*من الواضح أن الروس يأملون أن تساعد عودة السفارة إلى العمل في تعزيز المصالح الاقتصادية الروسية، وتكثيف حضور المقاولات والشركات الروسية التي كانت تعمل في ليبيا قبل 2011.
تؤكد مؤشرات عدة أن رؤية القوى الدولية والاقليمية، المُتابعة للوضع في ليبيا، باتت أكثر ثقة من ذي قبل، في فرص تحريك قطار الحل السياسي، المُعطل عمليا منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في 2020. ومن تلك المؤشرات الاستعداداتُ الجاريةُ، لمعاودة فتح السفارات والقنصليات المُعتمدة لدى ليبيا. وفي هذا الإطار لوحظ تعاقب الزيارات السياسية لطرابلس في الفترة الأخيرة، لمناقشة الأوضاع الأمنية وسُبُل تأمين البعثات الدبلوماسية، فحادثة مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز، في سبتمبرعام 2012، في مقر القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي (شرق)، مازالت حاضرة في الأذهان. ويعمل السفير الأمريكي الحالي نورلاند، من مكاتب السفارة الأمريكية في تونس، مع التحرك إلى ليبيا كلما اقتضى الوضع ذلك.
وكانت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، قامت منذ أسابيع بجولة خليجية، وكان المحور الرئيسي لمحادثاتها مع المسؤولين الخليجيين، يتعلق بالاستعداد لعودة سفاراتهم للعمل من داخل العاصمة الليبية، واستئناف الرحلات الجوية لشركات الطيران، وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات.
فرنسا وإيطاليا
وتجدر الاشارة هنا إلى أن السفارة الإيطالية ظلت مفتوحة ولم تُقفل أبوابها، حتى في أشد الأوقات توترا وعنفا. أما فرنسا فحرصت على تسمية سفير جديد لدى ليبيا، من أصول عربية هو مصطفى مهراج، وأعادت فتح سفارتها في طرابلس منذ العام الماضي. ولا ريب في أن الانسحاب الفرنسي الاستراتيجي من منطقتي الساحل والصحراء، أغوى روسيا، بالدخول على الخط، وتسمية سفير جديد لدى ليبيا، بعد غياب دبلوماسي استمر سنوات. وموسكو هي أحد الداعمين الكبار للحاكم العسكري للمنطقة الشرقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولم يتحرج ثعلب الدبلوماسية الروسية ميخائيل بوغدانوف من التصريح لإحدى وكالات الأنباء بأن غاية روسيا اليوم هي "استعادة الوجود الذي كان لها قبل تفكك الاتحاد السوفياتي". وبوغدانوف هو نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا. وقد أعلن أن موسكو اتخذت قرارا باستئناف عمليات قنصليتها العامة في بنغازي، وعينت أيدار أغانين سفيرا جديدا لدى ليبيا. وعلى إثر ذلك القرار، زار فريق فني روسي العاصمة الليبية "لكي يرى كيفية الإعداد العملي لمعاودة فتح السفارة في طرابلس".
بوتين: اهتمامٌ بالوضع في ليبيا
وكان الرئيس الروسي بوتين قال قبل أيام إنه "يُعلق أهمية كبيرة على العلاقات مع ليبيا، ويهتم بالتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للصراع الداخلي، الذي طال أمده في ذلك البلد". ومن الواضح أن الروس يأملون أن تساعد عودة السفارة إلى العمل في تعزيز المصالح الاقتصادية الروسية، وتكثيف حضور المقاولات والشركات الروسية التي كانت تعمل في ليبيا قبل 2011. والسفير الجديد على معرفة جيدة بالملف الليبي، فهو مستعربٌ ويملك في الوقت نفسه خبرة ميدانية في البلدان التي خدم فيها، وهي الأردن والعراق وفلسطين والولايات المتحدة. كما يُعتبر أحد مستشاري بوتين المقربين في الشرق الأوسط، وتحديدا في قسم تخطيط السياسات، بوزارة الخارجية، بحسب صحيفة "ناشيونال إنترست".
مع ذلك ستكون مهمة السفير الروسي الأعسر بين مهام زملائه، إذ أن الدور الذي لعبته مجموعة "فاغنر" الروسية "الخاصة"، في الحرب التي شنها خليفة حفتر في 2019 على العاصمة طرابلس، حيث يُقيم ثلثا السكان، تركت مرارة وسخطا لدى سائر الليبيين. إلا أن محللين اعتبروا أن عودة السفارات لا تكتمل، إلا بعودة العمل في السفارة الأمريكية لدى ليبيا، التي مازالت لم تتخلص تماما من كابوس الهجوم على مبنى القنصلية الليبية في بنغازي، حيث قُتل السفير كريس ستيفنز اختناقا، مع اثنين من موظفي السفارة عام 2012. ويذهب بعض المحللين إلى القول بأن العودة الحقيقية للسفارات إلى ليبيا، تتوقف على معاودة فتح مكاتب السفارة الأمريكية في طرابلس، إذ أن الإقامة الرسمية للسفير الحالي نورلاند مازالت في تونس.
ثلاث سفارات
هناك ثلاث بعثات دبلوماسية في طرابلس لم تُقفل أبوابها، وهي التركية والقطرية والايطالية. وسببُ مغادرة السفارات الأخرى، هو اندلاع حرب مدمرة، في 14 جوان 2014 بين من أطلقوا هجوما عسكريا على المنطقة الغربية، تحت مُسمى "عملية الكرامة"، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من جانب، وقوات "فجر ليبيا" من جانب ثان.
غير أن العودة الكاملة للبعثات الدبلوماسية إلى العمل من طرابلس مُتوقفة، في رأي بعض الخبراء، على حلحلة الموقف الأمريكي، الذي ستتبعُهُ البعثات الأخرى، ما أن تتغير المعطيات. مع ذلك تبقى المنطقة الغربية هشة ورخوة أمنيا، فلا شيء فيها منضبط أو قابل للضبط، بسبب تعدد الميليشيات وخلافات أمرائها.
ضربات جوية
لذلك يمكن القول إن البلد، وخاصة العاصمة، مازال غير آمن تماما. وقد تكاثرت في الفترة الأخيرة عمليات التهريب والنهب والجريمة، ما حدا بحكومة الوحدة لإصدار أوامر بتوجيه ضربات جوية إلى مواقع الميليشيات وشبكات التهريب. وأكد السفير ريتشارد نورلاند أن أمريكا مهتمة ليس فقط بمحاولة تطهير الجنوب الليبي من المسلحين وشبكات الارهاب، وإنما أيضا بتقديم الدعم المباشر للقوات الليبية، من أجل تطوير قدرتها على ضمان أمن الحدود، من دون إعطاء تفاصيل عن طبيعة هذا "الدعم". يأتي ذلك في وقت أعلن فيه وزير الدفاع التشادي داود يحيى إبراهيم، أن نحو 100 شخص قتلوا في اشتباكات بين عمال مناجم الذهب وشبكات تهريب، جرت أخيرا في شمالي تشاد، قرب الحدود مع ليبيا.
وخلافا للتحاليل التي تعتبر ليبيا قد تدحرجت في سلم الاهتمامات الأمريكية والأوروبية، جراء الحرب في أوكرانيا، فإن الاهتمام بها زاد في الفترة الأخيرة. وأكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس بوينو، أن أوروبا تأثرت كثيرا بالأزمة الأوكرانية لاعتمادها على الغاز الروسي بنسبة تفوق 40 في المائة. وتؤكد مصادر متعددة أن الاتحاد الأوروبي يقود حاليا مشاورات مع عدد من دول الشرق الأوسط، في مقدمتها ليبيا والجزائر، بُغية تنويع مصادر الغاز والطاقة و"التسريع في توفيرها لمواجهة جميع الاحتمالات". كما تؤكد تلك المصادر أن هناك محادثات وزيارات في أعلى مستوى تجري حاليا بين ليبيا وإيطاليا في هذا الشأن.
تداعيات سلبية
ليست أمريكا هي الوحيدة التي تخشى من استمرار التداعيات السلبية للأزمة الليبية، في انتشار الجماعات المسلحة، على الحدود المشتركة مع كل من النيجر وتشاد، فهذا الانتشار يشكل مصدر انشغال كبير أيضا للدول الأوروبية والأمم المتحدة، التي أعدت قوة "مينوسما" بغية مطاردة عناصر الجماعات الارهابية في المنطقة. ويتعرض النيجر إلى موجات كبيرة من النازحين من مالي المجاورة، كما أنه عرضة لضربات عسكرية من الارهابيين، الآتين من بوركينا فاسو. لذا يرى خبراء أن انسحاب بعض مسلحي فاغنر من إفريقيا الوسطى ومن مالي لن يكون إلا مؤقتًا، ولا يعني أن روسيا تخلَّت عن تمددها في غرب إفريقيا.
بقلم:رشيد خشانة
*من الواضح أن الروس يأملون أن تساعد عودة السفارة إلى العمل في تعزيز المصالح الاقتصادية الروسية، وتكثيف حضور المقاولات والشركات الروسية التي كانت تعمل في ليبيا قبل 2011.
تؤكد مؤشرات عدة أن رؤية القوى الدولية والاقليمية، المُتابعة للوضع في ليبيا، باتت أكثر ثقة من ذي قبل، في فرص تحريك قطار الحل السياسي، المُعطل عمليا منذ التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في 2020. ومن تلك المؤشرات الاستعداداتُ الجاريةُ، لمعاودة فتح السفارات والقنصليات المُعتمدة لدى ليبيا. وفي هذا الإطار لوحظ تعاقب الزيارات السياسية لطرابلس في الفترة الأخيرة، لمناقشة الأوضاع الأمنية وسُبُل تأمين البعثات الدبلوماسية، فحادثة مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز، في سبتمبرعام 2012، في مقر القنصلية الأمريكية في مدينة بنغازي (شرق)، مازالت حاضرة في الأذهان. ويعمل السفير الأمريكي الحالي نورلاند، من مكاتب السفارة الأمريكية في تونس، مع التحرك إلى ليبيا كلما اقتضى الوضع ذلك.
وكانت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، قامت منذ أسابيع بجولة خليجية، وكان المحور الرئيسي لمحادثاتها مع المسؤولين الخليجيين، يتعلق بالاستعداد لعودة سفاراتهم للعمل من داخل العاصمة الليبية، واستئناف الرحلات الجوية لشركات الطيران، وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات.
فرنسا وإيطاليا
وتجدر الاشارة هنا إلى أن السفارة الإيطالية ظلت مفتوحة ولم تُقفل أبوابها، حتى في أشد الأوقات توترا وعنفا. أما فرنسا فحرصت على تسمية سفير جديد لدى ليبيا، من أصول عربية هو مصطفى مهراج، وأعادت فتح سفارتها في طرابلس منذ العام الماضي. ولا ريب في أن الانسحاب الفرنسي الاستراتيجي من منطقتي الساحل والصحراء، أغوى روسيا، بالدخول على الخط، وتسمية سفير جديد لدى ليبيا، بعد غياب دبلوماسي استمر سنوات. وموسكو هي أحد الداعمين الكبار للحاكم العسكري للمنطقة الشرقية اللواء المتقاعد خليفة حفتر. ولم يتحرج ثعلب الدبلوماسية الروسية ميخائيل بوغدانوف من التصريح لإحدى وكالات الأنباء بأن غاية روسيا اليوم هي "استعادة الوجود الذي كان لها قبل تفكك الاتحاد السوفياتي". وبوغدانوف هو نائب وزير الخارجية الروسي والمبعوث الرئاسي الروسي الخاص للشرق الأوسط وأفريقيا. وقد أعلن أن موسكو اتخذت قرارا باستئناف عمليات قنصليتها العامة في بنغازي، وعينت أيدار أغانين سفيرا جديدا لدى ليبيا. وعلى إثر ذلك القرار، زار فريق فني روسي العاصمة الليبية "لكي يرى كيفية الإعداد العملي لمعاودة فتح السفارة في طرابلس".
بوتين: اهتمامٌ بالوضع في ليبيا
وكان الرئيس الروسي بوتين قال قبل أيام إنه "يُعلق أهمية كبيرة على العلاقات مع ليبيا، ويهتم بالتوصل إلى تسوية عادلة ومستدامة للصراع الداخلي، الذي طال أمده في ذلك البلد". ومن الواضح أن الروس يأملون أن تساعد عودة السفارة إلى العمل في تعزيز المصالح الاقتصادية الروسية، وتكثيف حضور المقاولات والشركات الروسية التي كانت تعمل في ليبيا قبل 2011. والسفير الجديد على معرفة جيدة بالملف الليبي، فهو مستعربٌ ويملك في الوقت نفسه خبرة ميدانية في البلدان التي خدم فيها، وهي الأردن والعراق وفلسطين والولايات المتحدة. كما يُعتبر أحد مستشاري بوتين المقربين في الشرق الأوسط، وتحديدا في قسم تخطيط السياسات، بوزارة الخارجية، بحسب صحيفة "ناشيونال إنترست".
مع ذلك ستكون مهمة السفير الروسي الأعسر بين مهام زملائه، إذ أن الدور الذي لعبته مجموعة "فاغنر" الروسية "الخاصة"، في الحرب التي شنها خليفة حفتر في 2019 على العاصمة طرابلس، حيث يُقيم ثلثا السكان، تركت مرارة وسخطا لدى سائر الليبيين. إلا أن محللين اعتبروا أن عودة السفارات لا تكتمل، إلا بعودة العمل في السفارة الأمريكية لدى ليبيا، التي مازالت لم تتخلص تماما من كابوس الهجوم على مبنى القنصلية الليبية في بنغازي، حيث قُتل السفير كريس ستيفنز اختناقا، مع اثنين من موظفي السفارة عام 2012. ويذهب بعض المحللين إلى القول بأن العودة الحقيقية للسفارات إلى ليبيا، تتوقف على معاودة فتح مكاتب السفارة الأمريكية في طرابلس، إذ أن الإقامة الرسمية للسفير الحالي نورلاند مازالت في تونس.
ثلاث سفارات
هناك ثلاث بعثات دبلوماسية في طرابلس لم تُقفل أبوابها، وهي التركية والقطرية والايطالية. وسببُ مغادرة السفارات الأخرى، هو اندلاع حرب مدمرة، في 14 جوان 2014 بين من أطلقوا هجوما عسكريا على المنطقة الغربية، تحت مُسمى "عملية الكرامة"، بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من جانب، وقوات "فجر ليبيا" من جانب ثان.
غير أن العودة الكاملة للبعثات الدبلوماسية إلى العمل من طرابلس مُتوقفة، في رأي بعض الخبراء، على حلحلة الموقف الأمريكي، الذي ستتبعُهُ البعثات الأخرى، ما أن تتغير المعطيات. مع ذلك تبقى المنطقة الغربية هشة ورخوة أمنيا، فلا شيء فيها منضبط أو قابل للضبط، بسبب تعدد الميليشيات وخلافات أمرائها.
ضربات جوية
لذلك يمكن القول إن البلد، وخاصة العاصمة، مازال غير آمن تماما. وقد تكاثرت في الفترة الأخيرة عمليات التهريب والنهب والجريمة، ما حدا بحكومة الوحدة لإصدار أوامر بتوجيه ضربات جوية إلى مواقع الميليشيات وشبكات التهريب. وأكد السفير ريتشارد نورلاند أن أمريكا مهتمة ليس فقط بمحاولة تطهير الجنوب الليبي من المسلحين وشبكات الارهاب، وإنما أيضا بتقديم الدعم المباشر للقوات الليبية، من أجل تطوير قدرتها على ضمان أمن الحدود، من دون إعطاء تفاصيل عن طبيعة هذا "الدعم". يأتي ذلك في وقت أعلن فيه وزير الدفاع التشادي داود يحيى إبراهيم، أن نحو 100 شخص قتلوا في اشتباكات بين عمال مناجم الذهب وشبكات تهريب، جرت أخيرا في شمالي تشاد، قرب الحدود مع ليبيا.
وخلافا للتحاليل التي تعتبر ليبيا قد تدحرجت في سلم الاهتمامات الأمريكية والأوروبية، جراء الحرب في أوكرانيا، فإن الاهتمام بها زاد في الفترة الأخيرة. وأكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لويس بوينو، أن أوروبا تأثرت كثيرا بالأزمة الأوكرانية لاعتمادها على الغاز الروسي بنسبة تفوق 40 في المائة. وتؤكد مصادر متعددة أن الاتحاد الأوروبي يقود حاليا مشاورات مع عدد من دول الشرق الأوسط، في مقدمتها ليبيا والجزائر، بُغية تنويع مصادر الغاز والطاقة و"التسريع في توفيرها لمواجهة جميع الاحتمالات". كما تؤكد تلك المصادر أن هناك محادثات وزيارات في أعلى مستوى تجري حاليا بين ليبيا وإيطاليا في هذا الشأن.
تداعيات سلبية
ليست أمريكا هي الوحيدة التي تخشى من استمرار التداعيات السلبية للأزمة الليبية، في انتشار الجماعات المسلحة، على الحدود المشتركة مع كل من النيجر وتشاد، فهذا الانتشار يشكل مصدر انشغال كبير أيضا للدول الأوروبية والأمم المتحدة، التي أعدت قوة "مينوسما" بغية مطاردة عناصر الجماعات الارهابية في المنطقة. ويتعرض النيجر إلى موجات كبيرة من النازحين من مالي المجاورة، كما أنه عرضة لضربات عسكرية من الارهابيين، الآتين من بوركينا فاسو. لذا يرى خبراء أن انسحاب بعض مسلحي فاغنر من إفريقيا الوسطى ومن مالي لن يكون إلا مؤقتًا، ولا يعني أن روسيا تخلَّت عن تمددها في غرب إفريقيا.