سيمون مانينو أجاد تشكيل رؤية معاصرة لمسرح "أسخيلوس" ولم يكن ذاك الأرزق بحرا .. كان موتا
تونس- الصباح
"بروميثيوس والكنغر الأزرق" عمل مسرحي تونسي إيطالي مشترك سجل ليلة 8 جويلية الحالي انطلاق فعاليات الدورة السابعة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي وقبل الخوض في خصوصيات هذا العرض الفني ودلالاته ومضامينه نعود للأسس والسؤال الوجودي "لماذا المسرح؟" والذي نعتقد أن سيمون مانينو، مخرج "بروميثيوس والكنغر الأزرق" أعاد طرح السؤال ألاف المرات على ذاته الإبداعية وهو يستعد لخوض هذه التجربة الفنية النابعة من ورشة أسسها سنة 2010 تحت عنوان "Nostra Signora" وهدفها خلق صلة تفاعلية بين صناع الفنون المرئية والأدائية بلغات مختلفة معظم منخرطيها من فناني المتوسط وفي هذا الأجواء الثقافية المحملة بالتناقضات، التساؤلات وإعادة قراءة للتاريخ في علاقة بالراهن ولد مشروع "بروميثيوس والكنغر الأزرق" وكان عرضه باللغتين العربية والإيطالية مع عبارات تتخلل لوحاته بالدارجة التونسية، الفرنسية والانقليزية.
من عوالم الأسطورة والميثيولوجيا الإغريقية يشكل سيمون مانينو بالتعاون مع لورانزومارسيلي رؤيته لمسرح إسخيلوس وأعظم شخصيات الاغريق الملهمة "بروميثيوس"، سارق النار المقدسة وصانع البشرية بمعارفها، قدراتها وقوتها في مجابهة الالهة ... هكذا كان عالم الاغريق فهل تتغير المعادلة في سنة 2072 أين تدور أحداث مسرحية افتتاح مهرجان الحمامات الدولي .. "بروميثيوس" يرى المستقبل ويتنبأ بالأسوأ في "بروميثيوس والكنغر الأزرق" فهذا الانسان الذي خيره عن "حيوانات" أخيه "إبيمثيوس" وقاوم "زيوس" ليمنحهمواجهة عادلة مع الألهة يخيب آماله .. "بروميثيوس" في عمل سيمون مانينو كان مغلولا بهذه الغطرسة البشرية التي قضت على عالمها .. "البحر يحترق" مشهد لا يفصلنا عن واقع قريب وتهاجم مخيلتنا مشاهد منذ سنوات قليلة لحرائق أستراليا ورمزها يقاوم الموت .. الكنغر يموت حرقا أعادنا لخيارات سيمون مانينو فقد لونه بزرقة البحر في مسرحيته وجسد تهاويه على ركح الحمامات فهذا الحيوان المتفرد في تكوينه، والمعروف بمهارته في السباحة يموت حرقا وغرقا في عالم مدمر بأيادي أبنائه من البشر ..
هذا الأزرق في تصاميم العمل من أزياء لا يحيلنا للمتوسط وبقدر ما يقودنا لموت الحياة الكامنة في عالم "بروميثيوس". ذاك الأزرق المؤذي، أرزق الشهوة القاتلة كلما سبحت لأعماقه تأخذك النشوة دون أن تدرك، للموت غارقا .. أزرق يلون ملامح جثث يلفظها البحر لشباب المتوسط .. من تونس إلى صقلية وكل شواطئ مدن المتوسط عرفت رمالها الموت ..
توظيف الإضاءة (صبري عتروس)، طغيان الأزرق وخطوط تصميم ملابس شخوص "بروميثيوس والكنغر الأزرق"، تصميم الأقنعة، الصوت وحضور الموسيقى الاستثنائي )موسيقى غايتانودراغوتا (في رؤية معاصرة هي انعكاس لتراكم تجارب سيمون مانينو في عوالم الفن وتعبيراته المغايرة المرئية والركحية فهذا المخرج غير مقيد بأبجديات الأكاديمية، جمع في تجربته الفنية بين النحت، الرسم، تصميم الديكور والإخراج المسرحي، عمله بين باريس، باليرمو وإسطنبول ترك بصمته المنفتحة على الآخر في أعماله بمفردات سينوغرافية تدقق في كل التفاصيل وبعدا صوفيا لون لوحات "بروميثيوس والكنغر الأزرق" وقد كان سيمون مانينو وفيا في أكثر من جانب لمسرح "أسخيلوس" أب فن المأساة فأجاد نسج خيوط الصراع في عمله وإدارة شخوصه عاكسا انسجاما ملحوظا بين أبطال المسرحية وكأنهم روح واحدة تعبر بأكثر من وجه عن مأساة هذا المتوسط وفي مرآة ذواتنا انعكست رواية سيمون مانينو ليلة 8 جويلية 2023 على ركح مسرح الحمامات الدولي في أداء لافت لأبطاله جمال المداني في دور "بروميثيوس"، أيمن مبروك، مريم الصياح،جورجيوكوبوني، باولو مانينا وكيارا موسكاتو.
"بروميثيوس والكنغر الأزرق" رؤية معاصرة تفكك الراهن السياسي، الاجتماعي والثقافي وتضعنا في مواجهة أمام مكنونات إنسانيتنا، تغوص في أعمق مشاعرنا، تواجهه أنانيتنا وتدفعنا لإعادة النظر وتساءل هل نستحق العيش على هذه الأرض؟ !
ضعف الدعاية لعرض افتتاح الحمامات الدولي يثير استياء أبطاله
استغرب الكثير من حضور مهرجان الحمامات الدولي غياب الجمهور والفنانين عن افتتاح احد أعرق المهرجانات الصيفية التونسية على عكس دوراته السابقة والتي كانت تشهد حضورا مميزا للفاعلين في المشهد الثقافي التونسي وعبرت الممثلة مريم الصياح عن استيائها من تمكين فريق مسرحية "بروميثيوس والكنغر الأزرق" من 20 دعوة فحسب كما لم تتم دعوة الفنانين، الذين رغبوا في التفاعل مع زملائهم ودعم عملهم الفني في افتتاح المهرجان وفي السياق ذاته كانت ملاحظة الفنان جمال المداني الذي أكد أن الهياكل العمومية المشرفة على المسرح يجب أن تتوفر لها دعوات تمكنها من حضور الافتتاح المسرحي للحمامات وغيرها من العروض الدرامية والركحية المبرمجة في هذه الدورة 57 ومنها المسرحية الحديثة الإنتاج لمنير العرقي مشددا على أن هذا التقليد معمول به على امتداد دورات المهرجان.
بدورنا نعتقد أن مضامين هذا العمل المسرحي التونسي الإيطالي المشترك كان قادر على جذب جمهور من الفاعلين في مكونات المجتمع المدني المهتمة بالثقافات، المناخ وقضايا البيئة كما كان يمكن التعاون مع المؤسسات الإيطالية الرسمية والخاصة في تونس لاستقطاب رواد مسرح ايطاليين أو سياح يهتمون بالفن الرابع بعيدا عن إشكالية الدعوات وهو ما يؤكد ضعف الدعاية لعرض افتتاح الدورة 57 لمهرجان الحمامات الدولي.
نجلاء قموع
سيمون مانينو أجاد تشكيل رؤية معاصرة لمسرح "أسخيلوس" ولم يكن ذاك الأرزق بحرا .. كان موتا
تونس- الصباح
"بروميثيوس والكنغر الأزرق" عمل مسرحي تونسي إيطالي مشترك سجل ليلة 8 جويلية الحالي انطلاق فعاليات الدورة السابعة والخمسين لمهرجان الحمامات الدولي وقبل الخوض في خصوصيات هذا العرض الفني ودلالاته ومضامينه نعود للأسس والسؤال الوجودي "لماذا المسرح؟" والذي نعتقد أن سيمون مانينو، مخرج "بروميثيوس والكنغر الأزرق" أعاد طرح السؤال ألاف المرات على ذاته الإبداعية وهو يستعد لخوض هذه التجربة الفنية النابعة من ورشة أسسها سنة 2010 تحت عنوان "Nostra Signora" وهدفها خلق صلة تفاعلية بين صناع الفنون المرئية والأدائية بلغات مختلفة معظم منخرطيها من فناني المتوسط وفي هذا الأجواء الثقافية المحملة بالتناقضات، التساؤلات وإعادة قراءة للتاريخ في علاقة بالراهن ولد مشروع "بروميثيوس والكنغر الأزرق" وكان عرضه باللغتين العربية والإيطالية مع عبارات تتخلل لوحاته بالدارجة التونسية، الفرنسية والانقليزية.
من عوالم الأسطورة والميثيولوجيا الإغريقية يشكل سيمون مانينو بالتعاون مع لورانزومارسيلي رؤيته لمسرح إسخيلوس وأعظم شخصيات الاغريق الملهمة "بروميثيوس"، سارق النار المقدسة وصانع البشرية بمعارفها، قدراتها وقوتها في مجابهة الالهة ... هكذا كان عالم الاغريق فهل تتغير المعادلة في سنة 2072 أين تدور أحداث مسرحية افتتاح مهرجان الحمامات الدولي .. "بروميثيوس" يرى المستقبل ويتنبأ بالأسوأ في "بروميثيوس والكنغر الأزرق" فهذا الانسان الذي خيره عن "حيوانات" أخيه "إبيمثيوس" وقاوم "زيوس" ليمنحهمواجهة عادلة مع الألهة يخيب آماله .. "بروميثيوس" في عمل سيمون مانينو كان مغلولا بهذه الغطرسة البشرية التي قضت على عالمها .. "البحر يحترق" مشهد لا يفصلنا عن واقع قريب وتهاجم مخيلتنا مشاهد منذ سنوات قليلة لحرائق أستراليا ورمزها يقاوم الموت .. الكنغر يموت حرقا أعادنا لخيارات سيمون مانينو فقد لونه بزرقة البحر في مسرحيته وجسد تهاويه على ركح الحمامات فهذا الحيوان المتفرد في تكوينه، والمعروف بمهارته في السباحة يموت حرقا وغرقا في عالم مدمر بأيادي أبنائه من البشر ..
هذا الأزرق في تصاميم العمل من أزياء لا يحيلنا للمتوسط وبقدر ما يقودنا لموت الحياة الكامنة في عالم "بروميثيوس". ذاك الأزرق المؤذي، أرزق الشهوة القاتلة كلما سبحت لأعماقه تأخذك النشوة دون أن تدرك، للموت غارقا .. أزرق يلون ملامح جثث يلفظها البحر لشباب المتوسط .. من تونس إلى صقلية وكل شواطئ مدن المتوسط عرفت رمالها الموت ..
توظيف الإضاءة (صبري عتروس)، طغيان الأزرق وخطوط تصميم ملابس شخوص "بروميثيوس والكنغر الأزرق"، تصميم الأقنعة، الصوت وحضور الموسيقى الاستثنائي )موسيقى غايتانودراغوتا (في رؤية معاصرة هي انعكاس لتراكم تجارب سيمون مانينو في عوالم الفن وتعبيراته المغايرة المرئية والركحية فهذا المخرج غير مقيد بأبجديات الأكاديمية، جمع في تجربته الفنية بين النحت، الرسم، تصميم الديكور والإخراج المسرحي، عمله بين باريس، باليرمو وإسطنبول ترك بصمته المنفتحة على الآخر في أعماله بمفردات سينوغرافية تدقق في كل التفاصيل وبعدا صوفيا لون لوحات "بروميثيوس والكنغر الأزرق" وقد كان سيمون مانينو وفيا في أكثر من جانب لمسرح "أسخيلوس" أب فن المأساة فأجاد نسج خيوط الصراع في عمله وإدارة شخوصه عاكسا انسجاما ملحوظا بين أبطال المسرحية وكأنهم روح واحدة تعبر بأكثر من وجه عن مأساة هذا المتوسط وفي مرآة ذواتنا انعكست رواية سيمون مانينو ليلة 8 جويلية 2023 على ركح مسرح الحمامات الدولي في أداء لافت لأبطاله جمال المداني في دور "بروميثيوس"، أيمن مبروك، مريم الصياح،جورجيوكوبوني، باولو مانينا وكيارا موسكاتو.
"بروميثيوس والكنغر الأزرق" رؤية معاصرة تفكك الراهن السياسي، الاجتماعي والثقافي وتضعنا في مواجهة أمام مكنونات إنسانيتنا، تغوص في أعمق مشاعرنا، تواجهه أنانيتنا وتدفعنا لإعادة النظر وتساءل هل نستحق العيش على هذه الأرض؟ !
ضعف الدعاية لعرض افتتاح الحمامات الدولي يثير استياء أبطاله
استغرب الكثير من حضور مهرجان الحمامات الدولي غياب الجمهور والفنانين عن افتتاح احد أعرق المهرجانات الصيفية التونسية على عكس دوراته السابقة والتي كانت تشهد حضورا مميزا للفاعلين في المشهد الثقافي التونسي وعبرت الممثلة مريم الصياح عن استيائها من تمكين فريق مسرحية "بروميثيوس والكنغر الأزرق" من 20 دعوة فحسب كما لم تتم دعوة الفنانين، الذين رغبوا في التفاعل مع زملائهم ودعم عملهم الفني في افتتاح المهرجان وفي السياق ذاته كانت ملاحظة الفنان جمال المداني الذي أكد أن الهياكل العمومية المشرفة على المسرح يجب أن تتوفر لها دعوات تمكنها من حضور الافتتاح المسرحي للحمامات وغيرها من العروض الدرامية والركحية المبرمجة في هذه الدورة 57 ومنها المسرحية الحديثة الإنتاج لمنير العرقي مشددا على أن هذا التقليد معمول به على امتداد دورات المهرجان.
بدورنا نعتقد أن مضامين هذا العمل المسرحي التونسي الإيطالي المشترك كان قادر على جذب جمهور من الفاعلين في مكونات المجتمع المدني المهتمة بالثقافات، المناخ وقضايا البيئة كما كان يمكن التعاون مع المؤسسات الإيطالية الرسمية والخاصة في تونس لاستقطاب رواد مسرح ايطاليين أو سياح يهتمون بالفن الرابع بعيدا عن إشكالية الدعوات وهو ما يؤكد ضعف الدعاية لعرض افتتاح الدورة 57 لمهرجان الحمامات الدولي.