-تونس تحتل المركز التاسع في منطقة الشرق الأوسط والثاني في إفريقيا والسابع في المنطقة العربية حسب مؤشر "تحضير الحكومات للذكاء الاصطناعي"
تونس–الصباح
غيّر الذكاء الاصطناعي توجهات العالم والعديد من الدول بإحداث تحولات كبرى في مختلف القطاعات مثل التعليم، الصحة، النقل العام والخاص، والأعمال التجارية، وعلوم الفضاء، والفن والسينما والترفيه، والحرب، وغيرها. لذلك تحوّل هذا القطاع إلى حلبة تنافس رئيسية بين دول العالم ودخل بها في مواجهات وصراعات من جهة وتخوفات من سوء استغلال هذه التقنية قد تمس من الأمن القومي للمجتمعات من جهة أخرى.
في المقابل تواجه الدول العربية ظروفا داخلية متباينة، انعكست بالضرورة على خططها في تبني الذكاء الاصطناعي في خطاباتها الرسمية وفي استراتيجياتها وهياكلها. وقد سارعت دول عربية، خصوصا في الخليج، إلى اعتماد أحدث التقنيات والمؤسسات والمعايير والخطط لتوطين الذكاء الاصطناعي واستخدامه، وهو ما انعكس إيجابيا على ترتيبها على مستوى المؤشرات العالمية على غرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين.
في المقابل، لا تزال دول أخرى تبحث لها عن طريق في هذا المجال من ذلك محاولاتها في تدريس تخصصات ومواد الذكاء الاصطناعي في بعض المناهج التعليمية بهدف وضع أسس لهذه الصناعة وتكريسها في عقلية مواطنيها وفي سياساتها.
فأي موقع لتونس ضمن هذه التحولات المتسارعة، وأين نحن من هذه المتغيرات الجديدة والمتجددة؟ وهل وضعت تونس إستراتيجيتها الوطنية؟ وهل لديها الكفاءات العلمية والبشرية اللازمة؟ وهل توجد مخابر بحوث؟ وهل دخلت مرحلة التصنيع في الذكاء الاصطناعي؟
رغم ما تعيشه تونس من تحولات سياسية واجتماعية ووضع اقتصادي جد صعب، فإن هناك من الكفاءات التونسية من يسعى ويسابق الزمن حتى يجد له مكانا في تونس وفي الدول المتقدمة بمجاراة آخر التطورات والاكتشافات في مجالات التكنولوجيا وعلوم الانترنات والذكاء الاصطناعي.
إعداد: إيمان عبد اللطيف
هناك توجهات كبيرة نحو ترذيل كل ما يجري في تونس جراء ما مرّ بها من أحداث سياسية منذ الثورة إلى اليوم، والحال أن هناك الكثير من المساعي خاصة في مجالات التكنولوجيا من طرف الباحثين والخبراء للالتحاق بركب الدول المتقدمة.
لكن هذه المساعي، خاصة في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، يقابلها بطء أو عدم وضوح في الرؤية في ما يتعلق بسياسة الدولة في هذا المجال وفق ما أكده العديد من الخبراء والمختصين لـ"الصباح"، بمعنى أن هناك تأخيرا في وضع إستراتيجية دقيقة تفسر المراحل والقطاعات المعنية بهذه التحولات التي غيرت توجهات الدول إلى درجة التنافس في ما بينها. وفق هذا الطرح لسائل أن يتساءل أي تموقع لتونس في هذا المجال؟ وهل تم وضع إستراتيجية وطنية أم لا؟
ترتيب تونس في مجال الذكاء الاصطناعي
أولا من المهم معرفة موقعنا في مجال الذكاء الاصطناعي على المستوى العالمي والعربي. فقد حلت في المرتبة الخامسة عربيا والمرتبة الـ54 عالميا ضمن قائمة "Tortoise media" للذكاء الاصطناعي، والتي تتصدرها الولايات المتحدة عالميا، ثم الصين وتأتي في المركز الثالث بريطانيا.
في ذات السياق كشف مؤشر "Tortoise Intelligence"، الذي يحتسب أكثر من 143 مقياسا لمستوى الاستثمار والابتكار وتنفيذ تقنيات الذكاء الاصطناعي عبر عدة معايير كقوة البنية التحتية والبيئة التشغيلية والأبحاث والتطوير وغيرها، أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة الأولى عالميا، تلتها الصين ثم بريطانيا في المرتبة الثالثة وكندا في المرتبة الرابعة، في المقابل حلت ألمانيا في المرتبة التاسعة وفرنسا في المرتبة العاشرة.
وجاءت المملكة العربية السعودية في المركز الأول عربيا، في حين احتلت المرتبة 26 عالميا في المؤشر العالمي للذكاء الاصطناعي. وتأتي الإمارات العربية المتحدة في المركز الثاني عربيا والـ34 عالميا، تليها قطر في المركز الثالث عربيا والـ47 عالميا، فيما دخلت القائمة كل من البحرين التي احتلت المركز الـ47 عالميا والرابعة عربيا، والمغرب في المرتبة 56 ومصر التي جاءت في المركز 59.
هذه الأرقام تختلف وفق نوعية المؤشرات والجهات التي تعمل عليها من ذلك نتائج مؤشر "تحضير الحكومات للذكاء الاصطناعي" الذي يضع تونس في المركز التاسع في منطقة الشرق الأوسط والثاني في إفريقيا والسابع في المنطقة العربية. فهل يُفهم من ذلك أن تونس لها إستراتيجية وطنية مفصلة وفق خطة تمويل وتنفيذ؟
تونس في طور المصادقة على إستراتيجيتها
في الحقيقة في "رحلة" البحث عن إجابة عن هذا المعطى وفي غياب معلومات مفصلة، اختلفت الأخبار والمعلومات وفق ما تم العثور عليه في المواقع الإعلامية، ولكن تبيّن وفق معطيات رسمية تحصلت عليها "الصباح" من وزارة تكنولوجيات الاتصال أن تونس لم تعد إستراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي إلا في سنة 2022 تحت إشراف هذه الوزارة، ووزارة الصناعة والمناجم والطاقة ووزارة التعليم العالي، والبحث العلمي، ووزارة الاقتصاد، والتخطيط. وهي الآن في طور المصادقة.
كما أنه وفي إطار إعداد الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي تم تكوين لجنة قيادة وصياغة للإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي وتمّ تنظيم العديد من الورشات التي جمعت القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني وتم إجراء العديد من المقابلات مع العديد من الشركات الناشئة والجهات الفاعلة العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي، لخبرتهم في المجال وللأخذ بعين الاعتبار بمشاغلهم وتوصياتهم وتطلعاتهم في إعداد الإستراتيجية.
وتم من خلال الدراسة الإستراتيجية تحديد سبع ركائز مرتبطة بمجالات السياسة العامة قصد تحقيق رؤية الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في تونس. منها أربع ركائز "أساسية" وهي:
-إعداد كفاءات مؤهلة لمهن الذكاء الاصطناعي على غرار التعلم الآلي وعلوم البيانات والروبوتات.
- تسهيل النفاذ التقني والمالي إلى البُنى التحتية الضرورية لتطوير ونشر منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي.
- الحوكمة في الذكاء الاصطناعي والبيانات من خلال البروتوكولات والسياسات التنظيمية اللازمة لضمان التطوير الأخلاقي والمسؤول لتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
- توفير بيئة ومجالات تعاون ملائمة للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي والابتكار والتعاون بين القطاعين الأكاديمي والعام والخاص.
وركيزتان لتسريع النمو عبر ريادة الأعمال في القطاع الخاص والنظام البيئي للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة والشركات الصاعدة في مجال الذكاء الاصطناعي.
اعتماد الذكاء الاصطناعي في القطاع العام لتحسين أداء خدمات المرفق العام وتيسير النفاذ إليها.
وركيزة للحماية من خلال إعداد ميثاق أخلاقي لمنظومة ذكاء اصطناعي مسؤول لمبادئ والقيم التي تضمن التبني المسؤول للذكاء الاصطناعي.
بالعودة إلى واقعنا، وفي الوقت الراهن وخاصة في الأشهر الأخيرة انتظمت العديد من المنتديات والملتقيات الوطنية والدولية والإقليمية وهناك الكثير من الأخبار التي تؤكد أن هناك محاولات جادة من الخبراء والباحثين والمبتكرين التونسيين لتكون تونس في مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
فمثلا تم مؤخرا إحداث المؤسّسة التونسيّة للذكاء الاصطناعي بغاية الترويج لثقافة الذكاء الاصطناعي في تونس والتي أطلقتها الجمعيّة التونسيّة "ريكوناكت"، الموجودة بفرنسا، وهي شبكة تضم النخبة التونسيّة في الخارج، الغاية منها أن تكون منتدى للنقاش والتفكير في مجالات الذكاء الاصطناعي.
وتضم المؤسّسة أكثر من عشرين خبيرا تونسيا في مجال الذكاء الاصطناعي من بينهم باحثين من جامعات دولية معروفة ومسيّرين وخبراء يحتلون مناصب هامّة ضمن المنصّات الرقمية الكبرى (غوغل وآبل وفايسبوك وأمازون ومايكروسوفت) فضلا عن القطاع المالي.
وأضاف المصدر ذاته، أن المؤسّسة التونسيّة للذكاء الاصطناعي تشمل أوروبا ودول أمريكا الشمالية وكذلك الخبراء التونسيين المقيمين في تونس.
وأبدى الخبراء الأعضاء في المؤسّسة، خلال الاجتماع الافتتاحي الذّي انعقد منذ يوم 15 أفريل 2023، استعدادهم لتشكيل قوّة اقتراح في تحديد إستراتيجية تونسية فيما يتعلّق بالذكاء الاصطناعي. كما ناقش الأعضاء فكرة إصدار الكتاب الأبيض بخصوص الذكاء الاصطناعي في تونس.
ويطمح « المنتدى » إلى تقاسم المعارف والخبرات، المتوفرة لدى الأعضاء، على مستوى الكفاءات التقنية مع الشباب التونسي.
وتتعلق محاور عمل المؤسّسة في ما يتعلّق بالدورات التكوينية والشراكات مع الجامعات التونسيّة العموميّة والخاصة فضلا عن تنظيم التظاهرات العلمية وغيرها.
وتمّ خلال الاجتماع الافتتاحي، أيضا، الاهتمام، بالخصوص، بتعزيز كفاءات خرّيجي الجامعات من الشباب التونسي بهدف تحسين قابليتهم للتشغيل في مجالات المتصلة بالبيانات وبالذكاء الاصطناعي في تونس وعلى المستوى الدولي.
في سياق متصل وإثر اجتماع مجلس الجامعات يوم 29 ماي 2023 بإشراف وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير تمّت دراسة مقترحات مشاريع من ذلك تحويل المعهد العالي للدراسات التطبيقية في الإنسانيات بتونس إلى معهد وطني للمهندسين في الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي.. تطوراته ومجالات استخدامه..
يتمّ بشكل يومي، تقريبا، على مختلف المواقع الإلكترونية المتخصصة وغير المتخصصة تحيين آخر المعطيات والتطورات العلمية والبحثية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي الذي أصبح مصطلحا متواترا ومتداولا في السنوات والأشهر الأخيرة بفعل ما توصل له الباحثون في هذا المجال من اكتشافات تهم مختلف الميادين من صناعة، تعليم، صحة، زراعة، فلاحة، بيئة وغيرها الكثير.
وفي غالب الأحيان يتمّ ربط الذكاء الاصطناعي بأفلام الخيال العلمي في هوليوود، وبعالم الروبوتات التي تسيطر على العالم، لكن في الحقيقة الأمر لا يقتصر هذا المجال على الروبوتات، بل يدخل في عديدٍ من التطبيقات التي يتم يستخدمها كل يوم دون أن يشعر الإنسان، وقد تبيّن وفقاً لاستطلاع تمَّ إجراؤه مؤخراً على أكثر من 1400 مستهلِك حول العالم، أنَّ 63% من الأشخاص لا يُدركون بالفعل أنَّهم يستخدمون تقنيات الذكاء الاصطناعي. وعلى هذا الأساس علينا أن نفهم أولا ما هو الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence؟
يقصد بالذكاء الاصطناعي أنَّه الذكاء، والخصائص، والصفات، والسلوكيات المعينة التي تتسم بها الأجهزة والبرامج الحاسوبية، إذ يجعل الذكاء الاصطناعي هذه الأجهزة قادرة على محاكاة القدرات الذهنية لدى البشر، ويُطلق على "الذكاء الاصطناعي" باللغة الإنجليزية "Artificial Intelligence"، ويُستخدم الاختصار "AI" للتعبير عنه وهو فرع من فروع علم الحاسوب، ومن التعريفات الأكثر شيوعًا للذكاء الاصطناعي أنَّه تصميم وبناء أنظمة مُبرمجة تستوعب البيئة المحيطة من حولها، وتقوم باتخاذ المواقف التي تزيد من فرص نجاحها في تحقيق المهمات التي صُنِعَت من أجلها.
تاريخ الذكاء الاصطناعي
مرّ الذكاء الاصطناعي بمراحل عديدة منذ بداياته وحتى يومنا هذا، فيعود تاريخ المرّة الأولى التي ذُكرت فيها كلمة "robot" إلى عام 1921 حينما استخدمها الكاتب التشيكي كارل تشابيك في مسرحيته "روبوتات روسوم العالمية". حيث تمّ اشتقاق الكلمة من "robota" والتي تعني العمل.
كان آلانتورنغ Alan Turing واحدًا من أهمّ المؤثرين في تطوّر الذكاء الاصطناعي، حيث نشر مقالاً عام 1951 بعنوان "آلات الحوسبة والذكاء" "Computing Machinery and Intelligence" والذي اقترح فيه لعبة المحاكاة التي أصبحت فيما بعدُ تُعرف باسم اختبار تورنغ.
كانت ولادة الذكاء الاصطناعي بصفته علمًا حقيقيًا سنة 1956 خلال ورشة عمل صيفية حملت اسم "مشروع دارتموث البحثي حول الذكاء الاصطناعي"، والتي قام فيها جون مكارثي John McCarthy، مخترع لغة البرمجة LISP باستخدام مصطلح "Artificial Intelligence" للمرة الأولى. كان الهدف الرئيسي من هذه الورشة البحث عن وسائل تمكّن الآلة من محاكاة جوانب الذكاء البشري.
خلال ستينات وسبعينات القرن الماضي بدأ الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي باستخدام الحواسيب للتعرّف على الصور، ترجمة اللغات وفهم الإرشادات والتعليمات باللغة البشرية. وبدأت مجالات الذكاء الاصطناعي الفرعية بالظهور في مختلف نواحي الحياة.
كان الإنجاز الكبير سنة 2016 حينما طوّرت شركة جوجل برمجية ذكاء اصطناعي تحمل اسم AlphaGo والتي تمكّنت من هزيمة بطل العالم في لعبة Go اللوحية المعقّدة. كان هذا الإنجاز خطوة كبيرة حقًا في مجال تعلم الآلة لأنّ برنامج AlphaGo تعلّم قوانين اللعبة وتمكّن من اللعب على مستوى خبير من تلقاء نفسه دون أيّ برمجة سابقة.
استمرّ تطوّر مجالات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في السنوات اللاحقة أيضا، وتشعّبت تطبيقاته في الحياة العملية، فرأينا الآلي الذكي "صوفيا" القادرة على بناء علاقات شبه حقيقية مع البشر، واستخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي في الهواتف المحمولة من خلال تطبيقات المساعدة مثل Google Assistant أو Siri وغيرها الكثير من الجوانب الأخرى.
استخدامات الذكاء الاصطناعي ومجالاته
تتوسّع تطبيقات الذكاء الاصطناعي ومجالاته لتشمل العديد من الجوانب في حياتنا، ولا شكّ أنّ كلّ واحد منّا قد تعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أو بآخر خلال حياته اليومية. فيتم استخدام هذه التقنية في التسويق، في الخدمات المصرفية، في الرعاية الصحية، في اكتشاف الفضاء، في التعليم، في الفلاحة والزراعة وغيرها.
الخبير في الذكاء الاصطناعي خالد غديرة: تخوفي الكبير أن يفوتنا القطار
-مازلنا نعالج مجال الرقمنة رغم كفاءاتنا العلمية
تونس – الصباح
أكّد الدكتور والمهندس والخبير في الذكاء الاصطناعي خالد غديرة، (أو كما اصطلح على تسميته في تونس بالأب الشرعي للذكاء الاصطناعي) أن "العمل في هذا المجال قد انطلق في تونس رسميا في سنة 2005 عند تأسيس المنظمة التونسية للذكاء الاصطناعي، لكن هذا المجال بدأ الحديث عنه وللأمانة التاريخية منذ سنة 1986 حين تم تنظيم ملتقى تحسيسي في كلية العلوم بتونس من طرف عدد من الأساتذة الجامعين. وبين سنتي 2000 و2002 أصبح عدد من الكليات وخاصة مدارس الهندسة تدرس مادة الإعلامية في برامجها ثم تم تعميم مادة الذكاء الاصطناعي كمادة تحسيسية".
وأضاف الدكتور غديرة أنّه "في ما يهم البحث العلمي في هذا الميدان كانت هناك بعض المحاولات قبل سنة 2000، وقمت أنا بإحداث أول مخبر بحث مختص في الذكاء الاصطناعي سنة 2002 انطلق بوحدة بحث ثم مخبر، وبدأت في الظهور مخابر غير متخصصة ولكنها تقوم ببحوث وتطبيقات في الذكاء الاصطناعي على ميادين أخرى".
وقال "ثم تدريجيا وبتأسيس الجمعية وبفضل الكفاءات التونسية خاصة المقيمة بالخارج تطور ميدان الذكاء الاصطناعي الذي بلغ مرحلة التصنيع وتجاوز مرحلة البحث التي للأسف يتم استغلالها لفائدة الخارج من خلال ورقات البحث العلمية أو من خلال الطلبة المتواجدون بالخارج. فالدول المقدمة هي التي بصدد استغلال بحوثنا المرموقة والمعترف بها عالميا ".
وأوضح الخبير في الذكاء الاصطناعي أننا في تونس "تقدمنا الآن وبلغنا مرحلة التصنيع من خلال startup lesأي الشركات الناشئة وأيضا الشركات الصغيرة والمتوسطة المختصة في الذكاء الاصطناعي ولكن مرة أخرى أؤكد أنها تعمل لصالح الخارج، رغم أنه في الفترة الأخيرة أصبحت هذه الشركات تقدم أعمالها في تونس من خلال الأقطاب التكنولوجية بحي الغزالة وسوسة وقابس وقفصة".
في السياق ذاته، أوضح محدثنا أنّ "هناك بعض المحاولات من بعض الوزارات للاهتمام بهذا المجال، لكن السؤال المطروح أين نحن؟ وأي إستراتيجية مخصصة لهذا المجال؟
لأكون صريحا، الكثير من المقومات متوفرة في تونس من شركات ناشئة ومخابر بحوث علمية ولكن المشكل أنه لا يوجد تنسيق بين مختلف الأطراف الفاعلة في مجال الذكاء الاصطناعي. فالبحوث يتم استغلالها من الأجانب، والمهندسين أيضا يتم استقطابهم من الخارج".
وأفاد "بالتالي لا أفهم ما سر هذه العقدة تجاه التنسيق والعمل الجماعي في تونس. رغم أن هناك العديد من المشاريع المتقدمة والمتميزة. فقد حاولت عندما كنت مديرا عاما للوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي بالقيام بهذا التنسيق ولكن المشكل أننا لا نجلس مع بعضنا البعض. وفي واقع الأمر السبب واضح ويتمثل في غياب إستراتيجية وطنية تلتقي حولها كل الأطراف للدراسة والتنفيذ".
في هذا السياق قال الدكتور خالد غديرة إنّ "الحديث عن الإستراتيجية تم سنة 2021 من طرف أربع وزارات وهي وزارة الصناعة والطاقة والمناجم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة تكنولوجيات الاتصال ووزارة الاقتصاد والتخطيط لكن المشكل في هذا السياق أنه تم تكليف أجانب للقيام بها وبتمويل من منظمة ألمانية وتم استدعاءنا عبارة عن ملاحظين في الوقت الذي نحن كتونسيين نقوم بإعداد استراتيجيات للخارج. وفي كل الحالات تبقى خطوة إيجابية ولكن لا نعلم إلى اليوم أي تفاصيل عنها".
وبيّن "منذ سنة 2005 وعلى إثر التوصيات والقرارات المنبثقة عن القمة العالمية لمجتمع المعلومات التي أكدت على ضرورة الالتحاق بعالم الرقمنة والإعلامية مازلنا إلى اليوم نسعى ونحاول ولم نتمكن من تحقيق ما تم إقراره حتى في تلك القمة".
وأضاف "تخوفي الكبير أن يفوتنا القطار ونحن مازلنا في تونس نعالج في مجال الرقمنة، فنبقى نسارع الزمن والتطورات في مجال الرقمنة ويضاف إليه اليوم الذكاء الاصطناعي فلا نصل إلى أي هدف منهما رغم أننا لدينا الكفاءات اللازمة في البحث والعلم وحتى في الأعمال.
فما وقع الآن أننا نبحث في مجال الذكاء الاصطناعي التقليدي، في القابل العالم اليوم يعيش على وقع "الذكاءات الاصطناعية التوليدية" ودخلنا في عالم جديد فكنا في السابق "الآلة تجري وراء الإنسان واليوم الإنسان سيجري وراء الآلة"، فأين ستكون تونس في هذه التغيرات الجديدة والمتسارعة؟".
وبالتالي يجب أن نؤسس، وفق حديثه، "لإستراتيجية جديدة تعوض القديمة التي لم ننفذها بدورها، والذي يقلقنا في هذا السياق أننا نحن الآن مستهلكون لهذا المجال مع أننا يمكننا أن نكون خلاّقين ومبدعين وفي مقدمة الباعثين والمبتكرين للمشاريع كبرى في الذكاء الاصطناعي بفضل الكفاءات العلمية التي لدينا. لذلك على الدولة أن تستفيق وتستوعب أن واقع الحال يتحدث يوميا وبصفة متسارعة ومتواترة عن الذكاء اصطناعي ومجالات توظيفه".
المديرة العامة لمركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي: انتاج البيانات الكبرى..والإرادة السياسية داعمة للذكاء الاصطناعي
أكدت المديرة العامة لمركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي أنّه "إلى اليوم تتواصل في العالم البحوث العلمية والتجارب المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، وهناك صراع بين كبرى المنصات التي تحاول كل منها أن تحقق نتائج واختراعات قبل الأخرى للتموقع أكثر في هذا المجال مثل الفايسبوك، وغوغل، وتشات جي بي تي وغيرها".
وأضافت "الذكاء الاصطناعي يعتمد بدرجة كبيرة على قاعدة بيانات وعلى البيانات الكبرى التي بوفرتها نضمن تطور هذا المجال، وهو يستقبل عديد التخصصات والصناعات والمجالات التي ستتحول وتتغير نتيجة لهذا الذكاء. وفي تونس لدينا العديد من الكفاءات والخبرات والمتخصصين والمطلعين على الذكاء الاصطناعي من الشباب وغيرهم وذلك بمستوى متقدم جدّا وهم يعلمون جيدا أن هذا التوجه مطلوب في الدول المتقدمة".
وأوضحت المديرة العامة لمركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي "لكن ما ينقصنا هو البيانات الكبرى التي ستمكننا من العمل على مشاريع متقدمة في هذا القطاع الذي يحتاج إلى معلومات مفتوحة. في المقابل في تونس لدينا مؤشرات إيجابية، منها قانون يسمح بفتح البيانات وهو قانون النفاذ إلى المعلومة، إلى جانب الكفاءات، وبالتالي نحتاج إلى تواصل الإرادة السياسية كدعامة للذكاء الاصطناعي حتى نبلغ التطور الذي نريد تحقيقه من الذكاء الاصطناعي".
في سياق متصل قالت سلوى عبد الخالق "في مركز تونس الدولي للاقتصاد الثقافي الرقمي، نعمل في مجال الصناعات الثقافية والإبداعية التي ظهرت فيه العديد من التحولات الجديدة في الذكاء الاصطناعي من ذلك التركيب والتلحين الموسيقي، الترجمة، الفنون التشكيلية، وتركيب الأعمال الفنية ثلاثي الأبعاد، في السينما، في التراث وغيرها".
و"بالتالي الذكاء الاصطناعي هو سلاح ذو حدين"، وفق قولها،"فهو من جهة سيسهل الكثير من الأعمال ولكن في المقابل سيدفع إلى الاستغناء عن مهن وإحداث أخرى باعتباره في حاجة إلى وسطاء، مبرمجين، وغرافيست، ومتخصصين في الميلتيمديا وغيرها من التخصصات التكنولوجية المتطورة، بما يعني أن هذا المجال يتطلب اهتمام جدي من الجميع".
وأوضحت "بناء على هذه التطورات، قمنا في مركز تونس للاقتصاد الرقمي بورشات تفكير لطرح مثل هذه المواضيع ومناقشة مستقبل الفنون والتراث في ظل الذكاء الاصطناع. والهدف منها أيضا التحسيس والتوعية بأن هناك مجال جديد يتطلب التفكير والبحث ووضع مخططات واستراتيجيات.
من جهة أخرى، سنعلن قريبا عن طلب عروض يتعلق بالذكاء الاصطناعي والمضامين التراثية، نريد من ورائه التوعية بالإمكانيات المتاحة لتوظيف هذا التطور وأفق استغلال هذه التكنولوجيا في العديد من الصناعات الثقافية.
وأضافت سلوى عبد الخالق أنّ "مشاركة العديد من المتسابقين في طلب العروض، سيمكننا من التعرف على نوعية المشاريع المقترحة وأيضا عن العقبات التي قد تعترضهم في عملهم والتي ستمكننا بالتالي من مناقشتها وتدارسها والتعرف على حاجيات أصحاب المقترحات وحدود التدخل وإمكانياتنا المتاحة والمواضيع والاختصاصات والقطاعات التي يجب حمايتها لا بمنع توظيف الذكاء الاصطناعي وإنما بالتدريب والتطوير وبالتالي وضع خطط وحلول واستراتيجيات انطلاقا من الواقع الذي عايشناه في هذه التجارب".
وقالت المديرة العامة لمركز تونس للاقتصاد الرقمي "تونس بصدد التقدم في هذا المجال، ولدينا العديد من الكفاءات والمتخصصين أيضا المطورين للبرامج في الذكاء الاصطناعي، وكل العالم يقوم بالتجارب والبحوث ولكن على تونس أن تسير بخطى أسرع ومواكبة ما يحدث من تطورات حتى نلتحق بالمستويات التي بلغتها العديد من الدول".
رئيسة الجمعية التونسية للذكاء الاصطناعي:ضرورة إحداث هيكل وطني يُعنى بوضع إستراتيجية الذكاء الاصطناعي
أوضحت رئيسة الجمعية التونسية للذكاء الاصطناعي فرح بريكة قطاطة أنّ "الاهتمام بمجال الذكاء الاصطناعي في تونس بدأ منذ سنة 2005 أي سنة تأسيس الجمعية وهي جمعية غير ربحية مهمتها تعزيز الذكاء الاصطناعي على المستوى الوطني لترسيخ التميز العلمي والمهني من خلال إنشاء حلول مبتكرة تعتمد على هذا المجال، مما يمنح أهمية حاسمة للتحديات الاجتماعية والاقتصادية".
وعن تموقع تونس وترتيبها في هذا المجال مقارنة بما يجري في العالم وخاصة المنطقة العربية والمغاربية، أكدت فرح بريكة قطاطة أن "تونس تمتلك واحدة من أكثر النظم البيئية الملائمة لتطوير إستراتيجية ذكاء اصطناعي عالية الأداء. ويعتبر هذا النظام البيئي من أكثر النظم البيئية نشاطًا في إفريقيا".
وأضافت أنّ"خطط الدراسة الجامعية تغطي جميع مجالات الذكاء الاصطناعي، والبحوث المتطورة والابتكار، والانفتاح الدولي على جميع المستويات. فلدينا إطار قانوني مالي وضريبي مفيد لصالح رواد الأعمال، ولا سيما علامة Startup-Act"
وأكدّت رئيسة الجمعية التونسية للذكاء الاصطناعي أن "تونس تحتل المرتبة 23 من أصل ثلاثين دولة في طليعة الشركات الرقمية والأولى في منطقة إفريقيا والشرق الأوسط وفقا لقانون الشركات الناشئة، ووفقا لـ "Startups Without Borders""
أما "على مستوى البحث، لدينا أكثر من عشرة مختبرات بحثية متخصصة في علوم الكمبيوتر تستخدم الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر أو غير مباشر، بالإضافة إلى هياكل بحثية أخرى متخصصة في مجالات أخرى ولكنها تستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة لتقديم حلول ذكية وفعالة لاحتياجاتهم" .
في ذات السياق قالت فرح بريكة قطاطة أن "تونس تحتل أيضا المرتبة الخمسين عالميًا مقارنة بـ184 دولة والمركز الثالث على المستوى الأفريقي بعد جنوب إفريقيا والجزائر، من حيث عدد المنشورات العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي".
أما عن الإشكاليات التي تمثل عائقا أمام تطور تونس في هذا المجال أوضحت رئيسة الجمعية التونسية للذكاء الاصطناعي أن أبرز العوائق تتمثل في"غياب إستراتيجية وطنية يكون هدفها الرئيسي تعزيز النظام البيئي للذكاء الاصطناعي، من أجل السماح له بالعمل كرافعة قوية للتنمية العادلة والمستدامة على جميع المستويات ، ولا سيما خلق فرص العمل والقيمة المضافة القوية."
وبالتالي "من الضروري إحداث هيكل إداري خاص يُعنى بوضع إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي. فالذكاء الاصطناعي هو تخصص يغطي جميع المجالات والاختصاصات ويهمّ جميع الإدارات والوزارات تقريبا، ويجب أن يكون الهيكل الذي سيتم وضعه، من حيث التفكير والتنسيق والتطبيق على مستوى رئاسة الحكومة أو رئاسة الجمهورية. ويُقدم إستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي في فترة زمنية محددة جيدًا، ثم الإشراف على تنفيذها والعمل على ضمان التنسيق بين جميع الأطراف والجهات المتدخلة والفاعلة في هذا المجال، إلى جانب ضرورة توفير كل الموارد المالية والبشرية لضمان نجاح مهمته وضمان ديمومة عمله".
بن عمر مدير عام المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات:التشريعات والأطر التنظيمية الخاصة بالذكاء الاصطناعي في تونس مازلت غير واضحة
-من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات بما فيها المجتمعات العربية نشر الوعي الكافي من أجل تعزيز تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات
أكّد مدير عام المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات في حوار لـ"الصباح" أن تونس قد بادرت بالاهتمام بمجال الذكاء الاصطناعي منذ حوالي عشر سنوات من خلال البحوث والدراسات التي أنجزتها مؤسسات البحث العلمي، وهي تواجه، على غرار العديد من الدول الأخرى العديد من التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي والتي يجب أخذها بعين الاعتبار بصورة جدية من أجل إنجاح هذا المسار. وحتى تلتحق بالدول المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، عليها أن تتخذ عدة خطوات وقرارات.. وفي ما يلي نص الحوار ..
* عقدت مؤخرا المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات الدورة الثانية من القمة الإقليمية ipv6، فإلى أي مدى تُعد هذه القمة مهمة بالنسبة لتونس. وماهي أبرز التوصيات المنبثقة عنها؟
عقدت المنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات الدورة الثانية من القمة الإقليمية للإصدار السادس لبروتوكول الانترنت، يوم 9 ماي 2023 بتونس. ويأتي تنظيم هذه القمة في إطار العمل على ضرورة التكيف مع التطوّر المطرد في عدد مستعملي شبكة الانترنت من جهة ونفاذ عناوين بروتوكول الإصدار الرابع من جهة أخرى.
وقد تمخضّت عن هذه القمّة توصيات مهمّة ومنها: ضرورة العمل المشترك من أجل المرور السريع والسلس إلى IPv6 سواء كان ذلك على مستوى السياسات أو التحديات التقنية وغيرها. بداية هذه القمّة هي مهمّة لكل الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، ولكن أتصوّر أنها مهمة إلى تونس بصفة خاصّة على عدّة مستويات.
*فيم تتمثل هذه المستويات الخاصة بتونس؟
- على المستوى القصير: تنظيم هذه القمة بتونس وفر فرصا لإمكانية الحضور الهام من القطاعين العام والخاص وأيضا من الأكاديميين للتعرف أكثر عن آخر التطوّرات في هذا المجال وأيضا لمعرفة الدوافع والمزايا الاجتماعية والاقتصادية التي يمكن أن يوفّرها الانتقال إلى الإصدار السادس لبروتوكول الانترنت. كما وفر الفرصة من أجل الخبراء والمسؤولين التونسيين من تقديم التجربة التونسية ومدى تقدم العمل على هذا الموضوع.
- على المستوى المتوسط والبعيد: نحن في المنظمة نعمل على إنجاز مشاريع وبرامج تضمن الاستدامة والنمو في التطوّر التكنولوجي في المنطقة العربية. وأحد هذه البرامج التي نعتبرها إستراتيجية هي مسألة الانتقال إلى الإصدار السادس لبروتوكول الانترنت حيث أن أحد أهم أهداف قمة IPv6 هي تحضير الأرضية من أجل ضمان استمرارية الانتفاع بالمزايا والفرص المذهلة للانترنت في المستقبل في المنطقة العربية، التي مازالت في خطواتها الأولى في مجال الانتقال إلى الإصدار السادس لبروتوكول الانترنت ومنها تونس.
وهنا أود أن أنوّه أنه خلال هذه القمّة، تمّ الإعلان عن إنشاء "المجلس العربي للإصدار السادس لبروتوكول الانترنت" Arab IPv6 council. من أجل العمل المتواصل لتقليص عدم التوازن في نشر بروتوكول الإصدار السادس بين الدول العربية ووضع المنطقة العربية على نفس مستوى كبار القادة في العالم ولما لا تحقيق الريادة في هذا المجال.
والجدير بالذكر هنا أن عضوية هذا الفريق تضم العديد من الكفاءات التونسية رفيعة المستوى وذات الخبرة العالية في مجال الـ IPv6 من القطاعين العام والخاص وأيضا من المجلس الوطني لـ IPv6 ، وأنا على يقين أن الإضافة والانتفاع المتبادل سوف يكون هام في هذا الإطار، وسوف يعطي دفع لتستعيد تونس مكانتها الرائدة في المجال من خلال كفاءاتها وانفتاحها للانخراط السريع والفعاّل في مسيرة التحوّلات التكنولوجية العالمية.
*أين تتموقع تونس في مجال الذكاء الاصطناعي مقارنة بالدول العربية الأخرى؟
بداية أود أن أشير أن الذكاء الاصطناعي هو أحد الاتجاهات التكنولوجية التي برزت في الخمسينات كمجال دراسة وتطوير، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تطوّرا كبيرا للذكاء الاصطناعي ليشهد طفرة في الاستعمال من خلال بروز العديد من التقنيات المبتكرة التي ساهمت في تحقيق نتائج مذهلة، وتواصل هذا التطوّر من خلال بروز التطبيقات العمليّة للذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات مثل الروبوتات والمركبات ذاتية القيادة وغيرها.
وقد بادرت تونس بالاهتمام بمجال الذكاء الاصطناعي منذ حوالي عشر سنوات من خلال البحوث والدراسات التي أنجزتها مؤسسات البحث العلمي.
وبخصوص تموقع تونس مقارنة بالدول العربية الأخرى، وحسب مؤشر "تحضير الحكومات للذكاء الاصطناعي" الذي أطلقته مؤسستي « Oxford Insights » والمركز الدولي للتطوير والبحوث، الذي تم تطويره سنة 2017 من أجل الإجابة عن السؤال التالي : كيف يمكن للحكومات أن تتموقع وتنتفع من التحولات التكنولوجيات المرتكزة على الذكاء الاصطناعي، فان تونس تحتل المركز التاسع في منطقة الشرق الأوسط والمركز الثاني في افريقيا والمركز السابع في المنطقة العربية بمعدّل 44.39 من الركائز التي يقيسها هذا المؤشر.
وهذا يمكننا من القول إن تونس تعتبر واحدة من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية بتفوّقها في بعض الجوانب، وذلك كان نتاج العمل الحثيث خلال السنوات الأخيرة من أجل تطوير قطاع الابتكار التكنولوجي وتعزيز قطاع الذكاء الاصطناعي على الصعيد الوطني وتطوير تطبيقاته في العديد من المجالات بما في ذلك التعليم والصناعة والتجارة والصحّة وغيرها.
وقد تم إطلاق العديد من المبادرات الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي نذكر منها:
- مبادرة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي من خلال وضع فريق عمل الذكاء الاصطناعي Task Force IA سنة 2018 للعمل على إعداد الإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي.
- مبادرة وزارة الصناعة والشركات الصغرى والمتوسّطة سنة 2019 من أجل التحضير لخارطة طريق في مجال الذكاء الاصطناعي.
- مبادرات مؤسسات التعليم العالي من أجل اعتماد شهائد ماسترز Masters في مجال الذكاء الاصطناعي ونذكر منها الاختصاصات التالية :
Mastère de Recherche en Robotique, Informatique et Systèmes de Communication -
Mastère Professionnel en Ingénierie en Intelligence Artificielle -
- Mastère professionnel en Ingénierie Avancée des Systèmes Robotisés et Intelligence Artificielle » (IASRIA)
Master de Mathématiques et Informatique également appelé Big-Data (IASD) -
- Mastère professionnel en intelligence artificielle et internet des objets
وغيرها من المبادرات الأخرى، ونتمنى أن تحمل الفترة القريبة المقبلة مبادرات أخرى وإطلاق للإستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي من شأنها أن تساهم في بلورة العديد من المشاريع على أرض الواقع.
وما يميز تونس هو تنوع المشهد الذي يضم العديد من الأطراف بما في ذلك الحكومية، المؤسسات التعليمية وأيضا الجمعيات العلمية المتخصّصة والشركات الناشئة والباحثين.
*ما هي التحديات التي تواجهها تونس في مجال الذكاء الاصطناعي؟
على غرار قطاع تكنولوجيات الاتصال والمعلومات، يتأثر التطوّر في مجال الذكاء الاصطناعي بالعديد من العوامل: نذكر منها الاستثمار من أجل البحث والتطوير، توفير البنية التحتية التكنولوجية الملائمة، التعاون بين القطاعين العام والخاص وجميع أصحاب المصلحة وقبل كل شيء توفّر الكفاءات البشرية الماهرة.
ومما لا شك فيه أن تونس تواجه، على غرار العديد من الدول الأخرى العديد من التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي والتي يجب أخذها بعين الاعتبار بصورة جدية من أجل إنجاح هذا المسار.
أولا التمويل اللازم : يعتبر تأمين التمويل اللازم للبحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي من أهم التحديات، خاصّة إذا ما تعلّق الأمر بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي من قبل الشركات الناشئة والباحثين في المجال .
ثانيا الأطر القانونية والتنظيمية: لا تزال التشريعات والأطر التنظيمية الخاصة بالذكاء الاصطناعي غير واضحة وهذا من شأنه أن يعرقل التطوّر المنشود والاستخدام الأمثل لتقنيات وخدمات الذكاء الاصطناعي.
ثالثا نقص الكفاءات الفنية: قد يكون هناك نقص في الكفاءات الفنية المتخصصة في مجال الذكاء الاصطناعي. يحتاج تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي إلى خبراء متخصصين في البرمجة وعلوم الحاسوب والتعلم الآلي، ويجب العمل على توفير هذه الكفاءات بالعدد والجودة الكافية.
رابعا الخصوصية والأمان: تشكل تقنيات الذكاء الاصطناعي تحديات للخصوصية والأمان ويمكن أن يؤدي إلى مخاوف بشأن الخصوصية وحماية البيانات الشخصية، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل غير أخلاقي أو ضار يمكن أن يشكل تهديدًا على سلامة الفضاء الرقمي.
خامسا تنمية الوعي: من أهم التحديات التي تواجه المجتمعات بما فيها المجتمعات العربية وتونس هو نشر الوعي الكافي من أجل تعزيز تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في كل المجالات.
*ما الذي عليها أن تقوم به من خطوات وقرارات حتى تلتحق بركب الدول المتقدمة؟
كي تلتحق تونس بالدول المتقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي، هناك عدة خطوات وقرارات يمكن اتخاذها:
- وضع إستراتيجية للذكاء الاصطناعي
- تشجيع الابتكار والبحوث
- تعزيز تنمية القدرات
- تشجيع التعاون والشراكات
- تحسين البنية التحتية التكنولوجية
- وخاصّة وضع قوانين وأطر تنظيمية داعمة لاعتماد الذكاء الاصطناعي.
*ما هي أبرز الدول العربية التي يمكن اعتبارها نموذجا في الذكاء الاصطناعي؟
هناك عدة دول عربية تعتبر رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي، ومن بين هذه الدول الإمارات العربية المتحدة إذ تُعد من الدول الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي في العالم العربي. تم إطلاق إستراتيجية الذكاء الاصطناعي للإمارات في عام 2017، وتستخدم الإمارات التقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل الرعاية الصحية والتعليم والحكومة الذكية.
أيضا المملكة العربية السعودية التي تولي اهتمامًا كبيرًا للذكاء الاصطناعي وتعتبره أحد أولويات رؤية 2030 للتحول الرقمي. كذلك مصر التي تعمل على تعزيز مكانتها في مجال الذكاء الاصطناعي وتطوير البحث والابتكار في هذا المجال. وقد تأسست عدة مراكز للذكاء الاصطناعي في البلاد، وتم تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجالات مثل الزراعة والصحة والتعليم.
في التعليم العالي والبحث العلمي.. 37 مخبرا ووحدة بحث في الذكاء الاصطناعي
يشير الذكاء الاصطناعي إلى مجال علوم الكمبيوتر الذي يركز على إنشاء آلات وأنظمة قادرة على أداء المهام التي تتطلب عادةً ذكاءً بشريًا. ويشمل تطوير الخوارزميات والنماذج والتقنيات التي تمكن الآلات من الإدراك والتعلم لاتخاذ القرارات بكل عقلانية.
يبلغ عدد المخابر التي تتطرق في بحوثها العلمية الى مجال الذكاء الاصطناعي ما لا يقل عن 37 مخبرا ووحدة بحث التي أنتجت ما يناهز 6000 بحث علمي مفهرس ( تصنيف SJR ) في مجال الإعلامية و4300 بحث في تخصص الذكاء الاصطناعي . ومن ضمن المراكز التي تتطرق في بحوثها إلى مجال الذكاء الاصطناعي يمكن أن نذكر مركز البحث في الرقميات بصفاقس ومركز البحث في الميكرو إلكترونيك والنانوتكنولوجيا بالقطب التكنولوجي بسوسة.
وتعد الوزارة 13 جامعة وإدارة عامة للدراسات التكنولوجية تحتضن 92 من بين 206 مؤسسة جامعية متخصصة في تدريس الإعلامية.
وتعمل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على تعزيز اهتمامها بمجال الذكاء الاصطناعي ودعم خبراتها بهدف تكوين جيل من الكفاءات يستجيب لمتطلبات سوق الشغل على الصعيدين الوطني والدولي. حيث يبلغ العدد الجملي للطلبة 260 ألف طالب منهم 38 ألفا يدرسون في مجال الإعلامية أي قرابة 15 بالمائة. كما يبلغ عدد الأساتذة الجامعيين في مجال الإعلامية 981 أستاذا.
كما يجدر القول إنّ الوزارة تعمل على تسريع مسار التحول الرقمي والمضي قدما في انجاز جملة من المشاريع الإستراتيجية ذات الصلة على غرار:
1. مراجعة الأطر التشريعية للرقمنة وتحسين حوكمة القطاع بما يتماشى مع المقاييس الدولية.
2. تطوير البنية التحتية الرقمية خاصّة منها مراكز البيانات بما يتماشى وحاجيات القطاع مع اعتماد الحوكمة القائمة على البيانات الضخمة وتأمين السلامة وحماية الشبكة الوطنية الجامعية.
3. دعم التحول الرقمي للإدارة عبر تركيز بوابات خدمات إلكترونية وتطوير تطبيقات وأنظمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لخدمة القطاع.
4. تطوير المهارات والكفاءات في المجال الرقمي بما يستجيب لحاجيات ومتطلبات المرحلة الحالية مع نشر الثقافة الرقمية لدى كافة مكونات القطاع.
5. تشجيع الباحثين والطلبة على الريادة والمبادرة الخاصة في المجال الرقمي وخاصّة منها المتعلقة بمشاريع الذكاء الاصطناعي.
هذا،إضافة إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد بادرت بإحداث لجنة قطاعية تعمل على رسم إستراتيجية للذكاء الاصطناعي وتقديم مقترحات ذات فاعلية وجدوى في مجالات التعليم والبحث.
دعم الوزارة للبحوث العلمية في مجال الذكاء الاصطناعي
تعمل الوزارة على تثمين نتائج البحث العلمي في شتّى المجالات إذ تشجّع الباحثين الشبان على الاستثمار في إطار تدعيم القدرات وتطوير الكفاءات والتعريف بأهمية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي عبر العديد من الآليات مثل الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي وتوفير منح البحث عبر مدارس الدكتوراه ومشاريع التعاون الدولي مثل ERASMUS+ وHorizon Europe.
مع الإشارة إلى أن الوزارة تعمل حالياً على تطوير ونشر استبيان عن بعد لتجميع البيانات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي على مستوى البحوث العلمية وحاجيات الباحثين في هذا المجال.
إدراج الذكاء الاصطناعي في البرامج التعليمية
يعتبر إدراج الذكاء الاصطناعي ضمن المسارات البيداغوجية، الذي تعمل الوزارة على تنفيذه، من أوكد المهام والأولويّات التي ستتيح للطلبة في السنوات القليلة المقبلة فرصة تعلّم مهارات جديدة تتماشى ومتطلّبات العصر بالإضافة إلى تخصيص مؤسسة تعليم عال مؤهلة لتدريس الذكاء الاصطناعي.