إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رواية "في انتظار خبر إنّ" للطاهر لبيب: الابداع هو غير المنتظر... هو قرين "البدعة"

 

ما نعلمه جيدا أنّ رواية "في انتظار خبر إنّ" لصاحبها الدكتور الطاهر لبيب المختصّ في علم الاجتماع والصادرة في الأشهر القليلة الفارطة عن دار محمد علي للنشر قد لاقت رواجا كبيرا في الساحة الفكرية والثقافية ببلادنا. وقد سجلت انطباعا جيدا لدى من قرأها.

وحسب علمنا، فإنه لم يقع تناول الرّواية بالقراءة النقدية أو تقديمها سواء في مجلاتنا أو صحفنا التونسية أو في المنابر الأدبية والفكرية. في حين عديدة هي المجلات والصحف اللبنانية كالأخبار اللبنانية، والشرق الأوسط اللبنانية واندبندنت وقناة الجديد اللبنانية التي كتبت عن الرواية فأضحت حديث الكثير من المهتمات والمهتمين بعالم الكتابة ولاسيما الرواية.

وقد ارتأينا أن نقتطف بعض ما جاء في مجلة اندبندنت اللبنانية للصحفي عبده وازن بتاريخ الاثنين 5 جوان 2023: "يبدو عنوان "في انتظار خبر إنّ"، ساخراً ومأسوياً في الحين عينه، بسيطاً ومعقداً، فكرياً وسياسياً وتاريخياً وواقعياً... فالخبر هذا في زمن فقدان المعنى، لا يعرفه إلا أمثال هذا "الخطيب"، "الذي لا يقول شيئاً ولا يسكت"، و"المعلق في اللغة كالمشنوق، وتحته لا شيء". أمثاله الذين يحبون تكراره أيضاً، المطمئنون، كما يصفهم الكاتب، الذين ينعسون، و"اللامبالون به أتى أو لم يأتِ". لا شك في أن الطاهر لبيب منح نصه السير - ذاتي أو السردي الذاتي كبير اعتناء وتأنٍّ، صوغاً وسبكاً ومتانة لغة وانتقاء مفردات ومترادفات، لكنه لم يتخل لحظة عن السلاسة في السرد والليونة والتدفق، لغة متينة حتماً، مصنوعة وليست مصطنعة، أنيقة على عذوبة. وقد خاض لبيب في مثل هذه الكتابة، اختبار الأسلوب بعيداً من الأسلوبية المغلقة، وأمعن فيما يسمى البلاغة المستترة التي تتخطى مظاهر البلاغة الكلاسيكية، مدركاً أنه لا يكتب شعراً، بل رواية، فيما تتطلب من انفتاح وحوار مع القارئ وكسر لـ"التقعّر". لغة يمكن القول جهاراً إنها لغة الطاهر لبيب، لغة مكتنزة، لكنها ترق وتتفاعل وتنبسط وتجري، مرتاحة إلى إيقاعها". ثم يضيف الصحفي عبده وازن قائلا: "كتاب "البحث عن خبر إنّ" هو أكثر من كتاب، وأكثر من سيرة ذاتية وأكثر من كتاب مشاهدات وانطباعات وذكريات وسرد ونقد، أكثر من كتاب ذاتي وموضوعي، أكثر من كتاب مكان وزمان، ذكريات ووقائع... هذا كتاب يمكن وصفه بالكتاب الذي لا بد من أن تفضي إليه الحياة، بحسب قولة ستيفان مالارمه، أو الكتاب الذي تنتظره، حياة الطاهر لبيب وحياة بيروت وشارع الحمرا وتونس، والذات، فردية وجماعية. كتاب البحث عن خبر للحرف المشبه بالفعل "إنّ" الذي يتطلب إيجاده ربما، البحث في الماضي والحاضر والمستقبل الذي ليس موضع ثقة، وسط حال بلبلة المعنى او فقدانه".

جريدة الصباح هي الأخرى كانت قد تناولت رواية "في انتظار خبر إنّ" في قراءة تحليلة على مستوى المضمون والشكل وذلك منذ أسابيع. وقد اتصلت بالأستاذ الطاهر لبيب صاحب هذا الأثر متحدثة معه عن اثره حيث قال "لا أعرف ما ينتظر القرّاء منّي. قد أعرف بعض ما لا ينتظرون: مثلًا واعتمادًا على ردود الفعل الأولى، خصوصًا في لبنان، يبدو أنهم لم ينتظروا مني، أنا الباحث في علم الاجتماع، أن أكتب رواية وأن تتّسع هذه الرواية لعبارةٍ عربيّة أو لصياغة جمالية لم يألفها البحث الاجتماعي. ويمكن أن أضيف أن الرواية، في صيغتها المنشورة، ليست، بالضرورة، ما أردتُ كتابته. أنا أيضًا فوجئت بها، وهذا غير مستغرب، فمن منّا يعرف أن ما كتبه هو ما أراد كتابته؟ ومهما يكن، فليس مطلوبًا من نص إبداعي أن يلبّي انتظارات القرّاء. الإبداع هو غير المنتظَر. هو قرين "البِدعة".

وعن سؤالنا له حول تجربة الكتابة في الرّواية وهل أغراه هذا التوجه أجاب "لم أشعر بهذا الإغراء أو هو غير واعٍ ولم أتنبّه إليه. وإذا كان توجّه بعض الأكاديمييّن إلى كتابة الرواية توجّهًا جديدًا، إلى حدّ ما، في تونس فهو ظاهرة قديمة في بلدان عربيّة أخرى كالمغرب الأقصى، مثلًا، حيث كتب الرواية أكاديميّون فلاسفة ومؤرخون وعلماء اجتماع وعلماء نفس... فيما يخصّني، وبكل بساطة، أردت أن أقول في رواية ما لا يتّسع البحث إلى قوله وإلى طريقة قوله. أردت، بداية إقامتي في بيروت، أن أنجز بحثًا سوسيولوجيًّا عنها ولكن تبيّن لي أن بحثي لن يضيف شيئًا مفيدًا، خصوصًا وأنّ ما تعلّمت لا يساعد على النفاذ إلى الخصوصيّة اللبنانية بقدر ما يعرقله. هكذا تركت موضوعية البحث المرهقة لأبني علاقةً أكثر تلقائية أو مرونة ببيروت. ما قد يُعتبر خلفيةً معرفية هو لتحفيز التأمّل، والرواية تأملية أكثر مما هي سرديّة."

سالناه كذلك عن روايته "في انتظار خبر إنّ" ان كان قد سافر بقارئه إلى أحداث قريبة وبعيدة جدّت في لبنان وفي تونس أشار إلى ما وراء هذه الأحداث من مشارب فكرية وايديولوجية وسياسية فيها وان كان كتفى بتصوير ذلك ونقله دون أن يبدي موقفا من ذلك ولماذا؟ فكان الرد"هناك مواقف، بعضها ظاهر وبعضها مضمر ولكنها لا تصرخ، فلست ميّالًا إلى صراخ المواقف في عمل أدبي أو فنّي. أنا من جيل سرديّات كبرى تلاشت، وأعرف ما آلت إليه شعاراتها في واقع لئيم. لقد تحاشيت، فنّيًا، أن أُفسد عليّ لذّة النّص بما هو أكثر من الكناية. لست مع التبسيط من أجل جمهور واسع، فهذا الجمهور له ما يكفي من استهلاك المبسَّط. المعنيّون هم القرّاء لا الجمهور، والقرّاء هم أولئك الذي يؤوّلون النصّ فيفتحون معناه، وبالتالي يعيدون بناءه.

وبخصوص اللغة الرومنسية والشاعرية المعتمدة في الكتابة والتّلميح بعيدا عن التّصريح قال" امتدّ تدوين هذه الرواية، ولو متقطّعًا، من عام 2004 إلى عام 2011، ثم تركته يتخمّر، متردّدًا في نشره، إلى نهاية 2022. مجرّد استحضار هذه المدّة الطويلة يحول دون التفكير الجدّي في الإقدام على إعادة التجربة."

مصدّق الشّريف

 

 

 

رواية "في انتظار خبر إنّ" للطاهر لبيب: الابداع هو غير المنتظر... هو قرين "البدعة"

 

ما نعلمه جيدا أنّ رواية "في انتظار خبر إنّ" لصاحبها الدكتور الطاهر لبيب المختصّ في علم الاجتماع والصادرة في الأشهر القليلة الفارطة عن دار محمد علي للنشر قد لاقت رواجا كبيرا في الساحة الفكرية والثقافية ببلادنا. وقد سجلت انطباعا جيدا لدى من قرأها.

وحسب علمنا، فإنه لم يقع تناول الرّواية بالقراءة النقدية أو تقديمها سواء في مجلاتنا أو صحفنا التونسية أو في المنابر الأدبية والفكرية. في حين عديدة هي المجلات والصحف اللبنانية كالأخبار اللبنانية، والشرق الأوسط اللبنانية واندبندنت وقناة الجديد اللبنانية التي كتبت عن الرواية فأضحت حديث الكثير من المهتمات والمهتمين بعالم الكتابة ولاسيما الرواية.

وقد ارتأينا أن نقتطف بعض ما جاء في مجلة اندبندنت اللبنانية للصحفي عبده وازن بتاريخ الاثنين 5 جوان 2023: "يبدو عنوان "في انتظار خبر إنّ"، ساخراً ومأسوياً في الحين عينه، بسيطاً ومعقداً، فكرياً وسياسياً وتاريخياً وواقعياً... فالخبر هذا في زمن فقدان المعنى، لا يعرفه إلا أمثال هذا "الخطيب"، "الذي لا يقول شيئاً ولا يسكت"، و"المعلق في اللغة كالمشنوق، وتحته لا شيء". أمثاله الذين يحبون تكراره أيضاً، المطمئنون، كما يصفهم الكاتب، الذين ينعسون، و"اللامبالون به أتى أو لم يأتِ". لا شك في أن الطاهر لبيب منح نصه السير - ذاتي أو السردي الذاتي كبير اعتناء وتأنٍّ، صوغاً وسبكاً ومتانة لغة وانتقاء مفردات ومترادفات، لكنه لم يتخل لحظة عن السلاسة في السرد والليونة والتدفق، لغة متينة حتماً، مصنوعة وليست مصطنعة، أنيقة على عذوبة. وقد خاض لبيب في مثل هذه الكتابة، اختبار الأسلوب بعيداً من الأسلوبية المغلقة، وأمعن فيما يسمى البلاغة المستترة التي تتخطى مظاهر البلاغة الكلاسيكية، مدركاً أنه لا يكتب شعراً، بل رواية، فيما تتطلب من انفتاح وحوار مع القارئ وكسر لـ"التقعّر". لغة يمكن القول جهاراً إنها لغة الطاهر لبيب، لغة مكتنزة، لكنها ترق وتتفاعل وتنبسط وتجري، مرتاحة إلى إيقاعها". ثم يضيف الصحفي عبده وازن قائلا: "كتاب "البحث عن خبر إنّ" هو أكثر من كتاب، وأكثر من سيرة ذاتية وأكثر من كتاب مشاهدات وانطباعات وذكريات وسرد ونقد، أكثر من كتاب ذاتي وموضوعي، أكثر من كتاب مكان وزمان، ذكريات ووقائع... هذا كتاب يمكن وصفه بالكتاب الذي لا بد من أن تفضي إليه الحياة، بحسب قولة ستيفان مالارمه، أو الكتاب الذي تنتظره، حياة الطاهر لبيب وحياة بيروت وشارع الحمرا وتونس، والذات، فردية وجماعية. كتاب البحث عن خبر للحرف المشبه بالفعل "إنّ" الذي يتطلب إيجاده ربما، البحث في الماضي والحاضر والمستقبل الذي ليس موضع ثقة، وسط حال بلبلة المعنى او فقدانه".

جريدة الصباح هي الأخرى كانت قد تناولت رواية "في انتظار خبر إنّ" في قراءة تحليلة على مستوى المضمون والشكل وذلك منذ أسابيع. وقد اتصلت بالأستاذ الطاهر لبيب صاحب هذا الأثر متحدثة معه عن اثره حيث قال "لا أعرف ما ينتظر القرّاء منّي. قد أعرف بعض ما لا ينتظرون: مثلًا واعتمادًا على ردود الفعل الأولى، خصوصًا في لبنان، يبدو أنهم لم ينتظروا مني، أنا الباحث في علم الاجتماع، أن أكتب رواية وأن تتّسع هذه الرواية لعبارةٍ عربيّة أو لصياغة جمالية لم يألفها البحث الاجتماعي. ويمكن أن أضيف أن الرواية، في صيغتها المنشورة، ليست، بالضرورة، ما أردتُ كتابته. أنا أيضًا فوجئت بها، وهذا غير مستغرب، فمن منّا يعرف أن ما كتبه هو ما أراد كتابته؟ ومهما يكن، فليس مطلوبًا من نص إبداعي أن يلبّي انتظارات القرّاء. الإبداع هو غير المنتظَر. هو قرين "البِدعة".

وعن سؤالنا له حول تجربة الكتابة في الرّواية وهل أغراه هذا التوجه أجاب "لم أشعر بهذا الإغراء أو هو غير واعٍ ولم أتنبّه إليه. وإذا كان توجّه بعض الأكاديمييّن إلى كتابة الرواية توجّهًا جديدًا، إلى حدّ ما، في تونس فهو ظاهرة قديمة في بلدان عربيّة أخرى كالمغرب الأقصى، مثلًا، حيث كتب الرواية أكاديميّون فلاسفة ومؤرخون وعلماء اجتماع وعلماء نفس... فيما يخصّني، وبكل بساطة، أردت أن أقول في رواية ما لا يتّسع البحث إلى قوله وإلى طريقة قوله. أردت، بداية إقامتي في بيروت، أن أنجز بحثًا سوسيولوجيًّا عنها ولكن تبيّن لي أن بحثي لن يضيف شيئًا مفيدًا، خصوصًا وأنّ ما تعلّمت لا يساعد على النفاذ إلى الخصوصيّة اللبنانية بقدر ما يعرقله. هكذا تركت موضوعية البحث المرهقة لأبني علاقةً أكثر تلقائية أو مرونة ببيروت. ما قد يُعتبر خلفيةً معرفية هو لتحفيز التأمّل، والرواية تأملية أكثر مما هي سرديّة."

سالناه كذلك عن روايته "في انتظار خبر إنّ" ان كان قد سافر بقارئه إلى أحداث قريبة وبعيدة جدّت في لبنان وفي تونس أشار إلى ما وراء هذه الأحداث من مشارب فكرية وايديولوجية وسياسية فيها وان كان كتفى بتصوير ذلك ونقله دون أن يبدي موقفا من ذلك ولماذا؟ فكان الرد"هناك مواقف، بعضها ظاهر وبعضها مضمر ولكنها لا تصرخ، فلست ميّالًا إلى صراخ المواقف في عمل أدبي أو فنّي. أنا من جيل سرديّات كبرى تلاشت، وأعرف ما آلت إليه شعاراتها في واقع لئيم. لقد تحاشيت، فنّيًا، أن أُفسد عليّ لذّة النّص بما هو أكثر من الكناية. لست مع التبسيط من أجل جمهور واسع، فهذا الجمهور له ما يكفي من استهلاك المبسَّط. المعنيّون هم القرّاء لا الجمهور، والقرّاء هم أولئك الذي يؤوّلون النصّ فيفتحون معناه، وبالتالي يعيدون بناءه.

وبخصوص اللغة الرومنسية والشاعرية المعتمدة في الكتابة والتّلميح بعيدا عن التّصريح قال" امتدّ تدوين هذه الرواية، ولو متقطّعًا، من عام 2004 إلى عام 2011، ثم تركته يتخمّر، متردّدًا في نشره، إلى نهاية 2022. مجرّد استحضار هذه المدّة الطويلة يحول دون التفكير الجدّي في الإقدام على إعادة التجربة."

مصدّق الشّريف