إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ممنوع من الحياد .. الاتحاد الأوروبي ورفض عودة سوريا ..

 

رغم كل المؤاخذات والانتقادات التي يمكن توجيهها الى جامعة الدول العربية على تقصيرها وعجزها وغياب تأثيرها وتأخرها في مختلف الأزمات العالقة في المشهد العربي الراهن الغارق في التردي فإن قرار عودة سوريا الى الجامعة العربية بعد غياب استمر اثني عشر عاما بكل ما تخللها من خراب ودمار وموت يعد قرارا رسميا أفرزته القمة العربية بجدة وهو ما يعني أنه مهما كانت الأسباب والدوافع وراء تعليق عضوية سوريا أو كذلك وراء عودتها الى موقعها الطبيعي فإن القرار الذي تم اتخاذه بالأغلبية يعتبر نافذا وملزما وبذلك فإن قرار الاتحاد الأوروبي تعليق اجتماعاته مع جامعة الدول العربية لهذا السبب مسألة لا تستند لأي منطق وهي فوق كل ذلك مهينة لكل الدول العربية التي قبلت بهذا الاتفاق..

والحقيقة أن في تأكيد الاتحاد الأوروبي إلغاء اجتماعه مع جامعة الدول العربية بسبب إعادة سوريا إلى الحضن العربي، مسألة لا تقبل أكثر من تأويلين لا ثالث لهما وهو إما أن دول الاتحاد الأوروبي لديها قناعة بأن وجود جامعة الدول العربية بمختلف أعضائها كعدمه وأنها تعاني من القصور وتحتاج للوصاية وأنه لا يمكنها بالتالي أن تبادر باتخاذ قرار يتعلق بالدول العربية دون غيرها وبأزمة مرتبطة ببلد عربي من مؤسسي جامعة الدول العربية، أو أن الاتحاد الأوروبي لا يريد هذه العودة لأسباب لا يريد أيضا الإفصاح عنها والإقرار بها ولا يريد للدول العربية أن تتفق ولو مرة واحدة لحل أزماتها وقضاياها أو على الأقل الظهور بمظهر الحريص على هذا التقارب العربي العربي الذي اندثر.

والأرجح أن تسويق الاتحاد الأوروبي بأن رفض عودة سوريا مرتبط بمسألة لا تقبل معها أوروبا المزايدات وهي مسألة القيم والحريات فهي تبقى كلمة حق يراد بها باطل لأن الحقيقة غير ذلك ولأنه عندما يتعلق الأمر بحقوق وحريات الشعوب العربية المستضعفة فإنها تفقد مفهومها وتفقدها صفتها باعتبارها حقوق كونية شاملة لا تختلف باختلاف الشعوب والألوان والأجناس والثقافات والإيديولوجيات ...

تنسى دول الاتحاد الأوروبي أو هي تتناسى أن عودة سوريا الى الجامعة العربية وإنهاء حالة الشغور كان قرارا جماعيا تم التحضير له من خلال مجموعة الاتصال العربية التي ضمّت مصر والعراق والسعودية والأردن، وضمت في مرحلة ما الحكومة السورية ممثلة بوزير الخارجية السوري، وتم خلال هذه اللقاءات وضع خارطة طريق واعتمادها حول استعادة تطبيع العلاقات العربية وسوريا، وركّزت على التنفيذ الكامل للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.. وهو ما يفترض ديبلوماسيا وسياسيا وأخلاقيا أيضا احترام أصحاب القرار الذي من شأنه أن يدفع الى الحد من معاناة الشعب السوري الذي وجد نفسه في  قبضة حرب مدمرة فرضت عليه ولم يختر أن يكون طرفا فيها ..

وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأن القرار الأوروبي يكشف عن عقلية متعالية تجاوزها الزمن ولا محل لها في قاموس العلاقات بين الدول والمؤسسات ويعكس حالة عداء واضح وصريح للدول العربية وليس سوريا فقط.

ولا شك أن التعاطي الأوروبي وتعاطي الغرب عموما مع الصراع الروسي الأوكراني قد أزال الكثير من الأقنعة وكشف أن اللاجئ السوري واللاجئ العراقي واللاجئ الفلسطيني أو غيره من حاملي الهويات العربية لا يرتقون الى اللاجئ الأوكراني الذي استنفر الغرب ومعه العالم لنجدته وفتح كل الأبواب والحدود أمامه دون أن تتحول قضية اللاجئين الى أزمة دولية تستوجب الاستنفار وتدعو الى حماية المعابر وإقامة المخيمات لحشد اللاجئين.. وربما كانت العدالة في ثوبها المثالي تفترض انه كما تم الترتيب لحضور زيلنسكي أشغال القمة العربية ومخاطبة العالم والمطالبة بكل الإمكانيات لأوكرانيا لكسب هذه الحرب كان يفترض المعاملة بالمثل ودعوة الدول الأوروبية للرئيس الفلسطيني محمود عباس للقمة الأوروبية مخاطبة العالم الحر والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.. طبعا ندرك أن الأمر أقرب الى الهذيان من أي شيء آخر ولكن تلك هي العدالة والمساواة التي يريدها الغرب المتحضر الراعي للقيم الإنسانية الكونية..

الاجتماع الأخير الذي جمع بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27 وجامعة الدول العربية كان في غياب سوريا قبل أربع سنوات.. التفسير الوحيد للموقف الأوروبي الرافض لعودة سوريا في انسجام تام مع موقف واشنطن التي وقفت ضد عودة سوريا الذي تم قبل شهرين خلال القمة العربية بالمملكة السعودية وبعد أن مهدت قمة الجزائر في نوفمبر الماضي لهذه العودة ...

لا خلاف أن القرار بإلغاء الاجتماع المزمع بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية على خلفية عودة سوريا الى الجامعة محاولة لخلط الأوراق بين العلاقات الكلاسيكية التي تجمع الدول العربية بدول الاتحاد الأوروبي وبين موقف الجامعة العربية من الحرب الروسية الأوكرانية والتي شهدت موقفا موحدا تجاه هذه القضية والوقوف على مسافة واحدة بين أطراف النزاع وهو ما فاجأ الاتحاد الأوروبي وأمريكا. واشنطن من جانبها ترفض هذه العودة وتعتبر أن دمشق لا تستحق هذا التطبيع وهي تصر على مواصلة فرض عقوباتها على سوريا متوقعة أنها بذلك تساعد في إنهاك نظام الأسد وسقوطه بعد أن كانت راهنت على أن يختفي من المشهد خلال أسابيع من اندلاع الأحداث في سوريا ...

الواضح أن شيئا ما سيحدث وأن النظام العالمي الجديد وإن لم تتضح معالمه وعناوينه في حالة مخاض مستمر ومنطقة الشرق الأوسط تتغير والعلاقات الدولية تشهد تحولات متسارعة آخرها كان بالأمس بإعلان عودة العلاقات بين بلدين خليجيين الإمارات وقطر وقبل ذلك عودة العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية وهي خطوة لا نخال أن الغرب ينظر إليها بعين الرضا ولا يمكن أن تقبل بها إسرائيل وتستسلم لها وقد يبدأ الكيان الإسرائيلي مخططاته في السر والعلن  لإفساد هذه المصالحة بأي طريقة كانت وأظهر طهران بمظهر العدو الأخطر على أمن وسلامة دول المنطقة ...

آسيا العتروس

ممنوع من الحياد   ..  الاتحاد الأوروبي ورفض عودة سوريا ..

 

رغم كل المؤاخذات والانتقادات التي يمكن توجيهها الى جامعة الدول العربية على تقصيرها وعجزها وغياب تأثيرها وتأخرها في مختلف الأزمات العالقة في المشهد العربي الراهن الغارق في التردي فإن قرار عودة سوريا الى الجامعة العربية بعد غياب استمر اثني عشر عاما بكل ما تخللها من خراب ودمار وموت يعد قرارا رسميا أفرزته القمة العربية بجدة وهو ما يعني أنه مهما كانت الأسباب والدوافع وراء تعليق عضوية سوريا أو كذلك وراء عودتها الى موقعها الطبيعي فإن القرار الذي تم اتخاذه بالأغلبية يعتبر نافذا وملزما وبذلك فإن قرار الاتحاد الأوروبي تعليق اجتماعاته مع جامعة الدول العربية لهذا السبب مسألة لا تستند لأي منطق وهي فوق كل ذلك مهينة لكل الدول العربية التي قبلت بهذا الاتفاق..

والحقيقة أن في تأكيد الاتحاد الأوروبي إلغاء اجتماعه مع جامعة الدول العربية بسبب إعادة سوريا إلى الحضن العربي، مسألة لا تقبل أكثر من تأويلين لا ثالث لهما وهو إما أن دول الاتحاد الأوروبي لديها قناعة بأن وجود جامعة الدول العربية بمختلف أعضائها كعدمه وأنها تعاني من القصور وتحتاج للوصاية وأنه لا يمكنها بالتالي أن تبادر باتخاذ قرار يتعلق بالدول العربية دون غيرها وبأزمة مرتبطة ببلد عربي من مؤسسي جامعة الدول العربية، أو أن الاتحاد الأوروبي لا يريد هذه العودة لأسباب لا يريد أيضا الإفصاح عنها والإقرار بها ولا يريد للدول العربية أن تتفق ولو مرة واحدة لحل أزماتها وقضاياها أو على الأقل الظهور بمظهر الحريص على هذا التقارب العربي العربي الذي اندثر.

والأرجح أن تسويق الاتحاد الأوروبي بأن رفض عودة سوريا مرتبط بمسألة لا تقبل معها أوروبا المزايدات وهي مسألة القيم والحريات فهي تبقى كلمة حق يراد بها باطل لأن الحقيقة غير ذلك ولأنه عندما يتعلق الأمر بحقوق وحريات الشعوب العربية المستضعفة فإنها تفقد مفهومها وتفقدها صفتها باعتبارها حقوق كونية شاملة لا تختلف باختلاف الشعوب والألوان والأجناس والثقافات والإيديولوجيات ...

تنسى دول الاتحاد الأوروبي أو هي تتناسى أن عودة سوريا الى الجامعة العربية وإنهاء حالة الشغور كان قرارا جماعيا تم التحضير له من خلال مجموعة الاتصال العربية التي ضمّت مصر والعراق والسعودية والأردن، وضمت في مرحلة ما الحكومة السورية ممثلة بوزير الخارجية السوري، وتم خلال هذه اللقاءات وضع خارطة طريق واعتمادها حول استعادة تطبيع العلاقات العربية وسوريا، وركّزت على التنفيذ الكامل للقرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.. وهو ما يفترض ديبلوماسيا وسياسيا وأخلاقيا أيضا احترام أصحاب القرار الذي من شأنه أن يدفع الى الحد من معاناة الشعب السوري الذي وجد نفسه في  قبضة حرب مدمرة فرضت عليه ولم يختر أن يكون طرفا فيها ..

وقد لا يكون من المبالغة في شيء الإقرار بأن القرار الأوروبي يكشف عن عقلية متعالية تجاوزها الزمن ولا محل لها في قاموس العلاقات بين الدول والمؤسسات ويعكس حالة عداء واضح وصريح للدول العربية وليس سوريا فقط.

ولا شك أن التعاطي الأوروبي وتعاطي الغرب عموما مع الصراع الروسي الأوكراني قد أزال الكثير من الأقنعة وكشف أن اللاجئ السوري واللاجئ العراقي واللاجئ الفلسطيني أو غيره من حاملي الهويات العربية لا يرتقون الى اللاجئ الأوكراني الذي استنفر الغرب ومعه العالم لنجدته وفتح كل الأبواب والحدود أمامه دون أن تتحول قضية اللاجئين الى أزمة دولية تستوجب الاستنفار وتدعو الى حماية المعابر وإقامة المخيمات لحشد اللاجئين.. وربما كانت العدالة في ثوبها المثالي تفترض انه كما تم الترتيب لحضور زيلنسكي أشغال القمة العربية ومخاطبة العالم والمطالبة بكل الإمكانيات لأوكرانيا لكسب هذه الحرب كان يفترض المعاملة بالمثل ودعوة الدول الأوروبية للرئيس الفلسطيني محمود عباس للقمة الأوروبية مخاطبة العالم الحر والمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي.. طبعا ندرك أن الأمر أقرب الى الهذيان من أي شيء آخر ولكن تلك هي العدالة والمساواة التي يريدها الغرب المتحضر الراعي للقيم الإنسانية الكونية..

الاجتماع الأخير الذي جمع بين دول الاتحاد الأوروبي الـ27 وجامعة الدول العربية كان في غياب سوريا قبل أربع سنوات.. التفسير الوحيد للموقف الأوروبي الرافض لعودة سوريا في انسجام تام مع موقف واشنطن التي وقفت ضد عودة سوريا الذي تم قبل شهرين خلال القمة العربية بالمملكة السعودية وبعد أن مهدت قمة الجزائر في نوفمبر الماضي لهذه العودة ...

لا خلاف أن القرار بإلغاء الاجتماع المزمع بين الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية على خلفية عودة سوريا الى الجامعة محاولة لخلط الأوراق بين العلاقات الكلاسيكية التي تجمع الدول العربية بدول الاتحاد الأوروبي وبين موقف الجامعة العربية من الحرب الروسية الأوكرانية والتي شهدت موقفا موحدا تجاه هذه القضية والوقوف على مسافة واحدة بين أطراف النزاع وهو ما فاجأ الاتحاد الأوروبي وأمريكا. واشنطن من جانبها ترفض هذه العودة وتعتبر أن دمشق لا تستحق هذا التطبيع وهي تصر على مواصلة فرض عقوباتها على سوريا متوقعة أنها بذلك تساعد في إنهاك نظام الأسد وسقوطه بعد أن كانت راهنت على أن يختفي من المشهد خلال أسابيع من اندلاع الأحداث في سوريا ...

الواضح أن شيئا ما سيحدث وأن النظام العالمي الجديد وإن لم تتضح معالمه وعناوينه في حالة مخاض مستمر ومنطقة الشرق الأوسط تتغير والعلاقات الدولية تشهد تحولات متسارعة آخرها كان بالأمس بإعلان عودة العلاقات بين بلدين خليجيين الإمارات وقطر وقبل ذلك عودة العلاقات بين السعودية وإيران بوساطة صينية وهي خطوة لا نخال أن الغرب ينظر إليها بعين الرضا ولا يمكن أن تقبل بها إسرائيل وتستسلم لها وقد يبدأ الكيان الإسرائيلي مخططاته في السر والعلن  لإفساد هذه المصالحة بأي طريقة كانت وأظهر طهران بمظهر العدو الأخطر على أمن وسلامة دول المنطقة ...

آسيا العتروس