باستثناء بعض الندوات الصحفية أو المؤتمرات الانتخابية والجلسات العامة، تكاد تختفي الأحزاب من المشهد تماما.. تلك الكيانات السياسية التي شغلت الرأي العام لعقد من الزمن بخصوماتها وتحالفاتها وصراعاتها وتهافتها على الحكم والسلطة ومعاركها البرلمانية الطاحنة بات اليوم لا يسمع لها ضجيجا بعد أن تاه أغلبها في زحام الأحداث في حين حشرت البقية في الزاوية لأسباب مختلفة ، لعل أبرزها فقدانها لدورها البرلماني الذي اثّر على حضورها في المشهد بالإضافة الى الملاحقات القضائية التي أثّرت على أحزاب كبرى بعد سجن قياداتها البارزة .
ورغم تراجع الالتفاف الشعبي حول أغلب الأحزاب و"ذوبان" قواعدها الانتخابية، إلا أنه الى اليوم هناك أحزاب ما زالت تحاول الثبات والصمود في حين بدت أحزاب أخرى مستسلمة لمصير الاضمحلال والانقراض دون مقاومة، وفي كل ذلك فإن المنظومة الحزبية تعيش اليوم أسوأ أيامها وتعيش نوعا من "البهتة" الغريبة وانفضاض الجماهير من حولها وهو ما لم يحصل حتى في حقب سياسية ذات طابع استبدادي سابقة .
أحزاب تقاوم ..
رغم فقدانها لدورها البرلماني وخروجها تقريبا من المعادلة السياسية في وجود سلطة تنفيذية مهيمنة إلا أنه ورغم ذلك هناك أحزاب تحاول أن تحافظ على قاعدتها الجماهيرية دون أن تملك حلولا لما تعتبره أزمة سياسية ومنعها من أن تكون شريكة في الفعل السياسي من خلال التمثيلية البرلمانية، وذلك سواء من خلالها احتجاجها المتواصل على كيفية إدارة الدولة أو من بعض القضايا والأزمات الكبرى وذلك من خلال بيانات تعبّر عن مواقفها .
ومن بين هذه الأحزاب نجد الدستوري الحرّ الذي مازال يحاول الصمود ومازالت زعيمته عبير موسي تحاول أن تُبقي نفسها وحزبها في المشهد ولكن هذا الحزب بعد حلّ البرلمان فقد تأثيره واهتمام الرأي العام بمواقفه وهو ما تجسّد خاصة في تراجع نسب المشاهدات على "اللايفات" التي كانت تقوم بها رئيسته عبير موسي والتي كانت قبل سنتين تشهد نسب متابعة قياسية، ولعل غياب الخصم التاريخي عن المشهد للحزب وهي حركة النهضة وائتلاف الكرامة، أثّر بدوره على حضور الحزب وتأثيره.
بالنسبة لحركة النهضة فإنها تكاد تغيب تماما عن المشهد خاصة بعد سجن زعيمها راشد الغنوشي وأغلب قيادات الصف الأول للحركة، ويتهم النهضويون الرئيس قيس سعيد بأنه قام بتجريف الساحة السياسية وتفكيك الأجسام المنظمة من أحزاب ومنظمات وطنية .
وبعد إيقاف الغنوشي في أفريل الماضي بناء على أذون من النيابة العمومية بسبب تصريحات وُصفت بالتحريضية، خلال اجتماع إعلامي لجبهة الخلاص المعارضة، دخلت حركة النهضة في حالة من السبات والركود بل ان الرئيس بالنيابة لحركة النهضة، منذر الونيسي اختار خطابا ناعما في علاقة بالسلطة وتخلّي عن بعض المصطلحات التي التصقت بتقييم النهضة لمسار 25 جويلية من ذلك اعتباره مسارا انقلابيا، حيث أصبحت قيادات من الحركة ومن بينهم الونيسي تتحدث عن مسار فاشل وليس انقلابيا !
ويواجه راشد الغنوشي اليوم عددا من القضايا قاطع في بعضها المحاكمة بهدف رفض إضفاء الشرعية عليها وقد اعتبر محاموه انها تلك المحاكمات لا تتوفّر فيها ضمانات المحاكمة العادلة. وهذا ويذكر أنه في وقت سابق قرّرت هيئة الدفاع مقاطعة كلّ جلسات الاستماع والمحاكمة بسبب ما وصفته "بعدم سلامة الإجراءات القضائية". ويواجه الغنوشي 9 قضايا بتهم تصل عقوباتها إلى الإعدام بحسب تصريحات هيئة الدفاع، على غرار قضية "التآمر على أمن الدولة"، والقضية المعروفة إعلاميا بـ"التسفير إلى بؤر التوتر" وقضية "الجهاز السري لحركة النهضة"، إضافة إلى قضية "أنستالينغو". وقد سُجن الغنوشي بموجب أكثر من بطاقة إيداع إحداها صادرة عن قاضي التحقيق في محكمة تونس الابتدائية في ما يعرف بملف التآمر، والأخرى عن قاض التحقيق في محكمة سوسة 2 الابتدائية في ما يعرف بملف شركة أنستالينغو، وأخرى في ما يعرف بملف الجهاز السري. وحكم عليه غيابيا بالسجن سنة مع النفاذ لأن الغنوشي يرفض الحضور أمام قاضي التحقيق..
ورغم التأثير الواضح لغياب الغنوشي عن حركة النهضة وعن جبهة الخلاص إلا أن هناك إنكارا من قيادات الحركة لذلك ولكن رغم ذلك فإن سجن راشد الغنوشي أثّر كثيرا على ديناميكية وحيوية المعارضة الراديكالية لمسار 25 جويلية .
وبالإضافة الى الحزب الدستوري وحركة النهضة واللذين كانا الى وقت قريب قطبي السياسة، أحدهما يحكم والآخر يعارض، فإن هناك أحزابا أخرى أقلّ وزنا تحاول اليوم الصمود بيأس في مشهد سياسي راكد لا يمنحها ولو "الأوكسجين" بل يجعلها يوما بعد يوم تختنق الى درجة التنفّس الاصطناعي !
منية العرفاوي
تونس – الصباح
باستثناء بعض الندوات الصحفية أو المؤتمرات الانتخابية والجلسات العامة، تكاد تختفي الأحزاب من المشهد تماما.. تلك الكيانات السياسية التي شغلت الرأي العام لعقد من الزمن بخصوماتها وتحالفاتها وصراعاتها وتهافتها على الحكم والسلطة ومعاركها البرلمانية الطاحنة بات اليوم لا يسمع لها ضجيجا بعد أن تاه أغلبها في زحام الأحداث في حين حشرت البقية في الزاوية لأسباب مختلفة ، لعل أبرزها فقدانها لدورها البرلماني الذي اثّر على حضورها في المشهد بالإضافة الى الملاحقات القضائية التي أثّرت على أحزاب كبرى بعد سجن قياداتها البارزة .
ورغم تراجع الالتفاف الشعبي حول أغلب الأحزاب و"ذوبان" قواعدها الانتخابية، إلا أنه الى اليوم هناك أحزاب ما زالت تحاول الثبات والصمود في حين بدت أحزاب أخرى مستسلمة لمصير الاضمحلال والانقراض دون مقاومة، وفي كل ذلك فإن المنظومة الحزبية تعيش اليوم أسوأ أيامها وتعيش نوعا من "البهتة" الغريبة وانفضاض الجماهير من حولها وهو ما لم يحصل حتى في حقب سياسية ذات طابع استبدادي سابقة .
أحزاب تقاوم ..
رغم فقدانها لدورها البرلماني وخروجها تقريبا من المعادلة السياسية في وجود سلطة تنفيذية مهيمنة إلا أنه ورغم ذلك هناك أحزاب تحاول أن تحافظ على قاعدتها الجماهيرية دون أن تملك حلولا لما تعتبره أزمة سياسية ومنعها من أن تكون شريكة في الفعل السياسي من خلال التمثيلية البرلمانية، وذلك سواء من خلالها احتجاجها المتواصل على كيفية إدارة الدولة أو من بعض القضايا والأزمات الكبرى وذلك من خلال بيانات تعبّر عن مواقفها .
ومن بين هذه الأحزاب نجد الدستوري الحرّ الذي مازال يحاول الصمود ومازالت زعيمته عبير موسي تحاول أن تُبقي نفسها وحزبها في المشهد ولكن هذا الحزب بعد حلّ البرلمان فقد تأثيره واهتمام الرأي العام بمواقفه وهو ما تجسّد خاصة في تراجع نسب المشاهدات على "اللايفات" التي كانت تقوم بها رئيسته عبير موسي والتي كانت قبل سنتين تشهد نسب متابعة قياسية، ولعل غياب الخصم التاريخي عن المشهد للحزب وهي حركة النهضة وائتلاف الكرامة، أثّر بدوره على حضور الحزب وتأثيره.
بالنسبة لحركة النهضة فإنها تكاد تغيب تماما عن المشهد خاصة بعد سجن زعيمها راشد الغنوشي وأغلب قيادات الصف الأول للحركة، ويتهم النهضويون الرئيس قيس سعيد بأنه قام بتجريف الساحة السياسية وتفكيك الأجسام المنظمة من أحزاب ومنظمات وطنية .
وبعد إيقاف الغنوشي في أفريل الماضي بناء على أذون من النيابة العمومية بسبب تصريحات وُصفت بالتحريضية، خلال اجتماع إعلامي لجبهة الخلاص المعارضة، دخلت حركة النهضة في حالة من السبات والركود بل ان الرئيس بالنيابة لحركة النهضة، منذر الونيسي اختار خطابا ناعما في علاقة بالسلطة وتخلّي عن بعض المصطلحات التي التصقت بتقييم النهضة لمسار 25 جويلية من ذلك اعتباره مسارا انقلابيا، حيث أصبحت قيادات من الحركة ومن بينهم الونيسي تتحدث عن مسار فاشل وليس انقلابيا !
ويواجه راشد الغنوشي اليوم عددا من القضايا قاطع في بعضها المحاكمة بهدف رفض إضفاء الشرعية عليها وقد اعتبر محاموه انها تلك المحاكمات لا تتوفّر فيها ضمانات المحاكمة العادلة. وهذا ويذكر أنه في وقت سابق قرّرت هيئة الدفاع مقاطعة كلّ جلسات الاستماع والمحاكمة بسبب ما وصفته "بعدم سلامة الإجراءات القضائية". ويواجه الغنوشي 9 قضايا بتهم تصل عقوباتها إلى الإعدام بحسب تصريحات هيئة الدفاع، على غرار قضية "التآمر على أمن الدولة"، والقضية المعروفة إعلاميا بـ"التسفير إلى بؤر التوتر" وقضية "الجهاز السري لحركة النهضة"، إضافة إلى قضية "أنستالينغو". وقد سُجن الغنوشي بموجب أكثر من بطاقة إيداع إحداها صادرة عن قاضي التحقيق في محكمة تونس الابتدائية في ما يعرف بملف التآمر، والأخرى عن قاض التحقيق في محكمة سوسة 2 الابتدائية في ما يعرف بملف شركة أنستالينغو، وأخرى في ما يعرف بملف الجهاز السري. وحكم عليه غيابيا بالسجن سنة مع النفاذ لأن الغنوشي يرفض الحضور أمام قاضي التحقيق..
ورغم التأثير الواضح لغياب الغنوشي عن حركة النهضة وعن جبهة الخلاص إلا أن هناك إنكارا من قيادات الحركة لذلك ولكن رغم ذلك فإن سجن راشد الغنوشي أثّر كثيرا على ديناميكية وحيوية المعارضة الراديكالية لمسار 25 جويلية .
وبالإضافة الى الحزب الدستوري وحركة النهضة واللذين كانا الى وقت قريب قطبي السياسة، أحدهما يحكم والآخر يعارض، فإن هناك أحزابا أخرى أقلّ وزنا تحاول اليوم الصمود بيأس في مشهد سياسي راكد لا يمنحها ولو "الأوكسجين" بل يجعلها يوما بعد يوم تختنق الى درجة التنفّس الاصطناعي !