لاتزال مساهمات الكثير من الشخصيات والوجوه الوطنية في النضال من أجل استقلال تونس لم تحظ بالدراسة الكاملة للمؤرخين التقليدين أو لمؤرخي اللحظة من الصحافيين والاستقصائيين، في سبيل إماطة اللثام عن الجهود التي قام بها هؤلاء في السر أو في العلن من موقعهم السياسي أو المهني، من أجل دفع مسارات حركة التحرير الوطني وتسريع نسق تطور التاريخ الحتمي نحو الانعتاق والحرية وتحقيق الاستقلال الوطني.
وقد قام البعض من هؤلاء السياسيين والمناضلين باستغلال تطورات الأوضاع الدولية من حولهم ليقوموا بالتحرك من أجل الضغط أو فتح أبواب تفاوض مع المستعمر في ظل تغير التوازنات الاقليمية غداة الحرب العالمية الثانية عام 1945 وتهاوي القوة الاستعمارية لفرنسا وجبروتها في المنطقة المغاربية وفي افريقيا وأسيا ، خاصة بعد أن هزمت في معركة "ديان بيان فو" بالهند الصينية في ماي 1954 ثم اندلاع شرارة حرب التحرير الجزائرية المسلحة في غرة نوفمبر من نفس السنة .
وحسب المصادر التاريخية فان فرنسا وحزبها الاشتراكي الحاكم كانت في تلك الفترة تبحث عن مخرج لأوضاعها وتريد أن تتفاوض حول صفقة لاستقلال داخلي لتونس التي هي في الحقيقة نظام حماية استعمارية فرنسية ، وذلك للتفرغ إلى الجبهة الجزائرية المشتعلة والخاضعة بطبيعتها إلى نظام تصرف استعماري مباشر ملحق عضويا واداريا بالامبراطورية الفرنسية منذ 1830 .
وهكذا كانت الأجواء الإقليمية والعالمية مواتية لانطلاق مفاوضات سرية مع قادة الحزب الحر الدستوري التونسي وفي مقدمتهم الزعيم الحبيب بورقيبة صاحب التوجه المعتدل والبراغماتي داخل قيادة الحزب. وتمت مفاوضات جس النبض بواسطة تونسيين كانوا نشطين في الحزب الاشتراكي الفرنسي وقريبين من رئيس الحكومة الفرنسية الاشتراكي بيار مانداس فرانس . ومن بين هؤلاء التونسيين لعب الدكتور احمد صمعية رئيس مستشفي الأمراض الصدرية في بوبيني، بالضاحية الباريسية دورا أساسيا بالدفع بعملية التفاوض، نظرا للثقة التي كان يحظي بها لدى منداس فرانس والتي تعود إلى سنوات الكفاح المشترك ضد قوات الاحتلال النازي في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية. ولعب في هذا الاطار دورا محوريا في ربط الصلة بين بورقيبة ومنداس فرانس وإذابة الجليد بين الطرفين دون مزايدات من الجانبين، وصولا إلى اتفاقيات الحكم الذاتي في مرحلة أولي عام 1955 قبل الاستقلال الكامل لاحقا في 20 مارس 1956.
وحسب المصادر التاريخية المتطابقة فقد لعب الدكتور صمعية دور الوسيط من بعيد للمتفاوضين بتقديم التطمينات اللازمة للطرفين من اجل انتقال سلس وسلمي للسلطة التونسية ضمن توجه يحفظ أمن تونس وحريتها وتطورها وصداقتها وتحول الحماية الاستعمارية الي تعاون بين بلدين سياديين تنتهي فيه الحقبة الاستعمارية .
وكانت هناك لقاءات جمعت بين بورقيبة ومنداس فرانس والدكتور صمعية. وكان رابعهم في إحداها الدكتور هنري سمادجا صاحب جريدة "لابراس" وصاحب فندق "ماجستيك" الحالي وسط المدينة الذي احتضن اللقاء، وهو الفندق التاريخي الذي كان احتضن اجتماعات وقادة للحرب العالمية الثانية من قوات المحور الالماني ومن حلفاء امريكا، حسب مصادر صحفية لتلك الفترة.
وكانت تلك اللقاءات كافية لتكون إحداها إشارة انطلاق المفاوضات المؤدية إلى الاستقلال الداخلي والتي بدأت بقرار تحول منداس فرانس بصفة مفاجئة إلي تونس وإعلانه أمام الباي في 31 جويلية 1954 عن استعداد فرنسا لمنح تونس استقلالها الداخلي .
مسيرة حافلة في الطب والإحاطة العلمية والاجتماعية
بالاضافة الي هذا العمل السياسي والنضالي من اجل استقلال بلاده، يعتبر الدستور صمعية الذي ولد في مدينة اكودة عام 1911 وتوفي في باريس عام 1993 ، من أشهر الأطباء في العاصمة الفرنسية. وهو أستاذ في الأمراض الصدرية ورئيس مصلحة بمستشفى" بوبيني" بباريس قام بتأطير ومساعدة العديد من الأطباء والباحثين التونسيين الدراسين بفرنسا.
وقد شارك في الحركة الوطنية من أجل استقلال تونس ودعم ذلك من خلال انتمائه ونشاطه في الحزب الاشتراكي الفرنسي وصداقته الشخصية مع الزعيمين الاشتراكيين في فرنسا كل من منداس فرانس ثم فرانسوا ميتيران. كما كان له دور في ربط صلات التعاون والصداقة بين البلدين. وقد ساعد السجناء التونسيين في فرنسا وقدم يد المساعدة إلى المنصف باي عند نفيه في فرنسا عام 1945 حسب المصادر التاريخية .
شارك في عمليات المقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا وتكونت علاقات صداقة مع رموز المقاومة الوطنية الفرنسية. وقدم المساعدة للعديد من اليهود المطاردين في فرنسا من قبل القوات النازية في مستشفى "بوبيني" الذي ظل يشرف عليه لمدة ثلاثين سنة.
وتجمع شهادات الكثيرين ممن عرفوه أنه قدم للعشرات من أبناء بلدته أو من أبناء تونس لتشجيعهم على مواصلة الدراسة الجامعية. وقام في هذا الصدد بتأطير الكثيرين ممن درسوا الطب في فرنسا فاتحا لهم أبواب المستشفي الذي يشرف عليه، حسب إفادة الدكتور الجراح عبد الكريم خلف الله الأستاذ المبرز في الجراحة العامة والصدرية ، والذي استفاد من إحاطته العلمية والمهنية.
كما كان الدكتور صمعية عضوا في أكثر من جمعية ومحاضرا في العديد من المؤسسات العلمية والنوادي والمنظمات في فرنسا . وقد وقع اختياره من طرف الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران ليكون عضوا في لجنة الحوار بين الأديان ممثلا للدين الإسلامي . كما كان عضوا في مجلس التفكير حول الإسلام في فرنسا. كما كان عضوا إلى جانب الدكتور محمد الطالبي في لجنة كتاب المؤمنين الناطقين باللغة الفرنسية . ومن الأعمال التي حققها أحمد صمعية توصله بعد العديد من التدخلات لدى السلطات الفرنسية إلى حل يسمح بتخصيص روضات لدفن المسلمين في المقابر التابعة للبلديات الفرنسية وتوفير مسالخ خاصة لأضاحي المسلمين في الأعياد الإسلامية بفرنسا.
التعلق بالوطن ومسقط الرأس
كانت تربط الدكتور صمعية صداقة متينة برجالات الدولة الفرنسية رئيسا ووزراء وأطباء وكل السياسيين الذين عاشوا في باريس تبعا لما أسداه لهم من خدمات طبية ولأعلام شمال افريقيا والعالمين العربي والاسلامي من إحاطة علمية وطبية بهم أو بأبنائهم بفضل ما كان يتمتع بع من كاريزما شخصية وماله من صداقات واسعة بالمجتمع الفرنسي. وقد وظف كل ذلك لفائدة وطنه المستقل.
ويعتبر المؤرخ عادل بن يوسف في كتابه المعنون " النخبة العصرية التونسية :طلبة الجامعات الفرنسية 1880-1956"، أن الدكتور صمعية كان من أول الطلبة التونسيين الدارسين الطب في فرنسا ضمن قائمة طويلة للطلبة الدراسين بفرنسا أصيلي قرية أكودة في تلك الفترة، والذين يزيد عددهم عن العشرين ممن درسوا العلوم والطب والصيدلة والحقوق والآداب من ذلك الجيل الأول الذهبي، وهم على التوالي كل من حافظ إبرهيم وأحمد صمعية وعبد السلام الكناني ونوح العذاري وعلي العذاري وعلياء بن حميدة وأسماء بن حميدة حروش ومحمد غنيمة وفخر الدين بن حميدة وأحمد الكناني وعبد السلام بوكر وغيرهم. وقد اصبح لكل واحد من هؤلاء شأن واشعاع وطني وإقليمي ودولي .
وقد ظل في بداية الاستقلال يزور تونس ومسقط رأسه كل صيف ويقدم خلال إقامته عيادات مفتوحة للمرضي في منزله العائلي بشارع فرحات حشاد في أكودة . كما ظل يرسل دوريا إلى مستوصف قريته أكودة إرسالية من الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية للمستوصف معتبرا ذلك علاقة روحية عميقة مع مسقط الرأس والحي الذي نشأ فيه، حسب شهادة من عرفوه من الأصدقاء من ذلك الجيل.
وكان في ذلك على غرار كثرين من التونسيين الوطنيين من ذلك الجيل من الرعيل الأول للعلماء ممن درسوا في فرنسا. فقد درس هناك بفرنسا وأقام بها وصاهرها وناضل في صفوف حزبها الاشتراكي الفرنسي لتحرير فرنسا من الاحتلال الالماني ثم ناضل من اجل تحرير بلاده تونس من الاحتلال الفرنسي وظل وفيا لها ولرجالاتها ويدعمها في مختلف مراحل الدولة الوطنية غداة الاستقلال حتى وفاته .
*صحفي باحث في الاعلام والصحافة
بقلم: د. الصحراوي قمعون(*)
لاتزال مساهمات الكثير من الشخصيات والوجوه الوطنية في النضال من أجل استقلال تونس لم تحظ بالدراسة الكاملة للمؤرخين التقليدين أو لمؤرخي اللحظة من الصحافيين والاستقصائيين، في سبيل إماطة اللثام عن الجهود التي قام بها هؤلاء في السر أو في العلن من موقعهم السياسي أو المهني، من أجل دفع مسارات حركة التحرير الوطني وتسريع نسق تطور التاريخ الحتمي نحو الانعتاق والحرية وتحقيق الاستقلال الوطني.
وقد قام البعض من هؤلاء السياسيين والمناضلين باستغلال تطورات الأوضاع الدولية من حولهم ليقوموا بالتحرك من أجل الضغط أو فتح أبواب تفاوض مع المستعمر في ظل تغير التوازنات الاقليمية غداة الحرب العالمية الثانية عام 1945 وتهاوي القوة الاستعمارية لفرنسا وجبروتها في المنطقة المغاربية وفي افريقيا وأسيا ، خاصة بعد أن هزمت في معركة "ديان بيان فو" بالهند الصينية في ماي 1954 ثم اندلاع شرارة حرب التحرير الجزائرية المسلحة في غرة نوفمبر من نفس السنة .
وحسب المصادر التاريخية فان فرنسا وحزبها الاشتراكي الحاكم كانت في تلك الفترة تبحث عن مخرج لأوضاعها وتريد أن تتفاوض حول صفقة لاستقلال داخلي لتونس التي هي في الحقيقة نظام حماية استعمارية فرنسية ، وذلك للتفرغ إلى الجبهة الجزائرية المشتعلة والخاضعة بطبيعتها إلى نظام تصرف استعماري مباشر ملحق عضويا واداريا بالامبراطورية الفرنسية منذ 1830 .
وهكذا كانت الأجواء الإقليمية والعالمية مواتية لانطلاق مفاوضات سرية مع قادة الحزب الحر الدستوري التونسي وفي مقدمتهم الزعيم الحبيب بورقيبة صاحب التوجه المعتدل والبراغماتي داخل قيادة الحزب. وتمت مفاوضات جس النبض بواسطة تونسيين كانوا نشطين في الحزب الاشتراكي الفرنسي وقريبين من رئيس الحكومة الفرنسية الاشتراكي بيار مانداس فرانس . ومن بين هؤلاء التونسيين لعب الدكتور احمد صمعية رئيس مستشفي الأمراض الصدرية في بوبيني، بالضاحية الباريسية دورا أساسيا بالدفع بعملية التفاوض، نظرا للثقة التي كان يحظي بها لدى منداس فرانس والتي تعود إلى سنوات الكفاح المشترك ضد قوات الاحتلال النازي في فرنسا إبان الحرب العالمية الثانية. ولعب في هذا الاطار دورا محوريا في ربط الصلة بين بورقيبة ومنداس فرانس وإذابة الجليد بين الطرفين دون مزايدات من الجانبين، وصولا إلى اتفاقيات الحكم الذاتي في مرحلة أولي عام 1955 قبل الاستقلال الكامل لاحقا في 20 مارس 1956.
وحسب المصادر التاريخية المتطابقة فقد لعب الدكتور صمعية دور الوسيط من بعيد للمتفاوضين بتقديم التطمينات اللازمة للطرفين من اجل انتقال سلس وسلمي للسلطة التونسية ضمن توجه يحفظ أمن تونس وحريتها وتطورها وصداقتها وتحول الحماية الاستعمارية الي تعاون بين بلدين سياديين تنتهي فيه الحقبة الاستعمارية .
وكانت هناك لقاءات جمعت بين بورقيبة ومنداس فرانس والدكتور صمعية. وكان رابعهم في إحداها الدكتور هنري سمادجا صاحب جريدة "لابراس" وصاحب فندق "ماجستيك" الحالي وسط المدينة الذي احتضن اللقاء، وهو الفندق التاريخي الذي كان احتضن اجتماعات وقادة للحرب العالمية الثانية من قوات المحور الالماني ومن حلفاء امريكا، حسب مصادر صحفية لتلك الفترة.
وكانت تلك اللقاءات كافية لتكون إحداها إشارة انطلاق المفاوضات المؤدية إلى الاستقلال الداخلي والتي بدأت بقرار تحول منداس فرانس بصفة مفاجئة إلي تونس وإعلانه أمام الباي في 31 جويلية 1954 عن استعداد فرنسا لمنح تونس استقلالها الداخلي .
مسيرة حافلة في الطب والإحاطة العلمية والاجتماعية
بالاضافة الي هذا العمل السياسي والنضالي من اجل استقلال بلاده، يعتبر الدستور صمعية الذي ولد في مدينة اكودة عام 1911 وتوفي في باريس عام 1993 ، من أشهر الأطباء في العاصمة الفرنسية. وهو أستاذ في الأمراض الصدرية ورئيس مصلحة بمستشفى" بوبيني" بباريس قام بتأطير ومساعدة العديد من الأطباء والباحثين التونسيين الدراسين بفرنسا.
وقد شارك في الحركة الوطنية من أجل استقلال تونس ودعم ذلك من خلال انتمائه ونشاطه في الحزب الاشتراكي الفرنسي وصداقته الشخصية مع الزعيمين الاشتراكيين في فرنسا كل من منداس فرانس ثم فرانسوا ميتيران. كما كان له دور في ربط صلات التعاون والصداقة بين البلدين. وقد ساعد السجناء التونسيين في فرنسا وقدم يد المساعدة إلى المنصف باي عند نفيه في فرنسا عام 1945 حسب المصادر التاريخية .
شارك في عمليات المقاومة ضد الاحتلال النازي لفرنسا وتكونت علاقات صداقة مع رموز المقاومة الوطنية الفرنسية. وقدم المساعدة للعديد من اليهود المطاردين في فرنسا من قبل القوات النازية في مستشفى "بوبيني" الذي ظل يشرف عليه لمدة ثلاثين سنة.
وتجمع شهادات الكثيرين ممن عرفوه أنه قدم للعشرات من أبناء بلدته أو من أبناء تونس لتشجيعهم على مواصلة الدراسة الجامعية. وقام في هذا الصدد بتأطير الكثيرين ممن درسوا الطب في فرنسا فاتحا لهم أبواب المستشفي الذي يشرف عليه، حسب إفادة الدكتور الجراح عبد الكريم خلف الله الأستاذ المبرز في الجراحة العامة والصدرية ، والذي استفاد من إحاطته العلمية والمهنية.
كما كان الدكتور صمعية عضوا في أكثر من جمعية ومحاضرا في العديد من المؤسسات العلمية والنوادي والمنظمات في فرنسا . وقد وقع اختياره من طرف الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران ليكون عضوا في لجنة الحوار بين الأديان ممثلا للدين الإسلامي . كما كان عضوا في مجلس التفكير حول الإسلام في فرنسا. كما كان عضوا إلى جانب الدكتور محمد الطالبي في لجنة كتاب المؤمنين الناطقين باللغة الفرنسية . ومن الأعمال التي حققها أحمد صمعية توصله بعد العديد من التدخلات لدى السلطات الفرنسية إلى حل يسمح بتخصيص روضات لدفن المسلمين في المقابر التابعة للبلديات الفرنسية وتوفير مسالخ خاصة لأضاحي المسلمين في الأعياد الإسلامية بفرنسا.
التعلق بالوطن ومسقط الرأس
كانت تربط الدكتور صمعية صداقة متينة برجالات الدولة الفرنسية رئيسا ووزراء وأطباء وكل السياسيين الذين عاشوا في باريس تبعا لما أسداه لهم من خدمات طبية ولأعلام شمال افريقيا والعالمين العربي والاسلامي من إحاطة علمية وطبية بهم أو بأبنائهم بفضل ما كان يتمتع بع من كاريزما شخصية وماله من صداقات واسعة بالمجتمع الفرنسي. وقد وظف كل ذلك لفائدة وطنه المستقل.
ويعتبر المؤرخ عادل بن يوسف في كتابه المعنون " النخبة العصرية التونسية :طلبة الجامعات الفرنسية 1880-1956"، أن الدكتور صمعية كان من أول الطلبة التونسيين الدارسين الطب في فرنسا ضمن قائمة طويلة للطلبة الدراسين بفرنسا أصيلي قرية أكودة في تلك الفترة، والذين يزيد عددهم عن العشرين ممن درسوا العلوم والطب والصيدلة والحقوق والآداب من ذلك الجيل الأول الذهبي، وهم على التوالي كل من حافظ إبرهيم وأحمد صمعية وعبد السلام الكناني ونوح العذاري وعلي العذاري وعلياء بن حميدة وأسماء بن حميدة حروش ومحمد غنيمة وفخر الدين بن حميدة وأحمد الكناني وعبد السلام بوكر وغيرهم. وقد اصبح لكل واحد من هؤلاء شأن واشعاع وطني وإقليمي ودولي .
وقد ظل في بداية الاستقلال يزور تونس ومسقط رأسه كل صيف ويقدم خلال إقامته عيادات مفتوحة للمرضي في منزله العائلي بشارع فرحات حشاد في أكودة . كما ظل يرسل دوريا إلى مستوصف قريته أكودة إرسالية من الأدوية والمستلزمات الطبية الأساسية للمستوصف معتبرا ذلك علاقة روحية عميقة مع مسقط الرأس والحي الذي نشأ فيه، حسب شهادة من عرفوه من الأصدقاء من ذلك الجيل.
وكان في ذلك على غرار كثرين من التونسيين الوطنيين من ذلك الجيل من الرعيل الأول للعلماء ممن درسوا في فرنسا. فقد درس هناك بفرنسا وأقام بها وصاهرها وناضل في صفوف حزبها الاشتراكي الفرنسي لتحرير فرنسا من الاحتلال الالماني ثم ناضل من اجل تحرير بلاده تونس من الاحتلال الفرنسي وظل وفيا لها ولرجالاتها ويدعمها في مختلف مراحل الدولة الوطنية غداة الاستقلال حتى وفاته .