إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أفارقة جنوب الصحراء.. أزمة تحتاج حلولا جذرية بعيدا عن "التوظيف"..

 

تونس – الصباح

ما زالت أزمة مهاجري جنوب الصحراء تشهد تفاعلات وتداعيات تتجاوز الطابع المحلي للأزمة لتأخذ طابعا إقليميا يشمل دول حوض المتوسط بضفتيه الشمالية والجنوبية وأوروبا بشكل عام.

وبعد الأحداث الأليمة التي جدّت في الأيام الأخيرة بمدينة صفاقس والتي انتهت بحادثة وفاة بشعة، أخذت هذه الازمة بعدا تراجيديا بعد اضطرار السلطات الأمنية الى عمليات ترحيل قسرية أثارت بدورها عدة ردود فعل مستهجنة من المنظمات والجمعيات الحقوقية..، وإذ لم تعلّق السلطات التونسية على تلك الردود المستهجنة، الا أن موقف الرئيس قيس سعيد قبل اتخاذ قرار الترحيل كان واضحا حيث صرّح من مقرّ وزارة الداخلية بعد اجتماعه مع الوزير كمال الفقي وعدد من القيادات الأمنية إن تونس لن تقبل أن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الإفريقية، ودعا في ذات السياق إلى ضرورة فرض القانون وحماية الأمن القومي للبلاد.

ورغم أن ملف المهاجرين غير النظاميين، يعد ملفا على غاية من الحساسية والجدّية ويتخذ أبعادا مختلفة منها الإنساني والحقوقي والسياسي والدولي، الا أن هذا الملف لم يخل من التوظيف بعيدا عن إيجاد حلول جذرية له والتي تبقى حلولا صعبة ويجب الاشتغال عليها على المدى البعيد لأنها تهم أكثر أمن دولة وتؤثر بشكل مباشر على الاستقرار في عدد من دول العالم، كما أنها تلتصق بمنظومة حقوق الانسان وحق التنقّل كحق كوني، وكذلك فهي ترتبط بظروف اقتصادية واجتماعية في دول الأصلية للمهاجرين ودول العبور ودول التوافد..، وبالتالي فان هذا الملف يحتاج الى نقاش دولي معمّق والى ضرورة أن تتحمّل كل الأطراف مسؤولياتها..، ولكن ما نلاحظه اليوم أن كل طرف يحاول توظيف هذا الملف بما يتناسب مع مصلحته.

من دولة ممرّ الى مستقرّ

ليست المرة الأولى التي تشهد فيها تونس تدفقات لأعداد المهاجرين الذين كانوا يتسرّبون خلسة عبر المنافذ الحدودية مع ليبيا والجزائر ومن ثمة يعبرون الى السواحل الإيطالية في عمليات هجرة غير نظامية، ولكن في السنوات الأخيرة بات تزايد أعداد المهاجرين الأفارقة لافتا..، حتى أن الرئيس قيس سعيّد وفي خطابه المثير للجدل في فيفري الماضي والذي  انتقد فيه التواجد الكبير للمهاجرين غير القانونيين في البلاد، مشيرا إلى أن هناك مؤامرة لتغيير "التركيبة الديموغرافية" في تونس، وهو ما اعتبره الحقوقيون أنه خطاب محرّض على المهاجرين الأفارقة، ولكن المثير للاهتمام أن بعد هذا الخطاب شهدنا تدفقات لعدد كبير من المهاجرين وخاصة عبر المنافذ الحدودية الغربية مع الجزائر.

وفي الأثناء وخلال السنوات والأشهر الماضية تحولت تونس من دولة ممر الى دولة مستقر يطالب فيها المهاجرون بحق اللجوء وتتزايد أعدادهم بشكل كبير، رافضين العودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد كشف النائب بمجلس نواب الشعب عن "كتلة الأحرار" معز برك الله

أن عدد المهاجرين الأفارقة من دول إفريقيا جنوب الصحراء الوافدين على تونس هم في حدود 21 ألف مهاجر، حسب تقرير مارس 2023، وهم ثلاثة أصناف، الصنف الأول: من لهم إقامة قانونية وهم في حدود 7 آلاف، والصنف الثاني: وهم من طالبي اللجوء السياسي وعددهم في حدود 6 آلاف وهم من مشمولات المفوضية العليا للاجئين المخولة للتعامل معهم، أما الصنف الثالث: فهم يعدون في خانة المهاجرين غير النظاميين وعددهم في حدود 7 آلاف، منهم من تجاوزت تأشيرته فترتها القانونية وبذلك أضحوا يعدون في وضعية غير قانونية، ومنهم من عبر الحدود خلسة، ومنهم من متلفي الهوية، الذين هم عرضة للمساءلة العدلية، وذلك في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.

أوروبا تدفع مقابل تأمين نفسها..

منذ وصولها إلى الحكم وضعت رئيسة الوزراء الإيطالية جوجيا ميلوني أحد أبرز أهدافها التي تعهّدت بها أمام منتخبيها بأن تضع حدا لتدفقات الهجرة غير النظامية على السواحل الإيطالية ونجحت ميلوني الى حدّ ما في استنفار كل الدول الأوروبية من أجل هذا الهدف وقد سعت الى إنجاح اللقاء الذي عقدته قيس سعيّد، منذ أسابيع قليلة في قصر قرطاج مع القادة الأوروبيين حيث جرى الإعلان عن تخصيص 100 مليون يورو لتونس من أجل احتواء تدفق المهاجرين نحو أوروبا. كما أجرى سعيد مباحثات مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس وزراء هولندا مارك روته، بشأن التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والهجرة.

وأعلنت، وقتها، فون دير لاين أن أوروبا ستمنح تونس 100 مليون يورو لإدارة الحدود وعمليات البحث والإنقاذ ومكافحة التهريب وقضايا الهجرة. وقالت أيضا إن الاتحاد الأوروبي مستعد لحشد 900 مليون يورو من المساعدات للاقتصاد التونسي، بالإضافة إلى 150 مليون يورو فور التوصل إلى اتفاق في هذا الجانب. وتوصلت دول الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي إلى اتفاق بشأن حق اللجوء ينص خصوصا على إعادة طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد عبور يعد "آمنا".

 وبعد ذلك الاتفاق المعلن ندد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له بالزيارة الأوروبية ووصفها بـ"الابتزاز" و"المساومة" على إعطاء المال لتونس مقابل المراقبة المشددة لحدودها.

وهو ما جعل أطرافا تذهب إلى اعتبار أن عمليات الترحيل الأخيرة لمهاجري جنوب الصحراء هي جزء من الاتفاق التونسي – الأوروبي وأن الاتحاد الأوروبي يعمل على توظيف الأزمة الأخيرة من أجل إجبار تونس على القبول بالاتفاق الذي يريده وبأن يجعل منها حارس حدود أو منطقة توطين، وذلك بوضعها أمام الأمر الواقع، أما النظام فانه يقوم بدوره بتوظيف هذه الازمة لاستغلالها من أجل تحسين شروط التفاوض مع الاتحاد الأوروبي.

وهناك قوى إقليمية أخرى تسعى كذلك لتوظيف هذا الملف ومنها الجزائر التي فتحت الحدود مع تونس وسمحت بالتدفقات الكبيرة حتى تتخلّص من مشكل على أراضيها وهي التي تشهد تدفقات هائلة لمهاجري جنوب الصحراء.

ولئن كانت أزمة المهاجرين تهم كل التونسيين الا أنه في الداخل تحاول بعد الأطراف السياسية المعارضة استغلال هذه الازمة لتسجيل نقاط على حساب النظام دون أن تقدم مقترحات حقيقية او بدائل لمعالجة هذه الأزمة والتي ستكون لها تبعات وفي أبعاد مختلفة على صورة تونس لعقود مقبلة.

منية العرفاوي

أفارقة جنوب الصحراء..  أزمة تحتاج حلولا جذرية بعيدا عن "التوظيف"..

 

تونس – الصباح

ما زالت أزمة مهاجري جنوب الصحراء تشهد تفاعلات وتداعيات تتجاوز الطابع المحلي للأزمة لتأخذ طابعا إقليميا يشمل دول حوض المتوسط بضفتيه الشمالية والجنوبية وأوروبا بشكل عام.

وبعد الأحداث الأليمة التي جدّت في الأيام الأخيرة بمدينة صفاقس والتي انتهت بحادثة وفاة بشعة، أخذت هذه الازمة بعدا تراجيديا بعد اضطرار السلطات الأمنية الى عمليات ترحيل قسرية أثارت بدورها عدة ردود فعل مستهجنة من المنظمات والجمعيات الحقوقية..، وإذ لم تعلّق السلطات التونسية على تلك الردود المستهجنة، الا أن موقف الرئيس قيس سعيد قبل اتخاذ قرار الترحيل كان واضحا حيث صرّح من مقرّ وزارة الداخلية بعد اجتماعه مع الوزير كمال الفقي وعدد من القيادات الأمنية إن تونس لن تقبل أن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الإفريقية، ودعا في ذات السياق إلى ضرورة فرض القانون وحماية الأمن القومي للبلاد.

ورغم أن ملف المهاجرين غير النظاميين، يعد ملفا على غاية من الحساسية والجدّية ويتخذ أبعادا مختلفة منها الإنساني والحقوقي والسياسي والدولي، الا أن هذا الملف لم يخل من التوظيف بعيدا عن إيجاد حلول جذرية له والتي تبقى حلولا صعبة ويجب الاشتغال عليها على المدى البعيد لأنها تهم أكثر أمن دولة وتؤثر بشكل مباشر على الاستقرار في عدد من دول العالم، كما أنها تلتصق بمنظومة حقوق الانسان وحق التنقّل كحق كوني، وكذلك فهي ترتبط بظروف اقتصادية واجتماعية في دول الأصلية للمهاجرين ودول العبور ودول التوافد..، وبالتالي فان هذا الملف يحتاج الى نقاش دولي معمّق والى ضرورة أن تتحمّل كل الأطراف مسؤولياتها..، ولكن ما نلاحظه اليوم أن كل طرف يحاول توظيف هذا الملف بما يتناسب مع مصلحته.

من دولة ممرّ الى مستقرّ

ليست المرة الأولى التي تشهد فيها تونس تدفقات لأعداد المهاجرين الذين كانوا يتسرّبون خلسة عبر المنافذ الحدودية مع ليبيا والجزائر ومن ثمة يعبرون الى السواحل الإيطالية في عمليات هجرة غير نظامية، ولكن في السنوات الأخيرة بات تزايد أعداد المهاجرين الأفارقة لافتا..، حتى أن الرئيس قيس سعيّد وفي خطابه المثير للجدل في فيفري الماضي والذي  انتقد فيه التواجد الكبير للمهاجرين غير القانونيين في البلاد، مشيرا إلى أن هناك مؤامرة لتغيير "التركيبة الديموغرافية" في تونس، وهو ما اعتبره الحقوقيون أنه خطاب محرّض على المهاجرين الأفارقة، ولكن المثير للاهتمام أن بعد هذا الخطاب شهدنا تدفقات لعدد كبير من المهاجرين وخاصة عبر المنافذ الحدودية الغربية مع الجزائر.

وفي الأثناء وخلال السنوات والأشهر الماضية تحولت تونس من دولة ممر الى دولة مستقر يطالب فيها المهاجرون بحق اللجوء وتتزايد أعدادهم بشكل كبير، رافضين العودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد كشف النائب بمجلس نواب الشعب عن "كتلة الأحرار" معز برك الله

أن عدد المهاجرين الأفارقة من دول إفريقيا جنوب الصحراء الوافدين على تونس هم في حدود 21 ألف مهاجر، حسب تقرير مارس 2023، وهم ثلاثة أصناف، الصنف الأول: من لهم إقامة قانونية وهم في حدود 7 آلاف، والصنف الثاني: وهم من طالبي اللجوء السياسي وعددهم في حدود 6 آلاف وهم من مشمولات المفوضية العليا للاجئين المخولة للتعامل معهم، أما الصنف الثالث: فهم يعدون في خانة المهاجرين غير النظاميين وعددهم في حدود 7 آلاف، منهم من تجاوزت تأشيرته فترتها القانونية وبذلك أضحوا يعدون في وضعية غير قانونية، ومنهم من عبر الحدود خلسة، ومنهم من متلفي الهوية، الذين هم عرضة للمساءلة العدلية، وذلك في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.

أوروبا تدفع مقابل تأمين نفسها..

منذ وصولها إلى الحكم وضعت رئيسة الوزراء الإيطالية جوجيا ميلوني أحد أبرز أهدافها التي تعهّدت بها أمام منتخبيها بأن تضع حدا لتدفقات الهجرة غير النظامية على السواحل الإيطالية ونجحت ميلوني الى حدّ ما في استنفار كل الدول الأوروبية من أجل هذا الهدف وقد سعت الى إنجاح اللقاء الذي عقدته قيس سعيّد، منذ أسابيع قليلة في قصر قرطاج مع القادة الأوروبيين حيث جرى الإعلان عن تخصيص 100 مليون يورو لتونس من أجل احتواء تدفق المهاجرين نحو أوروبا. كما أجرى سعيد مباحثات مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس وزراء هولندا مارك روته، بشأن التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة والهجرة.

وأعلنت، وقتها، فون دير لاين أن أوروبا ستمنح تونس 100 مليون يورو لإدارة الحدود وعمليات البحث والإنقاذ ومكافحة التهريب وقضايا الهجرة. وقالت أيضا إن الاتحاد الأوروبي مستعد لحشد 900 مليون يورو من المساعدات للاقتصاد التونسي، بالإضافة إلى 150 مليون يورو فور التوصل إلى اتفاق في هذا الجانب. وتوصلت دول الاتحاد الأوروبي يوم الخميس الماضي إلى اتفاق بشأن حق اللجوء ينص خصوصا على إعادة طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد عبور يعد "آمنا".

 وبعد ذلك الاتفاق المعلن ندد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في بيان له بالزيارة الأوروبية ووصفها بـ"الابتزاز" و"المساومة" على إعطاء المال لتونس مقابل المراقبة المشددة لحدودها.

وهو ما جعل أطرافا تذهب إلى اعتبار أن عمليات الترحيل الأخيرة لمهاجري جنوب الصحراء هي جزء من الاتفاق التونسي – الأوروبي وأن الاتحاد الأوروبي يعمل على توظيف الأزمة الأخيرة من أجل إجبار تونس على القبول بالاتفاق الذي يريده وبأن يجعل منها حارس حدود أو منطقة توطين، وذلك بوضعها أمام الأمر الواقع، أما النظام فانه يقوم بدوره بتوظيف هذه الازمة لاستغلالها من أجل تحسين شروط التفاوض مع الاتحاد الأوروبي.

وهناك قوى إقليمية أخرى تسعى كذلك لتوظيف هذا الملف ومنها الجزائر التي فتحت الحدود مع تونس وسمحت بالتدفقات الكبيرة حتى تتخلّص من مشكل على أراضيها وهي التي تشهد تدفقات هائلة لمهاجري جنوب الصحراء.

ولئن كانت أزمة المهاجرين تهم كل التونسيين الا أنه في الداخل تحاول بعد الأطراف السياسية المعارضة استغلال هذه الازمة لتسجيل نقاط على حساب النظام دون أن تقدم مقترحات حقيقية او بدائل لمعالجة هذه الأزمة والتي ستكون لها تبعات وفي أبعاد مختلفة على صورة تونس لعقود مقبلة.

منية العرفاوي