"في بيتنا قاتل" ليس عنوان فيلم او مسلسل درامي ولكنها حقيقة عرتها جرائم قتل عائلية ارتكبها افراد من نفس العائلة..فالقاتل هذه المرة ليس مأجورا ولم يتسلل من خارج الفضاء الأسري بل هو يعيش مع الضحية تحت سقف واحد يأكل من أكله ويلبس من لباسه والأبعد من كل ذلك انه تربطه به علاقة دموية..جرائم مفزعة وصادمة للوجدان شهدتها مناطق عدة من البلاد جدت داخل الأسرة الواحدة والقاتل ليس سوى ابن أو زوج القتيل.
مفيدة القيزاني
عائلة بأكملها قضت نحبها بداية الأسبوع الجاري حيث عثر على الزوج والزوجة والابنة البالغة من العمر عشر سنوات..الابن هو من بلغ عن الجريمة ربما في محاولة منه لإبعاد الشبهات ولكن بعد سلسلة من التحريات تم حصر الشبهة في الابن وصديقه البالغين من العمر 23 و24 عاما بعد أن توفرت ما يكفي من الأدلة والقرائن لتوجيه أصابع الاتهام لهما.
ووجهت لهما تهمة قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية القصد والإضمار على معنى الفصلين 201 و202، من المجلة الجزائية.
كما أظهرت المعاينات الأولية بمسرح الجريمة أن عملية القتل تمت بواسطة سكين كبيرة الحجم والتي تم حجزها في مكان غير بعيد عن مكان الواقعة.
وفي ذات السياق تم القبض على شاب بجهة رواد عمد الى قتل والدته ومحاولة قتل والده بمقر سكناهما بجهة نفزة التابعة لولاية باجة.
والابن هو شاب في العشرينات من عمره عمد بداية الاسبوع الجاري الى قتل والدته بواسطة الة حادة ثم دفن جثتها بحديقة المنزل ولما تفطن الاب بما اقترفه ابنه من جرم صادم سدد له هو الاخر عدة طعنات ثم فر الى العاصمة حيث حاول الاختباء بجهة رواد الى ان تم العثور عليه وايقافه كما راجت اخبار تشير الى ان جريمة قتل الأم سبقتها محاولة اغتصاب من قبل الابن.
وبالرجوع بالزمن قليلا الى الوراء جدت يوم 27 جانفي المنقضي جريمة عائلية مروعة ذهبت ضحيتها امرأة من متساكني جهة سيدي حسين السيجومي على يد ابنها الذب اخفى الجثة في برميل بعد أن قطعها الى اجزاء ولكن احدى قريبات الهالكة تفطنت الى الجثة واعلمت السلط الامنية فوقع حصر الشبهة في ابن الضحية الذي تمّ إيقافه، واعترف بقتل والدته والتنكيل بجثّتها وإخفائها داخل البرميل، ووضع كمية من الخرسانة فوقها حتى لا يتمّ التفطّن لها.
جرائم صادمة..
وشهدت منذ بداية العام الجاري ولاية سوسة جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة تدعى "صابرين" وهي أم لأربعة أطفال وحامل في شهرها الخامس على يد زوجها بعد أن دخلت في خلاف معه فقام بخنقها حتى فارقت الحياة.
والضحية تبلغ من العمر 30 سنة، أم لأربعة أطفال قصّر يبلغون من العمر 11 و 9 و 8 سنوات، يزاولون دراستهم بالمرحلة الابتدائيّة إضافة إلى طفل في سنّ الثالثة.
وقد تعهّد القضاء بالقضيّة وتمّ ايقاف الزوج.
كما شهدت جهة نصر الله من ولاية القيروان جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة على يد زوجها وقد عبرت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ عن استنكارها للجريمة التي ذهبت ضحيّتها أمّ لطفلتين تبلغ من العمر 32 سنة، بعد أن أقدم زوجها على قتلها خنقا، قبل أن يبادر بتسليم نفسه إلى الوحدات الأمنية.
كما نددت بتواتر جرائم قتل الزوجات والتي باتت تستهدف عديد النساء والأمهات في أنحاء مختلفة من البلاد.
وأكدت على أن العنف ضدّ المرأة في تونس في ارتفاع وأن العنف الزوجي بات يمثّل أعلى نسبة من أشكال العنف المسجّلة من حالات العنف الذي تعاني منه النساء حيث تلقى الخط الاخضر 1899 خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية921 حالة عنف منها 654 حالة القائم بالعنف هو الزوج أي بمعدل71%عنف زوجي، مع العلم وأنه في الثلاثي الأول من سنة 2022 بلغت إشعارات العنف الزوجي 168 أي أن الظاهرة تضاعفت أكثر من ثلاث مرّات.
وأكدت الوزارة أن تواتر حدوث حالات قتل الزوجات من قبل أزواجهنّ بمعدّل يزيد عن حالة قتل شهريّا تقريبا هو أمر مفزع ويستدعي من كلّ القوى المناهضة للعنف ضدّ المرأة دقّ ناقوس الخطر، حيث تم خلال 2022 تسجيل 15 جريمة قتل للزوجات.
_________
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" :
ارتفاع الجريمة في تونس تزامن مع تدهور المقدرة الشرائية وتراجع نسب الاستثمار وتعطل قطار التنمية
تونس-الصباح
في اتصال مع "الصباح" أوضح الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في قراءته لجرائم القتل لا سيما الجرائم العائلية أنه يمكن القول إن ارتفاع معدلات الجرائم في تونس يتزامن مع تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين وتراجع نسب الاستثمار وتعطل قطار التنمية.
وهنا يمكن أن نتساءل هل أن وضع الجريمة في تونس وارتفاع منسوب العنف بكل أشكاله وتمظهراته قد وصل إلى حد خطير وكارثي يهدد الاستقرار المجتمعي والأمن الشامل للدولة ،لا سيما أن الجريمة في تونس أصبحت أكثر وحشية وفظاعة ،تحدث أمام مرأى الناس ومسمعهم ،عرضية وعابرة ، تافهة، ليس لها تاريخ ولا ذاكرة بل تبدو أحياناً بلا معنى ، بلا أحداث ولا أسباب ومجانية ؟
بين التهويل والتهوين..
يضيف ممدوح عز الدين أنه في الواقع لا بد أن نتجنب أسلوب التهويل والتهوين لكي نفهم الجريمة في تونس بحيث لا بد أن ندرك أن وجودها ضروري حتى يمكن من خلالها قياس درجة تماسك المجتمعات وقدرتها على التعديل الذاتي والدفاع عن النفس والقدرة على تجاوز اشكالياتها.
كما أصبح متاحا الآن تعرية العنف إذ ثمة تحرر في تناوله عبر البحث والدراسة والتغطية الاعلامية ولم يعد من المواضيع المسكوت عنها.
يبدو العنف في تونس وكأنه في ارتفاع غير مسبوق ،الأمر الذي يولد شعورا بالخوف وكأنه أمر طارئ في حين لا طالما كان موجودا، لكن لم يكن الحديث عنه مسموحا.
ثم لا يخفى عن أحد أن تونس تمر بظرف استثنائي وتراجع قوة الدولة في الضبط والمراقبة والردع واستبطان عقلية التهرب من العقاب جعل منها غير قادرة على الحد من ظواهر الجريمة ومنعها.
ومع ذلك فالوضع ليس كارثياً فعندما نقارن بين الوضع في تونس مع سائر بلدان العالم ،نلاحظ أن مستويات الجريمة رغم ارتفاعها في السنوات القليلة الماضية تعتبر معتدلة ولا تبعث على الخطر، إذ حلت تونس في المرتبة 10 عربيا و65 عالميا ضمن التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي لعام 2019 الذي تقوم بإصداره موسوعة قاعدة البيانات " نامبيو" من بين 118 دولة شملها التقرير.
ويضيف الباحث ممدوح عز الدين أن ما يمكن ملاحظته فيما يخص الجريمة في تونس تطور جريمة النقمة والانتقام وتحول العنف الى ثقافة يتم التطبيع معه.
وأهم ملامح هذه الثقافة العنيفة انتشارها الواسع في كل الفضاءات حتى في المساجد ولم يعد يحتكر العنف فئة معينة واحدة والتطبيع معه بحيث لم يعد هناك اشمئزاز واستنكار اللذان يعتبرهما عالم الاجتماع الفرنسي " إيميل دوركايم" أقوى من القانون.
لغة التخاطب أمست كذلك عنيفة وأصبحت الثقافة العنيفة لغة تسويقية استهلاكية نلاحظها بوضوح في الافلام الكارتونية الموجهة للاطفال أو برامج الكاميرا الخفية والبرامج التلفزية الحوارية.
الاسباب..
عموما تتمثل أهم أسباب ارتفاع نسب الجريمة في تونس فيما يلي:-الاحساس العام بغياب القانون الردعي وتفشي عقلية التنصل من العقاب.
- ٱلة إنتاج ثقافة العنف أقوى من ٱلة محاربته
-غياب أو ضعف هيبة السلطة لا سيما سلطة العائلة والمدرسة والدولة.
- غياب نموذج القدوة فالجميع يمارس العنف.
- الدور السلبي للاعلام فمن المعروف أن الاعلام يقوم على نظرية الأسئلة الخمسة: من،أين،متى،كيف،ولماذا؟ في حين يتم التركيز على السؤال كيف ؟ فقط دون باقي الاسئلة بمثابة إشهار لا واعي للجرائم التي يتم تغطيتها.
- ضعف الاشمىزاز والاستنكار ( دوركايم)
- استبطان العنف واعادة ٱنتاجه كما عبر عن ذلك عالم الاجتماع الفرنسي " بيير بورديو" من خلال مفهوم " الهابيتوس".
- تقلص التضامن الذي رفع في نسب الجريمة.
- تنامي الثقافات المغذية للجريمة لا سيما الانتهازية واللامسؤولية والفساد واللامبالاة وثقافة اليأس والإحباط
- الدور السلبي لبعض النخب السياسبة والفكرية عبر نشرها ثقافة الوهم والمغالطة.
وأوضح ممدوح عز الدين أن سوسيولوجيا يمكن فهم الجريمة في تونس عبر ثلاث مستويات تتمثل في تصاعد الفردانية وتراجع المؤسسات وغياب المرجعية القيمية.
حيث أدى تصاعد الفردانية الى ارتفاع الثقل الذي يوجد على الأفراد في ظل مجتمع يرتكز على الاستهلاك التظاهري والمشهدية وهيمنة الصورة إذ أصبحوا غير قادرين على مواجهة متطلباته ، بالتوازي تتٱكل مؤسسات المجتمع كالاسرة والمدرسة ليجد الفرد نفسه يواجه الصدمات بمفرده دون سند مؤسسي فلا العائلة تساند ولا الدولة ولا الانتماءات المختلفة تساند فيصبح التصرف من خلال الجريمة هو الحل المتاح مما يؤشر إلى وجود هشاشة نفسية واجتماعية في ظل ضعف أدوار المؤسسات وانحلالها.
وعندما يعجز الفرد على تقييم سلوكه لغياب المرجعية القيمية وطغيان اللامعيارية وتشوش خريطة القيم مثل تراجع قيم العلم والعمل والأخلاق والحس المدني والاحساس بالواجب والمسؤولية واحترام الملك العمومي والمال العام يصبح عنيفا مع نفسه ومع الٱخرين فتكثر حالات القتل البشع والارهاب والهجرة السرية والادمان على المخدرات وعدم الالتزام بقانون الطرقات وما ينجر عن ذلك من حوادث قاتلة.
ويتطلب الحل اعتماد سياسة اقتصادية أكثر جدوى وعدالة مع ضرورة الاتفاق على حل سياسي عنوانه مشروع مجتمعي واضح المعالم ،إذ في ظل غياب هذا المشروع تصبح العقلية عقلية تصفية حسابات وتدمير والثأر والثأر المضاد.
كما لا بد من مراجعة نموذج اشتغال مختلف أصناف المؤسسات في تونس بدءا من مؤسسات التنشئة الاجتماعية الى المؤسسات السياسبة والاقتصادية والثقافية بما يقلص من التوتر ويضمن حسن اشتغالها.
تونس-الصباح
"في بيتنا قاتل" ليس عنوان فيلم او مسلسل درامي ولكنها حقيقة عرتها جرائم قتل عائلية ارتكبها افراد من نفس العائلة..فالقاتل هذه المرة ليس مأجورا ولم يتسلل من خارج الفضاء الأسري بل هو يعيش مع الضحية تحت سقف واحد يأكل من أكله ويلبس من لباسه والأبعد من كل ذلك انه تربطه به علاقة دموية..جرائم مفزعة وصادمة للوجدان شهدتها مناطق عدة من البلاد جدت داخل الأسرة الواحدة والقاتل ليس سوى ابن أو زوج القتيل.
مفيدة القيزاني
عائلة بأكملها قضت نحبها بداية الأسبوع الجاري حيث عثر على الزوج والزوجة والابنة البالغة من العمر عشر سنوات..الابن هو من بلغ عن الجريمة ربما في محاولة منه لإبعاد الشبهات ولكن بعد سلسلة من التحريات تم حصر الشبهة في الابن وصديقه البالغين من العمر 23 و24 عاما بعد أن توفرت ما يكفي من الأدلة والقرائن لتوجيه أصابع الاتهام لهما.
ووجهت لهما تهمة قتل نفس بشرية عمدا مع سابقية القصد والإضمار على معنى الفصلين 201 و202، من المجلة الجزائية.
كما أظهرت المعاينات الأولية بمسرح الجريمة أن عملية القتل تمت بواسطة سكين كبيرة الحجم والتي تم حجزها في مكان غير بعيد عن مكان الواقعة.
وفي ذات السياق تم القبض على شاب بجهة رواد عمد الى قتل والدته ومحاولة قتل والده بمقر سكناهما بجهة نفزة التابعة لولاية باجة.
والابن هو شاب في العشرينات من عمره عمد بداية الاسبوع الجاري الى قتل والدته بواسطة الة حادة ثم دفن جثتها بحديقة المنزل ولما تفطن الاب بما اقترفه ابنه من جرم صادم سدد له هو الاخر عدة طعنات ثم فر الى العاصمة حيث حاول الاختباء بجهة رواد الى ان تم العثور عليه وايقافه كما راجت اخبار تشير الى ان جريمة قتل الأم سبقتها محاولة اغتصاب من قبل الابن.
وبالرجوع بالزمن قليلا الى الوراء جدت يوم 27 جانفي المنقضي جريمة عائلية مروعة ذهبت ضحيتها امرأة من متساكني جهة سيدي حسين السيجومي على يد ابنها الذب اخفى الجثة في برميل بعد أن قطعها الى اجزاء ولكن احدى قريبات الهالكة تفطنت الى الجثة واعلمت السلط الامنية فوقع حصر الشبهة في ابن الضحية الذي تمّ إيقافه، واعترف بقتل والدته والتنكيل بجثّتها وإخفائها داخل البرميل، ووضع كمية من الخرسانة فوقها حتى لا يتمّ التفطّن لها.
جرائم صادمة..
وشهدت منذ بداية العام الجاري ولاية سوسة جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة تدعى "صابرين" وهي أم لأربعة أطفال وحامل في شهرها الخامس على يد زوجها بعد أن دخلت في خلاف معه فقام بخنقها حتى فارقت الحياة.
والضحية تبلغ من العمر 30 سنة، أم لأربعة أطفال قصّر يبلغون من العمر 11 و 9 و 8 سنوات، يزاولون دراستهم بالمرحلة الابتدائيّة إضافة إلى طفل في سنّ الثالثة.
وقد تعهّد القضاء بالقضيّة وتمّ ايقاف الزوج.
كما شهدت جهة نصر الله من ولاية القيروان جريمة فظيعة راحت ضحيتها امرأة على يد زوجها وقد عبرت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السنّ عن استنكارها للجريمة التي ذهبت ضحيّتها أمّ لطفلتين تبلغ من العمر 32 سنة، بعد أن أقدم زوجها على قتلها خنقا، قبل أن يبادر بتسليم نفسه إلى الوحدات الأمنية.
كما نددت بتواتر جرائم قتل الزوجات والتي باتت تستهدف عديد النساء والأمهات في أنحاء مختلفة من البلاد.
وأكدت على أن العنف ضدّ المرأة في تونس في ارتفاع وأن العنف الزوجي بات يمثّل أعلى نسبة من أشكال العنف المسجّلة من حالات العنف الذي تعاني منه النساء حيث تلقى الخط الاخضر 1899 خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية921 حالة عنف منها 654 حالة القائم بالعنف هو الزوج أي بمعدل71%عنف زوجي، مع العلم وأنه في الثلاثي الأول من سنة 2022 بلغت إشعارات العنف الزوجي 168 أي أن الظاهرة تضاعفت أكثر من ثلاث مرّات.
وأكدت الوزارة أن تواتر حدوث حالات قتل الزوجات من قبل أزواجهنّ بمعدّل يزيد عن حالة قتل شهريّا تقريبا هو أمر مفزع ويستدعي من كلّ القوى المناهضة للعنف ضدّ المرأة دقّ ناقوس الخطر، حيث تم خلال 2022 تسجيل 15 جريمة قتل للزوجات.
_________
مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح" :
ارتفاع الجريمة في تونس تزامن مع تدهور المقدرة الشرائية وتراجع نسب الاستثمار وتعطل قطار التنمية
تونس-الصباح
في اتصال مع "الصباح" أوضح الباحث في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في قراءته لجرائم القتل لا سيما الجرائم العائلية أنه يمكن القول إن ارتفاع معدلات الجرائم في تونس يتزامن مع تدهور المقدرة الشرائية للمواطنين وتراجع نسب الاستثمار وتعطل قطار التنمية.
وهنا يمكن أن نتساءل هل أن وضع الجريمة في تونس وارتفاع منسوب العنف بكل أشكاله وتمظهراته قد وصل إلى حد خطير وكارثي يهدد الاستقرار المجتمعي والأمن الشامل للدولة ،لا سيما أن الجريمة في تونس أصبحت أكثر وحشية وفظاعة ،تحدث أمام مرأى الناس ومسمعهم ،عرضية وعابرة ، تافهة، ليس لها تاريخ ولا ذاكرة بل تبدو أحياناً بلا معنى ، بلا أحداث ولا أسباب ومجانية ؟
بين التهويل والتهوين..
يضيف ممدوح عز الدين أنه في الواقع لا بد أن نتجنب أسلوب التهويل والتهوين لكي نفهم الجريمة في تونس بحيث لا بد أن ندرك أن وجودها ضروري حتى يمكن من خلالها قياس درجة تماسك المجتمعات وقدرتها على التعديل الذاتي والدفاع عن النفس والقدرة على تجاوز اشكالياتها.
كما أصبح متاحا الآن تعرية العنف إذ ثمة تحرر في تناوله عبر البحث والدراسة والتغطية الاعلامية ولم يعد من المواضيع المسكوت عنها.
يبدو العنف في تونس وكأنه في ارتفاع غير مسبوق ،الأمر الذي يولد شعورا بالخوف وكأنه أمر طارئ في حين لا طالما كان موجودا، لكن لم يكن الحديث عنه مسموحا.
ثم لا يخفى عن أحد أن تونس تمر بظرف استثنائي وتراجع قوة الدولة في الضبط والمراقبة والردع واستبطان عقلية التهرب من العقاب جعل منها غير قادرة على الحد من ظواهر الجريمة ومنعها.
ومع ذلك فالوضع ليس كارثياً فعندما نقارن بين الوضع في تونس مع سائر بلدان العالم ،نلاحظ أن مستويات الجريمة رغم ارتفاعها في السنوات القليلة الماضية تعتبر معتدلة ولا تبعث على الخطر، إذ حلت تونس في المرتبة 10 عربيا و65 عالميا ضمن التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي لعام 2019 الذي تقوم بإصداره موسوعة قاعدة البيانات " نامبيو" من بين 118 دولة شملها التقرير.
ويضيف الباحث ممدوح عز الدين أن ما يمكن ملاحظته فيما يخص الجريمة في تونس تطور جريمة النقمة والانتقام وتحول العنف الى ثقافة يتم التطبيع معه.
وأهم ملامح هذه الثقافة العنيفة انتشارها الواسع في كل الفضاءات حتى في المساجد ولم يعد يحتكر العنف فئة معينة واحدة والتطبيع معه بحيث لم يعد هناك اشمئزاز واستنكار اللذان يعتبرهما عالم الاجتماع الفرنسي " إيميل دوركايم" أقوى من القانون.
لغة التخاطب أمست كذلك عنيفة وأصبحت الثقافة العنيفة لغة تسويقية استهلاكية نلاحظها بوضوح في الافلام الكارتونية الموجهة للاطفال أو برامج الكاميرا الخفية والبرامج التلفزية الحوارية.
الاسباب..
عموما تتمثل أهم أسباب ارتفاع نسب الجريمة في تونس فيما يلي:-الاحساس العام بغياب القانون الردعي وتفشي عقلية التنصل من العقاب.
- ٱلة إنتاج ثقافة العنف أقوى من ٱلة محاربته
-غياب أو ضعف هيبة السلطة لا سيما سلطة العائلة والمدرسة والدولة.
- غياب نموذج القدوة فالجميع يمارس العنف.
- الدور السلبي للاعلام فمن المعروف أن الاعلام يقوم على نظرية الأسئلة الخمسة: من،أين،متى،كيف،ولماذا؟ في حين يتم التركيز على السؤال كيف ؟ فقط دون باقي الاسئلة بمثابة إشهار لا واعي للجرائم التي يتم تغطيتها.
- ضعف الاشمىزاز والاستنكار ( دوركايم)
- استبطان العنف واعادة ٱنتاجه كما عبر عن ذلك عالم الاجتماع الفرنسي " بيير بورديو" من خلال مفهوم " الهابيتوس".
- تقلص التضامن الذي رفع في نسب الجريمة.
- تنامي الثقافات المغذية للجريمة لا سيما الانتهازية واللامسؤولية والفساد واللامبالاة وثقافة اليأس والإحباط
- الدور السلبي لبعض النخب السياسبة والفكرية عبر نشرها ثقافة الوهم والمغالطة.
وأوضح ممدوح عز الدين أن سوسيولوجيا يمكن فهم الجريمة في تونس عبر ثلاث مستويات تتمثل في تصاعد الفردانية وتراجع المؤسسات وغياب المرجعية القيمية.
حيث أدى تصاعد الفردانية الى ارتفاع الثقل الذي يوجد على الأفراد في ظل مجتمع يرتكز على الاستهلاك التظاهري والمشهدية وهيمنة الصورة إذ أصبحوا غير قادرين على مواجهة متطلباته ، بالتوازي تتٱكل مؤسسات المجتمع كالاسرة والمدرسة ليجد الفرد نفسه يواجه الصدمات بمفرده دون سند مؤسسي فلا العائلة تساند ولا الدولة ولا الانتماءات المختلفة تساند فيصبح التصرف من خلال الجريمة هو الحل المتاح مما يؤشر إلى وجود هشاشة نفسية واجتماعية في ظل ضعف أدوار المؤسسات وانحلالها.
وعندما يعجز الفرد على تقييم سلوكه لغياب المرجعية القيمية وطغيان اللامعيارية وتشوش خريطة القيم مثل تراجع قيم العلم والعمل والأخلاق والحس المدني والاحساس بالواجب والمسؤولية واحترام الملك العمومي والمال العام يصبح عنيفا مع نفسه ومع الٱخرين فتكثر حالات القتل البشع والارهاب والهجرة السرية والادمان على المخدرات وعدم الالتزام بقانون الطرقات وما ينجر عن ذلك من حوادث قاتلة.
ويتطلب الحل اعتماد سياسة اقتصادية أكثر جدوى وعدالة مع ضرورة الاتفاق على حل سياسي عنوانه مشروع مجتمعي واضح المعالم ،إذ في ظل غياب هذا المشروع تصبح العقلية عقلية تصفية حسابات وتدمير والثأر والثأر المضاد.
كما لا بد من مراجعة نموذج اشتغال مختلف أصناف المؤسسات في تونس بدءا من مؤسسات التنشئة الاجتماعية الى المؤسسات السياسبة والاقتصادية والثقافية بما يقلص من التوتر ويضمن حسن اشتغالها.