الكتاب يقدم طرحا مخالفا للطرح العلماني ويدافع عن فكرة مناقضة لدعاة الحداثة على النمط الفرنسي وصاحبه يعتبر أننا اليوم في حاجة إلى الانعتاق من الفكرة التي جنت على البلاد والتي تقول بأننا لسنا ملزمين بما مضى ولسنا في حاجة إلى الدين ولا من ضرورة للحديث عن هوية دينية أو هوية تاريخية لذلك كان الرهان الأساسي اليوم في معرفة كيف يمكن أن نصل إلى صيغة تعيد الاعتبار إلى قيمة الانتماء الحضاري والثقافي والانتماء للهوية الدينية في بلد يوشك فيه الفرد أن يكون فاقدا لذاكرته ومقطوعا عن ماضيه ومفصولا من جذوره.. لقد تمت المراهنة على مدى عقود على جعل هذا البلد فاقدا لذاكرته أو أن تكون له ذاكرة ولكن من دون دين ولا مؤسسة الزيتونة .. المشكل أن أصحاب هذه الدعوة لا يدركون أنه لا يمكن فهم الحاضر وما يحصل لنا في الزمن الراهن ولا فهم المستقبل وما يحصل من متغيرات مرتقبة من دون وعي بالماضي ومن دون استحضار الذاكرة .
الكاتب يؤرخ لشخصية الشيخ البشير النيفر في فترة محددة مفصلية ومن ورائه يؤرخ لجيل كامل من شيوخ الزيتونة أدركوا أن تيارا قويا قادما نحوهم ليجرفهم ويحملهم معه إلى مجاهل النسيان وتحولا عميقا بصدد الوقوع وأن زمنا جديدا بصدد التشكل وأن مشروعا سياسيا واجتماعيا جديدا بصدد البناء والإعداد.. كتاب يؤرخ لجيل تفطن الى أن هناك برنامجا سياسيا في الأفق وفي طريقه الى قيادة المجتمع لعقود من خلال إعادة هيكلة المؤسسات وصياغة المجتمع وصناعة الفرد وسن التشريعات.. كانوا على وعي بكل هذه التحولات غير أن وعيا آخر كان يقلقهم وهو أن الزيتوني بتكوينه الذي كان عليه وبأطروحاته الفكرية ومعارفه التي كان يتبناها ويرددها لم يعد قادرا على الصمود أمام الموجة الجديدة وما يطرحه الزعيم وتدافع عنه النخبة المحيطة به .. كانوا على وعي بأن المعركة القادمة سوف تكون معركة الزيتونة وتعليمها الديني وكانوا على وعي بأن الزعيم متجه إلى إقصائها وإبعادهم عن حركة التاريخ وهو عازم على السير في البناء والتأسيس الجديد من دونهم ودونها ..
الكتاب يقدم شهادة على أن الشيخ البشير النيفر والكثير من شيوخ الزيتونة كانوا على وعي كبير بضرورة تطوير التعليم الزيتوني وإدراك أكبر بأن ما تدرسه الزيتونة لم يعد يفي بالحاجة ولا مواكبا للتحولات التي يعرفها العالم ويشهدها المجتمع التونسي .. كانت هناك رغبة لإصلاح التعليم الديني من الداخل لا من خارجه .. كان الشيخ البشير متفق مع الزعيم على ضرورة الاصلاح والتغيير ولكن الخلاف كان حول طريقة هذا الاصلاح وصورته وكان السؤال المطروح وقتها هو كيف نصلح الزيتونة ؟ وما هي نظرتنا إليها ؟.
الكتاب بما كشف عنه من رسائل توثق لما كان يدور بين الشيخ البشير النيفر والزعيم الحبيب بورقيبة من حوارات ونقاشات في قضايا مختلفة قد أوضح فكرة مهمة وهي أن البلاد بعد الاستقلال قد عرفت حوارا ونقاشا مجتمعيا معلنا أحيانا وغير معلن أحينا أخرى ولكن المهم المفيد هو التأكيد على أن حراكا فكريا وجدلا ثقافيا كان موجودا في الفضاء العام حول كيف نصفي الاستعمار وبأية طريقة تتم هذه التصفية ؟ ونقاشا آخر حول فكرة مركزية أخرى وهي أن البلاد بعد الاستعمار كانت تحتاج إلى بناء نظام جديد وإصلاح عميق في الكثير من المستويات ولكن نقطة الخلاف كانت في فكرة التحديث وطريقته وإلى أي مدى يمكن أن يظل وهل هناك سبيل واحدة للتقدم أم سبل متعددة فالإصلاح بالنسبة للشيخ البشير النيفر كان ضرورة اقتضتها المرحلة ولكن ليس بهذه الصورة التي تم بها وليس من خلال تجاوز كل ما تحقق وما شيّد ومن خلال تجاوز الزيتونة وتهميشها.
الكتاب وإن كان حديثا في الذاكرة وشهادة على عصر ولى وانتهى وتذكّر لزمن لم يعد موجودا وجهد لرد الاعتبار لجيل كامل من أبناء هذا الوطن واعتراف بدور نخبة ارتبطت بجامع الزيتونة وتعليمها كان لها الأثر الواضح في تشكيل الوعي الشعبي وتشكيل المجتمع وتدخل في التشريع والحكم والسلطة فهو من خلال كل الوثائق التي كانت بحوزة الشيخ البشير النيفر يؤرخ للأيام الأخيرة لمؤسسة الزيتونة ويفتح الباب لإعادة كتابة تاريخ الجامع الأعظم وتعليمه وتاريخ الحركة الوطنية ومساهمة الزيتونيين فيها وتاريخ البلاد لمعرفة حقيقة ما حصل حتى تم القضاء على هذه المؤسسة واستبعاد شيوخها من كل عملية البناء والتأسيس للدولة الحديثة.
ويبقى السؤال هل كان من الممكن أن يذهب الزعيم الحبيب بورقيبة إلى البناء الجديد بمعية مؤسسة الزيتونية ؟ وهل كان من المتاح أن تتحقق حداثة ونمط حياة عصرية تستجيب لروح عصر ذلك الزمان بنوع من الفكر ونظرة للحياة ومعرفة وثقافة كتلك التي كان يدافع عنها شيوخ الزيتونة ؟ وهل من الممكن أن تكون صورة المجتمع التونسي على ما هي عليه اليوم لو أبقى الزعيم على حبل الوصل مع المؤسسة والأشخاص والفكر الذي يعتبره تقليديا ومحافظا ويعيق التقدم ولم يفك ارتباطه بكل القديم ؟ وهل كان من الممكن أن تنتهي المواجهة بين الزعيم والعالم بمصالحة وتعايش بين الاثنين من دون اقصاء لأي طرف ؟ وهل كان من اللازم على الزعيم أن يجري قطيعة معرفية حادة مع جزء هام ومؤثر من الذاكرة التاريخية وينهي دور الدين والإيمان من الحياة ؟ ألم يكن من الأجدى على الزعيم أن يجري قطيعة مع طريقة التفكير التي كانت سائدة ويراجع المنهج المتبع بدل ابعاد الدين وتجاوزه حتى إلغائه ؟
الفكرة الهامة التي نخرج بها من هذه المحاضرة أن القطيعة التاريخية في حياة الشعوب هو قرار خطير وله كلفته وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الذهاب نحو بناء دولة جديدة من دون ذاكرة ولا هوية ولا تاريخ وأن التاريخ اليوم لم يعد يكتبه المنتصر وإنما التاريخ اليوم تكتبه الذاكرة حتى وأن تم القفز عليها وتجاوزها.
بقلم نوفل سلامة
الكتاب يقدم طرحا مخالفا للطرح العلماني ويدافع عن فكرة مناقضة لدعاة الحداثة على النمط الفرنسي وصاحبه يعتبر أننا اليوم في حاجة إلى الانعتاق من الفكرة التي جنت على البلاد والتي تقول بأننا لسنا ملزمين بما مضى ولسنا في حاجة إلى الدين ولا من ضرورة للحديث عن هوية دينية أو هوية تاريخية لذلك كان الرهان الأساسي اليوم في معرفة كيف يمكن أن نصل إلى صيغة تعيد الاعتبار إلى قيمة الانتماء الحضاري والثقافي والانتماء للهوية الدينية في بلد يوشك فيه الفرد أن يكون فاقدا لذاكرته ومقطوعا عن ماضيه ومفصولا من جذوره.. لقد تمت المراهنة على مدى عقود على جعل هذا البلد فاقدا لذاكرته أو أن تكون له ذاكرة ولكن من دون دين ولا مؤسسة الزيتونة .. المشكل أن أصحاب هذه الدعوة لا يدركون أنه لا يمكن فهم الحاضر وما يحصل لنا في الزمن الراهن ولا فهم المستقبل وما يحصل من متغيرات مرتقبة من دون وعي بالماضي ومن دون استحضار الذاكرة .
الكاتب يؤرخ لشخصية الشيخ البشير النيفر في فترة محددة مفصلية ومن ورائه يؤرخ لجيل كامل من شيوخ الزيتونة أدركوا أن تيارا قويا قادما نحوهم ليجرفهم ويحملهم معه إلى مجاهل النسيان وتحولا عميقا بصدد الوقوع وأن زمنا جديدا بصدد التشكل وأن مشروعا سياسيا واجتماعيا جديدا بصدد البناء والإعداد.. كتاب يؤرخ لجيل تفطن الى أن هناك برنامجا سياسيا في الأفق وفي طريقه الى قيادة المجتمع لعقود من خلال إعادة هيكلة المؤسسات وصياغة المجتمع وصناعة الفرد وسن التشريعات.. كانوا على وعي بكل هذه التحولات غير أن وعيا آخر كان يقلقهم وهو أن الزيتوني بتكوينه الذي كان عليه وبأطروحاته الفكرية ومعارفه التي كان يتبناها ويرددها لم يعد قادرا على الصمود أمام الموجة الجديدة وما يطرحه الزعيم وتدافع عنه النخبة المحيطة به .. كانوا على وعي بأن المعركة القادمة سوف تكون معركة الزيتونة وتعليمها الديني وكانوا على وعي بأن الزعيم متجه إلى إقصائها وإبعادهم عن حركة التاريخ وهو عازم على السير في البناء والتأسيس الجديد من دونهم ودونها ..
الكتاب يقدم شهادة على أن الشيخ البشير النيفر والكثير من شيوخ الزيتونة كانوا على وعي كبير بضرورة تطوير التعليم الزيتوني وإدراك أكبر بأن ما تدرسه الزيتونة لم يعد يفي بالحاجة ولا مواكبا للتحولات التي يعرفها العالم ويشهدها المجتمع التونسي .. كانت هناك رغبة لإصلاح التعليم الديني من الداخل لا من خارجه .. كان الشيخ البشير متفق مع الزعيم على ضرورة الاصلاح والتغيير ولكن الخلاف كان حول طريقة هذا الاصلاح وصورته وكان السؤال المطروح وقتها هو كيف نصلح الزيتونة ؟ وما هي نظرتنا إليها ؟.
الكتاب بما كشف عنه من رسائل توثق لما كان يدور بين الشيخ البشير النيفر والزعيم الحبيب بورقيبة من حوارات ونقاشات في قضايا مختلفة قد أوضح فكرة مهمة وهي أن البلاد بعد الاستقلال قد عرفت حوارا ونقاشا مجتمعيا معلنا أحيانا وغير معلن أحينا أخرى ولكن المهم المفيد هو التأكيد على أن حراكا فكريا وجدلا ثقافيا كان موجودا في الفضاء العام حول كيف نصفي الاستعمار وبأية طريقة تتم هذه التصفية ؟ ونقاشا آخر حول فكرة مركزية أخرى وهي أن البلاد بعد الاستعمار كانت تحتاج إلى بناء نظام جديد وإصلاح عميق في الكثير من المستويات ولكن نقطة الخلاف كانت في فكرة التحديث وطريقته وإلى أي مدى يمكن أن يظل وهل هناك سبيل واحدة للتقدم أم سبل متعددة فالإصلاح بالنسبة للشيخ البشير النيفر كان ضرورة اقتضتها المرحلة ولكن ليس بهذه الصورة التي تم بها وليس من خلال تجاوز كل ما تحقق وما شيّد ومن خلال تجاوز الزيتونة وتهميشها.
الكتاب وإن كان حديثا في الذاكرة وشهادة على عصر ولى وانتهى وتذكّر لزمن لم يعد موجودا وجهد لرد الاعتبار لجيل كامل من أبناء هذا الوطن واعتراف بدور نخبة ارتبطت بجامع الزيتونة وتعليمها كان لها الأثر الواضح في تشكيل الوعي الشعبي وتشكيل المجتمع وتدخل في التشريع والحكم والسلطة فهو من خلال كل الوثائق التي كانت بحوزة الشيخ البشير النيفر يؤرخ للأيام الأخيرة لمؤسسة الزيتونة ويفتح الباب لإعادة كتابة تاريخ الجامع الأعظم وتعليمه وتاريخ الحركة الوطنية ومساهمة الزيتونيين فيها وتاريخ البلاد لمعرفة حقيقة ما حصل حتى تم القضاء على هذه المؤسسة واستبعاد شيوخها من كل عملية البناء والتأسيس للدولة الحديثة.
ويبقى السؤال هل كان من الممكن أن يذهب الزعيم الحبيب بورقيبة إلى البناء الجديد بمعية مؤسسة الزيتونية ؟ وهل كان من المتاح أن تتحقق حداثة ونمط حياة عصرية تستجيب لروح عصر ذلك الزمان بنوع من الفكر ونظرة للحياة ومعرفة وثقافة كتلك التي كان يدافع عنها شيوخ الزيتونة ؟ وهل من الممكن أن تكون صورة المجتمع التونسي على ما هي عليه اليوم لو أبقى الزعيم على حبل الوصل مع المؤسسة والأشخاص والفكر الذي يعتبره تقليديا ومحافظا ويعيق التقدم ولم يفك ارتباطه بكل القديم ؟ وهل كان من الممكن أن تنتهي المواجهة بين الزعيم والعالم بمصالحة وتعايش بين الاثنين من دون اقصاء لأي طرف ؟ وهل كان من اللازم على الزعيم أن يجري قطيعة معرفية حادة مع جزء هام ومؤثر من الذاكرة التاريخية وينهي دور الدين والإيمان من الحياة ؟ ألم يكن من الأجدى على الزعيم أن يجري قطيعة مع طريقة التفكير التي كانت سائدة ويراجع المنهج المتبع بدل ابعاد الدين وتجاوزه حتى إلغائه ؟
الفكرة الهامة التي نخرج بها من هذه المحاضرة أن القطيعة التاريخية في حياة الشعوب هو قرار خطير وله كلفته وأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال الذهاب نحو بناء دولة جديدة من دون ذاكرة ولا هوية ولا تاريخ وأن التاريخ اليوم لم يعد يكتبه المنتصر وإنما التاريخ اليوم تكتبه الذاكرة حتى وأن تم القفز عليها وتجاوزها.