مازالت الشركات الأهلية، الخيار المختلف والجديد الذي راهنت عليه منظومة 25 جويلية، تثير اهتمام الرأي العام وفضوله أيضا، حيث أن هذا الخيار الاقتصادي والاجتماعي الذي تمت المراهنة عليه كخيار سياسي بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والخروج من بوتقة الاقتصاد الريعي الذي يحتكر الثروة ويحدّ من المنافسة، بالإضافة الى كون هذه الشركات الأهلية كانت من المقترحات التي يرى الرئيس قيس سعيد، أنها يمكن أن تكون أحد أهم الحلول للتغلّب على مشكلة البطالة والفقر وتكون أداة للنهوض بمناطق منكوبة والمهمّشة في إطار التوزيع العادل للثروات .
وقد حاول الرئيس قيس سعيّد بكل قوّة إنجاح خيار الشركات الأهلية، بتهيئة الإطار القانوني وتقديم كل التسهيلات وتشجيع انتصاب هذه الشركات الأهلية بحضور تأسيس هذه الشركات بمعتمدية بني خيار، إلا أنه ورغم كل هذه المجهودات فإنه الى الآن لم تحقق هذه الشركات الأهلية النجاح اللافت الذي يكون في مستوى كل تلك المجهودات والتوقعات .
ووزارة الشؤون الاجتماعية من الوزارات الداعمة بقوة لمشروع الشركات الأهلية وهي التي تعمل على تنفيذه ومتابعة تطوراته. ومنذ يومين أشرف وزير الشؤون الاجتماعية السّيد مالك الزاهي على جلسة عمل خصّصت لمتابعة ملف الشركات الأهلية وتمّ خلال هذه الجلسة التطرق إلى واقع هذه الشركات والنّظر في آليات توفير الظروف الملائمة لعملها مستقبلا. وقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية أن مشروع الشركات الأهلية الذي يطرحه المرسوم الرئاسي يتنزل ضمن مقاربة تضمن القيمة الإنسانيّة للعمل وإنتاج الثروة وتحقيق التنمية في تناغم وتماه مع مستويات العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مشيرا إلى الارتباط الجدلي والموضوعي للشركات الأهلية مع طبيعة السياقات المحلية وارتباطا بجملة المعطيات الاقتصاديّة والاجتماعية والبيئية.
الوزير أشار أيضا الى أن مشروع الشركات الأهلية يتناغم مع الواقع التونسي ويستلهم منه نظرا الى جملة الاحتياجات والإشكاليات والموارد والثروات المتوفرة ليكون في النهاية تعبيرا عن انتظارات المواطنين وآمالهم في خلق نماذجهم الاقتصادية الجماعيّة والخاصّة بهم. وأن مفهوم الشركات الأهلية إبداع تونسيّ متميّز وإضافة قيّمة لمجمل التجارب الاقتصاديّة والاجتماعيّة وهو يؤسس لشراكة إستراتيجية ما بين الدولة الراعية والمواطن المسؤول، وبيّن الوزير أن وزارة الشؤون الاجتماعية عملت على تأمين عمليات الإحاطة والإشراف الدوريين مع ممثلي الشركات الأهليّة ورافقت الانطلاقة التأسيسية لكل الشركات..
ولكن رغم كل هذا التفاؤل الحكومي بمستقبل هذه الشركات إلا أنه بتتبّع واقع بعض الشركات نلاحظ أنها مازالت الى اليوم لم تحقق ولو جزءا مما تعهّدت به ولم تغيّر الواقع المحلي كما يتم التسويق له ، وأن هناك إشكاليات جدية حتى من حيث تقبّل هذه الشركات شعبيا والإيمان بقدرتها على تغيير الأوضاع .
الإطار القانوني
مازالت أرقام الشركات الأهلية التي بعثها دون المأمول والمعلومات حولها غير متاحة للعموم حيث دائما هناك تكتم حول عددها والنتائج التي حققتها ويفسّر متابعون للشأن العام ضعف الإقبال على تأسيس هذه الشركات بسبب عدم جدواها المادية وانعدام مردوديتها الاقتصادية وغموض مستقبلها وارتباطها في الأذهان بتجربة التعاضد التي عرفتها تونس في ستينيات القرن الماضي وانتهت إلى الفشل.. ووفق بعض التقديرات فإن عدد هذه الشركات اليوم لا يتجاوز الستين شركة، وهناك عدد من الولايات لم تشهد الى اليوم تأسيس ولو شركة من بين هذه الشركات رغم أن الرئيس أشار في وقت سابق الى أن هناك حوالي 900 شركة في طور الإنشاء على هامش زيارته مقرّ لجنة الصلح الجزائي.
ورغم الرهان الكبير الذي يضعه رئيس الجمهورية على هذه الشركات إلا أن دستور الاستفتاء لم ينصّ عليه إلا أنه تم إفراد هذه الشركات بمرسوم خاص قبل أربعة أشهر من إقرار الدستور الجديد بواسطة الاستفتاء وهو المرسوم عدد 15 لسنة 2022 الذي يتضمّن 97 فصلا تتوزّع على ثمانية أبواب والذي عرّف في فصله الثاني الشركات الأهلية بـ"كلّ شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرّين بها". ووضع لها المرسوم في الفصل الثالث هدف "تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتهم". فيما حدّد الفصل الرابع مجال نشاطها بالقول "تمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها". وقد منع الفصل عدد 9 من المرسوم على الشركات الأهلية ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في مسارات سياسية أو تمويلها، إلا أن كل المعطيات تشير الى كون أغلب المؤسسين لهذه الشركات هم من المقربين من تنسيقيات قيس سعيّد وأعضاء حملته الانتخابية ومفسّريه.
وما يخشى اليوم هو فشل هذه الشركات الأهلية في تحقيق أهدافها وفرض نفسها كخيار جديد رغم كل الإحاطة والمتابعة التي تحظى بها .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
مازالت الشركات الأهلية، الخيار المختلف والجديد الذي راهنت عليه منظومة 25 جويلية، تثير اهتمام الرأي العام وفضوله أيضا، حيث أن هذا الخيار الاقتصادي والاجتماعي الذي تمت المراهنة عليه كخيار سياسي بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية والخروج من بوتقة الاقتصاد الريعي الذي يحتكر الثروة ويحدّ من المنافسة، بالإضافة الى كون هذه الشركات الأهلية كانت من المقترحات التي يرى الرئيس قيس سعيد، أنها يمكن أن تكون أحد أهم الحلول للتغلّب على مشكلة البطالة والفقر وتكون أداة للنهوض بمناطق منكوبة والمهمّشة في إطار التوزيع العادل للثروات .
وقد حاول الرئيس قيس سعيّد بكل قوّة إنجاح خيار الشركات الأهلية، بتهيئة الإطار القانوني وتقديم كل التسهيلات وتشجيع انتصاب هذه الشركات الأهلية بحضور تأسيس هذه الشركات بمعتمدية بني خيار، إلا أنه ورغم كل هذه المجهودات فإنه الى الآن لم تحقق هذه الشركات الأهلية النجاح اللافت الذي يكون في مستوى كل تلك المجهودات والتوقعات .
ووزارة الشؤون الاجتماعية من الوزارات الداعمة بقوة لمشروع الشركات الأهلية وهي التي تعمل على تنفيذه ومتابعة تطوراته. ومنذ يومين أشرف وزير الشؤون الاجتماعية السّيد مالك الزاهي على جلسة عمل خصّصت لمتابعة ملف الشركات الأهلية وتمّ خلال هذه الجلسة التطرق إلى واقع هذه الشركات والنّظر في آليات توفير الظروف الملائمة لعملها مستقبلا. وقد أكد وزير الشؤون الاجتماعية أن مشروع الشركات الأهلية الذي يطرحه المرسوم الرئاسي يتنزل ضمن مقاربة تضمن القيمة الإنسانيّة للعمل وإنتاج الثروة وتحقيق التنمية في تناغم وتماه مع مستويات العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، مشيرا إلى الارتباط الجدلي والموضوعي للشركات الأهلية مع طبيعة السياقات المحلية وارتباطا بجملة المعطيات الاقتصاديّة والاجتماعية والبيئية.
الوزير أشار أيضا الى أن مشروع الشركات الأهلية يتناغم مع الواقع التونسي ويستلهم منه نظرا الى جملة الاحتياجات والإشكاليات والموارد والثروات المتوفرة ليكون في النهاية تعبيرا عن انتظارات المواطنين وآمالهم في خلق نماذجهم الاقتصادية الجماعيّة والخاصّة بهم. وأن مفهوم الشركات الأهلية إبداع تونسيّ متميّز وإضافة قيّمة لمجمل التجارب الاقتصاديّة والاجتماعيّة وهو يؤسس لشراكة إستراتيجية ما بين الدولة الراعية والمواطن المسؤول، وبيّن الوزير أن وزارة الشؤون الاجتماعية عملت على تأمين عمليات الإحاطة والإشراف الدوريين مع ممثلي الشركات الأهليّة ورافقت الانطلاقة التأسيسية لكل الشركات..
ولكن رغم كل هذا التفاؤل الحكومي بمستقبل هذه الشركات إلا أنه بتتبّع واقع بعض الشركات نلاحظ أنها مازالت الى اليوم لم تحقق ولو جزءا مما تعهّدت به ولم تغيّر الواقع المحلي كما يتم التسويق له ، وأن هناك إشكاليات جدية حتى من حيث تقبّل هذه الشركات شعبيا والإيمان بقدرتها على تغيير الأوضاع .
الإطار القانوني
مازالت أرقام الشركات الأهلية التي بعثها دون المأمول والمعلومات حولها غير متاحة للعموم حيث دائما هناك تكتم حول عددها والنتائج التي حققتها ويفسّر متابعون للشأن العام ضعف الإقبال على تأسيس هذه الشركات بسبب عدم جدواها المادية وانعدام مردوديتها الاقتصادية وغموض مستقبلها وارتباطها في الأذهان بتجربة التعاضد التي عرفتها تونس في ستينيات القرن الماضي وانتهت إلى الفشل.. ووفق بعض التقديرات فإن عدد هذه الشركات اليوم لا يتجاوز الستين شركة، وهناك عدد من الولايات لم تشهد الى اليوم تأسيس ولو شركة من بين هذه الشركات رغم أن الرئيس أشار في وقت سابق الى أن هناك حوالي 900 شركة في طور الإنشاء على هامش زيارته مقرّ لجنة الصلح الجزائي.
ورغم الرهان الكبير الذي يضعه رئيس الجمهورية على هذه الشركات إلا أن دستور الاستفتاء لم ينصّ عليه إلا أنه تم إفراد هذه الشركات بمرسوم خاص قبل أربعة أشهر من إقرار الدستور الجديد بواسطة الاستفتاء وهو المرسوم عدد 15 لسنة 2022 الذي يتضمّن 97 فصلا تتوزّع على ثمانية أبواب والذي عرّف في فصله الثاني الشركات الأهلية بـ"كلّ شخص معنوي تحدثه مجموعة من أهالي الجهة يكون الباعث على تأسيسها تحقيق العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروات من خلال ممارسة جماعية لنشاط اقتصادي انطلاقا من المنطقة الترابية المستقرّين بها". ووضع لها المرسوم في الفصل الثالث هدف "تحقيق التنمية الجهوية وأساسا بالمعتمديات وفقا للإرادة الجماعية للأهالي وتماشيا مع حاجيات مناطقهم وخصوصياتهم". فيما حدّد الفصل الرابع مجال نشاطها بالقول "تمارس الشركات الأهلية نشاطا اقتصاديا انطلاقا من الجهة الترابية المنتصبة بها". وقد منع الفصل عدد 9 من المرسوم على الشركات الأهلية ممارسة أي نشاط سياسي أو الانخراط في مسارات سياسية أو تمويلها، إلا أن كل المعطيات تشير الى كون أغلب المؤسسين لهذه الشركات هم من المقربين من تنسيقيات قيس سعيّد وأعضاء حملته الانتخابية ومفسّريه.
وما يخشى اليوم هو فشل هذه الشركات الأهلية في تحقيق أهدافها وفرض نفسها كخيار جديد رغم كل الإحاطة والمتابعة التي تحظى بها .