بعد نشرها في بيان مشترك تونسي أوروبي في جوان الماضي تحت عنوان "حزمة شراكة شاملة"، بعد ماراطون من المشاورات والحوارات وإثر زيارة وفد من الاتحاد الأوروبي ضم كل من أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني ووزيري خارجية إيطاليا وهولندا يوم 11 جوان الماضي، تم أول أمس توقيع مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي. وتعتمد هذه المذكرة على خمس نقاط لتتوج بذلك اللقاءات والزيارات الرسمية المتكررة من الجانب الأوروبي إلى بلادنا والتي لعبت فيها الحكومة الإيطالية دورا بارزا في تقريب وجهات النظر بين الجانبين التونسي والأوروبي. ونزّلها قيس سعيد في إطار التحدي الذي يراهن على كسبه ضمن التحّديات التي تواجهها الدول اليوم بالعمل على إيجاد سبل جديدة للتعاون خارج إطار النظام النقدي العالمي الذي تمّ وضعه اثر الحرب العالمية الثانية. لتفتح بذلك هذه المذكرة علاقة شراكة وتعاون جديدة بين تونس والاتحاد الأوروبي ستكون عنوانا لعلاقات جديدة بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية، مثلما أكد على ذلك جميع الأطراف المشاركين فيها.
ويذكر أنه تم إثر لقاء الوفد الأوروبي برئيس الجمهورية قيس سعيد في قصر قرطاج يوم 11 جوان الماضي تكوين لجنة تونسية أوروبية مشتركة، كانت مهمتها الأعداد والتحضير وإعداد مذكرة التفاهم حول حزمة الشراكة الشاملة، ليتم اعتمادها من قبل تونس والاتحاد الأوروبي وذلك قبل موفي شهر جوان المنقضي. وضمت هذه اللجنة كل من وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج نبيل عمار عن الجانب التونسي والمفوض الأوروبي للجوار والتوسع المجري أوليفر فاريلي.
وتضمنت مذكرة التفاهم الأخيرة التي تم توقيعها بحضور كل من رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة الوزراء الإيطالية والوزير الأول الهولندي وممثل الاتحاد الأوروبي، والتي تتجه الأنظار إلى تحولها إلى اتفاقية في القريب العاجل وذلك حسب ما يمكن هندسته من برامج ومشاريع وفق مبادئ وتوجهات تراعي مصالح كل جهة، خمس نقاط أساسية اعتبرتها رئيسة المفوضية الأوروبية ركائز أساسية في مشروع الاتفاق المعروض. وقد وردت في ترتيبها على خلاف ما تضمنه البيان المشترك الصادر في جوان المنقضي، وما خلفه من جدل وقراءات وتأويلات وتباين في الآراء والمواقف.
وتتعلق النقطة الأولى في مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية، بالاتصال بين البشر، التي فسرتها رئيسة المفوضية الأوروبية بتأكيدها "أنّه سيتمّ توفير فرص للشباب بشكل خاص. وسيقع فتح نافذة تونسية في برنامج إيرومس + بـ 10 ملايين أورو لدفع المبادلات، كما سيتمّ الانطلاق في الشراكة لإعطاء شباب تونس فرصا للدراسة والعمل أو للتدرب في الاتّحاد الأوروبي لاكتساب خبرة تكون هامة للاقتصاد التونسي عند عودتهم إلى بلدهم". وفي نفس السياق تم وضع برنامج لتعصير المدارس من خلال دعم 80 مدرسة بما يؤهلها للانتقال الرقمي والأخضر، وذلك بتمويلات تبلغ 6.5 مليون أورو. أما الثانية، فتتعلق بالتنمية الاقتصادية، حيث سيتمّ العمل من أجل بناء اقتصاد تونسي متين يصمد أمام الصدمات ويخلق التنمية. وأكدت أورسولا فون دير لاين في نفس الإطار "إنه سيتم العمل على تقديم الدعم المالي لتونس وميزانيتها".
وتتمثّل الركيزة الثالثة في الاستثمار والتجارة، لاسيما أنّ الاتحاد الأوروبي يعد الشريك الأول لتونس في مجال الاستثمار لذلك سيتمّ العمل المشترك على تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمارات بما يتضمنه البرنامج من فرص دعم للاقتصاد الأخضر، وذلك لتنمية السياحة، وأيضا المجتمعات المحلية، كما سيتمّ التركيز على الاستثمار في القطاع الرقمي. ويذكر أنه تم في اللقاءات السابقة التونسية الأوروبية الاتفاق على جملة من المشاريع في الغرض لعل من أبرزها المشروع المتعلق بالكابل البحري "ميدوزا" الذي سيربط تونس بالاتحاد الأوروبي عن طريق إيطاليا وسيربط 11 بلدا حول المتوسط مع حلول سنة 2025، وللغرض سيتمّ رصد 350 مليون أورو. إضافة إلى المشاريع المتعلقة بتحلية مياه البحر والتصرف في المياه والفلاحة المستدامة في ظل التغيرات المناخية والجفاف التي تشهدها بلادنا كما العالم.
وشكلت الطاقات المتجدّدة، إحدى أبرز مذكّرة التفاهم الأخيرة وهي النقطة الرابعة في مذكرة التفاهم. وبينت رئيسة المفوضية الأوروبية في حديثها عنها أن "تونس لها إمكانات هائلة في الطاقات المتجددة وسيتمّ العمل على تطوير هذا القطاع عبر تزويد التكنولوجيا الضرورية، مشيرة إلى أنّ أوروبا بحاجة إلى التزود بالطاقة النظيفة وبصدد تخليص اقتصادها من الكربون وتنظيف مواردها على غرار الهيدروجين الأخضر والكهرباء المولد من الطاقات المتجدّدة". وتضمن برنامج التنمية الاقتصادية في تقديم مساعدات اقتصادية صغرى في حدود 900 مليون يورو كخطوة حالية، و150 مليون يورو لدعم الميزانية.
وبالنسبة إلى الركيزة الخامسة، والتي تتمحور حول ظاهرة الهجرة، شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبية على الحاجة إلى تعاون فعلي أكثر مما كان. والتشديد على أهمية ضرب الشبكات الإجرامية والمهرّبين الذين يستغلون بؤس الناس. وذلك بالعمل على تعميق الشراكة وترفيع التعاون على مستوى البحر والنجدة، إضافة إلى ذلك سيتمّ في إطار إدارة الحدود ومجابهة تهريب المواطنين العمل على إنفاذ القانون، وتخصيص 100 مليون أورو من تمويلات الاتّحاد الأوروبي مقابل تيسير الهجرة القانونية.
كما سيتم تنظيم ملتقى استثماري في الطاقة في الخريف القادم لبلورة البرامج التي تنبثق عن هذه المذكرة.
تأكيدات وطمأنة
لئن أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد أن مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية والشاملة المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي، يجب أن تكون مشفوعة في أقرب وقت ممكن بجملة من الاتّفاقيات الملزمة، انطلاقا من المبادئ التي وردت فيها وعلى أهمية تحقيق التقارب بين الشعوب، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أكدت على أهمية تعميق الشراكة مع الشركاء الاستراتيجيين لأوروبا ونزلت مشروع الاتفاقيات مع تونس هذه في نفس السياق. فيما اعتبرت جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية أنّ الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي في هذا المجال يجب اعتبارها نموذجا لبناء علاقات جديدة مع الجيران في منطقة شمال إفريقيا.
في المقابل أكد الوزير الأول الهولندي مارك روته أثناء نفس المناسبة، أنّ توقيع مذكرة التفاهم بين تونس والمفوّضية الأوروبية تعد بداية واعدة لهذه الشراكة الإستراتيجية التي ستعود بالنفع على الاتحاد الأوروبي وتونس، وأنّ الهدف الرئيسي لهذه الشراكة هو خلق مواطن شغل لتونس ومستقبل باهر لها. مبينا استعداد بلاده لتكثيف التعاون مع تونس، في مجالات الاقتصاد وإدارة المياه والزراعة والبيئة والطاقات المتجدّدة مبيّنا أنّ وزير التجارة الخارجية الهولندي سيزور تونس خلال شهر سبتمبر 2023 لبحث آفاق الاستثمار في المجال. من جانبه اعتبر رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المفوضية الأوروبية وتونس يعد خطوة أولى مهمة وقد تم تحقيقه بفضل إيطاليا"، وفق ما نقلت وكالة نوفا للأنباء. مؤكدا النجاح في تحقيق نتيجة لا تهدف إلى الحد من ظاهرة الهجرة فحسب، بل إلى ضمان استقرار دول شمال إفريقيا وهي خطوة أولى في هذا الاتجاه".
قراءات وتبريرات
رغم ما أثارته من جدل وردود أفعال متفاوتة بين شق مؤيد ومرحب بهذه الاتفاقيات على اعتبار أن بلادنا في أمس الحاجة لذلك وكونها تعد مخرجا عمليا لتونس من الأزمات التي تتخبط فيها وكونها تشكل تأكيدا عمليا للمشترك الحضاري والجغرافي وعلاقات الشراكة السياسية والاقتصادية بين تونس وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي بالحوض الشمالي للمتوسط، وبين مواقف أخرى رافضة لمثل هذه الاتفاقيات لعدة اعتبارات من أبرزها عدم تكافؤ موازين قوى الأطراف المعنية بها وتحديدا تونس التي تعد في موقع ضعف في ظل الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة ورفض صندوق النقد الدولي الموافقة على القرض المنتظر، إضافة إلى اختيار رئيس الجمهورية المنهج الفردي في اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية دون الرجوع أو تشريك الأطراف المعنية من المجتمع المدني والمختصين، فضلا عما يمثله ملف الهجرة غير النظامية من إشكالية باعتباره ملفا حارقا في مسار التفاوض، وحزمة الاتفاقيات التي تضمنتها مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية هذه، باعتبار أن البعض يضعها في مرتبة الورقة الكفيلة بالتحكم في مجريات التفاوض والمحكمة في برامج التعاون والشراكة المطروحة إذا ما أحسنت الجهات التونسية استغلالها على الوجه الأمثل فيما تستغل جهات أخرى هذا الملف كورقة ضغط على السلط التونسية في علاقة بالحريات وحقوق الإنسان لاسيما في علاقة بالهجرة غير النظامية لأبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ببلادنا واختيارهم تونس كنقطة عبور إلى أوروبا، رغم تشديد الجهات الرسمية في تونس على ضرورة احترام حقوق هؤلاء ودعوة المجتمع المدني لمد يد المساعد والعون لهم.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
بعد نشرها في بيان مشترك تونسي أوروبي في جوان الماضي تحت عنوان "حزمة شراكة شاملة"، بعد ماراطون من المشاورات والحوارات وإثر زيارة وفد من الاتحاد الأوروبي ضم كل من أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة مجلس الوزراء الإيطالي جورجيا ميلوني ووزيري خارجية إيطاليا وهولندا يوم 11 جوان الماضي، تم أول أمس توقيع مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية والشاملة بين تونس والاتحاد الأوروبي. وتعتمد هذه المذكرة على خمس نقاط لتتوج بذلك اللقاءات والزيارات الرسمية المتكررة من الجانب الأوروبي إلى بلادنا والتي لعبت فيها الحكومة الإيطالية دورا بارزا في تقريب وجهات النظر بين الجانبين التونسي والأوروبي. ونزّلها قيس سعيد في إطار التحدي الذي يراهن على كسبه ضمن التحّديات التي تواجهها الدول اليوم بالعمل على إيجاد سبل جديدة للتعاون خارج إطار النظام النقدي العالمي الذي تمّ وضعه اثر الحرب العالمية الثانية. لتفتح بذلك هذه المذكرة علاقة شراكة وتعاون جديدة بين تونس والاتحاد الأوروبي ستكون عنوانا لعلاقات جديدة بين ضفتي المتوسط الشمالية والجنوبية، مثلما أكد على ذلك جميع الأطراف المشاركين فيها.
ويذكر أنه تم إثر لقاء الوفد الأوروبي برئيس الجمهورية قيس سعيد في قصر قرطاج يوم 11 جوان الماضي تكوين لجنة تونسية أوروبية مشتركة، كانت مهمتها الأعداد والتحضير وإعداد مذكرة التفاهم حول حزمة الشراكة الشاملة، ليتم اعتمادها من قبل تونس والاتحاد الأوروبي وذلك قبل موفي شهر جوان المنقضي. وضمت هذه اللجنة كل من وزير الشؤون الخارجية والتونسيين بالخارج نبيل عمار عن الجانب التونسي والمفوض الأوروبي للجوار والتوسع المجري أوليفر فاريلي.
وتضمنت مذكرة التفاهم الأخيرة التي تم توقيعها بحضور كل من رئيسة المفوضية الأوروبية ورئيسة الوزراء الإيطالية والوزير الأول الهولندي وممثل الاتحاد الأوروبي، والتي تتجه الأنظار إلى تحولها إلى اتفاقية في القريب العاجل وذلك حسب ما يمكن هندسته من برامج ومشاريع وفق مبادئ وتوجهات تراعي مصالح كل جهة، خمس نقاط أساسية اعتبرتها رئيسة المفوضية الأوروبية ركائز أساسية في مشروع الاتفاق المعروض. وقد وردت في ترتيبها على خلاف ما تضمنه البيان المشترك الصادر في جوان المنقضي، وما خلفه من جدل وقراءات وتأويلات وتباين في الآراء والمواقف.
وتتعلق النقطة الأولى في مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية، بالاتصال بين البشر، التي فسرتها رئيسة المفوضية الأوروبية بتأكيدها "أنّه سيتمّ توفير فرص للشباب بشكل خاص. وسيقع فتح نافذة تونسية في برنامج إيرومس + بـ 10 ملايين أورو لدفع المبادلات، كما سيتمّ الانطلاق في الشراكة لإعطاء شباب تونس فرصا للدراسة والعمل أو للتدرب في الاتّحاد الأوروبي لاكتساب خبرة تكون هامة للاقتصاد التونسي عند عودتهم إلى بلدهم". وفي نفس السياق تم وضع برنامج لتعصير المدارس من خلال دعم 80 مدرسة بما يؤهلها للانتقال الرقمي والأخضر، وذلك بتمويلات تبلغ 6.5 مليون أورو. أما الثانية، فتتعلق بالتنمية الاقتصادية، حيث سيتمّ العمل من أجل بناء اقتصاد تونسي متين يصمد أمام الصدمات ويخلق التنمية. وأكدت أورسولا فون دير لاين في نفس الإطار "إنه سيتم العمل على تقديم الدعم المالي لتونس وميزانيتها".
وتتمثّل الركيزة الثالثة في الاستثمار والتجارة، لاسيما أنّ الاتحاد الأوروبي يعد الشريك الأول لتونس في مجال الاستثمار لذلك سيتمّ العمل المشترك على تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمارات بما يتضمنه البرنامج من فرص دعم للاقتصاد الأخضر، وذلك لتنمية السياحة، وأيضا المجتمعات المحلية، كما سيتمّ التركيز على الاستثمار في القطاع الرقمي. ويذكر أنه تم في اللقاءات السابقة التونسية الأوروبية الاتفاق على جملة من المشاريع في الغرض لعل من أبرزها المشروع المتعلق بالكابل البحري "ميدوزا" الذي سيربط تونس بالاتحاد الأوروبي عن طريق إيطاليا وسيربط 11 بلدا حول المتوسط مع حلول سنة 2025، وللغرض سيتمّ رصد 350 مليون أورو. إضافة إلى المشاريع المتعلقة بتحلية مياه البحر والتصرف في المياه والفلاحة المستدامة في ظل التغيرات المناخية والجفاف التي تشهدها بلادنا كما العالم.
وشكلت الطاقات المتجدّدة، إحدى أبرز مذكّرة التفاهم الأخيرة وهي النقطة الرابعة في مذكرة التفاهم. وبينت رئيسة المفوضية الأوروبية في حديثها عنها أن "تونس لها إمكانات هائلة في الطاقات المتجددة وسيتمّ العمل على تطوير هذا القطاع عبر تزويد التكنولوجيا الضرورية، مشيرة إلى أنّ أوروبا بحاجة إلى التزود بالطاقة النظيفة وبصدد تخليص اقتصادها من الكربون وتنظيف مواردها على غرار الهيدروجين الأخضر والكهرباء المولد من الطاقات المتجدّدة". وتضمن برنامج التنمية الاقتصادية في تقديم مساعدات اقتصادية صغرى في حدود 900 مليون يورو كخطوة حالية، و150 مليون يورو لدعم الميزانية.
وبالنسبة إلى الركيزة الخامسة، والتي تتمحور حول ظاهرة الهجرة، شدّدت رئيسة المفوضية الأوروبية على الحاجة إلى تعاون فعلي أكثر مما كان. والتشديد على أهمية ضرب الشبكات الإجرامية والمهرّبين الذين يستغلون بؤس الناس. وذلك بالعمل على تعميق الشراكة وترفيع التعاون على مستوى البحر والنجدة، إضافة إلى ذلك سيتمّ في إطار إدارة الحدود ومجابهة تهريب المواطنين العمل على إنفاذ القانون، وتخصيص 100 مليون أورو من تمويلات الاتّحاد الأوروبي مقابل تيسير الهجرة القانونية.
كما سيتم تنظيم ملتقى استثماري في الطاقة في الخريف القادم لبلورة البرامج التي تنبثق عن هذه المذكرة.
تأكيدات وطمأنة
لئن أكد رئيس الجمهورية قيس سعيد أن مذكرة التفاهم حول الشراكة الإستراتيجية والشاملة المبرمة بين تونس والاتحاد الأوروبي، يجب أن تكون مشفوعة في أقرب وقت ممكن بجملة من الاتّفاقيات الملزمة، انطلاقا من المبادئ التي وردت فيها وعلى أهمية تحقيق التقارب بين الشعوب، فإن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، أكدت على أهمية تعميق الشراكة مع الشركاء الاستراتيجيين لأوروبا ونزلت مشروع الاتفاقيات مع تونس هذه في نفس السياق. فيما اعتبرت جورجيا ميلوني رئيسة الوزراء الإيطالية أنّ الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي في هذا المجال يجب اعتبارها نموذجا لبناء علاقات جديدة مع الجيران في منطقة شمال إفريقيا.
في المقابل أكد الوزير الأول الهولندي مارك روته أثناء نفس المناسبة، أنّ توقيع مذكرة التفاهم بين تونس والمفوّضية الأوروبية تعد بداية واعدة لهذه الشراكة الإستراتيجية التي ستعود بالنفع على الاتحاد الأوروبي وتونس، وأنّ الهدف الرئيسي لهذه الشراكة هو خلق مواطن شغل لتونس ومستقبل باهر لها. مبينا استعداد بلاده لتكثيف التعاون مع تونس، في مجالات الاقتصاد وإدارة المياه والزراعة والبيئة والطاقات المتجدّدة مبيّنا أنّ وزير التجارة الخارجية الهولندي سيزور تونس خلال شهر سبتمبر 2023 لبحث آفاق الاستثمار في المجال. من جانبه اعتبر رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني هذا الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين المفوضية الأوروبية وتونس يعد خطوة أولى مهمة وقد تم تحقيقه بفضل إيطاليا"، وفق ما نقلت وكالة نوفا للأنباء. مؤكدا النجاح في تحقيق نتيجة لا تهدف إلى الحد من ظاهرة الهجرة فحسب، بل إلى ضمان استقرار دول شمال إفريقيا وهي خطوة أولى في هذا الاتجاه".
قراءات وتبريرات
رغم ما أثارته من جدل وردود أفعال متفاوتة بين شق مؤيد ومرحب بهذه الاتفاقيات على اعتبار أن بلادنا في أمس الحاجة لذلك وكونها تعد مخرجا عمليا لتونس من الأزمات التي تتخبط فيها وكونها تشكل تأكيدا عمليا للمشترك الحضاري والجغرافي وعلاقات الشراكة السياسية والاقتصادية بين تونس وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي بالحوض الشمالي للمتوسط، وبين مواقف أخرى رافضة لمثل هذه الاتفاقيات لعدة اعتبارات من أبرزها عدم تكافؤ موازين قوى الأطراف المعنية بها وتحديدا تونس التي تعد في موقع ضعف في ظل الوضعية المالية والاقتصادية والاجتماعية الصعبة ورفض صندوق النقد الدولي الموافقة على القرض المنتظر، إضافة إلى اختيار رئيس الجمهورية المنهج الفردي في اتخاذ مثل هذه القرارات المصيرية دون الرجوع أو تشريك الأطراف المعنية من المجتمع المدني والمختصين، فضلا عما يمثله ملف الهجرة غير النظامية من إشكالية باعتباره ملفا حارقا في مسار التفاوض، وحزمة الاتفاقيات التي تضمنتها مذكرة التفاهم التونسية الأوروبية هذه، باعتبار أن البعض يضعها في مرتبة الورقة الكفيلة بالتحكم في مجريات التفاوض والمحكمة في برامج التعاون والشراكة المطروحة إذا ما أحسنت الجهات التونسية استغلالها على الوجه الأمثل فيما تستغل جهات أخرى هذا الملف كورقة ضغط على السلط التونسية في علاقة بالحريات وحقوق الإنسان لاسيما في علاقة بالهجرة غير النظامية لأبناء بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ببلادنا واختيارهم تونس كنقطة عبور إلى أوروبا، رغم تشديد الجهات الرسمية في تونس على ضرورة احترام حقوق هؤلاء ودعوة المجتمع المدني لمد يد المساعد والعون لهم.