إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تونس-الجزائر .. الدور الاستراتيجي للنفط من أجل استقرار البلدين

 

د.محمد اللومي

 

في الحقيقة أشعر بنوع من السرور لما يبلغ الى مسمعي أن بعض المسؤولين الجزائريين يهتمون بالغ الاهتمام بالحفاظ على استقرار وطننا تونس.. فأنا من أولئك المتحمسين للبناء المغاربي المشترك.. وأفخر بكوني سليل الاباء المحررين والمؤسسين الذين كان يتملكهم حلم الفضاء المغاربي المشترك منذ حقبة نضالات ومعارك تحرير الأوطان المغاربية..وبصفة خاصة تزيد حماستي لتجسيد الحلم المغاربي المشترك - في غياب تحقيقه فعليا مع الأسف الكبير- لما يتعلق الأمر بالجزائر.. فالجزائر هي الأكبر مغاربيا على المستوى الديمغرافي كما على مستوى المساحة.. والجزائر تمثل اليوم ثقلا سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا لم يعد خافيا على أحد ليصبح مثيرا لفضول العديدين.. والجزائر قبل ذلك خاضت ملحمة هوجاء طيلة قرن وثلث القرن قبل أن تحقق استقلالها الوطني ذات سنة1962..ملحمة قل أن حدث عنها التاريخ خارج هاته الربوع.. ملحمة لا يخوضها سوى الأشداء والبواسل من الرجال.. والأهم في ذلك بالنسبة لي هو أن الدماء الجزائرية كانت اختلطت بالدماء التونسية في أكثر من مناسبة خلال هاته الملحمة.. كما أن استقرار تونس والجزائر لم يكن يوما منفصلا خلال الحقبة الاستعمارية للبلدين.. فاستقلال تونس سنة 1956 ساعد كثيرا الأخوة الجزائريين في تسريع وتيرة ثورتهم المسلحة نحو الاستقلال..ولما استقلت الجزائر سنة 1962.. فتح ذلك الباب لجلاء القوات الفرنسية عن بنزرت  سنة 1963..والذي كان محور المواجهة الدامية بين الشعب التونسي الأعزل والقوات الاستعمارية الفرنسية  خلال شهر جويلية من سنة 1961.. فاستقرار تونس من استقرار الجزائر.. واستقرار الجزائر من استقرار تونس.. كان ذلك بالأمس.. وهو كذلك اليوم.. كما سيكون الأمر كذلك غدا.. لذلك أرى وأن اهتمام كبار المسؤولين الجزائريين بالحفاظ عل الاستقرار في تونس, بقدر ما يمثل تواصلا منطقيا للروابط الاستراتيجية الطبيعية بين البلدين, بقدر ما ينحدر ذلك من حرص القادة الجزائريين على الحفاظ على استقرار الجزائر بالذات.. ولكن ما يؤرقني على الدوام هو أن مسارات التعاون والاندماج بين تونس والجزائر.. في جميع المجالات.. لم ترتق يوما الى مستوى الروابط الإستراتيجية الطبيعية والملزمة بين البلدين.. واليوم بالذات.. وأمام مايحدو الأخوة الجزائريين من تطلع صادق للمساهمة الفعلية في استقرار تونس.. أريد أن أبسط مجالا حيويا و في نفس الوقت محوريا .. وقد يكون محددا لاستقرار الأوضاع في تونس.. وبالتالي في الجزائر.. انها قضية دعم المحروقات على مستوى السوق التونسية.. فالأزمة التونسية هي اليوم أزمة مالية بالأساس.. بعد أن تمكن الشعب التونسي بفضل عزيمته وتضحيات أبنائه من تجاوز الارتدادات السلبية لما بعد ثورة 14 جانفي 2011, في ما عدا تقريبا الجانب المالي والاقتصادي.. وقضية دعم المحروقات في تقديري يمثل جوهر ولب الأزمة المالية في تونس.. كما الخلاف بين تونس وصندوق النقد الدولي في خصوص رفع الدعم الذي تطالب به هاته المؤسسة المالية الدولية.. فدعم المحروقات يستحوذ تقريبا على ثلثي ميزانية الدعم .. وبالتالي فانه اذا  تم تجاوز دعم المحروقات فانه يتم توفير تقريبا 11 بالمائة من ميزانية الدولة.. وهو ما يعادل تقربيا ميزانية أكثر وزارة تمويلا.. وهي وزارة التربية.. وهو ما يمكن بلادنا مثلا من تسديد الدين الخارجي المدرج في ميزانية 2023..ومن التخفيض الى النصف من احتياجاتها من الديون الخارجية للسنة الحالية.. زد على ذلك فاذا ما علمنا وأن واردات النفط في تونس بلغت 50 بالمائة من الطلب المحلي, فان الارتفاع الكبير لفاتورة الطاقة يكبد ميزانية الدولة جزءا هاما من عجزها التجاري.. متسببا بذلك في تعميق الدين العمومي.. واستنزاف مدخراتنا من العملة الصعبة.. بما يزيد في انخفاض قيمة العملة المحلية وغياب المواد الاستهلاكية الأساسية.. وارتفاع التضخم.. و التالي انهيار الطاقة الشرائية للمواطن التونسي.. والسؤال الذي أطرحه هنا لدى الأخوة الجزائريين.. هل من سبيل للاستقرار في تونس.. كما في الجزائر.. في ظل انهيار القدرة الشرائية للمواطن التونسي وافتقاره المتواتر للمواد الاستهلاكية الأساسية؟.. هل من سبيل للاستقرار في تونس كما في الجزائر لو تذعن السلطات التونسية –مكرهة- لرغبة المؤسسات العالمية المقرضة في الرفع الكلي للدعم عن المحروقات مع نهاية السنة الحالية..بما سيؤدي الى تحليق جنوني لأسعار كافة المواد وفي كل القطاعات؟..أطرح هاته التساؤلات على ذكاء الأخوة الجزائريين لوعيهم العميق والمتأكد بأنه لا استقرار لتونس ولا للجزائر .. في كلتا الحالتين.. أي في كنف تدهور الأوضاع المعيشية للتونسيين أو في حال ارتهانهم للجهات الغربية المقرضة.. كما أطرح هاته التساؤلات على  ذكاء الأخوة الجزائريين لإدراكي العميق لما يولونه من شديد الحرص على تأمين الأمن القومي الجزائري.. وما مضاعفة ميزانية وزارة الدفاع الجزائرية بالنسبة للسنة الحالية لتبلغ تقريبا الموازنة الجملية للبلاد التونسية الا خير دليل على ذلك.. أطرح هاته التساؤلات على ذكاء الأخوة الجزائريين لإيماني العميق بأن الدماء الزكية التي امتزجت بين الشعبين زمن الكفاح التحريري.. انما سالت لتروي على الدوام التماسك الاستراتيجي لكلا البلدين.. والذي بدونه يعود الاستعمار الغاشم بظلاله في أشكاله المتعددة والمتنوعة.. بما يهدد استقرار البلدين.. أطرح هاته التساؤلات على ذكاء الأخوة الجزائريين وأنا متأكد من أن المستهدف الأكبر من دفع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس الى التدهور.. انما هو البلد الذي يضمن لمواطنيه ثمن اللتر من البنزين بأقل من ثمن اللتر من الماء..أما بالنسبة للبلد الذي يقتني مواطنوه اللتر من البنزين بأضعاف مضاعفة فهو لا يستهوي الحاسدين..أقول قولي هذا املا في أن يمتزج سعر النفط في تونس بسعر النفط في الجزائر.. و هو لعمري أمر من اليسر بمكان على شعبين لم يتوانيا  يوما في أن تمتزج دماؤهما  الزكية.. من أجل ديمومة الاستقرار في البلدين..

تونس-الجزائر  .. الدور الاستراتيجي للنفط من أجل استقرار البلدين

 

د.محمد اللومي

 

في الحقيقة أشعر بنوع من السرور لما يبلغ الى مسمعي أن بعض المسؤولين الجزائريين يهتمون بالغ الاهتمام بالحفاظ على استقرار وطننا تونس.. فأنا من أولئك المتحمسين للبناء المغاربي المشترك.. وأفخر بكوني سليل الاباء المحررين والمؤسسين الذين كان يتملكهم حلم الفضاء المغاربي المشترك منذ حقبة نضالات ومعارك تحرير الأوطان المغاربية..وبصفة خاصة تزيد حماستي لتجسيد الحلم المغاربي المشترك - في غياب تحقيقه فعليا مع الأسف الكبير- لما يتعلق الأمر بالجزائر.. فالجزائر هي الأكبر مغاربيا على المستوى الديمغرافي كما على مستوى المساحة.. والجزائر تمثل اليوم ثقلا سياسيا واقتصاديا واستراتيجيا لم يعد خافيا على أحد ليصبح مثيرا لفضول العديدين.. والجزائر قبل ذلك خاضت ملحمة هوجاء طيلة قرن وثلث القرن قبل أن تحقق استقلالها الوطني ذات سنة1962..ملحمة قل أن حدث عنها التاريخ خارج هاته الربوع.. ملحمة لا يخوضها سوى الأشداء والبواسل من الرجال.. والأهم في ذلك بالنسبة لي هو أن الدماء الجزائرية كانت اختلطت بالدماء التونسية في أكثر من مناسبة خلال هاته الملحمة.. كما أن استقرار تونس والجزائر لم يكن يوما منفصلا خلال الحقبة الاستعمارية للبلدين.. فاستقلال تونس سنة 1956 ساعد كثيرا الأخوة الجزائريين في تسريع وتيرة ثورتهم المسلحة نحو الاستقلال..ولما استقلت الجزائر سنة 1962.. فتح ذلك الباب لجلاء القوات الفرنسية عن بنزرت  سنة 1963..والذي كان محور المواجهة الدامية بين الشعب التونسي الأعزل والقوات الاستعمارية الفرنسية  خلال شهر جويلية من سنة 1961.. فاستقرار تونس من استقرار الجزائر.. واستقرار الجزائر من استقرار تونس.. كان ذلك بالأمس.. وهو كذلك اليوم.. كما سيكون الأمر كذلك غدا.. لذلك أرى وأن اهتمام كبار المسؤولين الجزائريين بالحفاظ عل الاستقرار في تونس, بقدر ما يمثل تواصلا منطقيا للروابط الاستراتيجية الطبيعية بين البلدين, بقدر ما ينحدر ذلك من حرص القادة الجزائريين على الحفاظ على استقرار الجزائر بالذات.. ولكن ما يؤرقني على الدوام هو أن مسارات التعاون والاندماج بين تونس والجزائر.. في جميع المجالات.. لم ترتق يوما الى مستوى الروابط الإستراتيجية الطبيعية والملزمة بين البلدين.. واليوم بالذات.. وأمام مايحدو الأخوة الجزائريين من تطلع صادق للمساهمة الفعلية في استقرار تونس.. أريد أن أبسط مجالا حيويا و في نفس الوقت محوريا .. وقد يكون محددا لاستقرار الأوضاع في تونس.. وبالتالي في الجزائر.. انها قضية دعم المحروقات على مستوى السوق التونسية.. فالأزمة التونسية هي اليوم أزمة مالية بالأساس.. بعد أن تمكن الشعب التونسي بفضل عزيمته وتضحيات أبنائه من تجاوز الارتدادات السلبية لما بعد ثورة 14 جانفي 2011, في ما عدا تقريبا الجانب المالي والاقتصادي.. وقضية دعم المحروقات في تقديري يمثل جوهر ولب الأزمة المالية في تونس.. كما الخلاف بين تونس وصندوق النقد الدولي في خصوص رفع الدعم الذي تطالب به هاته المؤسسة المالية الدولية.. فدعم المحروقات يستحوذ تقريبا على ثلثي ميزانية الدعم .. وبالتالي فانه اذا  تم تجاوز دعم المحروقات فانه يتم توفير تقريبا 11 بالمائة من ميزانية الدولة.. وهو ما يعادل تقربيا ميزانية أكثر وزارة تمويلا.. وهي وزارة التربية.. وهو ما يمكن بلادنا مثلا من تسديد الدين الخارجي المدرج في ميزانية 2023..ومن التخفيض الى النصف من احتياجاتها من الديون الخارجية للسنة الحالية.. زد على ذلك فاذا ما علمنا وأن واردات النفط في تونس بلغت 50 بالمائة من الطلب المحلي, فان الارتفاع الكبير لفاتورة الطاقة يكبد ميزانية الدولة جزءا هاما من عجزها التجاري.. متسببا بذلك في تعميق الدين العمومي.. واستنزاف مدخراتنا من العملة الصعبة.. بما يزيد في انخفاض قيمة العملة المحلية وغياب المواد الاستهلاكية الأساسية.. وارتفاع التضخم.. و التالي انهيار الطاقة الشرائية للمواطن التونسي.. والسؤال الذي أطرحه هنا لدى الأخوة الجزائريين.. هل من سبيل للاستقرار في تونس.. كما في الجزائر.. في ظل انهيار القدرة الشرائية للمواطن التونسي وافتقاره المتواتر للمواد الاستهلاكية الأساسية؟.. هل من سبيل للاستقرار في تونس كما في الجزائر لو تذعن السلطات التونسية –مكرهة- لرغبة المؤسسات العالمية المقرضة في الرفع الكلي للدعم عن المحروقات مع نهاية السنة الحالية..بما سيؤدي الى تحليق جنوني لأسعار كافة المواد وفي كل القطاعات؟..أطرح هاته التساؤلات على ذكاء الأخوة الجزائريين لوعيهم العميق والمتأكد بأنه لا استقرار لتونس ولا للجزائر .. في كلتا الحالتين.. أي في كنف تدهور الأوضاع المعيشية للتونسيين أو في حال ارتهانهم للجهات الغربية المقرضة.. كما أطرح هاته التساؤلات على  ذكاء الأخوة الجزائريين لإدراكي العميق لما يولونه من شديد الحرص على تأمين الأمن القومي الجزائري.. وما مضاعفة ميزانية وزارة الدفاع الجزائرية بالنسبة للسنة الحالية لتبلغ تقريبا الموازنة الجملية للبلاد التونسية الا خير دليل على ذلك.. أطرح هاته التساؤلات على ذكاء الأخوة الجزائريين لإيماني العميق بأن الدماء الزكية التي امتزجت بين الشعبين زمن الكفاح التحريري.. انما سالت لتروي على الدوام التماسك الاستراتيجي لكلا البلدين.. والذي بدونه يعود الاستعمار الغاشم بظلاله في أشكاله المتعددة والمتنوعة.. بما يهدد استقرار البلدين.. أطرح هاته التساؤلات على ذكاء الأخوة الجزائريين وأنا متأكد من أن المستهدف الأكبر من دفع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تونس الى التدهور.. انما هو البلد الذي يضمن لمواطنيه ثمن اللتر من البنزين بأقل من ثمن اللتر من الماء..أما بالنسبة للبلد الذي يقتني مواطنوه اللتر من البنزين بأضعاف مضاعفة فهو لا يستهوي الحاسدين..أقول قولي هذا املا في أن يمتزج سعر النفط في تونس بسعر النفط في الجزائر.. و هو لعمري أمر من اليسر بمكان على شعبين لم يتوانيا  يوما في أن تمتزج دماؤهما  الزكية.. من أجل ديمومة الاستقرار في البلدين..