إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

حكاياتهم .. تونس في نجدة اوروبا ..!.

 

ابوبكر الصغير

 إن السياسة موضوع أخطر بكثير من أن نتركه للسياسيين وحدهم  .

 هذا تقدير موقف مراقب ، مهتم بالشان السياسي ، باعتبار انّ من لا يملكون سلطة هم اخطر من اولئك الذين بيدهم .

 وقعت تونس و الاتحاد الأوروبي اتفاق " شراكة استراتيجية" بشأن الاقتصاد و الهجرة ،  هو الاتفاق الاهم الذي توقعه بلادنا منذ  الاتفاقية المذكرة  التي وقعها محسن مرزوق مستشار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري  سنة 2015 .

  ترتكز المذكرة التي وقعت على هامش زيارة الرئيس التونسي لواشنطن ، على أربعة محاور كبرى تتعلق بالتعاون الأمني، وتطوير العلاقات الاقتصادية، وترسيخ مكتسبات الديمقراطية، وتنمية التعاون الاستراتيجي  .

   لم تتجه اوروبا الى وضع ملامح واضحة  لسياساتها الوطنية تجاه المهاجرين الى ان بلغت درجة الإهانة التي يصعب تحملها ، لم تتعاط مع القضية الاّ بالحلول الامنية  وأن ما لا يمكن تبريره ينطبق الآن على كل سياسات الهجرة الأوروبية ، بالنظر إلى ما يسمّى ب "المشكلة الأوروبية" ، التي تقوم على اسّين هما : توسيع الحقوق الممنوحة لمواطني المنطقة الأوروبية مصحوب بتخفيض كبير في الحقوق والإمكانيات المتاحة لغير الأوروبيين  ( المهاجرين ) ، لدرجة أنه يمكن الحديث  اليوم عن  تراجع  خطير في الحقوق الأساسية للأجانب في أوروبا .

   لأن الإجراءات المصاحبة لإلغاء الحدود الداخلية بهدف تشجيع الحركة داخل الفضاء الأوروبي و تطبيق نظرية   " التثبيت القومي الأمني "  ​ أدت إلى تعزيز الضوابط المصحوبة بتعميم الشبهات ، بحيث أصبحت حرية التنقل بين البلدان  الأوروبية ، امرا محفوفا بكثير  من المخاطر ،  و اصبح معها  المهاجر او الاجنبي  سواء حلّ هناك عن طريق " حرقة " او بتاشيرة " شينغن " قانونية متهم حتى تثبت براءته .

 انّ هوس  عدوى إغلاق  الذي سكن العقل السياسي الاوروبي و  تشديد السياسات القمعية تجاه المهاجرين  أدى تلقائيا إلى تضخم  ظاهرة  الاتجار بالبشر  وتعزيز شبكات التهريب ، بل انّ عصابات مثل " المافيا " احترفت هذه العمليات باعتبار حجم الاموال التي توفرها لها اكثر حتى من الجريمة  المنظمة  و  تجارة المخدرات و الممنوعات .

 غاب عن القادة الاوروبيين ان تكون لهم سياسة مشتركة واضحة بخصوص الهجرة ، اول عناصرها تحديد مفهوم  المهاجر ،  ومن هم المهاجرون و التفكير في ماهية سياسة الهجرة وما ينبغي أن تكون عليه ولتحفيز الاختيار السياسي للضيافة ( وهو ليس التزاما أخلاقيا أو قانونيا بسيطا ) الذي سيكون من الحكمة القيام به فيما يتعلق باللجوء السياسي وإعادة التفكير في التوجه " الكوسموبوليسي " الذي تفرضه عولمة الأنشطة البشرية .

 لكن الاخطر ان اصبحت هذه القضية ورقة انتخابية مربحة في يد الاحزاب اليمينية المتطرفة ، امامنا الدليل بهذا الحرص من قبل حكومتي ايطاليا و هولندا في عقد الاتفاق مع تونس .

  يؤكد خبراء الديمغرافيا  انَ اوروبا تعيش ازمة الشيخوخة بمعنى  انخفاض نسبة الناشطين  في عدد السكان ، و هي ازمة ستزداد خلال العقود الأربعة القادمة. بما سيؤدي الى  مشاكل خطيرة  متعلقة بالقوى العاملة. يشكّل عدد السكان الأوروبيين في سن العمل ، 11.9٪ من السكان العاملين في العالم ، تؤكد كل الدراسات انه سينخفض ​​إلى 6.4٪ فقط في  حدود  عام 2050  ،بما قد يؤدي إلى خفض مكانة أوروبا وأهميتها ( خاصة الاقتصادية ) في العالم ، بالتالي هنالك حاجة اوروبية اكيدة الى قرابة خمسين مليون من اليد العاملة الشابة لن توفرها لها الاّ بلدان الجنوب .

 نرى تونس اليوم في نجدة اوروبا ، لحاضرها بتنظيم زحف المهاجرين على سواحلها و  لمستقبلها بما يمكن ان توفره من يد عاملة كفاة و غير مكلفة لانقاذ اقتصادها و  مؤسساتها الخدمية ..

 لهذا لا بد ان يكون لذلك ثمن ليس مجرَد دعم مالي او اقتصادي بقدر كذلك خطّة متكاملة على غرار ما استفادت به هي نفسها فيما يعرف ببرنامج التعافي الاوروبي " مارشال " الذي تم اقراره في بداية خمسينات القرن الماضي بعد الحرب الكونية الثانية .

 انّ المحب لنفسه يفيض عطاؤه ، ويتحكّم في نفسه وانفعالاته ،  احيانا نحتاج لتلك اللحظة التي نعرف فيها انفسنا و قيمتنا و ما بامكاننا ان نقدمه للآخرين  فبذلك فقط  يكون بامكاننا ان ندرك مدى حجم حاجة الاخرين الينا، و  قناعتهم  انّه في انقاذنا من اوضاعنا الصعبة هو انقاذ لانفسهم اولا …

حكاياتهم  .. تونس في نجدة اوروبا ..!.

 

ابوبكر الصغير

 إن السياسة موضوع أخطر بكثير من أن نتركه للسياسيين وحدهم  .

 هذا تقدير موقف مراقب ، مهتم بالشان السياسي ، باعتبار انّ من لا يملكون سلطة هم اخطر من اولئك الذين بيدهم .

 وقعت تونس و الاتحاد الأوروبي اتفاق " شراكة استراتيجية" بشأن الاقتصاد و الهجرة ،  هو الاتفاق الاهم الذي توقعه بلادنا منذ  الاتفاقية المذكرة  التي وقعها محسن مرزوق مستشار الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري  سنة 2015 .

  ترتكز المذكرة التي وقعت على هامش زيارة الرئيس التونسي لواشنطن ، على أربعة محاور كبرى تتعلق بالتعاون الأمني، وتطوير العلاقات الاقتصادية، وترسيخ مكتسبات الديمقراطية، وتنمية التعاون الاستراتيجي  .

   لم تتجه اوروبا الى وضع ملامح واضحة  لسياساتها الوطنية تجاه المهاجرين الى ان بلغت درجة الإهانة التي يصعب تحملها ، لم تتعاط مع القضية الاّ بالحلول الامنية  وأن ما لا يمكن تبريره ينطبق الآن على كل سياسات الهجرة الأوروبية ، بالنظر إلى ما يسمّى ب "المشكلة الأوروبية" ، التي تقوم على اسّين هما : توسيع الحقوق الممنوحة لمواطني المنطقة الأوروبية مصحوب بتخفيض كبير في الحقوق والإمكانيات المتاحة لغير الأوروبيين  ( المهاجرين ) ، لدرجة أنه يمكن الحديث  اليوم عن  تراجع  خطير في الحقوق الأساسية للأجانب في أوروبا .

   لأن الإجراءات المصاحبة لإلغاء الحدود الداخلية بهدف تشجيع الحركة داخل الفضاء الأوروبي و تطبيق نظرية   " التثبيت القومي الأمني "  ​ أدت إلى تعزيز الضوابط المصحوبة بتعميم الشبهات ، بحيث أصبحت حرية التنقل بين البلدان  الأوروبية ، امرا محفوفا بكثير  من المخاطر ،  و اصبح معها  المهاجر او الاجنبي  سواء حلّ هناك عن طريق " حرقة " او بتاشيرة " شينغن " قانونية متهم حتى تثبت براءته .

 انّ هوس  عدوى إغلاق  الذي سكن العقل السياسي الاوروبي و  تشديد السياسات القمعية تجاه المهاجرين  أدى تلقائيا إلى تضخم  ظاهرة  الاتجار بالبشر  وتعزيز شبكات التهريب ، بل انّ عصابات مثل " المافيا " احترفت هذه العمليات باعتبار حجم الاموال التي توفرها لها اكثر حتى من الجريمة  المنظمة  و  تجارة المخدرات و الممنوعات .

 غاب عن القادة الاوروبيين ان تكون لهم سياسة مشتركة واضحة بخصوص الهجرة ، اول عناصرها تحديد مفهوم  المهاجر ،  ومن هم المهاجرون و التفكير في ماهية سياسة الهجرة وما ينبغي أن تكون عليه ولتحفيز الاختيار السياسي للضيافة ( وهو ليس التزاما أخلاقيا أو قانونيا بسيطا ) الذي سيكون من الحكمة القيام به فيما يتعلق باللجوء السياسي وإعادة التفكير في التوجه " الكوسموبوليسي " الذي تفرضه عولمة الأنشطة البشرية .

 لكن الاخطر ان اصبحت هذه القضية ورقة انتخابية مربحة في يد الاحزاب اليمينية المتطرفة ، امامنا الدليل بهذا الحرص من قبل حكومتي ايطاليا و هولندا في عقد الاتفاق مع تونس .

  يؤكد خبراء الديمغرافيا  انَ اوروبا تعيش ازمة الشيخوخة بمعنى  انخفاض نسبة الناشطين  في عدد السكان ، و هي ازمة ستزداد خلال العقود الأربعة القادمة. بما سيؤدي الى  مشاكل خطيرة  متعلقة بالقوى العاملة. يشكّل عدد السكان الأوروبيين في سن العمل ، 11.9٪ من السكان العاملين في العالم ، تؤكد كل الدراسات انه سينخفض ​​إلى 6.4٪ فقط في  حدود  عام 2050  ،بما قد يؤدي إلى خفض مكانة أوروبا وأهميتها ( خاصة الاقتصادية ) في العالم ، بالتالي هنالك حاجة اوروبية اكيدة الى قرابة خمسين مليون من اليد العاملة الشابة لن توفرها لها الاّ بلدان الجنوب .

 نرى تونس اليوم في نجدة اوروبا ، لحاضرها بتنظيم زحف المهاجرين على سواحلها و  لمستقبلها بما يمكن ان توفره من يد عاملة كفاة و غير مكلفة لانقاذ اقتصادها و  مؤسساتها الخدمية ..

 لهذا لا بد ان يكون لذلك ثمن ليس مجرَد دعم مالي او اقتصادي بقدر كذلك خطّة متكاملة على غرار ما استفادت به هي نفسها فيما يعرف ببرنامج التعافي الاوروبي " مارشال " الذي تم اقراره في بداية خمسينات القرن الماضي بعد الحرب الكونية الثانية .

 انّ المحب لنفسه يفيض عطاؤه ، ويتحكّم في نفسه وانفعالاته ،  احيانا نحتاج لتلك اللحظة التي نعرف فيها انفسنا و قيمتنا و ما بامكاننا ان نقدمه للآخرين  فبذلك فقط  يكون بامكاننا ان ندرك مدى حجم حاجة الاخرين الينا، و  قناعتهم  انّه في انقاذنا من اوضاعنا الصعبة هو انقاذ لانفسهم اولا …