إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد أكثر من 10 جلسات .. اليوم قضية اغتيال الزعيم صالح بن يوسف أمام العدالة الانتقالية.. فهل يتم حفظ الملف بعد وفاة جميع المتهمين

 

تونس-الصباح

تنظر اليوم الخميس  الدائرة المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية في القضية المتعلقة باغتيال الزعيم صالح بن يوسف بعد مرور 61 سنة على حادثة الاغتيال، كما ستنظر في ملف الانتهاكات التي طالت اليوسفيين في العهد البورقيبي. 

مفيدة القيزاني

وانطلقت أولى الجلسات في هذا الملف بتاريخ 16 ماي 2019 وقد مرت اربع سنوات منذ مباشرة دائرة العدالة الانتقالية لهذا الملف  قدم محامي حميدة بنتربوت ما يفيد وفاة موكله وبوفاته يكون كل المتهمين في ملف الاغتيال متوفين. 

وتبين في جلسة سابقة أن المحكمة نفذت حكما تحضيريا يتمثل في تنقل قاضيين اثنين وكاتب محكمة إلى وزارة الداخلية واطلعوا على أرشيف صالح بن يوسف سواء قبل أو بعد الاستقلال وقد اختاروا 114 وثيقة لها علاقة بالاغتيال وضمنوها في جدول. 

وفاة جميع المتهمين.. 

شمل ملف اغتيال الزعيم صالح بن يوسف ستة متهمين جميعهم فارقونا الحياة  وهم الرئيس الراحل  الحبيب بورقيبة، وحسن بن عبد العزيز الورداني (أبرز المجاهدين ضد الاستعمار المقربين لبورقيبة)، والبشير زرق العيون (ابن خالة بن يوسف، وكان يشغل حينها رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقائد الحرس الرئاسي)، وعبد الله بن مبروك الورداني، ومحمد بن خليفة محرز، وحميدة بنتربوت (ابن أخت زرق العيون".

وتم حفظ التهم في حق الحبيب بورقيبة وحسن بن عبد العزيز الورداني والبشير زرق العيون بموجب الوفاة كما فارق آخر المتهمين حميدة بن تربوت الحياة مؤخرا وحول هذه المستجدات أفادنا الأستاذ عفيف بن يوسف أنه بعد وفاة المتهمين في القانون العام تحفظ القضية باعتبار أنه "لا محاكمة لميت" وأما بالنسبة للعدالة الإنتقالية فهناك نقاش في الموضوع لأن لها صبغة تاريخية توثيقية ودورها القيام بالمصالحة وكشف الحقيقة وتقديم المنسوب إليهم الانتهاك

الاعتذار للضحايا. 

وكان  الأستاذ عفيف بن يوسف محامي عائلة صالح بن يوسف صرح لـ"الصباح" أن وفاة جميع المتهمين في ملف اغتيال صالح بن يوسف هو سابقة ولم يسبق أن طرح ملف أمام العدالة الانتقالية وجميع المتهمين وهناك إمكانية في أن تحفظ القضية ويغلق ملف صالح بن يوسف لا سيما وأنه لا يوجد نص قانوني صريح ينص على مثل هذه الحالة أي قضايا العدالة الانتقالية  التي يموت فيها جميع المتهمين. 

صالح بن يوسف..

وبن يوسف هو  أحد أبرز قادة الحركة الوطنية التونسية والذي كان تولى الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري الجديد 

 كما تولى وزارة العدل في حكومة محمد شنيق التفاوضية بين 1950 و1952. 

عارض سنة 1955 الاستقلال الداخلي الذي قبل به بورقيبة مما أدى إلى حدوث صدام بينهما وأدى الخلاف إلى حدوث شرخ في الحزب الدستوري وإلى دخول أنصار الفريقين في صراع مفتوح. 

ورغم حصوله على تأييد جزء كبير من الإطارات الدستورية خسر بن يوسف صراع الزعامة ووقع فصله من الحزب. اختار ابتداء من جانفي 1956 اللجوء إلى المنفى وتقرب من جمال عبد الناصر إلا أن إعلان الاستقلال في مارس 1956 والجمهورية في جويلية 1957 وابتعاده عن البلاد أدى إلى إضعاف موقفه ليقع في النهاية اغتياله في  1961 في ألمانيا وتحديدا بمدينة فرنكفورت. 

أطوار الملف.. 

تعود أطوار القضية إلى يوم 12 أوت 1961، حيث يذكر أن   بورقيبة أرسل فريقًا تمكّن من استدراج صالح بن يوسف إلى نزل رويال الكائن وسط مدينة فرنكفورت بألمانيا.

وقام فريق الاغتيال في إطار التحضير للتصفية بالتنقل عدة مرات عام 1961 بين سويسرا وألمانيا لرصد ومتابعة تحركات بن يوسف الذي كانت تصفه الصحف الوطنية زمن الاستعمار بـ"الزعيم الأكبر".

وفي الصباح الباكر من يوم 12 أوت 1961، غادر حميدة بنتربوت فندق "فالدورف" مع المنفذين الإثنين، عبد الله بن مبروك ومحمد بن خليفة محرز، واقتنوا تذاكر ذهابا وإيابا من مطار زيورخ إلى فرانكفورت فيما ظلّ زرق العيون في المدينة السويسرية.

في فرانكفورت، حجز بنتربوت غرفة في فندق "رويال" الواقع قبالة محطة قطارات المدينة، باسم المنفذين الإثنين، وعلى الساعة الرابعة بعد الزوال من نفس اليوم، هاتف بنتربوت بن يوسف وطلب منه القدوم من مدينة "فيزبادن" أين يقيم إلى فرانكفورت وذلك لمقابلة الضابطين المزعومين في النزل.

امتنع بن يوسف في البداية لأنه كان يستعد مساء ذلك اليوم للسفر إلى غينيا بدعوة من رئيسها سيكو توري لحضور قمة دول عدم الانحياز، ولكنه استجاب بالنهاية على اعتبار ثقته في بنتربوت وحكم القرابة العائلية وفي مساء ذلك اليوم، وصل بن يوسف للنزل مع زوجته صوفية واستقبله كل من مبروك ومحرز وطلبا منه الصعود إلى غرفة بالطابق العلوي وهو ما استجاب إليه بن يوسف الذي طلب من زوجته انتظاره في مقهى النزل.

ما بين الساعة الرابعة ونصف والخامسة تحديدًا، وبينما كان بن يوسف جالسًا على أريكة الغرفة، أطلق المنفذان النار من مسافة قصيرة باستعمال مسدس من عيار 7.65 ملم على مستوى جمجمة بن يوسف ومن الخلف أيضًا ليُردى قتيلًا.

غادر المنفذان الغرفة تاركين مفتاحها بالباب من الخارج وأعلما عون الاستقبال أنهما سيعودان بعد وقت قريب لأنهما ينتظران مكالمة هاتفية، ولكنهما لم يعودا.

خلال الساعتين اللاحقتين لمغادرة منفذي الاغتيال، تلقى موظف الاستقبال بالنزل 3 مكالمات هاتفية لم يحوّلها للغرفة مشيرًا على المخاطب بأن نزلاء الغرفة لم يعودا بعد، وطلب المخاطب في المكالمة الأخيرة إعلامهما عند حضورهما بضرورة التحول إلى مكان حدده لعون الاستقبال.

في الأثناء ومع الساعة السابعة إلا ربع، استرابت صوفية بن صالح من عدم رجوع زوجها خاصة مع اقتراب موعد سفرهما إلى غينيا، فصعدت للغرفة لتجد زوجها ملقى على الأريكة وهو يلهث وتصدر منه حشرجة والدماء تنزف من مؤخرة رأسه ويداه مفتوحتان ومفكرته ممزقة وملقاة على الأرض مع القلم، فصاحت بأعلى صوت طالبة النجدة.

نقلت سيارة إسعاف بن يوسف مضجرًا بالدماء إلى مستشفى فرانكفورت أين جرت محاولة إنقاذه وأجريت له عملية جراحية لكنه توفي تحديدًا على الساعة الحادية عشر إلا ربع من ذلك اليوم.

في تلك الليلة الفاصلة عن يوم الأحد، شوهد فريق الاغتيال بزعامة زرق العيون في فندق "روايال" في زيورخ  ليغادروا جميعًا صبيحة اليوم الموالي إلى تونس.

هيئة الحقيقة والكرامة.. 

كانت الهيئة قد تقدمت سابقا بعدة طلبات تحضيرية بخصوص ملف القضية منها إصدار بطاقات جلب قضائية في حق 3 متهمين في الملف مازالوا على قيد الحياة، ويُشتبه بعلاقتهم بملف عملية الاغتيال وإطلاق النار على المعارض السياسي لحكم الزعيم بورقيبة صالح بن يوسف في ألمانيا. 

كما طالبوا أيضا بجلب الأرشيف الرئاسي وأرشيف وزارة الداخلية للمساعدة على كشف الحقيقة وأيضا جلب أرشيف التلفزة الوطنية الذي بث خطابا لبورقيبة في تلك الفترة يعترف في جانب منه بعملية اغتيال المعارض السياسي صالح بن يوسف، والمطالبة بسماع شهادات نقابيين وسياسيين في تلك الفترة. 

بعد أشغال هيئة الحقيقة والكرامة، أحيل ملف الاغتيال على أنظار الدائرة الجنائية المختصة في العدالة الانتقالية

 ووجّه الاتهام فيها لكل من رئاسة الجمهورية والحرس الرئاسي ووزارة الداخلية والخارجية وسفارة تونس بألمانيا بسبب المشاركة وألمانيا لتستّرها على الجناة أما الأشخاص فوُجّهت تهمة القتل العمد مع سابقية الإضمار لكل من الحبيب بورقيبة وبشير زرق العيون وحسن بن عبد الله الورداني وقد حفظت التهمة في حقهم بسبب الوفاة. أما عبد الله بن مبروك الورداني ومحمد بن خليفة محرز فلم يتم العثور عليهما. فيما وجّهت تهمة المشاركة في القتل إلى حميدة بن تربوت والذي استمعت الهيأة لشهادته. 

شهادة حميدة بن تربوت.. 

سبق وأن ادلى حميدة بن تربوت بأقواله حول ملف اغتيال صالح بن يوسف وقال بأنه ليست له علاقة بالعملية كما أنكر التهمة المنسوب إليه والمشاركة في عملية الرصد نافيا معرفته بمخطط الاغتيال. 

وأقر بعلمه بالخلافات الحادة التي كانت بين بورقيبة وصالح بن يوسف.

ملف اليوسفيين.. 

تنظر اليوم ايضا دائرة العدالة الانتقالية في ملف الانتهاكات التي طالت اليوسفيين وكانت  المحكمة استمعت في جلسة سابقة إلى شهادة ابن احد الضحايا والذي ذكر بأن والده حكم عليه بالأشغال الشاقة حسب ما أعلمته به زوجة عمه وأضاف بأن سبب دخوله السجن وتعذيبه كان بسبب مناصرته لصالح بن يوسف ذاكرا أنه بلغ إلى علمه أن والده ومجموعة معه تم القبض عليهم بالحدود الجزائرية متجهين إلى ليبيا بقصد جلب بعض الأسلحة لاستعمالها في مقاومة المستعمر وقد تم القبض عليهم من قبل عناصر من الجيش التونسي وتم اقتياده إلى سجن بقابس وقبل عرضه على المحكمة العسكرية بتونس سلطت عليه أنواع من التعذيب كقلع أظافره وسكب الماء البارد تارة والساخن تارة أخرى عليه وشتى الأنواع الأخرى من التعذيب قبل أن يحكم عليه بعشر سنوات أشغال شاقة قضاها في ظروف سيئة بسجن غار الملح ببنزرت.

وأوضح الشاهد بأن والده كان يتمنى الموت على البقاء بالسجن بسبب ظروف الإقامة منقطعا عن الأهل والعالم الخارجي واضاف بأن والده قضى سبع  سنوات بالسجن  وتم إعفاؤه من بقية المدة وخضع للمراقبة الإدارية في مركز أمن يبعد حوالي السبعة كيلومترات عن مقر سكناه ،وأوضح الشاهد أن جده ذكر له أن حالة والده الصحية كانت متردية للغاية وقد فارق الحياة بعيد خروجه من السجن ببضع سنوات أي سنة 1964 على ما يظن. 

وأكد الشاهد بأنه الإبن الوحيد لوالده  الضحية وطلب التعويض لما لحق والده من تعذيب بالإضافة إلى سوء الظروف السجنية كما طالب بتشغيل أبنائه. 

كما استمعت المحكمة إلى شهادة زوجة احد الضحايا في القضية  والتي ذكرت فيها  أنها تزوجت بالضحية بعد خروجه من السجن وعلمت بظروف اعتقاله وإقامته بسجن غار الملح وبرج الرومي وذلك حسب ما رواه لها الضحية  الذي حكم عليه بعشر سنوات سجنا مع الأشغال الشاقة بسبب مشاركته في مقاومة المستعمر بتونس وكذلك بالجزائر بعد حصول تونس على استقلالها  وكان زوجها أعلمها أن الظروف السجنية كانت سيئة جدا من إهانة وتعذيب وسوء تغذية قضى منها سبع سنوات تركت له مخلفات  كالروماتيزم وٱلام بالمفاصل.

وأضافت الشاهدة أنها تزوجت بالضحية بعد خروجه من السجن بسنة وأنه كان يخضع للمراقبة الإدارية لأكثر من سنتين كالتفقد من قبل الأمن لمحل سكناه كما كان يتنقل إلى مركز الشرطة للإمضاء يوميا ثم أسبوعيا ثم مرة كل أسبوعين وأنه توفي خلال سنة 2011  ، ونفت  الشاهدة أن تكون تلقت أي إعانة أو تعويض من قبل هيئة الحقيقة والكرامة أو أي جهة أخرى بل إن مخلفات سجن زوجها أثرت على أبنائها من خلال حرمانهم من العمل.

     بعد أكثر من 10 جلسات .. اليوم قضية اغتيال الزعيم صالح بن يوسف أمام العدالة الانتقالية.. فهل يتم حفظ الملف بعد وفاة جميع المتهمين

 

تونس-الصباح

تنظر اليوم الخميس  الدائرة المتخصصة في قضايا العدالة الانتقالية في القضية المتعلقة باغتيال الزعيم صالح بن يوسف بعد مرور 61 سنة على حادثة الاغتيال، كما ستنظر في ملف الانتهاكات التي طالت اليوسفيين في العهد البورقيبي. 

مفيدة القيزاني

وانطلقت أولى الجلسات في هذا الملف بتاريخ 16 ماي 2019 وقد مرت اربع سنوات منذ مباشرة دائرة العدالة الانتقالية لهذا الملف  قدم محامي حميدة بنتربوت ما يفيد وفاة موكله وبوفاته يكون كل المتهمين في ملف الاغتيال متوفين. 

وتبين في جلسة سابقة أن المحكمة نفذت حكما تحضيريا يتمثل في تنقل قاضيين اثنين وكاتب محكمة إلى وزارة الداخلية واطلعوا على أرشيف صالح بن يوسف سواء قبل أو بعد الاستقلال وقد اختاروا 114 وثيقة لها علاقة بالاغتيال وضمنوها في جدول. 

وفاة جميع المتهمين.. 

شمل ملف اغتيال الزعيم صالح بن يوسف ستة متهمين جميعهم فارقونا الحياة  وهم الرئيس الراحل  الحبيب بورقيبة، وحسن بن عبد العزيز الورداني (أبرز المجاهدين ضد الاستعمار المقربين لبورقيبة)، والبشير زرق العيون (ابن خالة بن يوسف، وكان يشغل حينها رئيس ديوان رئيس الجمهورية وقائد الحرس الرئاسي)، وعبد الله بن مبروك الورداني، ومحمد بن خليفة محرز، وحميدة بنتربوت (ابن أخت زرق العيون".

وتم حفظ التهم في حق الحبيب بورقيبة وحسن بن عبد العزيز الورداني والبشير زرق العيون بموجب الوفاة كما فارق آخر المتهمين حميدة بن تربوت الحياة مؤخرا وحول هذه المستجدات أفادنا الأستاذ عفيف بن يوسف أنه بعد وفاة المتهمين في القانون العام تحفظ القضية باعتبار أنه "لا محاكمة لميت" وأما بالنسبة للعدالة الإنتقالية فهناك نقاش في الموضوع لأن لها صبغة تاريخية توثيقية ودورها القيام بالمصالحة وكشف الحقيقة وتقديم المنسوب إليهم الانتهاك

الاعتذار للضحايا. 

وكان  الأستاذ عفيف بن يوسف محامي عائلة صالح بن يوسف صرح لـ"الصباح" أن وفاة جميع المتهمين في ملف اغتيال صالح بن يوسف هو سابقة ولم يسبق أن طرح ملف أمام العدالة الانتقالية وجميع المتهمين وهناك إمكانية في أن تحفظ القضية ويغلق ملف صالح بن يوسف لا سيما وأنه لا يوجد نص قانوني صريح ينص على مثل هذه الحالة أي قضايا العدالة الانتقالية  التي يموت فيها جميع المتهمين. 

صالح بن يوسف..

وبن يوسف هو  أحد أبرز قادة الحركة الوطنية التونسية والذي كان تولى الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري الجديد 

 كما تولى وزارة العدل في حكومة محمد شنيق التفاوضية بين 1950 و1952. 

عارض سنة 1955 الاستقلال الداخلي الذي قبل به بورقيبة مما أدى إلى حدوث صدام بينهما وأدى الخلاف إلى حدوث شرخ في الحزب الدستوري وإلى دخول أنصار الفريقين في صراع مفتوح. 

ورغم حصوله على تأييد جزء كبير من الإطارات الدستورية خسر بن يوسف صراع الزعامة ووقع فصله من الحزب. اختار ابتداء من جانفي 1956 اللجوء إلى المنفى وتقرب من جمال عبد الناصر إلا أن إعلان الاستقلال في مارس 1956 والجمهورية في جويلية 1957 وابتعاده عن البلاد أدى إلى إضعاف موقفه ليقع في النهاية اغتياله في  1961 في ألمانيا وتحديدا بمدينة فرنكفورت. 

أطوار الملف.. 

تعود أطوار القضية إلى يوم 12 أوت 1961، حيث يذكر أن   بورقيبة أرسل فريقًا تمكّن من استدراج صالح بن يوسف إلى نزل رويال الكائن وسط مدينة فرنكفورت بألمانيا.

وقام فريق الاغتيال في إطار التحضير للتصفية بالتنقل عدة مرات عام 1961 بين سويسرا وألمانيا لرصد ومتابعة تحركات بن يوسف الذي كانت تصفه الصحف الوطنية زمن الاستعمار بـ"الزعيم الأكبر".

وفي الصباح الباكر من يوم 12 أوت 1961، غادر حميدة بنتربوت فندق "فالدورف" مع المنفذين الإثنين، عبد الله بن مبروك ومحمد بن خليفة محرز، واقتنوا تذاكر ذهابا وإيابا من مطار زيورخ إلى فرانكفورت فيما ظلّ زرق العيون في المدينة السويسرية.

في فرانكفورت، حجز بنتربوت غرفة في فندق "رويال" الواقع قبالة محطة قطارات المدينة، باسم المنفذين الإثنين، وعلى الساعة الرابعة بعد الزوال من نفس اليوم، هاتف بنتربوت بن يوسف وطلب منه القدوم من مدينة "فيزبادن" أين يقيم إلى فرانكفورت وذلك لمقابلة الضابطين المزعومين في النزل.

امتنع بن يوسف في البداية لأنه كان يستعد مساء ذلك اليوم للسفر إلى غينيا بدعوة من رئيسها سيكو توري لحضور قمة دول عدم الانحياز، ولكنه استجاب بالنهاية على اعتبار ثقته في بنتربوت وحكم القرابة العائلية وفي مساء ذلك اليوم، وصل بن يوسف للنزل مع زوجته صوفية واستقبله كل من مبروك ومحرز وطلبا منه الصعود إلى غرفة بالطابق العلوي وهو ما استجاب إليه بن يوسف الذي طلب من زوجته انتظاره في مقهى النزل.

ما بين الساعة الرابعة ونصف والخامسة تحديدًا، وبينما كان بن يوسف جالسًا على أريكة الغرفة، أطلق المنفذان النار من مسافة قصيرة باستعمال مسدس من عيار 7.65 ملم على مستوى جمجمة بن يوسف ومن الخلف أيضًا ليُردى قتيلًا.

غادر المنفذان الغرفة تاركين مفتاحها بالباب من الخارج وأعلما عون الاستقبال أنهما سيعودان بعد وقت قريب لأنهما ينتظران مكالمة هاتفية، ولكنهما لم يعودا.

خلال الساعتين اللاحقتين لمغادرة منفذي الاغتيال، تلقى موظف الاستقبال بالنزل 3 مكالمات هاتفية لم يحوّلها للغرفة مشيرًا على المخاطب بأن نزلاء الغرفة لم يعودا بعد، وطلب المخاطب في المكالمة الأخيرة إعلامهما عند حضورهما بضرورة التحول إلى مكان حدده لعون الاستقبال.

في الأثناء ومع الساعة السابعة إلا ربع، استرابت صوفية بن صالح من عدم رجوع زوجها خاصة مع اقتراب موعد سفرهما إلى غينيا، فصعدت للغرفة لتجد زوجها ملقى على الأريكة وهو يلهث وتصدر منه حشرجة والدماء تنزف من مؤخرة رأسه ويداه مفتوحتان ومفكرته ممزقة وملقاة على الأرض مع القلم، فصاحت بأعلى صوت طالبة النجدة.

نقلت سيارة إسعاف بن يوسف مضجرًا بالدماء إلى مستشفى فرانكفورت أين جرت محاولة إنقاذه وأجريت له عملية جراحية لكنه توفي تحديدًا على الساعة الحادية عشر إلا ربع من ذلك اليوم.

في تلك الليلة الفاصلة عن يوم الأحد، شوهد فريق الاغتيال بزعامة زرق العيون في فندق "روايال" في زيورخ  ليغادروا جميعًا صبيحة اليوم الموالي إلى تونس.

هيئة الحقيقة والكرامة.. 

كانت الهيئة قد تقدمت سابقا بعدة طلبات تحضيرية بخصوص ملف القضية منها إصدار بطاقات جلب قضائية في حق 3 متهمين في الملف مازالوا على قيد الحياة، ويُشتبه بعلاقتهم بملف عملية الاغتيال وإطلاق النار على المعارض السياسي لحكم الزعيم بورقيبة صالح بن يوسف في ألمانيا. 

كما طالبوا أيضا بجلب الأرشيف الرئاسي وأرشيف وزارة الداخلية للمساعدة على كشف الحقيقة وأيضا جلب أرشيف التلفزة الوطنية الذي بث خطابا لبورقيبة في تلك الفترة يعترف في جانب منه بعملية اغتيال المعارض السياسي صالح بن يوسف، والمطالبة بسماع شهادات نقابيين وسياسيين في تلك الفترة. 

بعد أشغال هيئة الحقيقة والكرامة، أحيل ملف الاغتيال على أنظار الدائرة الجنائية المختصة في العدالة الانتقالية

 ووجّه الاتهام فيها لكل من رئاسة الجمهورية والحرس الرئاسي ووزارة الداخلية والخارجية وسفارة تونس بألمانيا بسبب المشاركة وألمانيا لتستّرها على الجناة أما الأشخاص فوُجّهت تهمة القتل العمد مع سابقية الإضمار لكل من الحبيب بورقيبة وبشير زرق العيون وحسن بن عبد الله الورداني وقد حفظت التهمة في حقهم بسبب الوفاة. أما عبد الله بن مبروك الورداني ومحمد بن خليفة محرز فلم يتم العثور عليهما. فيما وجّهت تهمة المشاركة في القتل إلى حميدة بن تربوت والذي استمعت الهيأة لشهادته. 

شهادة حميدة بن تربوت.. 

سبق وأن ادلى حميدة بن تربوت بأقواله حول ملف اغتيال صالح بن يوسف وقال بأنه ليست له علاقة بالعملية كما أنكر التهمة المنسوب إليه والمشاركة في عملية الرصد نافيا معرفته بمخطط الاغتيال. 

وأقر بعلمه بالخلافات الحادة التي كانت بين بورقيبة وصالح بن يوسف.

ملف اليوسفيين.. 

تنظر اليوم ايضا دائرة العدالة الانتقالية في ملف الانتهاكات التي طالت اليوسفيين وكانت  المحكمة استمعت في جلسة سابقة إلى شهادة ابن احد الضحايا والذي ذكر بأن والده حكم عليه بالأشغال الشاقة حسب ما أعلمته به زوجة عمه وأضاف بأن سبب دخوله السجن وتعذيبه كان بسبب مناصرته لصالح بن يوسف ذاكرا أنه بلغ إلى علمه أن والده ومجموعة معه تم القبض عليهم بالحدود الجزائرية متجهين إلى ليبيا بقصد جلب بعض الأسلحة لاستعمالها في مقاومة المستعمر وقد تم القبض عليهم من قبل عناصر من الجيش التونسي وتم اقتياده إلى سجن بقابس وقبل عرضه على المحكمة العسكرية بتونس سلطت عليه أنواع من التعذيب كقلع أظافره وسكب الماء البارد تارة والساخن تارة أخرى عليه وشتى الأنواع الأخرى من التعذيب قبل أن يحكم عليه بعشر سنوات أشغال شاقة قضاها في ظروف سيئة بسجن غار الملح ببنزرت.

وأوضح الشاهد بأن والده كان يتمنى الموت على البقاء بالسجن بسبب ظروف الإقامة منقطعا عن الأهل والعالم الخارجي واضاف بأن والده قضى سبع  سنوات بالسجن  وتم إعفاؤه من بقية المدة وخضع للمراقبة الإدارية في مركز أمن يبعد حوالي السبعة كيلومترات عن مقر سكناه ،وأوضح الشاهد أن جده ذكر له أن حالة والده الصحية كانت متردية للغاية وقد فارق الحياة بعيد خروجه من السجن ببضع سنوات أي سنة 1964 على ما يظن. 

وأكد الشاهد بأنه الإبن الوحيد لوالده  الضحية وطلب التعويض لما لحق والده من تعذيب بالإضافة إلى سوء الظروف السجنية كما طالب بتشغيل أبنائه. 

كما استمعت المحكمة إلى شهادة زوجة احد الضحايا في القضية  والتي ذكرت فيها  أنها تزوجت بالضحية بعد خروجه من السجن وعلمت بظروف اعتقاله وإقامته بسجن غار الملح وبرج الرومي وذلك حسب ما رواه لها الضحية  الذي حكم عليه بعشر سنوات سجنا مع الأشغال الشاقة بسبب مشاركته في مقاومة المستعمر بتونس وكذلك بالجزائر بعد حصول تونس على استقلالها  وكان زوجها أعلمها أن الظروف السجنية كانت سيئة جدا من إهانة وتعذيب وسوء تغذية قضى منها سبع سنوات تركت له مخلفات  كالروماتيزم وٱلام بالمفاصل.

وأضافت الشاهدة أنها تزوجت بالضحية بعد خروجه من السجن بسنة وأنه كان يخضع للمراقبة الإدارية لأكثر من سنتين كالتفقد من قبل الأمن لمحل سكناه كما كان يتنقل إلى مركز الشرطة للإمضاء يوميا ثم أسبوعيا ثم مرة كل أسبوعين وأنه توفي خلال سنة 2011  ، ونفت  الشاهدة أن تكون تلقت أي إعانة أو تعويض من قبل هيئة الحقيقة والكرامة أو أي جهة أخرى بل إن مخلفات سجن زوجها أثرت على أبنائها من خلال حرمانهم من العمل.