجت من رحم تشظي الواقع الحزبي والسياسي وتلاشي بعض الأحزاب في النصف الثاني من العشرية الماضية على غرار التيار الديمقراطي وتحيا تونس وائتلاف الكرامة وغيرها من الأحزاب التي شكلت مكونا لبرلمان وحكومة ما بعد انتخابات 2019 وطرفا فاعلا في المشهد السياسي.

إذ شكلت الملاحقات القضائية لبعض رموز المشهد السياسي وبعض القيادات الحزبية أحد العوامل التي ساهمت بشكل أو بآخر في تراجع هذه الأحزاب لتلعب "ملفات" البعض المطروحة أمام القضاء دورها في تراجع هذه الأحزاب. خاصة أن القرارات الرئاسية التي غيرت مجرى الحكم والنظام في تونس منذ سنتين تقريبا، لاقت حظوة وترحيبا وتأييدا شعبيا واسعا، مقابل التراجع المسجل في القواعد الشعبية لأغلب هذه الأحزاب. وفسر بعض المتابعين انقلاب هذه القواعد الشعبية وانفضاضها من حول الأحزاب التي شكلت في مناسبات انتخابية وخارجها حزاما قويا لها عزز مواقعها في دوائر القرار والمعارضة على حد السواء، بعد أن حملها الجميع مسؤولية تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية نتيجة سياساتها الفاشلة التي غلب عليها الفساد والمحسوبية والمحاصصة الحزبية. فحزب "قلب تونس" الذي تلاحق رئيسه نبيل القروي وبعض قياداته ونوابه ملفات مطروحة لدى النيابة العمومية لم يعد موجودا تقريبا على أرض الواقع اليوم. كما هو الشأن لحزب "تحيا تونس" الذي تلاحق رئيسه يوسف الشاهد وهو أيضا رئيس الحكومة السابق، قضى أطول مدة في منصبه في حكومات ما بعد الثورة، وبعض قيادات حزبه تهما في قضايا مختلفة، لم يعد موجودا تقريبا على أرض الواقع بعد أن اختار بعض قياديه التواري عن النشاط الحزبي والسياسي. فيما تحاول أجسام أخرى إعادة توزيع الأوراق وترتيب أوراقها عسى أن تجد لها موقع قدم في الواقع الحزبي الذي أصبح أفقه ضيقا. ومن بين هذه القوى نجد التيار الديمقراطي بعد استقالة الأمين العام وأحد المؤسسين محمد عبو، وإيقاف أمينه العام غازي الشواشي.

وكانت المناسبات التي دعت فيها "قوى الأمس القريب" قواعدها لمعاضدتها في تحركاتها في الشارع في مناسبات عديدة عن تراجع "حجمها" ووزنها المجتمعي والقاعدي.

فيما يواصل حزب حركة النهضة العمل على مواصلة الصراع والتمسك من أجل المحافظة على ما تبقى من قوة الحركة التي استطاعت فرض نسقها وقوتها على منظومة الحكم طيلة فترة ما بعد 2011. ورغم تأكيد عديد القراءات على تأثير وتناقل وتوارد أخبار حول ضلوع بعض قياداتها في ملفات فساد أو غيرها من التهم الأخرى، على صورة الحزب وقيمته لدى قواعد الحركة ولدى الرأيين العام والخاص داخل تونس وخارجها. وتأثير إيقاف بعض قياداته من الصف الأولى في فترات متفاوتة على قيمة وقوة الحزب. فبعد إيقاف نورالدين البحيري وعلي العريض ثم رئيس الحركة راشد الغنوشي وغيرهم من قيادات الأحزاب ممن استقالوا منه على غرار محمد بن سالم وعبد الحميد الجلاصي وغيرهم. وهي عملية وإن لا تزال غير واضحة المعالم إلا أنها تحمل رسائل جدي سلبية وساهمت في نفور القواعد الشعبية منها بعد أن اختار بعض الناشطين في هياكلها الانسحاب في صمت. وهو ما ساهم في تراجعها.

فالجميع في انتظار تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات الذي سبق أن أشار له رئيس الجمهورية في عديد المناسبات ودعا له بعض المختصين في الشؤون السياسية والدستورية على اعتبار أن "حالة الفوضى أو الانفلات الحزبي" التي يعكسها تجاوز الأحزاب المتحصلة على تراخيص أو تأشيرات تجاوز 240 حزبا في حين أن ذلك لا يمكن أن يخدم المشهد السياسي أو واقع الأحزاب. لأن من شان مراجعة تقنين وآلية تنظيم الممارسة الحزبية وشروط تكوينها ونشاطها أن يكون بمثابة محطة فرز ثانية لهذه الأحزاب خاصة منها التقليدية أو الكلاسيكية التي أنصفتها صناديق الاقتراع في مرحلة ما بعد 2011 لكنها سريعا ما تهاوت وعاقبتها وانقلبت عليها نفس الصناديق بسبب اختياراتها وسياساتها.

نزيهة الغضباني