إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أزمة التدفقات الكبيرة للمهاجرين الأفارقة.. لماذا تونس؟

بقلم: نوفل سلامة

لم يعد خافيا على أحد أن موضوع قدوم المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلادنا بأعداد كبيرة قد أصبح اليوم لافتا ومقلقا ويطرح أكثر من سؤال حول هذه الظاهرة التي تعيشها مختلف جهات البلاد والتي تفاقمت وتوسعت في الزمان والمكان بطريقة غير عادية ما جعل هجرة هؤلاء الأفارقة من بلدانهم بحثا عن حياة أفضل وعمل وظروف معيشة لائقة في دول أخرى وخاصة في الدول الأوروبية تتحول إلي عبء كبير على الدولة  التونسية التي لم تعد قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد الوافدة يوميا وهي تعيش على وقع أزمة مالية خانقة وأزمة اقتصادية انعكست سلبا على حياة المواطن التونسي وعيشه ما جعل البلاد التونسية غير قادرة على معالجة ملف بهذا الحجم وهذه الرهانات و بإمكانيات محدودة وفي مناخ عالمي وإقليمي متوتر وبحلول مفقودة.

المقلق في هذا الموضوع والمزعج إلينا أن ما يحصل من تدفق يومي لمئات من المهاجرين الأفارقة إلى أراضينا وما يحصل من إنزال لأعداد كبيرة من المتسللين إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر قوارب بحرية بطريقة غير نظامية وترحيلهم من طرف القوات البحرية الايطالية التي تعترضهم في عرض البحر قبل أن يصلوا إلى السواحل الايطالية إلى المواني التونسية بعد تسليمهم الى حرس الحدود البحري التونسي هو تمش وإجراء ينضوي ضمن اتفاق قديم كان قد أبرم بين الجانب التونسي والجانب الأوروبي في زمن حكم الرئيس الباجي قائد السبسي ومشروع قديم تتم العودة إليه اليوم وأحياؤه من جديد بعد قدوم رئيسة الوزراء الإيطالية " جورجيا ميلوني " يقضي بتحويل البلاد التونسية إلى محتشد للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء وفضاء لتجميعهم قبل وصولهم إلى التراب الايطالي وإيقاف تسللهم إلى الدول الأوروبية بعد اعتراضهم في البحر وتحويل وجهتهم نحو الأراضي التونسية في عملية توطين غير شرعية ريثما تتم تسوية وضعيتهم من خلال عملية تنقية وتصفية لمعرفة من سيلتحق بالدول الأوروبية ومن سيتم ترحيله من حيث جاء ومن سيبقى فوق التراب التونسي.

هذا المشروع الذي يهدف إلى جعل تونس جدارا عازلا في البحر لمنع الأفارقة من تخطيه نحو إيطاليا وتفويض السلطات التونسية مهمة مراقبة الحدود البحرية وتكفلها بكل عمليات الإنقاذ وعمليات إرجاع هؤلاء المهاجرين إلى أوطانهم مقابل أموال تم رصدهما. كما يهدف هذا المشروع إلى تحويل البلاد التونسية إلى مركز أو محتشد للتجميع والفرز واعتبارها من المناطق الآمنة المؤهلة لتوطين كل هذه الأعداد من الأفارقة في بلادنا.. هذا المشروع الذي يراد له أن يطبق اليوم فوق الأراضي التونسية هو فضلا عن كونه إحياء لفكرة قديمة تم الترتيب لها والاتفاق حولها في زمن الرئيس الباجي قائد السبسي هو جزء من البرنامج  والمشروع الذي أعدته أوروبا لتونس وحددت موعد تطبيقه في شهر جوان من سنة 2023 حيث صرح "باولو جينتيلوني" مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية في حديثه عن المرحلة التي وصل إليها  تفاوض صندوق النقد الدولي مع الحكومة التونسية في علاقة بالقرض المرتقب منحه لتونس بأن للمفوضية برنامجا جاهزا في موضوع الهجرة غير النظامية وحزمة مساعدات مالية مرصودة سوف تضاف إلى برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بما يعني أن الجانب الأوروبي يقدم اليوم عرضا جديدا للجانب التونسي للتوصل إلى اتفاق نهائي حول القرض المرتقب بإتباع شيئ من المرونة والتحايل ونهج يقوم على فكرة أن المانح الأجنبي لن يضغط كثيرا على الحكومة التونسية بخصوص ما اعتبر إملاءات أو شروط متعلقة بمسألة رفع الدعم والتحكم في كتلة الأجور والتوقف عن الانتدابات في الوظيفة العمومية والتخفيض من حدة الشروط بخصوص الإصلاحات الكبرى وأهمها إصلاح المؤسسات العمومية وفي مقابل ذلك تعهد الاتحاد الأوروبي بضخ حزمة من المساعدات المالية في برنامج الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لمقاومة الهجرة غير النظامية وإدارة التسللات غير الشرعية ومراقبة الحدود البحرية فضلا عن إمضاء اتفاق وصف بالاستراتيجي في مجالات عدة من أبرزها مجال الانتقال الطاقي للتخفيف من عجز الميزانية المتأتي بصفة كبيرة من توريد الطاقة ومشروع آخر لربط تونس وايطاليا بالكهرباء من خلال مشروع ضخم لإنتاج الطاقة الشمسية يمكن تونس من إنتاج هذا النوع من الطاقة وتصديره ومشروع آخر مهم هو مشروع الكابل البحري "ميديسا" الذي يهدف بحلول سنة 2025 إلى ربط 11 دولة على ضفتي المتوسط بكابل رقمي في إطار تطوير مجال التكنولوجيا الرقمية.

المقلق في هذا العرض الذي يقدمه الجانب الأوروبي وهذا التمشي الذي تنتهجه اليوم دول ضفتي المتوسط مع تونس في ما تخطط له هذه الدول بعد أن أمضت اتفاق شراكة استراتيجي مع الدول الإفريقية للحفاظ على مكانتها في القارة السمراء وتدعيم استثماراتها في مقابل تحمل هجرة الأفارقة إلي بلدانها  واقتسام المخاطر معها بالسماح بقدوم الأفارقة إليها للتخفيف من حدة البطالة المتفاقمة في دول القارة السمراء.. المقلق هو القرار الذي اتخذته الدول الأوروبية للتخلص من ملف الهجرة غير الشرعية نهائيا وتحويله الى قضية تهم الشأن التونسي لا غير .

المقلق في هذا الملف فيما تقوم به أوروبا من عملية تحايل وتزييف وتلاعب بالمصطلحات والمفاهيم والمعنى كاعتبار قضية الهجرة غير الشرعية قضية توطين وفضاء للاستيطان والتمكين بعد أن كانت تونس أرض عبور ومحطة مؤقتة يلجأ إليها الأفارقة جنوب الصحراء قبل التحاقهم  ببلدان صفتي المتوسط والترويج إلى أن تونس هي من البلدان المصنفة دولا أمنة لتسهيل تمرير فكرة تحويل تونس إلى محتشد للأفارقة جنوب الصحراء مقابل حزمة من المساعدات المالية للقيام بمهمة حراسة الحدود البحرية وإيواء هؤلاء المهاجرين .

المقلق في هذا المخطط الذي أعدته الدول الأوروبية في معرفة لماذا تم الاختيار على تونس دون غيرها من دول الجوار لاحتضان هذا المشروع ؟ ولماذا تم الاختيار على تونس لتكون هي المحتشد والفضاء لتجميع وفرز المهاجرين ؟ ولماذا قبلت الحكومة التونسية بعبور المهاجرين نحو أراضينا في الوقت الذي رفضت فيه الجزائر قبولهم وبقائهم فوق ترابها ؟  أسئلة كثيرة هي اليوم بمثابة اللغز المحير لعل الأيام القادمة كفيلة بتقديم إجابات مقنعة حولها .

أزمة التدفقات الكبيرة للمهاجرين الأفارقة.. لماذا تونس؟

بقلم: نوفل سلامة

لم يعد خافيا على أحد أن موضوع قدوم المهاجرين من بلدان إفريقيا جنوب الصحراء إلى بلادنا بأعداد كبيرة قد أصبح اليوم لافتا ومقلقا ويطرح أكثر من سؤال حول هذه الظاهرة التي تعيشها مختلف جهات البلاد والتي تفاقمت وتوسعت في الزمان والمكان بطريقة غير عادية ما جعل هجرة هؤلاء الأفارقة من بلدانهم بحثا عن حياة أفضل وعمل وظروف معيشة لائقة في دول أخرى وخاصة في الدول الأوروبية تتحول إلي عبء كبير على الدولة  التونسية التي لم تعد قادرة على استيعاب كل هذه الأعداد الوافدة يوميا وهي تعيش على وقع أزمة مالية خانقة وأزمة اقتصادية انعكست سلبا على حياة المواطن التونسي وعيشه ما جعل البلاد التونسية غير قادرة على معالجة ملف بهذا الحجم وهذه الرهانات و بإمكانيات محدودة وفي مناخ عالمي وإقليمي متوتر وبحلول مفقودة.

المقلق في هذا الموضوع والمزعج إلينا أن ما يحصل من تدفق يومي لمئات من المهاجرين الأفارقة إلى أراضينا وما يحصل من إنزال لأعداد كبيرة من المتسللين إلى الضفة الأخرى من المتوسط عبر قوارب بحرية بطريقة غير نظامية وترحيلهم من طرف القوات البحرية الايطالية التي تعترضهم في عرض البحر قبل أن يصلوا إلى السواحل الايطالية إلى المواني التونسية بعد تسليمهم الى حرس الحدود البحري التونسي هو تمش وإجراء ينضوي ضمن اتفاق قديم كان قد أبرم بين الجانب التونسي والجانب الأوروبي في زمن حكم الرئيس الباجي قائد السبسي ومشروع قديم تتم العودة إليه اليوم وأحياؤه من جديد بعد قدوم رئيسة الوزراء الإيطالية " جورجيا ميلوني " يقضي بتحويل البلاد التونسية إلى محتشد للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء وفضاء لتجميعهم قبل وصولهم إلى التراب الايطالي وإيقاف تسللهم إلى الدول الأوروبية بعد اعتراضهم في البحر وتحويل وجهتهم نحو الأراضي التونسية في عملية توطين غير شرعية ريثما تتم تسوية وضعيتهم من خلال عملية تنقية وتصفية لمعرفة من سيلتحق بالدول الأوروبية ومن سيتم ترحيله من حيث جاء ومن سيبقى فوق التراب التونسي.

هذا المشروع الذي يهدف إلى جعل تونس جدارا عازلا في البحر لمنع الأفارقة من تخطيه نحو إيطاليا وتفويض السلطات التونسية مهمة مراقبة الحدود البحرية وتكفلها بكل عمليات الإنقاذ وعمليات إرجاع هؤلاء المهاجرين إلى أوطانهم مقابل أموال تم رصدهما. كما يهدف هذا المشروع إلى تحويل البلاد التونسية إلى مركز أو محتشد للتجميع والفرز واعتبارها من المناطق الآمنة المؤهلة لتوطين كل هذه الأعداد من الأفارقة في بلادنا.. هذا المشروع الذي يراد له أن يطبق اليوم فوق الأراضي التونسية هو فضلا عن كونه إحياء لفكرة قديمة تم الترتيب لها والاتفاق حولها في زمن الرئيس الباجي قائد السبسي هو جزء من البرنامج  والمشروع الذي أعدته أوروبا لتونس وحددت موعد تطبيقه في شهر جوان من سنة 2023 حيث صرح "باولو جينتيلوني" مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الاقتصادية في حديثه عن المرحلة التي وصل إليها  تفاوض صندوق النقد الدولي مع الحكومة التونسية في علاقة بالقرض المرتقب منحه لتونس بأن للمفوضية برنامجا جاهزا في موضوع الهجرة غير النظامية وحزمة مساعدات مالية مرصودة سوف تضاف إلى برنامج المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بما يعني أن الجانب الأوروبي يقدم اليوم عرضا جديدا للجانب التونسي للتوصل إلى اتفاق نهائي حول القرض المرتقب بإتباع شيئ من المرونة والتحايل ونهج يقوم على فكرة أن المانح الأجنبي لن يضغط كثيرا على الحكومة التونسية بخصوص ما اعتبر إملاءات أو شروط متعلقة بمسألة رفع الدعم والتحكم في كتلة الأجور والتوقف عن الانتدابات في الوظيفة العمومية والتخفيض من حدة الشروط بخصوص الإصلاحات الكبرى وأهمها إصلاح المؤسسات العمومية وفي مقابل ذلك تعهد الاتحاد الأوروبي بضخ حزمة من المساعدات المالية في برنامج الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لمقاومة الهجرة غير النظامية وإدارة التسللات غير الشرعية ومراقبة الحدود البحرية فضلا عن إمضاء اتفاق وصف بالاستراتيجي في مجالات عدة من أبرزها مجال الانتقال الطاقي للتخفيف من عجز الميزانية المتأتي بصفة كبيرة من توريد الطاقة ومشروع آخر لربط تونس وايطاليا بالكهرباء من خلال مشروع ضخم لإنتاج الطاقة الشمسية يمكن تونس من إنتاج هذا النوع من الطاقة وتصديره ومشروع آخر مهم هو مشروع الكابل البحري "ميديسا" الذي يهدف بحلول سنة 2025 إلى ربط 11 دولة على ضفتي المتوسط بكابل رقمي في إطار تطوير مجال التكنولوجيا الرقمية.

المقلق في هذا العرض الذي يقدمه الجانب الأوروبي وهذا التمشي الذي تنتهجه اليوم دول ضفتي المتوسط مع تونس في ما تخطط له هذه الدول بعد أن أمضت اتفاق شراكة استراتيجي مع الدول الإفريقية للحفاظ على مكانتها في القارة السمراء وتدعيم استثماراتها في مقابل تحمل هجرة الأفارقة إلي بلدانها  واقتسام المخاطر معها بالسماح بقدوم الأفارقة إليها للتخفيف من حدة البطالة المتفاقمة في دول القارة السمراء.. المقلق هو القرار الذي اتخذته الدول الأوروبية للتخلص من ملف الهجرة غير الشرعية نهائيا وتحويله الى قضية تهم الشأن التونسي لا غير .

المقلق في هذا الملف فيما تقوم به أوروبا من عملية تحايل وتزييف وتلاعب بالمصطلحات والمفاهيم والمعنى كاعتبار قضية الهجرة غير الشرعية قضية توطين وفضاء للاستيطان والتمكين بعد أن كانت تونس أرض عبور ومحطة مؤقتة يلجأ إليها الأفارقة جنوب الصحراء قبل التحاقهم  ببلدان صفتي المتوسط والترويج إلى أن تونس هي من البلدان المصنفة دولا أمنة لتسهيل تمرير فكرة تحويل تونس إلى محتشد للأفارقة جنوب الصحراء مقابل حزمة من المساعدات المالية للقيام بمهمة حراسة الحدود البحرية وإيواء هؤلاء المهاجرين .

المقلق في هذا المخطط الذي أعدته الدول الأوروبية في معرفة لماذا تم الاختيار على تونس دون غيرها من دول الجوار لاحتضان هذا المشروع ؟ ولماذا تم الاختيار على تونس لتكون هي المحتشد والفضاء لتجميع وفرز المهاجرين ؟ ولماذا قبلت الحكومة التونسية بعبور المهاجرين نحو أراضينا في الوقت الذي رفضت فيه الجزائر قبولهم وبقائهم فوق ترابها ؟  أسئلة كثيرة هي اليوم بمثابة اللغز المحير لعل الأيام القادمة كفيلة بتقديم إجابات مقنعة حولها .