تدحرج الخلاف بين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فجأة، إلى مستوى يُنذر بمواجهة شاملة بين الطرفين. ففي مثل هذا الشهر من العام الماضي، أعلن المجلس الرئاسي الليبي أنه أعد خطة لمعالجة النقاط الخلافية الواردة في مشروع الدستور. وفي خط مواز تولى حراكٌ أطلق على نفسه "حراك التريس" تسيير مظاهرات واحتجاجات في طرابلس ومدن أخرى، للمطالبة بحل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وتفويض المجلس الرئاسي قيادة المرحلة، حتى إجراء الانتخابات. وأعلن "الرئاسي" أن مبادرته تشمل عددا كبيرا من الشخصيات والأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني. كان ذلك في إطار سعي الرئاسي لإعادة صياغة المواد الخلافية في مشروع الدستور، بُغية تجاوز التباعد بين ممثلي كل من مجلس النواب والأعلى للدولة، في هذا الشأن.
وسارع حينذاك السفير الأمريكي المبعوث الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى الاجتماع مع سفراء بلدان الاتحاد الأفريقي ذات العضوية بمجلس الأمن. والأرجح أن هذه المساعي الأمريكية كانت ترمي إلى دعم تلك المبادرة، وتجاوز الخلاف بين المؤسستين في شأنها. وتزامنت تلك المساعي مع ضغوط أمريكية لرفع القوة القاهرة عن ميناءي البريقة والزويتينة، اللذين يقعان في المنطقة الشرقية، بعد مفاوضات مع حرس المنشآت النفطية.
مشروع مشترك
أما اليوم فخرج مجلس النواب والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باثيلي، بمشروع مشترك وصفاه بكونه "خارطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية". وأعلن المجلس الأعلى للدولة قبوله المبدئي للخارطة، "مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات الصادرة عن أعضائه في شأن هذا المُقترح". وأبلغ باثيلي مجلس الأمن أنه يعتزم جمع المؤسسات والفاعلين الليبيين الرئيسيين، أو ممثليهم الموثوق بهم، "للتوصل عبر المفاوضات الشاملة والحلول الوسط" إلى تسوية نهائية لأكثر القضايا إثارة للخلاف. وحث باثيلي بحسب موقع البعثة الأممية، على معالجة الثغرات في القانونين اللذين أعدّتهما لجنة (6+6) على نحو يجعلهما قابلين للتطبيق. وتوقع باثيلي أن يستغرق حواره مع المؤسسات الليبية الرئيسية، بالإضافة إلى القيادات السياسية والأمنية، عدة أسابيع، تمهيداً لتلك المفاوضات، وهو ما يعني أن إجراء الانتخابات في العام الجاري غير ممكن. وشدد المبعوث الأممي على ضرورة تحقيق شروط من بينها تشكيل "حكومة ليبية موحّدة، قادرة على ممارسة الحكم في جميع أنحاء البلد وتُمثل الشعب الليبي بأكمله".
حكومة انتقالية أخرى؟
وتنص خارطة الطريق على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 240 يوماً من تاريخ المصادقة على القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة تقتصر مهامها على الإشراف على إجراء الانتخابات. وكانت اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة قد أعلنت أنها أعدت مقترحا أطلقت عليه اسم "خارطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية" تم عرضه على أعضاء المجلس الأعلى للدولة، في جلسة رسمية. ويدلُ تكاثر المشاريع والمسودات على غياب أي اتفاق بين الفرقاء، على المحاور الكبرى لمسار الحل السياسي. ومن المهم التذكير هنا بأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة أنذر، في مناسبات مختلفة، بأنه لن يُسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة شرعيا، ما يجعل تأليف حكومة انتقالية، مُوحدة بين الشرق والغرب، للاشراف على العملية الانتخابية، أمرا شديد الصعوبة.
سلاح النفط
من هنا يرى خبراء في الشأن الليبي أن إحراز أي تقدم في الاستعداد السياسي والقانوني واللوجستي للانتخابات، يتوقف على اتفاق الفرقاء على توزيع عادل وشفاف للإيرادات النفطية بين المدن والمناطق الليبية المختلفة. ونلحظ هذه العناوين في التصريحات المتكررة للسفير الأمريكي، الذي حذر مما أسماه "استخدام النفط وعائداته سلاحا لتسوية الخلافات السياسية". ومن الواضح أن العواصم الأوروبية والأمريكية لا يهمُها من الانتخابات في ليبيا سوى وجود حكومة قوية تؤمن ديمومة تدفق النفط والغاز. وهُنا مربط الفرس، فالصراع الدائر في ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي محوره كيفية تقاسم الريع النفطي. أما الكلام المعسول والشعارات الرنانة حول الديمقراطية، فهي للاستهلاك الجماهيري لا غير.
وعلى سبيل المثال ارتفع مستوى الانتاج إلى 1.3 مليون برميل في اليوم، بعدما عاودت جميع الحقول النفطية الانتاج والتصدير، خاصة على إثر تشكيل لجنة 5+5 العسكرية، التي أفرزت وقفا لإطلاق النار، مازال صامدا حتى اليوم. ولم يلبث مجلس الدولة أن أعلن موافقته المبدئية على مقترح الخارطة الجديدة، مثلما أسلفنا، "مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات الواردة من الأعضاء". واقترع لصالح المقترح 34 عضواً من أصل 56 عضواً حضروا الجلسة. أما المجلس الرئاسي فأعلن أنه قرر تشكيل لجنة مالية عليا لتحديد أوجه الإنفاق الحكومي ومتابعة الترتيبات المالية، برئاسة رئيس المجلس، إلى جانب 17 عضوا، بينهم وزراء في حكومة الوحدة، أي أن الوزراء سيراقبون إنفاقهم الخاص وإنفاق زملائهم في الحكومة. وانتقد عضو مجلس النواب عبد السلام نصية قرار تشكيل اللجنة، مُعتبرا أن تلك الرقابة هي من اختصاص مجلس النواب والأجهزة الرقابية العليا للدولة.
توزيع الفساد
أكثر من ذلك، شدد نصية على ضرورة إبعاد دخل الدولة عن التجاذبات السياسية "كي لا تتحول هذه الآلية من توزيع للدخل إلى توزيع للفساد" على ما قال. غير أن وزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية، عبرت عن مخاوفها من الطعن في قرار رئيس المجلس الرئاسي، واقترحت إدخال تعديل على مهام "اللجنة المالية العليا". واعتبرت الوزارة أن دور اللجنة يجب أن يكون "مراجعة مخصصات بنود الإنفاق وتوزيعها بين فئات الصرف والمناطق في البلاد،
وهناك أفكارٌ أخرى في خصوص مراقبة الإنفاق، من بينها مُقترح التركيز على الايرادات غير النفطية، وإيضاح كيفية ضبطها وتنميتها، عبر السيطرة على المنافذ الحدودية والشركات القابضة والصناديق السيادية، بدل التركيز على الايرادات النفطية دون سواها. وكان باثيلي اجتمع في إطار هذه الأفكار، مع خليفة حفتر في بنغازي، ثم مع المنفي في طرابلس، ولم تُعرف مخرجات تلك اللقاءات.
معادلة جديدة
بتعبير آخر فإن ليبيا تسير نحو معادلة جديدة، تفرض الاختيار بين الاستقرار مع تنامي الفساد، أو الفوضى مع الضرب (وإن جزئيا) على أيادي أباطرة الفساد والتهريب. هذه المعادلة ستتم على حساب الشعب، وبمباركة من الأمم المتحدة. فأما الاستقرار فمأتاه الجماعات المسلحة، التي تحمي الحكومة وأجهزتها، في مقابل تقاضيها رواتب ثابتة منها. وأما الفوضى فمردُها إلى سيطرة كيانات مسلحة على بعض المناطق والمدن، في الجنوب أساسا، وإملاء إرادتها على الدولة في كثير من الأحيان. وتجلت خطورة تلك الكيانات، في تعمُدها قفل بعض الحقول والموانئ النفطية أكثر من مرة. من هنا يأتي تشاؤم كثيرين من انعدام فرص إجراء الانتخابات، قبل نهاية العام الجاري، لأن الميقات الزمني اللازم لإعدادها، سياسيا وتشريعيا ولوجستيا، ولى وانقضى.
صراع متجدد
ويجوز القول إن قرار منع أعضاء من المجلس الأعلى للدولة الخميس، من السفر إلى تركيا، وسحب جوازاتهم، قد يكون قادحا لنار صراع لن يكون هينا، بين مؤسستين رئيسيتين، هما مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدولة. وأفاد المشري أن النواب المستهدفين هم ممن صادقوا على خارطة الطريق، التي تنص على تشكيل حكومة بديلة من حكومة الدبيبة، وعددهم 34 نائبا. والأرجح أن الطلب الذي أرسله المشري إلى النائب العام لـ"التحرك العاجل"، تضمن اتهاما للدبيبة شخصيا بمحاولة الاطاحة به (المشري). وبحسب تقرير لـ"ليبيا برس"، وصلت رسالة هاتفية إلى جميع الاعضاء الـ34 الذين صوتوا لصالح خارطة الطريق، نصُها الآتي: "كلمني.. لطفي الحراري"، أي "هاتفني... أنا لطفي الحراري". وكون هذا الأخير هو مسؤول الأمن الداخلي في طرابلس، يدل على أن الصراع بين الدبيبة والمشري بات مفتوحا، فنحن بإزاء حلقة جديدة من الصراع الأهلي المستمر منذ 2014، ويخشى الليبيون من مضاعفاته الكارثية على البلد، وخاصة على المدنيين.
بقلم:رشيد خشانة
تدحرج الخلاف بين رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، فجأة، إلى مستوى يُنذر بمواجهة شاملة بين الطرفين. ففي مثل هذا الشهر من العام الماضي، أعلن المجلس الرئاسي الليبي أنه أعد خطة لمعالجة النقاط الخلافية الواردة في مشروع الدستور. وفي خط مواز تولى حراكٌ أطلق على نفسه "حراك التريس" تسيير مظاهرات واحتجاجات في طرابلس ومدن أخرى، للمطالبة بحل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وتفويض المجلس الرئاسي قيادة المرحلة، حتى إجراء الانتخابات. وأعلن "الرئاسي" أن مبادرته تشمل عددا كبيرا من الشخصيات والأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني. كان ذلك في إطار سعي الرئاسي لإعادة صياغة المواد الخلافية في مشروع الدستور، بُغية تجاوز التباعد بين ممثلي كل من مجلس النواب والأعلى للدولة، في هذا الشأن.
وسارع حينذاك السفير الأمريكي المبعوث الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، إلى الاجتماع مع سفراء بلدان الاتحاد الأفريقي ذات العضوية بمجلس الأمن. والأرجح أن هذه المساعي الأمريكية كانت ترمي إلى دعم تلك المبادرة، وتجاوز الخلاف بين المؤسستين في شأنها. وتزامنت تلك المساعي مع ضغوط أمريكية لرفع القوة القاهرة عن ميناءي البريقة والزويتينة، اللذين يقعان في المنطقة الشرقية، بعد مفاوضات مع حرس المنشآت النفطية.
مشروع مشترك
أما اليوم فخرج مجلس النواب والممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باثيلي، بمشروع مشترك وصفاه بكونه "خارطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية". وأعلن المجلس الأعلى للدولة قبوله المبدئي للخارطة، "مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات الصادرة عن أعضائه في شأن هذا المُقترح". وأبلغ باثيلي مجلس الأمن أنه يعتزم جمع المؤسسات والفاعلين الليبيين الرئيسيين، أو ممثليهم الموثوق بهم، "للتوصل عبر المفاوضات الشاملة والحلول الوسط" إلى تسوية نهائية لأكثر القضايا إثارة للخلاف. وحث باثيلي بحسب موقع البعثة الأممية، على معالجة الثغرات في القانونين اللذين أعدّتهما لجنة (6+6) على نحو يجعلهما قابلين للتطبيق. وتوقع باثيلي أن يستغرق حواره مع المؤسسات الليبية الرئيسية، بالإضافة إلى القيادات السياسية والأمنية، عدة أسابيع، تمهيداً لتلك المفاوضات، وهو ما يعني أن إجراء الانتخابات في العام الجاري غير ممكن. وشدد المبعوث الأممي على ضرورة تحقيق شروط من بينها تشكيل "حكومة ليبية موحّدة، قادرة على ممارسة الحكم في جميع أنحاء البلد وتُمثل الشعب الليبي بأكمله".
حكومة انتقالية أخرى؟
وتنص خارطة الطريق على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غضون 240 يوماً من تاريخ المصادقة على القوانين الانتخابية الصادرة عن لجنة 6+6، بالإضافة إلى تشكيل حكومة جديدة تقتصر مهامها على الإشراف على إجراء الانتخابات. وكانت اللجنة القانونية بالمجلس الأعلى للدولة قد أعلنت أنها أعدت مقترحا أطلقت عليه اسم "خارطة طريق المسار التنفيذي للقوانين الانتخابية" تم عرضه على أعضاء المجلس الأعلى للدولة، في جلسة رسمية. ويدلُ تكاثر المشاريع والمسودات على غياب أي اتفاق بين الفرقاء، على المحاور الكبرى لمسار الحل السياسي. ومن المهم التذكير هنا بأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة أنذر، في مناسبات مختلفة، بأنه لن يُسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة شرعيا، ما يجعل تأليف حكومة انتقالية، مُوحدة بين الشرق والغرب، للاشراف على العملية الانتخابية، أمرا شديد الصعوبة.
سلاح النفط
من هنا يرى خبراء في الشأن الليبي أن إحراز أي تقدم في الاستعداد السياسي والقانوني واللوجستي للانتخابات، يتوقف على اتفاق الفرقاء على توزيع عادل وشفاف للإيرادات النفطية بين المدن والمناطق الليبية المختلفة. ونلحظ هذه العناوين في التصريحات المتكررة للسفير الأمريكي، الذي حذر مما أسماه "استخدام النفط وعائداته سلاحا لتسوية الخلافات السياسية". ومن الواضح أن العواصم الأوروبية والأمريكية لا يهمُها من الانتخابات في ليبيا سوى وجود حكومة قوية تؤمن ديمومة تدفق النفط والغاز. وهُنا مربط الفرس، فالصراع الدائر في ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي محوره كيفية تقاسم الريع النفطي. أما الكلام المعسول والشعارات الرنانة حول الديمقراطية، فهي للاستهلاك الجماهيري لا غير.
وعلى سبيل المثال ارتفع مستوى الانتاج إلى 1.3 مليون برميل في اليوم، بعدما عاودت جميع الحقول النفطية الانتاج والتصدير، خاصة على إثر تشكيل لجنة 5+5 العسكرية، التي أفرزت وقفا لإطلاق النار، مازال صامدا حتى اليوم. ولم يلبث مجلس الدولة أن أعلن موافقته المبدئية على مقترح الخارطة الجديدة، مثلما أسلفنا، "مع الأخذ في الاعتبار الملاحظات الواردة من الأعضاء". واقترع لصالح المقترح 34 عضواً من أصل 56 عضواً حضروا الجلسة. أما المجلس الرئاسي فأعلن أنه قرر تشكيل لجنة مالية عليا لتحديد أوجه الإنفاق الحكومي ومتابعة الترتيبات المالية، برئاسة رئيس المجلس، إلى جانب 17 عضوا، بينهم وزراء في حكومة الوحدة، أي أن الوزراء سيراقبون إنفاقهم الخاص وإنفاق زملائهم في الحكومة. وانتقد عضو مجلس النواب عبد السلام نصية قرار تشكيل اللجنة، مُعتبرا أن تلك الرقابة هي من اختصاص مجلس النواب والأجهزة الرقابية العليا للدولة.
توزيع الفساد
أكثر من ذلك، شدد نصية على ضرورة إبعاد دخل الدولة عن التجاذبات السياسية "كي لا تتحول هذه الآلية من توزيع للدخل إلى توزيع للفساد" على ما قال. غير أن وزارة النفط والغاز في حكومة الوحدة الوطنية، عبرت عن مخاوفها من الطعن في قرار رئيس المجلس الرئاسي، واقترحت إدخال تعديل على مهام "اللجنة المالية العليا". واعتبرت الوزارة أن دور اللجنة يجب أن يكون "مراجعة مخصصات بنود الإنفاق وتوزيعها بين فئات الصرف والمناطق في البلاد،
وهناك أفكارٌ أخرى في خصوص مراقبة الإنفاق، من بينها مُقترح التركيز على الايرادات غير النفطية، وإيضاح كيفية ضبطها وتنميتها، عبر السيطرة على المنافذ الحدودية والشركات القابضة والصناديق السيادية، بدل التركيز على الايرادات النفطية دون سواها. وكان باثيلي اجتمع في إطار هذه الأفكار، مع خليفة حفتر في بنغازي، ثم مع المنفي في طرابلس، ولم تُعرف مخرجات تلك اللقاءات.
معادلة جديدة
بتعبير آخر فإن ليبيا تسير نحو معادلة جديدة، تفرض الاختيار بين الاستقرار مع تنامي الفساد، أو الفوضى مع الضرب (وإن جزئيا) على أيادي أباطرة الفساد والتهريب. هذه المعادلة ستتم على حساب الشعب، وبمباركة من الأمم المتحدة. فأما الاستقرار فمأتاه الجماعات المسلحة، التي تحمي الحكومة وأجهزتها، في مقابل تقاضيها رواتب ثابتة منها. وأما الفوضى فمردُها إلى سيطرة كيانات مسلحة على بعض المناطق والمدن، في الجنوب أساسا، وإملاء إرادتها على الدولة في كثير من الأحيان. وتجلت خطورة تلك الكيانات، في تعمُدها قفل بعض الحقول والموانئ النفطية أكثر من مرة. من هنا يأتي تشاؤم كثيرين من انعدام فرص إجراء الانتخابات، قبل نهاية العام الجاري، لأن الميقات الزمني اللازم لإعدادها، سياسيا وتشريعيا ولوجستيا، ولى وانقضى.
صراع متجدد
ويجوز القول إن قرار منع أعضاء من المجلس الأعلى للدولة الخميس، من السفر إلى تركيا، وسحب جوازاتهم، قد يكون قادحا لنار صراع لن يكون هينا، بين مؤسستين رئيسيتين، هما مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للدولة. وأفاد المشري أن النواب المستهدفين هم ممن صادقوا على خارطة الطريق، التي تنص على تشكيل حكومة بديلة من حكومة الدبيبة، وعددهم 34 نائبا. والأرجح أن الطلب الذي أرسله المشري إلى النائب العام لـ"التحرك العاجل"، تضمن اتهاما للدبيبة شخصيا بمحاولة الاطاحة به (المشري). وبحسب تقرير لـ"ليبيا برس"، وصلت رسالة هاتفية إلى جميع الاعضاء الـ34 الذين صوتوا لصالح خارطة الطريق، نصُها الآتي: "كلمني.. لطفي الحراري"، أي "هاتفني... أنا لطفي الحراري". وكون هذا الأخير هو مسؤول الأمن الداخلي في طرابلس، يدل على أن الصراع بين الدبيبة والمشري بات مفتوحا، فنحن بإزاء حلقة جديدة من الصراع الأهلي المستمر منذ 2014، ويخشى الليبيون من مضاعفاته الكارثية على البلد، وخاصة على المدنيين.